الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نسخ القرآن بالسنة:
قد عرفت فيما سبق نسخ القرآن بالقرآن وأدلة جوازه ووقوعه، ونريد أن نعرف هنا نسخ القرآن بالسُّنَّة، هل هو جائز وواقع، أم هو عكس ذلك.
أقول: قد اختلف العلماء في هذا القسم بين مجوِّزٍ ومانِعٍ، واختلف المجوزون في وقوعه وعدم وقوعه.
أما المجوزون له فهُمْ: مالك وأصحاب أبي حنيفة، وجمهور المتكلمين من الأشاعرة والمعتزلة.
وحجتهم أن نسخ القرآن بالسُّنَّة ليس مستحيلًا لذاته ولا لغيره.
أما الأول: وهو المستحيل لذاته فظاهر.
وأما الثاني: وهو المستحيل لغيره، فلأنَّ السُّنَّة وحي من الله كما أن القرآن كذلك، لقوله تعالى:
{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} 1.
ولا فارق بينهما إلّا أن ألفاظ القرآن من ترتيب الله وإنشائه، وألفاظ السنة من ترتيب الرسول صلى الله عليه وسلم وإنشائه، والقرآن له خصائصه، وللسُّنَّة خصائصها، وهذه الفوارق لا أثر لها فيما نحن بسبيله، ما دام أن الله هو الذي ينسخ وحيه بوحيه، وحيث لا أثر لها، فنسخ أحد هذين الوحيين بالآخر لا مانع يمنعه عقلًا، كما أنه لا مانع يمنعه شرعًا أيضًا، فتعيَّنَ جوازه عقلًا وشرعًا.
هذه حجة المجيزين، أما المانعون، وهم الشافعي وأحمد في إحدى روايتين عنه، وأكثر أهل الظاهر، فيستدلون على المنع بأدلة منها: أن الله تعالى يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم:
{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِم} 2.
وهذا يفيد أن وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم منحصرة في بيان القرآن، والسنة إن نسخت القرآن لم تكن حينئذ بيانًا له، بل تكون رافعة إياه.
1 النجم: 3-4.
2 النحل: 44.
وقد أجاب المجوزون عن هذا بأن كَوْنَ السنة مبينة للقرآن لا ينفي كونها ناسخة لها، فالآية لا تدل على انحصار وظيفة السُّنَّة في البيان، لخلوّها من جميع طرق الحصر.
وأن السنة لو انحصرت في بيان القرآن ما صحَّ أن تستقلَّ بالتشريع من نحو إيجاب وتحريم، مع أن إجماع الأمة قائم على أنها قد تستقلُّ بذلك؛ كتحريمه صلى الله عليه وسلم كل ذي مخلب من الطيور، وكل ذي ناب من السباع، وكحظره أن يورث بقوله:"نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة".
هذا هو مقام الجواز، أما مقام الوقوع فقد اختلفوا فيه أيضًا، كما قلنا، فمنهم من أثبته، ومنهم من نفاه.
أما القائلون بالوقوع فقد استدلوا على ذلك بأدلة منها:
أ- أن آية الجلد هي: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} 1.
تشمل المحصنين وغيرهم من الزناة، ثم جاءت السُّنَّة فنسخت عمومها بالنسبة إلى المحصنين، وحكمت بأن جزاءهم الرجم.
ب- أن قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} 2.
منسوخ بقوله عليه الصلاة والسلام: "لا وصية لوارث".
منسوخ بقوله صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلًا بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم".
1 النور: 2.
2 البقرة: 180.
3 النساء: 15.