الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مصير مصحف حفصة:
ولما نسخ عثمان رضي الله عنه المصاحف، وحرق ما سواها، ردَّ إلى حفصة المصحف الذي أخذه منها، وظل عندها حتى ماتت، وقد ردَّه إليها ولم يحرقه كما حرق غيره وفاءً بعهده لها، وعملًا بقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} .
وقد علم أن وجوده عندها لا ينشأ عنه ما يخشى على القرآن منه؛ لأنها لا تسمح بتداوله بين المسلمين، ولولا مصلحة المسلمين في جمع الناس على مصحف واحد ما أرسلت به إلى عثمان، ثم إن حفظ هذا المصحف كتراثٍ تاريخي أمرٌ مهم.
لهذه الأسباب مجتمعة رَدَّ عثمان إليها المصحف.
"فلما كان مروان أميرًا للمدينة من جهة معاوية، أرسل إلى حفصة يطلب الصحف، فأبت أن ترسلها له، فأخذ يسألها وتأبى حتى توفيت".
قال سالم بن عبد الله بن عمر: فلما توفيت حفصة، ورجعنا من دفنها، أرسل مروان بالعزيمة1 إلى عبد الله بن عمر ليرسلنَّ إليه الصحف، فأرسل بها إليه عبد الله بن عمر، فأمر بها مروان فغسِلَت غسلًا، ثم شُقِّقَت، ثم أحرقت، ثم قال: إنما فعلت هذا لأني خشيت إن طال بالناس زمان أن يرتاب في شأن هذه الصحف مرتاب"2.
1 أي: بالأمر الذي لا ينبغي مخالفته.
2 انظر اللآلئ الحسان ص93.
العجم بالعرب، والخوف على القرآن من أن يدخل فيه من وجوه القراءات ما لا يثبت سندها عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ب- كان جمع الصديق نقلًا مما تفرَّق في الرقاع، والأكتاف، والعسب، في مصحف واحد مرتَّب الآيات والسور، مقتصرًا على ما لم تُنْسَخ تلاوته، مشتملًا على الأحرف السبعة التي نزل بها.
وجَمْعُ عثمان كان نَسْخًا لهذا المصحف الذي جمعه الصديق في عِدَّةِ مصاحف تحمل الأحرف التي أنزل عليها القرآن، وإحراق ما عداها؛ حملًا للناس على القراءة بما في هذه المصاحف التي نُسِخَت، وأُرْسِلَت إلى الأمصار، وقطعًا لدابر الخلاف الذي اشتدَّ واحتدم بين القراء الذين بَعُدَتْ بهم الشُّقَّةُ عن حملة القرآن من كبار الصحابة المشهود لهم بالتثبُّت والتحرِّي للأحرف التي أُنْزِلَ عليها القرآن.
وفي نظري أن الجمع الثالث كان توكيدًا للثاني، فلم يكن في المصحف الذي جمعه الصديق خلل، أو نقص، أو وجه غير صحيح من وجوه القراءات، وإنما كان تامًّا مرتَّب الآيات والسور، صحيحًا كله بحمد الله تعالى.
لهذا طلبه عثمان دون سواه من المصاحف التي كانت بأيدي الصحابة، ليجعله عمدةً في النسخ، وأصلًا يُرْجَع إليه عند الاختلاف.
إلّا أن هذا الجمع الثالث كان عزيمةً من أمير المؤمنين عثمان، لا ينبغي على المسلم أن يقرأ القرآن بأي وجه ليس في مصحفه، بخلاف الجمع الثاني، فإنه لم يحمل أحدًا على أن يقرأ بحرفٍ لم يثبت فيه، فكان لبعض الصحابة مصاحف خاصَّة يقرأون منها، وفيها بعض الوجوه التي لم يثبت تواترها فيما بعد، لكن هذه المصاحف حُرِقَت بأمر عثمان، وبمشورة المسلمين لئلَّا يكون للناس حُجَّة في القراءة بما فيها مما يخالف المصاحف التي نسخها زيد ومن معه، وأُرْسِلَت إلى الأمصار.
وهذا فرق يجب الالتفات إليه، والعناية بذكره في هذا المقام.
واختلاف الباعث أيضًا بين الجمعين له وجه من وجوه الاتفاق لا ينبغي