الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع والعشرون: أمثال القرآن
مدخل
…
المبحث السابع والعشرون: أمثال القرآن
المثل: أسلوب بياني بليغ يعبِّرُ عن خلجات النفس وكوامن الحسِّ، ويبرز المعقول في صور محسة، ويكشف عن الحقائق التي يدق فهمها، ويعرض الغائب في معرض الحاضر.
وهو على إيجازه بحملٍ من المعاني الرائعة ما لا تسعه المجلدات الضخام، ويحمل في طيَّاته9 من المرامي والمقاصد ما يجعله دستورًا للحياة، يحتكم الناس إليه، ويحتجون به، ويسيرون على نهجه وهداه.
وهو من أهم الأساليب البيانية المقنعة للعقل، والممتِعة للأذن، والمؤثِّرة في الوجدان.
وهو من أجل ذلك يحفر لنفسه في الذهن مكانًا، ويمثل في الذاكرة فلا يُنْسَى.
قال الخفاجي: سُمِّيَ مثلًا؛ لأنه مائل بخاطر الإنسان أبدًا1.
ومن هنا كان المثل من أهم أساليب التربية في مختلف العصور، فهو خلاصة تجارب الحكماء والبلغاء، وهو ديوان العرب والعجم، يسجِّل تاريخهم الحافل بأخبراهم، المعبِّر عن آلامهم وآمالهم، والدالِّ على خبايا نفوسهم، وظروف بيئتهم، فالمثل -كما هو معروف- مرآة تعكس ميول الإنسان في ماضيه وحاضره ومستقبله، وهو يدلنا على مدى ما تميّز به عصره الذي قيل فيه من حكمه وتجربة، وعلم ومعرفة.
والمثل -مع ذلك كله- رائد إلى الخير دائمًا، وزاجر عن الشَّرِّ غالبًا، لأنه في ذاته حكمة تحكم طبائع البشر، وتعبِّر عنها أصدق تعبير، فتدعو إلى ما يلائمها، وتنفر عن كل ما يتنافى مع واقعها.
من هنا حفل الناس بأمثالهم، وتناقلوها فيما بينهم، جيلًا بعد جيل،
1 انظر البرهان ج1 ص486.
واهتمَّ العلماء بجمعها من بطون الكتب، وأفواه الحكماء وغيرهم، ونقَّبوا عن مواردها، وكشفوا عن مضاربها، وعقدوا مقارنة بينها على اختلاف عصورها، وتعمَّقوا في فهم معانيها، وفرَّقوا بين سليمها وسقيمها، إلى غير ذلك مما يتعلق بها من بحوث.
وأما أمثال القرآن الكريم، فهي في الذروة العليا في جميع ما أشرنا إليه من الفوائد العامة؛ لأن القرآن الكريم كتاب هداية، ومنهج حياة، يجد الناس جميعًا فيه ما يحتاجون إليه من مقوِّمات التقدُّم والبناء، والإصلاح الخلقي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي، ويستطيعون أن يكتفوا به عن التشريعات التي وضعها الإنسان بعقله القاصر، ونظره المحدود.
وقد تعدَّدت أغرض المثل في القرآن الكريم، حتى جلَّت عن الحصر، وعزَّت عن الإحصاء والعدِّ، ولكنها ترجع في جملتها إلى غرض واحد، هو دعوة الناس جميعًا إلى الله تعالى، وردهم إلى الفطرة التي فطرهم عليها، فهي غنيّة بما فيها من إنذار وتبشير، ووعظ وتذكير، وترغيب وترهيب، ووعد ووعيد، إلى غير ذلك من الأغراض السامية التي تدفع الإنسان دفعًا إلى الدِّينِ القيم، الذي هو ينبوع الفضائل كلها.
وقد نظر العلماء في أسلوب المثَل بوجه عام، وأسلوب المثل القرآني بوجه خاصٍّ، وبيَّنُوا الفرق الشاسع بين الأسلوبين، وذكروا أنه لا موازنة بينهما البتة، فأين كلام الناس من كلام الله تعالى!
وقد وجدناهم يعرِّفون المثل، ويذكرون خصائصه الفنية، وسماته البلاغية، ويقسِّمونه إلى أقسام كثيرة، ويبينون أغراضه الاجتماعية، ومقاصده العقدية، والشرعية.
فأردنا أن نسلك في هذا المبحث مسلكهم، فنعرف المثل عند اللغويين، والأدباء، والبلغاء، ثم نقسِّمه إلى أقسام باعتبارات مختلفة، ثم نذكر أهم خصائصه وسماته وأغراضه بإيجاز، مع التركيز على المثل القرآني، لبيان ما فيه من إيجاز وإعجاز.