الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: معنى علوم القرآن
علوم القرآن مركَّب إضافي، مؤلَّف من كلمتين، يقتضينا منهج البحث البحث التحليلي أن نعرِّفَ كل كلمة على حدة أولًا، ثم نبيِّنُ معنى كلمة علوم مضافة إلى القرآن الكريم، فنقول:
1-
أما العلوم فجمع علم، والعلم مصدر "علم - يعلم" وهو مرادف للفهم والمعرفة واليقين، والجزم على الجملة، وبينها فروق دقيقة تُطْلَبُ من كتب فقة اللغة، مثل كتاب "الفروق اللغوية" لأبي هلال العسكري.
والعلم مصدر -كما قلنا- يصح إطلاقه على المفرد والجمع، تقول: تلقيت العلم في الجامع الأزهر، تعني: علم التفسير، والحديث، والفقه، والنحو، والصرف، وغير ذلك من أنواع العلم.
وإن أريد الكثرة، جمع على علوم، ولهذا سميت المباحث القرآنية:"علوم القرآن" لكثرتها وتشعُّب مسائلها.
كما يقول الفقهاء في كتبهم: "باب البيع"، فإن أرادوا الكثرة قالوا:"باب البيوع".
ويطلق العلم في لسان الشرع العام على معرفة الله تعالى وآياته، وأفعاله في عباده وخلقه.
ومعناه عند علماء التدوين: المعلومات المنضبطة بجهة واحدة، أي: موضوع معين.
فمسائل النحو مثلًا تُسَمَّى: علم النحو.
ومسائل الفقة تُسَمَّى: علم الفقه.
أو هو إدراك المسائل المنضبطة تحت موضوع معين.
أو هو الملكة التي تحصل بها تلك المعارف.
والتعريف الأول هو الأَوْلَى بالقبول، وهو الأشهر عند العلماء.
أما القرآن في اللغة فهو مصدر "قرأ".
يُقَال: قرأ يقرأ قراءة، وقرآنًا.
قال تعالى في سورة القيامة:
ثم نقل من هذا المعنى المصدري، وجُعِلَ اسمًا للكلام المعجِِزِ المنزَّلِ على النبي صلى الله عليه وسلم، من باب إطلاق المصدر على مفعوله.
فالقرآن على هذا يكون بمعنى المقروء.
هذا ما اختاره أكثر العلماء استنادًا إلى موارد اللغة وقوانين الاشتقاق.
"أما القول بأنه وصف من القرء -بسكون الراء- بمعنى الجمع، فهو قولٌ ليس براجح، وكذلك قول من قال: إنه مشتق من قرنت الشيء، أو أنه مرتجل، أي: موضوع من أول الأمر علمًا على الكلام المعجِز المنزَّل، فكل ذلك -كما يقول الزرقاني- لا يظهر له وجه وجيه، ولا يخلو توجيه بعضه من كلفة"2.
هذا هو مفهوم لفظ "قرآن" في اللغة.
واما مفهومه في اصطلاح علماء العقيدة والشريعة واللغة، فهو منتَزَعٌ من خصائصه ومقاصده الكبرى.
وأشهر تعريف له قولهم:
القرآن كلام الله المعجِز، المنزَّل على محمد صلى الله عليه وسلم، المكتوب في المصاحف، المنقول بالتواتر، المُتعبَّد بتلاوته.
بهذا عرَّفه اكثر أهل العلم.
وتوضيحه:
إن الكلام البشري نفسي ولفظي، فالنفسي هو المعاني التي تجول بالفؤاد
1 آية: 16-18.
2 انظر مناهل العرفان ج1 ص7.
قبل أن تخرج بها الأصوات، واللفظ هو قالب تلك المعاني، وهي التي نسمعها من الأصوات.
فقولنا: القرآن كلام الله، قد يُرَاد به الكلام النفسيّ، وقد يُرَادُ به الكلام اللفظي -ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم- فالمتكلمون يطلقون كلام الله على الكلام النفسي فقط، ويقررون أنه كلام قديم غير مخلوق، فيجب تنزهه عن الحوادث وأعراض الحوادث، وتجرده عن الحروف اللفظية المتعاقبة المستلزمة لتجدد الزمان والحدوث.
