الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إغفاله، فكلٌّ من الصديق وعثمان رضي الله عنهما كان يخشى على القرآن من ضياعه أو ضياع شيء منه، إلّا أن الصديق كان يرى هذا الضياع من خلال اشتداد قتل القراء، وعثمان كان يرى ضياعه أو ضياع شيء منه بسبب آخر، هو انتشار الوجوه التي لم يثبُت تواترها، وفَشْو اللحن على ألسنة الصبيان وغيرهم، بسبب اختلاط العرب بالأعاجم.
فجزاهم الله عن القرآن وأهل القرآن خير الجزاء.
حكم تحريق المصاحف:
ونختم هذا المبحث ببيان حكم تحريق أوراق المصحف، والأوراق التي فيها اسم الله تعالى، فنقول:
يجوز التخلُّص من أوارق المصحف البالية، والأوراق التي فيها اسم الله تعالى بإحراقها.
فقد حرق عثمان رضي الله عنه المصاحف بعد أن نسخ منها ما أَجْمَعَ المسلمون على صحة القراءة به، وكان ذلك بمرأى ومسمع من الصحابة -رضوان الله عليهم، لم ينكر عليه أحد منهم، إلّا من أراد أن يشهِّرَ بعثمان ويحطَّ من شأنه، وهو الرفيع الشأن عند الله، وعند رسوله صلى الله عليه وسلم، وعند صالحي المؤمنين أجمعين.
روى أبو بكر الأنباري عن سويد بن غفلة قال: "سمعت عليّ بن أبي طالب -كرَّم الله وجهه- يقول: يا معشر الناس، اتقوا الله وإياكم والغُلُوِّ في عثمان، وقولكم: حرَّاق مصاحف، فوالله ما حرقها إلّا عن ملأ منا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وعن عمر بن سعيد قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
"لو كنت الوالي وقت عثمان، لفعلت في المصاحف مثل الذي فعل عثمان"1.
1 انظر مناهل العرفان ج1 ص255.
قال ابن بطَّال: في حديث البخاري جواز تحريق الكتب التي فيها اسم الله بالنار، وأن ذلك إكرام لها وصَوْن عن وطئها بالأقدام، وكرَّهه بعضهم.
وقال الحافظ ابن حجر: هذا الحكم هو الذي وقع في ذلك الوقت، وأما الآن فالغسل أولى لما دعت الحاجة إلى إزالته.
قال الأستاذ موسى لاشين بعد أن نقل كلام ابن بطَّال وابن حجر: "والذي تستريح إليه النفس أن الحكم يتبع القصد والنية، فما دام القصد صيانته من الامتهان، جاز التخلُّص منه بأية وسيلة، الحرق، والخرق، أو الحك، أو الغسل، أو الإلقاء في بحر، أو إرساله إلى مصانع الورق لتصنيعه من جديد، إلى غير ذلك من الوسائل، وكلُّ ما يلزم أن تكون الوسيلة كريمة، فلا يلقى في مزبلة، أو في مكان قضاء الحاجة مثلًا، أما إذا كان القصد الإهانة، فإن التخلُّص منه حرام، ولو بطريقة كريمة"1.
أقول: لا يجوز أن يُجْمَعَ الورق الذي فيه القرآن إلى مصانع الورق ليعاد تصنيعه من جديد، كما يقول الأستاذ موسى لاشين؛ لأنه حتمًا سيخلط بغيره من الأوراق البالية، وكثيرًا ما تكون فيها أوراق نجسة، وكثيرًا ما تسقط من أوراق القرآن على الأرض أثناء الحمل والنقل والتصنيع.
وإن بعض العلماء قد كَرَّه غسلها بالماء، حتى لا تنزل الغسالة على الأرض فتطؤها الأقدام، كما ذكر السيوطي في الإتقان2.
والذي عليه الأكثر جواز التخلُّص من أوراق المصحف البالية، وما في حكمها من الأوراق التي فيها التفسير والحديث والفقه، بإحراقها أو بإلقائها في البحر، أو بمحوها بماء أو خل، ونحو ذلك مما يزيل أثر الكتابة تمامًا، مع إلقاء الغسالة في مكان طاهر لا تطؤه الأقدام، مثل الحياض التي أُعِدَّت للوضوء أو غسل الأواني، ونحو ذلك.
1 اللآلئ الحسان ص60.
2 راجع الإتقان ج1 ص190.