الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجه الثالث: تعارض الأدلة المتساوية تعارضًا تامًّا، مع معرفة الأمر المتقدِّم زمنًا من المتأخِّر، وتفصيل المسألة أن النصَّيْن إما أن يتعارضا من جميع الوجوه، أو من وجه دون وجه، فإن تعارضا من وجه دون وجه جُمِعَ بينهما.
وإن تعارضا من جميع الوجوه، فإن كان أحدهما قطعيًّا وكان الآخر ظنيًّا، أو كان أحدهما أقوى من الآخر في الثبوت، عُمشلَ بالأقوى، وأُهْمِلَ الآخر.
وإن تعارضا من جميع الوجوه، وتكافآ في الثبوت، وعُلِمَ الأمر المتقدِّمُ منهما والمتأخِّر، صرنا إلى النَّسْخِ.
أما إن تعارضا من جميع الوجوه، وتكافآ في الثبوت، ولم يُعْلَمْ المتقدِّم والمتأخِّر، فلا يُصَارُ إلى النَّسْخِ بالاجتهاد، بل يجب التوقُّف عنهما أو التخيُّر بينهما.
وعلى هذا فلا يُعْتَمَدُ في النسخ على: الاجتهاد من غير دليل، ولا على أقوال المفسرين من غير سند، ولا على مجرَّد التعارض الظاهري بين النصوص، ولا على ثبوت أحد النصَّين في المصحف بعد الآخر؛ لأنه ليس على ترتيب النزول.
سور القرآن باعتبار الناسخ والمنسوخ:
قال السيوطي في الإتقان: "قال بعضهم: سور القرآن باعتبار الناسخ والمنسوخ أقسام:
قسم ليس فيه ناسخ ولا منسوخ، وهو ثلاث وأربعون: سورة الفاتحة، ويوسف، ويس، والحجرات، والرحمن، والحديد، والصف، والجمعة، والتحريم، والملك، والحاقة، ونوح، والجن، والمرسلات، وعم، والنازعات، والانفطار، وثلاث بعدها، والفجر وما بعدها إلى آخر القرآن، إلّا التِّين والعصر والكافرون.
وقسم فيه الناسخ والمنسوخ، وهو خمس وعشرون: البقرة وثلاث بعدها، والحج، والنور وتاليها، والأحزاب، وسبأ، والمؤمن، والشورى، والذاريات، والطور، والواقعة، والمجادلة، والمزمل، والمدثر، والتكوير، والعصر.
وقسم فيه الناسخ فقط، وهو ست: الفتح، والحشر، والمنافقون، والتغابن، والطلاق، والأعلى.
وقسم فيه المنسوخ فقط، وهو الأربعون الباقية"1 أ. هـ.
هذا، والسور التي ذكر السيوطي أنها تشتمل على ناسخ فقط، أو ناسخ ومنسوخ معًا، يحمل على النَّسْخِ بمعناه الواسع الذي يشمل ما كان مطلقًا، فقُيِّدَ إطلاقه، وما كان عامًّا فخُصِّصَ عمومه بنوع من أنواع التخصيص، أو كان مبهمًا فأُزِيلَ إبهامه، أو كان غير مُؤَقَّت فأُقِّتَ، ونحو ذلك.
وهو مفهوم الصحابة للنَّسْخِ كما تقدَّمَ بيانه في أول هذا البحث، أما النَّسْخُ بمفهومه الضيق عند الأصوليين، فلا يثبت إلّا في آيات تُعَدُّ على الأصابع.
وحتى هذه التي تُعَدُّ على الأصابع لا يثبت النَّسْخُ عند الكثير من العلماء إلّا في القليل منها.
وقد عدَّ السيوطي من المنسوخ اثنتين وعشرين آية، بعد أن ضيَّقَ مفهوم النَّسْخِ بعض الشيء، وبيَّنَ الناسخ لها، ثم نظمها في قصيدة لتُحْفَظَ فقال:
وقد أكثر الناس في المنسوخ من عدد
…
وأدخلوا فيه آيا ليس تنحصر
وهاك تحرير آي لا مزيد لها
…
عشرين2 حررها الحذاق والكُبَرُ
آي التوجه حيث المرء كان وأن
…
يوصي لأهليه عند الموت محتضر
وحرمة الأكل بعد النوم من رفث
…
وفدية المطيق الصوم مشتهر
وحق تقواه فيما صحَّ من أثر
…
وفي الحرام قتال للألى كفروا
والاعتدال بحولٍ مع وصيتها
…
وأن يدان حديث النفس والفكر
والحلف والحبس للزاني وترك أولى
…
كفروا شهادتهم والصبر والنفر
ومنع عقد لزانٍ ولزانية
…
وما على المصطفى في العقد محتظر
1 ج3 ص69-70.
2 قال: عشرون لا مزيد لها، ثم زادت آخر الأبيات اثنتين.