الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقاصد المكي
والمدني:
القرآن الكريم بوجه عام كتاب هداية، ومنهج حياة، بيَّن الله فيه للناس ما يجب لهم، وما يجب عليهم، وما يحل لهم، وما يحرم عليهم، بأسلوب واضح ناصع البيان، وقد كان في مرحلته الأولى يمتاز بمميزات تأسيسية عقدية وشرعية مجمَلة، وكان في مرحلته الثانية يمتاز بمميزات فرعية تابعة لما سبقها، مفصِّلَةٌ لها، ومبينة لشروطها وأسبابها وعللها، وغير ذلك مما يقتضيه مقام البيان والتفصيل.
فما نزل بالمدينة تابع لما نزل بمكة في أصوله العامة، ومحمولٌ عليه، ومؤيِّدٌ لها.
وإليك بيان ما امتاز به القرآن المكي عن القرآن المدني، وبيان ما امتاز به المدني عن المكي بوجه عام:
1-
يعنى القرآن المكي أولًا بترسيخ الأصول الاعتقادية التي جاءت بها جميع الشرائع السماوية.
وهي توحيد الله عز وجل، وإفراده بالعبادة، وتنزيهه عن كل ما لا يليق بذاته تعالى، وتصديق الرسل في كل ما جاءوا به، والإيمان بالكتب المنزَّلة، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالقدر، إلى آخر ما هنالك من الأصول الاعتقادية.
2-
وعُنِيَ القرآن المكي أيضًا كلَّ العناية بالقضاء على ما ورثوه عن آبائهم، وما ابتدعوه من عند أنفسهم من عادات سيئة، ومعتقدات فاسدة، كسفك الدماء، وأكل مال اليتيم، ووأد البنات، والتطفيف في الكيل والميزان، وغير ذلك من الرذائل.
3-
ودعاهم إلى أصول التشريعات العامة، والآداب السامية، بوصفها برهانًا عمليًّا على سلامة الفطرة وصحة الاعتقاد.
وهذه الأصول التي دعاهم إليها القرآن المكي فصَّلها القرآن المدني، ووضع لها الشروط والقواعد والضوابط، كما سيأتي بيانه بعد قليل.
4-
ولتثبيت هذه الأصول والمعتقدات الصحيحة في قلوب الناس جميعًا؛ مؤمنين وكافرين، عُنِيَ القرآن المكي عناية فائقة بأخبار الأنبياء والأمم السابقة، لما فيها من عظاتٍ وعِبَرٍ وتبيانٍ لسنة الله تعالى في هلاك المكذبين، ونجاة المؤمنين.
ولقد كان إيراد القصص في القرآن المكي بكثرةٍ من أبلغ الأدلة على أن القرآن كان وحيًا من الله تعالى.
ولو تأخَّر إيراده إلى العهد المدني، لقال الكفار: تعلمه محمد صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب،
ولكان لقولهم هذا مبرِّرٌ على نحوٍ ما؛ لأن أهل الكتاب كانوا على علمٍ ما بقصص الأنبياء، وأخبار الأمم.
ولقد قال المشركون في مكة: إنما يعلمه بشر، وادعوا أنه يخلو إلى غلام رومي، ويتلقى عنه هذا القرآن، ولم يكن لقولهم هذا شاهد من العقل، ولا من الواقع.
فلو قالوا عن القرآن المدني: تعلَّمه محمد من اليهود حين جاورهم واتصل بهم، قيل لهم: ومَنْ الذي علمه القرآن الذي نزل عليه بمكة، متضمنًا من أخبار الأولين والآخرين ما لا يعلمه اليهود ولا غيرهم.
5-
ومن خواص هذا القسم قِصَرُ معظم آياته وسوره، ولا سيما أوائل ما نزل، ولعل ذلك كان كذلك ليتمكن المؤمنون من حفظه بسهولة ويسر، فهم في أول عهدهم به لم تتعوَّد ألسنتهم على النطق به مرتلًا كما أمر الله تعالى أن يُتْلَى، وفيهم الشيخ الكبير، والمرأة المسنة، والطفل الصغير، وأكثرهم أمِّيُّون، فكيف يستطيعون قراءة الآيات الطويلة المقاطع، وهم لم يتعودوا بعد على مثل
1 النحل: 103.