الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعريف سبب النزول:
لعلك فطنت مما سبق إلى معرفة معنى السبب الذي تنزل عليه الآية بوجه عام، ونزيدك هنا إيضاحًا بذكر تعريفٍ جامع لأكثر مسائله، مانع من دخول غيرها فيها، فنقول:
سبب النزول هو ما نزلت الآية أو الآيات متحدِّثَةً عنه أو مبيِّنَةً لحكمه أيام وقوعه.
وبيان ذلك أن الآية أو الآيات قد تنزل مثلًا لتفصل بين متخاصمين وقع بينهما شجار، أو تكشف عن مكيدة صنعها بعض المنافقين، أو تتحدَّث عن مقولة قالها أحد المشركين، أو ترفع شبهة أدلى بها أحد المغرضين، أو تزيل ريبًا وقع فيه بعض المؤمنين، أو تَبُتُّ في شكوى توجَّه بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعض المظلومين، أو تجيب عن سؤال، أو تمنٍّ صدر عن واحد أو أكثر من المسلمين أو المشركين، ونحو ذلك مما سيأتي بيانه فيما بعد إن شاء الله تعالى.
والمراد بقولنا: "أيام وقوعه" أن الحادثة أو السؤال لا يصلح كلٌّ منهما سببًا للنزول إلّا إذا نزلت الآية أيام وقوعه، أو بعده بقليل، فهو قيد في التعريف لا بُدَّ منه للاحتراز عن الآية أو الآيات التي تنزل ابتداء من غير سبب، والتي تتحدَّث عن حوادث ماضية سبقت نزول الآية بزمن بعيد؛ لأن البيان لا يتأخَّر عن وقت الحاجة -كما يقول علماء الأصول- واحترازًا عن الآية أو الآيات التي تتحدَّث عن حوادث مستقبلة تقع بعد نزولها.
طرق معرفة أسباب النزول:
يعتمد العلماء في معرفة أسباب النزول على صحَّة الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن الصحابة، فإن إخبار الصحابي عن مثل هذا إذا كان صريحًا لا يكون بالرأي، بل يكون له حكم المرفوع.
قال الواحدي في أوائل كتابه "أسباب النزول"1: "لا يحلُّ القول في
1 ص4.
أسباب نزول الكتاب إلا بالرواية والسماع مِمَّنْ شاهدوا التنزيل، ووقفوا على الأسباب، وبحثوا عن علمها، وجدُّوا في الطلب".
وهذا هو نهج علماء السلف، فقد كانوا يتورَّعُون عن أن يقولوا شيئًا في ذلك دون تثبت.
"قال محمد بن سيرين: سألت عبيدة عن آية من القرآن فقال: "اتق الله وقل سدادًا، ذهب الذين يعلمون فيما أنزل الله من القرآن"1، وهو يعني الصحابة.
وإذا كان هذا هو قول "ابن سيرين"، من أعلام علماء التابعين، تحريًّا للرواية، ودقةً في الفصل، فإنه يدل على وجوب الوقوف عند أسباب النزول الصحيحة، ولذا فإن المعتمد من ذلك فيما روي من أقوال الصحابة ما كانت صيغته جارية مجرى المسند، بحيث تكون هذه الصيغة جازمة بأنها سبب النزول.
وذهب السيوطي إلى أن قول التابعين إذا كان صريحًا في سبب النزول فإنه يُقْبَل، ويكون مرسلًا، إذا صحَّ المسند إليه، وكان من أئمة التفسير الذين أخذوا عن الصحابة كمجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، واعتضد بمرسل آخر2.
وقد أخذ الواحدي على علماء عصره تساهلهم في رواية سبب النزول، ورماهم بالإفك والكذب، وحذَّرهم من الوعيد الشديد، حيث يقول:
"أما اليوم فكلُّ أحد يخترع شيئًا، ويختلق إفكًا وكذبًا، ملقيًا زمامه إلى الجهالة، غير مفكِّرٍ في الوعيد للجاهل بسبب الآية".
1 الإتقان ج1 ص115.
2 انظر المرجع السابق.