الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقد روى ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن خارجة1، عن أبيه قال: أتى بي النبي صلى الله عليه وسلم مقدمه9 المدينة فقالوا: يا رسول الله، هذا غلام من بني النجار، وقد قرأ مما أُنْزِلَ عليك سبع عشرة سورة، فقرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعجبه ذلك، وقال:"يا زيد، تعلَّم لي كتاب يهود؛ فإني والله ما آمنهم على كتابي".
قال: فتعلمته، فما مضى لي نصف شهر حتى حذقته، وكنت اكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كتب إليهم2.
وتعلَّم السريانية أيضًا.
فقد روى الأعمش عن ثابت، عن عبيد، قال زيد: قال لي رسول الله: "أتحسِنُ السريانية؟ ": قلت: لا. قال: "فتعلمها" فتعلمتها في سبعة عشر يومًا3.
11-
وكان رضي الله عنه مِمَّن شهد العرضة الأخيرة، كما يقول الزركشي4، وغيره.
لهذه الخصال وغيرها اختاره الصديق لجمع كتاب الله تعالى، واختاره عثمان أيضًا لكتابة المصحف مع آخرين يأتي ذكرهم فيما بعد، إن شاء الله تعالى.
وظلَّ زيد في خدمة كتاب الله تعالى، حتى لقي ربه سنة خمس وأربعين من الهجرة، وله ست وخمسون سنة رضي الله عنه وأرضاه.
1 خارجة هو ابن زيد.
2 إسناده حسن من أجل عبد الرحمن بن أبي الزناد، وعلقة البخاري في صحيحه ج13 ص161 في الأحكام، باب ترجمة الحكام، وهل يجوز ترجمان واحد.
3 إسناده صحيح، أخرجه أحمد ج5 ص182.
4 البرهان ح1 ص237.
جمعه في عهد عثمان:
استعت الفتوحات الإسلامية في عهد عثمان رضي الله عنه، وتفرَّق القراء في الأمصار وفي ميادين القتال، وأخذ أهل كل مَصْرٍ عَمَّنْ وفد إليهم قراءته.
ووجوه القراءة التي يؤدون بها القرآن مختلفة باختلاف الأحرف التي نزل عليها.
فكانوا إذا ضمَّهم مجمع أو موطن من مواطن الغزو، وسمع كل قراءة الآخر، عجب منها لعدم علمه بها، ووقع في نفسه شك في صحتها.
وقد كان الأمر في بادئ الأمر هينًا، لكثرة الحفَّاظ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، واجتماعهم في مكة والمدينة، والكوفة والشام.
فلمَّا تفرقوا في الأمصار، واختلط العجم بالعرب، خاف عثمان ومن معه من كبار الصحابة أن يفشوَ اللحن في قراءة القرآن، وأن يدخل في وجوه القراءات الصحيحة ما ليس منها، وأن يؤدي اختلاف الناس في وجوه القراءات إلى الشكِّ في صحة الصحيح منها، وتخطئة بعضهم بعضًا في القراءة، فينشأ النزاع بينهم، وتحتدم الخصومة، وتتمزَّق الأواصر بين المسلمين، وتقع الفرقة في صفوفهم، وفي ذلك من الأخطار الجسيمة ما لا يخفى.
فاستخاروا الله عز وجل في جمع الناس على مصحف واحد يكون جامعًا للوجوه السبعة التي نزل عليها القرآن، دون سواها من الوجوه التي لم يثبت نقلها بسند صحيح يخلو من الشذوذ والقدح.
روى البخاري عن أنس: "أن حُذَيْفَة بن اليمان قدم على عثمان- وكان يغازي أهل الشام في فتح فرج أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق- فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال لعثمان: أدْرِك الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل إلى حفصة: أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف، ثم نردُّها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنه إنما نزل بلسانهم، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصُّحُف في المصاحف ردَّ عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحَفٍ مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة ومصحف أن يحرق.
قال زيد: فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف، قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، فالتمسناها، فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} .
فألحقناها في سورتها في المصحف".
"قال ابن حجر: وكان ذلك في سنة خمس وعشرين، قال: وغفل بعض من أدركناه، فزعم أنه كان في حدود سنة ثلاثين، ولم يذكر له مستندًا، انتهى.
وأخرج ابن أشتة من طريق أيوب عن أبي قلابة، قال: حدثني رجل من بني عامر، يُقال له: أنس بن مالك، قال: اختلفوا في القراءة على عهد عثمان، حتى اقتتل الغلمان والمعلمون، فبلغ ذلك عثمان بن عفان، فقال: عندي تكذّبون به وتلحنون فيه، فمن نأى عني كان أشدَّ تكذيبًا وأكثر لحنًا، يا أصحاب محمد اجتمعوا، فاكتبوا للناس إمامًا، فاجتمعوا فكتبوا، فكانوا إذا اختلفوا وتدارؤا في آية قالوا: هذه أقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلانًا، فيرسَلُ إليه وهو على رأس ثلاث من المدينة، فقال له: كيف أقرأك رسول الله صلى الله عليه وسلم آية كذا وكذا؟، فيقول: كذا وكذا، فيكتبونها، وقد تركوا لذلك مكانًا"1.
ولم يكن كلهم يكتبون القرآن، بل اختار عثمان منهم أربعةً عهد إليهم بكتابته نسخًا من المصحف الذي كان عند حفصة رضي الله عنها، هم:"زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام"2.
وقيل: إنه اختار لهذا العمل اثني عشر رجلًا من خيرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال السيوطي في الإتقان: "أخرج ابن أبي داود من طريق محمد بن سيرين، عن كثير بن أفلح قال: لما أراد عثمان أن يكتب المصاحف، جمع له اثني عشر رجلًا من قريش والأنصار، فبعثوا إلى الربعة التي في بيت عمر، فجيء
1 الإتقان ج1 ص209.
2 النشر ج1 ص51.