والأصوليون والفقهاء اهتمُّوا بإطلاق القرآن على الكلام اللفظي؛ لأن غرضهم الاستدلال على الأحكام، وهو لا يكون إلّا بألفاظ، وكذلك علماء اللغة العربية يهتمون بالكلام اللفظي؛ لأن عنايتهم بالإعجاز، وطريقة الألفاظ"1.
وهذا التعريف جمع أشهر خصائص القرآن وأهم مقاصده.
وكان بعضها كافيًا في التعريف، فلو قالوا: القرآن كلام الله المعجز.
أو قالوا: هو كلام الله المُتعبَّد بتلاوته.
أو قالوا: هو كلام الله المكتوب في المصاحف، لكان وافيًا بالمقصود في تحديد ما هو قرآن من غيره، لكنهم أطنبوا في التعريف مبالغة في التوضيح، ورغبةً في ذكر أهم خصائصه ومقاصده، فهو ليس تعريفًا بالمعنى الاصطلاحي الذي يُرَاعَى فيه الاختصار، والاقتصار على ما هو جامع مانع.
ومن هذا التعريق يُعْرَفُ الفرق بين القرآن والحديث القدسي والحديث النبوي، على ما سيأتي بيانه قريبًا -إن شاء الله تعالى.
ومن خلال هذا التعريق أيضًا يُعْرَفُ الفرق بين القراءة المتواترة وغير المتواترة، فما تواتر منها فهو قرآن يُتْلَى ويتعبَّد بتلاوته.
وما هو غير متواتر لا يُتْلَى ولا يُتَعَبَّد بتلاوته، ولا يُسَمَّى قرآنًا، وإن جاز الاحتجاج بها في تصحيح لغة على لغة، وترجيح مذهب فقهي على آخر، بالشروط التي ذكرها الفقهاء في كتهبم.
هذا -ويطلق لفظ القرآن على الكتاب المُنزَّل كله وعلى بعضه.
1 انظر "اللآليء" للدكتور موسى شاهين لاشين ص9.
فيُقَال لمن قرأ منه ولو آية إنه قرأ قرآنًا.
3-
وأما تعريف علوم القرآن بالمعنى الإضافي، أي: باعتبار إضافة العلوم إلى هذا الكتاب المنزَّل، فهو عبارة عن طوائف المعارف المتصلة بالقرآن.
وهذا التعريف يشمل بعمومه جميع العلوم الشرعية من التفسير والحديث والفقه، وأصول الفقه، وجميع العلوم التي تعين على فهم معانيه ومقاصده، كالعلوم اللغوية والتاريخية، وغيرها، فكل ما يتصل بالقرآن من قريب أو من بعيد داخل تحت هذا التعريف.
غير أن المشتغِلِين بدراسة القرآن الكريم -فيما يبدو لنا- يقتصرون في بحوثهم على العلوم الوثيقة الصلة بالقرآن الكريم، والتي تعين على فهمه بطريق مباشر، مثل البحوث التي تضمَّنها كتاب "البرهان" للزركشي، وكتاب "الإتقان" للسيوطي.
وانفرد التفسير عن هذه العلوم بالتأليف والتصنيف، مع أنه داخل فيها لمسيس الحاجة إليه من غيره عند جميع المكلَّفين بلا استثناء.
أما غيره من علوم القرآن، فلا يكاد يحتاج إليه إلّا المتخصصون في دراسة كتاب الله تعالى، على نحو من تفسيره للناس، تفسيرًا صحيحًا، وفق هذه العلوم التي يعنون بدراستها.
فعلوم القرآن سوى التفسير، من شأن أولي العلم والنُّهَى، ورجال التفسير والتأويل الذي يُنَاطُ بهم فهم القرآن أولًا، وبيان معانيه للناس ثانيًا.
وأما التفسير، فالأمر فيه ما قد علمت، فلا تغفل عن ذلك، وقد كانت علوم القرآن قبل عصر التدوين وبعده بزمن غير يسير متصلة بسائر العلوم الشرعية، بل والعلوم العربية أيضًا، ثم انفصلت عنها.
وفيما يلي نبذة تاريخية يتبين لك فيها المراحل التي مرَّ بها هذا العلم، حتى انتهى إلى ما هو عليه الآن.