الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث التاسع: المكي والمدني
مدخل
…
البحث التاسع: المكي والمدني
للعلماء في معنى المكي والمدني ثلاثة اصطلاحات:
الأول -وهو الأولى والأشهر: أن المكي ما نزل قبل هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وإن كان نزوله بغير مكة، والمدني ما نزل بعد الهجرة وإن كان نزوله بمكة.
وهذا التعريف جامع مانع، روعي فيه زمان النزول، وهو أولى من رعاية المكان؛ لأن معرفة التدرج في التشريع ومعرفة الناسخ والمنسوخ، وغير ذلك من الفوائد متوقفة على معرفة المتقدِّم والمتأخِّر في الزمان، لهذا كان هذا التعريف هو المعتمد عند أكثر أهل العلم.
وعليه تكون آية:
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُم} 1 -مثلًا- مدنية، مع أنها نزلت يوم الجمعة بعرفة في حجة الوداع.
وكذلك آية: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} 2.
فإنها مدنية مع أنها نزلت بمكة في جوف الكعبة عام الفتح الأعظم.
وقل مثل ذلك فيما نزل بأسفاره عليه الصلاة والسلام؛ كفاتحة سورة الأنفال، وقد نزلت ببدر، فإنها مدنية لا مكية على هذا الاصطلاح المشهور.
الثاني من المصطلحات: أن المكي ما نزل بمكة ولو بعد الهجرة، والمدني ما نزل بالمدينة، ويدخل في مكة ضواحيها، كالمنزَّل على النبي صلى الله عليه وسلم بِمِنَى وعرفات والحديبية، ويدخل في المدينة ضواحيها أيضًا، كالمنزَّل عليه في بدر وأحد، وهذا التقسيم لوحظ فيه مكان النزل كما ترى.
1 المائدة: 3.
2 النساء: 58.
وهذا التعريف لما روعي فيه المكان لم يكن ضابطًا صحيحًا لاختلاف الأماكن التي نزل فيها القرآن، بخلاف التعريف الأول، فإنه يحدِّد المكي بزمان معين، وهو ما قبل الهجرة، ويحدِّد المدني بزمان معين، وهو ما كان بعد الهجرة، ونحن نعلم أن من القرآن ما لم ينزل بمكة ولا بالمدينة، بل أنزل بأماكن أخرى متباعدة.
فقوله تعالى -مثلًا- في سورة التوبة: {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ} 1، نزلت بتبوك.
وقوله -جل شأنه- في سورة الزخرف: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} 2.
فإنها نزلت ببيت المقدس ليلة الإسراء.
الثالث: أن المكي ما وقع خطابًا لأهل مكة، والمدني ما وقع خطابًا لأهل المدينة.
وعليه يُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قال: إن ما صدر في القرآن بلفظ: {يَا أَيُّهَا النَّاس} فهو مكي، وما صدر فيه بلفظ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فهو مدني؛ لأن الكفر كان غالبًا على أهل مكة؛ فخوطبوا بيا أيها الناس، وإن كان غيرهم داخلًا فيهم، ولأن الإيمان كان غالبًا على أهل المدينة، فخوطبوا بيا أيها الذين آمنوا، وإن كان غيرهم داخلًا فيهم أيضًا، وأَلْحَق بعضهم صيغة {يَا بَنِي آَدَم} بصيغة {يَا أَيُّهَا النَّاس} .
أخرج أبو عبيد في فضل القرآن عن ميمون بن مهران قال: "ما كان في القرآن {يَا أَيُّهَا النَّاس} أو {يَا بَنِي آَدَم} فإنه مكي، وما كان {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فإنه مدني.
1 آية: 42.
2 آية: 45.