الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث التاسع عشر: معرفة المحكم من المتشابه
مدخل
…
المبحث التاسع عشر: معرفة المحكم من المتشابه
القرآن كله محكم باعتبار، وكله متشابه باعتبار، وبعضه محكم وبعضه متشابه باعتبار.
وبيان ذلك في تحديد معنى الإحكام والتشابه في اللغة، فإن المعنى اللغوي يفصِحُ عن الاعتبارات الثلاثة.
وتحديد المعنى الاصطلاحي للإحكام والتشابه يخصِّص المعنى اللغوي ويحدِّد مجال البحث، ويكشف عن أهميته، وعن الأحكام المتعلقة به، والمترتبة عليه.
والمعنى اللغوي ليس مجال اختلاف بين العلماء بخلاف المعنى الاصطلاحي، فإن الخلاف فيه كثير، وطلب الفصل فيه عسير.
ثم إن أقسام المتشابهه أيضًا كثيرة ومتنوعة، وكل قسم منها له فروعه ومسائله، ومحل بسطه كتب أصول الفقه.
وسنتكلم هنا بعون الله تعالى عن تعريف المحكم والمتشابه في اللغة والاصطلاح، ونذكر بعض أقوال العلماء في تحديدهما، وتمييز كلٍّ منهما عن الآخر، ثم نذكر أهمَّ أقسامه ومسائله، على أننا سنفرد لبعض هذه الأقسام بحوثًا خاصة تتلو هذا البحث، وذلك لطول الكلام فيها، وبالله التوفيق.
معنى الإحكام والتشابه في اللغة:
الإحكام في اللغة هو: الإتقان والمنع.
جاء في لسان العرب: أحكم الأمر: أتقنه، والحكيم: المتقِنُ للأمور، وحَكَمَ الشيء وأحكمه: منعه من الفساد.
قال الراغب في مفرداته: حكم أصله: منع منعًا لإصلاح. فقيل: حكمت الداية: منعتها بالحكمة -بكسر الحاء- وأحكمتها: جعلت لها حكمة -بفتح الحاء والكاف. أ. هـ. بتصرف.
والحكمة -بالفتح: هي ما أحاط بحنكي الفرس من لجامه تمنعه من الاضطراب.
والحكمة -بكسر الحاء- كما قال الراغب: إصابة الحق بالعلم والعقل، والحكمة من الله تعالى: معرفة الأشياء وإيجادها على غاية الإحكام، ومن الإنسان: معرفة الموجودات، وفعل الخيرات.
والتشابه في اللغة: التماثل.
قال الفيروزأبادي في "بصائر ذوي التمييز"1: "المَثل والمِثل والمثيل كالشبه والشبه والشبيه، لفظًا ومعنًى".
قال ابن منظور في لسان العرب: المشتبهات: المشكلات، والشبهة: الالتباس.
وشبِّه عليه: خُلِطَ عليه الأمر حتى اشتبه بغيره.
ومن هذا نفهم أن المتشابه في العلم يدل على المشاركة والمماثلة والمشاكلة المؤدية إلى الالتباس غالبًا.
والقرآن الكريم كله محكَمٌ باعتبار أنه متقَنٌ في نظمه وأسلوبه وأحكامه، مانعٌ من دخول غيره فيه، ومن طروء الخلل في ألفاظه، والتناقض في معانيه.
وكله متشابه باعتبار أنه متماثلٌ في فصاحته وبلاغته، وحلاوته وطلاوته.
وبعضه محكم، وبعضه متشابه، باعتبار أن بعضه أحكام نصية، لا تحتمل إلا وجهًا واحدًا، ولا يختلط الأمر في فهمها من هذا الوجه على أحد، وبعضه أحكام تحتمل أكثر من وجه، لحكمة سامية، سيأتيك بيانها إن شاء الله تعالى، وهي التي يقع فيها الاشتباه، ويتأتى في فهمها الاختلاط والالتباس.
ويدل على أن القرآن محكم كله بهذا الاعتبار قوله تعالى: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} 2.
1 ج4 ص481.
2 هود: 1.