الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولهذا استمرَّ الخطأ في القراءة، واشتبهت نفس الحروف لعدم نقطها على القارئين، وكادت كارثة التحريف تسيء إلى كتاب الله، فقَيَّضَ الله له عبد الملك بن مروان، فأمَرَ الحجَّاجَ أن يهتم بهذا الخطر، وأن يختار لعلاجه العالم النقي الورع الخبير بأصول اللغة ووجوه القراءات.
فاختار الحجاج لهذه المهمة نصر بن عاصم الليثي، حوالي سنة "80" من الهجرة، فعمَّمَ شكل أبي الأسود على جميع حروف الكلمة؛ أولها ووسطها وآخرها، ولكنه ما زال الكلّ على هيئة النقط.
ولم يرق الحجَّاج هذا العمل؛ لأنه لم يقطع دابر الخطأ والاختلاف في القراءة، فعهد إلى لجنة مكونة من نصر بن عاصم الليثي، ويحيى بن يعمر العدواني، والحسن البصري، أن تقوم بعمل كبير يحيط كتاب الله بسياج من السلامة، وتحول بينه وبين التحريف، فنُقِطَت الحروف نقطة ونقطتين فوق الحرف أو تحته، وثلاث نقاط فوق بعض الحروف، ولئلَّا يختلط الشكل بالنقط عمدت إلى نقطة الفتحة، ونقطة الكسرة فسحبتها حتى صارتا كالهيئة المعهودة الآن، وعمدت إلى نقطة الضمة فجعلتها واوًا صغيرة، وإلى نقطتي السكون فأكملت بهما دائرة، وبهذا تمَّ النقط والشكل للمصحف، ثم عدوا حروفه وحددوا نصفه وثلثه وربعه وسبعه، ويروى أنهم قسَّموه إلى أعشار، والمشهور أن الأعشار من عمل المأمون" أ. هـ1.
1 اللآلئ الحسان ص69، 70.
حكم نقط المصحف وشكله:
1-
ذهب جماعة من السلف الصالح إلى أنه ينبغي إبقاء المصاحف الأولى على ما هي عليه من غير نقط ولا شكل، مبالغةً في المحافظة على رسمه كما هو من غير زيادة فيه، ولا نقص منه، مستدلِّين على ذلك ببعض الأخبار المرويَّة عن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما، فقد أخرج أبو عبيد في فضائل القرآن، أن أبا بكر بن عياش قال: سمعت أبا حصين يقول: "لما وجَّه عمر الناس إلى العراق قال لهم كذا وكذا، فذكر كلامًا، ثم قال: جرِّدوا القرآن، وأقلُّوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا شريككم، أو قال: على رسول الله".
وأخرج أيضًا عن ابن الأحوص أن عبد الله بن مسعود قال: "جردوا القرآن ليربو فيه صغيركم، ولا ينأى عنه كبيركم، فإن الشيطان يفرُّ من البيت يسمع فيه سورة البقرة".
وأخرج أبو بكر الأنباري عن الضحاك، أن ابن مسعود قال:"جرِّدوا القرآن وزينوه بأحسن الأصوات، وأعربوه، فإنه عربي والله يحب أن يعرب".
فقد قالوا: إن المقصود بتجريد القرآن إخلاؤه من النقط والشكل.
وهو تأويلٌ محتمَلٌ، وما تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال.
والأصح في تأويل هذه الأخبار -إن صحَّت- أن المراد بتجريد القرآن تخليصه مما سواه.
قال الأستاذ قدروي في كتابه "رسم المصحف"1، بعد أن نقل هذه الأخبار:"وأما الاحتجاج بقول عمر أو ابن مسعود: "جرِّدوا القرآن"، فيبدو أن هذا الخبر أعطي ذلك التفسير في فترات لاحقة لقوله حين بدأوا ينقطون المصاحف، فاحتجَّ من كره ذلك بقول عمر وابن مسعود: "جردوا القرآن".
قال أبو عبيد: وقد اختلف الناس في تفسير قوله: "جردوا القرآن، فكان إبراهيم يذهب به إلى نقط المصاحف، ويقول: جردوا القرآن، ولا تخلطوا به غيره، قال أبو عبيدة: وإنما نرى أن إبراهيم كره هذا مخافة أن ينشأ نشء يدركون المصاحف منقوطة، فيرى أن النقط من القرآن، ولهذا المعنى كره من كره الفواتح العواشر".
وقال السيوطي في الإتقان: "قال الحربي في غريب الحديث: قول ابن مسعود: جردوا القرآن، يحتمل وجهين:
أحدهما: جردوه في التلاوة، ولا تخلطوا به غيره.
والثاني: جردوه في الخطِّ من النقط والتعشير.
وقال البيهقي: الأبْيَنُ أنه أراد: لا تخلطوا به غيره من الكتب"2.
1 ص742.
2 ج4 ص186، 187.