الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله تعالى في سورة القمر: {تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِر} 2.
ومثاله أيضًا قوله تعالى عن ملكة سبأ: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْء} 3.
أي: من كل شيء تحتاج إليه في معاشها، فهو عموم أُرِيد به الخصوص لقرينة عقلية قد صحبته.
كما نقول: في بيتنا كل شيء، ووهبني الله كل شيء، فأنت لا تقصد كل ما في الوجود، وإنما تقصد كل شيء تحتاج إليه، فهذا هو المعقول من الكلام.
وأما العام المطلق فهو الذي لم تصحبه قرينة دالَّة على أن المراد به بعض الأفراد، فيظل ظاهرًا في العموم حتى تقوم قرينة.
هذا. وننتقل الآن إلى بيان التخصيص، وأقسامه.
1 آية: 7.
2 آية: 20.
3 النمل: 23.
أقسام التخصيص:
ذكرنا في تعريف الخاص أنه: هو الذي لا يستغرق الصالح له من غير حصر.
وكذرنا أن التخصيص: هو إخراج بعض ما تناوله اللفظ العام، أي: قَصْرُ الحكم على بعض أفراد العام لقرينة تفيد ذلك.
والمخصَّص قد يكون متَّصِلًا بالعام، وقد يكون منَفصِلًا عنه.
والمتصل خمسة أنواع:
أحدها: الاستثناء، كقوله تعالى في سورة النحل:
1 آية: 106.
فإن الاستثناء هنا خصَّصَ العموم في الآية، وجعله مقصورًا على مَنْ يكفر عن اختيارٍ ورضا، ولولا الاستثناء لكان شاملًا لكل كافر، مختارًا أو مكْرَه.
وكقوله تعالى في سورة الأنفال:
فإن الاستثناء في الآية الثانية أخرَجَ من الوعيد العام من فَرَّ من القتال لخداع العدو، أو للانضمام إلى فئة مؤمنة ليتقوَّى بهم على العدو.
الثاني: الصفة: فإنها غالبًا ما تكون قيدًا معتبرًا في تخصيص العام، كقوله تعالى:{وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} 2.
فكلمة النساء تشمل المدخول بهنَّ وغير المدخول بهنَّ، ولكنها لمَّا وصفت بالدخول صارت قاصرة على النساء المدخول بهنَّ.
فكلمة الفتيات عامة تشمل المؤمنات وغير المؤمنات، لكنها لما وصفت بالمؤمنات صارت مقصورة على المؤمنات دون غيرهنّ.
الثالث: الشرط؛ كقوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} 4.
فالشرط في هذه الآية قصر استحقاق الأزواج النصف على حالة عدم الولد، ولولاه لأفاد الكلام استحقاقهم للنصف في جميع الأحوال.
1 آية: 15-16.
2 النساء: 23.
3 النساء: 25.
4 النساء: 12.
5 البقرة: 180.
فقوله: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} أي: مالًا، شرط في الوصية.
وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} 1.
أي: قدرة على الأداء، أو أمانة وكسبًا.
الرابع: الغاية؛ كقوله تعالى: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} 2.
فلو لم يقل -جل شأنه: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} لكان النهي عامًا في جميع الأحوال.
وقوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْن} 3.
الخامس: يدل البعض من الكل؛ كقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} 4.
فقوله: {مَنِ اسْتَطَاعَ} بدل من الناس، فيكون وجوب الحج خاصًّا بالمستطيع.
وأما المخصَّص المنفصل: فهو ما كان في موضع آخر من آية أو حديث أو إجماع أو قياس.
فما خُصَّ بالقرآن كقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} 5.
1 النور: 33.
2 البقرة: 196.
3 البقرة: 222.
4 آل عمران: 97.
5 البقرة: 228.
فهو عام في كل مطَلَّقَة حاملًا كانت أو غير حامل، مدخولًا بها أو غير مدخول بها، خُصَّ بقوله تعالى:{وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} 1.
وما خُصَّ بالحديث قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ} 3.
فقد خَصَّ هذا العموم الذي في الآية قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه البخاري وغيره: "لا وصية لوارث".
وما خُصَّ بالإجماع آية المواريث: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} 4.
خُصَّ منها بالإجماع الرقيق؛ لأن الرقَّ مانع من الإرث.
وما خُصَّ بالقياس آية الزنا: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} 5.
خص منها العبد بالقياس على الأمة التي نصَّ على تخصيصها عموم الآية في قوله تعالى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} 6.
وبعد: فهذا ما أردت ذكره هنا من مسائل العموم والخصوص، ومن أراد التوسُّع فعليه بكتب أصول الفقه.
والله من وراء القصد، وهو ولي التوفيق.
1 الطلاق: 4.
2 الأحزاب: 49.
3 البقرة: 180.
4 النساء: 11.
5 النور: 2.
6 النساء: 25.