الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللفظ، والآية التي لها سبب معيَّن إن كانت أمرًا أو نهيًا فهي متناولة لذلك الشخص ولغيره ممن كان بمنزلته" أ. هـ.1.
والأصل هو حمل الألفاظ على معانيها المتبادرة منها عند الإطلاق، أي: عند عدم وجود صارف يصرف عن ذلك المتبادر.
وحيث لا صارف للفظ عن إرادة العموم بقي على عمومه -كما يقول علماء الأصول.
وخصوص السبب ليس صارفًا عن إرادة العموم، فلا يستلزم إخراج غير السبب تناول اللفظ العام إياه، إذ لا يصلُح السبب وحده أن يكون قرينةً مانعةً من إرادة المعنى العام.
لذا كان قول الجمهور بأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب أصحّ من قول غيرهم.
1 انظر مناهل العرفان ج1 ص119.
الرد على السيوطي في هذه المسألة:
ويرى الإمام السيوطي أن هناك آيات نزلت في معيَّنٍ، ولا عموم للفظها فتقتَصِرُ عليه، ولا تتعداه إلى غيره، قال رحمه الله: "قد علمت مما ذكر أن فرض المسألة في لفظ له عموم، أما آية نزلت في معين ولا عموم للفظها، فإنها تقتصر عليه قطعًا، كقوله تعالى:{وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى، الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} .
فإنها نزلت في أبي بكر الصديق بالإجماع، وقد استدلَّ بها الإمام فخر الدين الرازي مع قوله:
{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُم} ، على أنه أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ووهم من ظنَّ أن الآية عامَّة في كل من عمل عمله، إجراء له على القاعدة، وهذا غلط، فإن هذه الآية ليس فيها صيغة عموم؛ إذ الألف واللام إنما تفيد العموم إذا كانت موصولة أو معرفة في جمع، زاد قوم: أو مفرد، بشرط ألَّا
يكون هناك عهد، واللام في "الأتقى" ليست موصولة؛ لأنها لا توصل بأفعل التفضيل إجماعًا، و "الأتقى" ليس جمعًا، بل هو مفرد، والعهد موجود، خصوصًا مع ما يفيده صيغة "أفعل" من التمييز وقطع المشاركة، فبطل القول بالعموم، وتعيَّن القطع بالخصوص، والقَصْرِ على مَنْ نزلت فيه رضي الله عنه"1.
وفي كلام السيوطي هذا نظر من وجوه:
الأول: إن الآية التي نزلت في معين، ولا عموم للفظها تقتصر عليه قطعًا -قول غير مسلَّم على إطلاقه، بل هو محمول على خلوِّ الكلام من قرينةٍ تدل على العموم، فإذا ما وُجِدَت قرينةٌ تدل على العموم فلا يكون اللفظ مقصورًا على سببه قطعًا.
الثاني: استدلاله على قوله هذا بقوله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} .
وأنها نزلت في أبي بكر، وحكاية الإجماع على ذلك غير مسلَّم.
فالآية عامة في كل من عمل عمله، كما قال كثير من المفسرين.
قال ابن كثير في تفسيره2: "وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حتى إن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك، ولا شكَّ أنه داخل فيها، وأَوْلَى الأمة بعمومها، فإن لفظها لفظ العموم"، ونقل القاسمي في تفسيره3 هذا القول وارتضاه.
ولفظ "الأتقى" في الآية، بمعنى التقى، كما يقول الطبري في تفسيره4.
قال القرطبي في تفسيره5: {وَسَيُجَنَّبُهَا} أي: يكون بعيدًا منها، {الْأَتْقَى} أي: المتقي الخائف.
1 الإتقان ج1 ص112، 113.
2 ج8 ص444.
3 راجع "محاسن التأويل" ج17 ص6179.
4 راجع ج30 ص227.
5 ج10 ص88.