الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثامن والعشرون: أسلوب القس في القرآن الكريم
المقسم به
…
المبحث الثامن والعشرون: أسلوب القسم في القرآن الكريم
أسلوب القسم في اللغة: طريق من طرق توكيد الكلام وإبراز معانيه ومقاصده على النحو الذي يريده المتكلِّم، إذ يؤتي به لدفع إنكار المنكرين أو إزالة شك الشاكِّين.
فالأساليب الخبرية تختلف باختلاف غرض المتكلِّم وحال المخاطب.
فإذا كان المخاطَب خالي الذهن، جاءه الخبر من المتكلم من غير توكيد بالقسم ولا بغيره.
وإذا كان المتكلم قد رأى أن المخاطب يشك في كلامه أكَّدَ له القول بنوع من أنواع التوكيد، وأهمها: القسم.
وإذا كان قد رأى المخاطَب ينكِرُ قوله، كان التوكيد أولى وألزم.
ومن هنا قسَّم علماء البلاغة أسلوب الخبر إلى ثلاثة أقسام:
أ- ابتدائي، ويُلْقَى لخالي الذهن من غير توكيد.
ب- طلبي: ويلقى لمن داخله الشك مؤكدًا بأداة من أدوات التوكيد.
ج- إنكاري، ويلقى لمن أنكر القول مؤكدًا بأكثر من توكيد.
وللقسم في القرآن الكريم مقاصد كثيرة فوق التي ذكرناها، وفي طيَّاته مواطن للعظة والعبرة، ومجالات رحبة للتأمُّل والنظر، ولطائف خفية يكتشفها المؤمن بنور بصيرته، فيزداد بها يقينًا يسمو به إلى مراتب العارفين بربهم جل جلاله وعز شأنه.
المقسَم به:
يتألَّف أسلوب القسم من: مقسَم به، ومقسَم عليه، وأداة قسم.
ونتكلَّم أولًا عن المقسَم به، فنقول:
المقسَم به لا ينبغي أن يكون إلّا باسم معظَّم في ذاته أو لمنفعة فيه، أو للتنبيه على كوامن العبرة فيه.
وقد أقسم الله تبارك وتعالى بذاته، وأمر نبيه أن يقسِم به، وأقسَم بنبيه، وببعض مخلوقاته.
أ- أقسم بذاته في ستة مواضع:
الأول: في سورة النساء آية "65"
قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُم} .
الثاني: في سورة الحجر "92"
قال -جل شأنه: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} .
الثالث: في سورة مريم "68"
قال سبحانه: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا} .
الرابع: في سورة الذاريات "23":
{فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} .
الخامس: في سورة المعارج "40":
{فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ} .
السادس: في سورة الشمس:
{وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا، وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا، وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} .
على أن "ما" في الآيات بمعنى "من" أي: والسماء وبانيها، والأرض وطاحيها، ونفس ومسويها، وهو قول مجاهد كما يذكر ابن كثير1.
"وقد أوثرت "ما" على "من" لإرادة الوصفية، أي: القادر الذي أبدع خلقها"2.
ويحتمل أن تكون "ما" مصدرية بمعنى: والسماء وبنائها، والأرض وطحائها، ونفس وتسويتها، وهو قول قتادة، وغيره.
1 ج8 ص434.
2 انظر القاسي ج17 ص6168.
ب- وأمر نبيه أن يقسِمَ في ثلاثة مواضع:
الأول: في سورة يونس "53"
قال تعالى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} .
الثاني: في سورة التغابن7:
ج- وأقسم بنبيه محمد عليه الصلاة والسلام في موضع واحد من كتابه العزيز، فقال -جل شأنه- في سورة الحجر "72":{لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُون} .
قال السيوطي في الإتقان1: "أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: ما خلق الله ولا ذرأ ولا برأ نفسًا أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم، وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره، قال تعالى:{لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُون} .
وأخرج ابن جرير الطبري عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس أيضًا في تفسير هذه الآية قال: "ما حلف الله تعالى بحياة أحد إلّا بحياة محمد صلى الله عليه وسلم قال: وحياتك يا محمد وعمرك وبقائك في الدنيا: {إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} 2.
د- وأقسَمَ -جل شأنه- بملائكته، فقال:{وَالصَّافَّاتِ صَفًّا، فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا، فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا} .
1 ج4 ص55.
2 جامع البيان ج14 ص44.