المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الثاني والثالث - رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام - جـ ٢

[تاج الدين الفاكهاني]

فهرس الكتاب

- ‌بابُ الأَذانِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌بابُ استقبالِ القبلةِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌بابُ الصُّفوفِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌بابُ الإِمامةِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني والثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌بابُ صفةِ صلاةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالثَ عشر

- ‌الحديث الرابعَ عشر

- ‌باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود

- ‌باب القراءة في الصَّلاةِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب ترك الجَهرِ ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

- ‌باب سجود السَّهو

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب المرور بينَ يديِ المصلي

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب جامع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌باب التشهد

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الوتر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الزكاة عقب الصلاة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الجمع بين الصلاتين في السفر

- ‌باب قصر الصلاة في السفر

- ‌باب الجمعة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

الفصل: ‌الحديث الثاني والثالث

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (689)، كتاب: الجماعة والإمامة، باب: إقامة الصف من تمام الصلاة، و (701)، كتاب: صفة الصلاة، باب: إيجاب التكبير، وافتتاح الصلاة، ومسلم (414)، كتاب: الصلاة، باب: ائتمام المأموم بالإمام، و (417)، باب: النهي عن مبادرة الإمام بالتكبير وغيره، وأبو داود (601)، كتاب: الصلاة، باب: الإمام يصلي من قعود، والنسائي (921، 922)، كتاب: الافتتاح، باب: تأويل قوله عز وجل: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204]، وابن ماجه (846)، كتاب: الصلاة، باب: إذا قرأ الإمام، فأنصتوا، و (1239)، باب: ما جاء في: "إنما جعل الإمامُ ليؤتم به".

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"شرح مسلم" للنووي (4/ 134)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 203)، و"العدة في شرح العمدة" لابن =

ص: 108

وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ:

73 -

عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِهِ، وَهُوَ شَاكٍ؛ فَصَلَّى جَالِساً ، وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَاماً ، فَأَشَارَ إلَيْهِمْ؛ أَنِ اجْلِسُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ:«إنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ ، فَإِذَا رَكَعَ، فَارْكَعُوا ، وَإِذَا رَفَعَ، فَارْفَعُوا ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ، وَإِذَا صَلَّى جَالِساً؛ فَصَلُّوا جُلُوساً أَجْمَعُونَ» (1).

= العطار (1/ 421)، و"فتح الباري" لابن رجب (4/ 259، 284)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 86)، و"التوضيح" لابن الملقن (6/ 601)، و"طرح التثريب" للعراقي (2/ 327)، و"فتح الباري" لابن حجر (2/ 217)، و"عمدة القاري" للعيني (5/ 256)، و"كشف اللثام" للسفاريني (2/ 270)، و"سبل السلام" للصنعاني (2/ 22)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (3/ 170).

(1)

* تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (656)، كتاب: الجماعة والإمامة، باب: إنما جعل الإمام ليؤتم به، و (1062)، كتاب: تقصير الصلاة، باب: صلاة القاعد، و (1179)، كتاب: السهو، باب: الإشارة في الصلاة، و (5334)، كتاب: المرضى، باب: إذا عاد مريضًا، فحضرت الصلاة، فصلَّى بهم جماعة، ومسلم (412)، كتاب: الصلاة، باب: ائتمام المأموم بالإمام، وأبو داود (605)، كتاب: الصلاة، باب: الإمام يصلي من قعود، وابن ماجه (1237)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في: "إنما جعل الإمام ليؤتم به".

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"معالم السنن" للخطابي (2/ 177)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (2/ 168)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض =

ص: 109

وهو الحديث الثالث.

* * *

أما حديث أبي هريرة رضي الله عنه، فالكلام عليه من وجوه:

الأول: قوله: «إنما جعل الإمام» : لا بد فيه من تقدير محذوف، وهو المفعول الثاني ل (جعل)؛ لأنها هنا بمعنى صير، والتقدير: إنما جعل الإمام إماما (1)، والأول ارتفع لقيامه مقام الفاعل، ومعنى «ليؤتم به»؛ أي (2): يقتدى (3) به.

وقد تقدم الكلام على (إنما)، وأنها للحصر صدر هذا الكتاب.

الثاني: الحديث ظاهره في منع صلاة المفترض خلف المتنفل؛ إذ الاختلاف أعم من أن يكون في نية أو غيرها، وبه قال مالك، وأبو حنيفة، وأحمد، وغيرهم.

وظاهر -أيضا- في منع صلاة من يصلي ظهرا، خلف من يصلي

= (2/ 313)، و"المفهم" للقرطبي (2/ 46)، و"شرح مسلم" للنووي (4/ 132)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (1/ 421)، و"فتح الباري" لابن رجب (4/ 151)، و"التوضيح" لابن الملقن (6/ 516)، و"طرح التثريب" للعراقي (2/ 343)، و"فتح الباري" لابن حجر (2/ 178)، و"عمدة القاري" للعيني (5/ 217)، و"كشف اللثام" للسفاريني (2/ 282)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (3/ 208).

(1)

في "ق" زيادة: "ليؤتم".

(2)

"أي" ليست في "ق".

(3)

في "ق": "ليقتدى".

ص: 110

عصرا، أو العكس؛ لحصول الاختلاف المذكور؛ لأنه متى خالفه في قول أو فعل، صدق عليه أنه مخالف، فلا يخرج من ذلك شيء إلا بدليل، ألا تراه صلى الله عليه وسلم نبه على الموضع الذي يخالفه فيه، ونص عليه تبيينا له، وهو قوله:«وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد» ، فبقي ما عدا ذلك على الأصل، فلا يخرج إلا بدليل.

فإن قلت: ويدخل في هذا النهي -أيضا- إمامة (1) القائم للمريض العاجز عن القيام، وهي صحيحة عندكم، وهذا اختلاف بلا شك.

قلت: إنما يتناول هذا النهي من يمكنه الموافقة، والعاجز عن القيام لا يمكنه موافقة الإمام، فلا يتناوله هذا النهي -والله أعلم-، والشافعي رحمه الله وغيره يخالف في ذلك، وحملوا الحديث على الاختلاف في الأفعال الظاهرة؛ كالصبح خلف من يصلي الكسوف، والعكس، ونحو ذلك.

الثالث: قد يؤخذ من الحديث عدم قراءة المأموم في الصلاة الجهرية، إذ لم يقل عليه الصلاة والسلام: وإذا قرأ، فاقرأوا، كما قال:«فإذا كبر فكبروا» إلى آخره، وإنما خصصنا الجدهرية؛ لأنها التي يمكن استعلامها (2) دون السرية.

الرابع: قوله عليه الصلاة والسلام: «وإذا قال: سمع الله لمن

(1) في "خ": "عن إمامة".

(2)

في "ق": "استعمالها".

ص: 111

حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد»: فيه: أن التسميع مختص بالإمام ظاهرا (1).

وقد اختلف أصحابنا في صلاة المسمع، وصلاة المصلي بتسميعه على ثلاثة أقوال للمتأخرين:

الأول (2): صحة الصلاة؛ لأنه نائب عن الإمام، ففعله كفعله، وعمدتهم: اقتداء أبي بكر رضي الله عنه بالنبي صلى الله عليه وسلم واقتداء الناس بأبي بكر، وهذا على أن أبا بكر خرج عن الإمامة (3)، ولأن العمل استمر في سائر الأمصار على الصلاة بالتسميع.

والقول الثاني: بطلان الصلاة؛ لأنه إنما شرع الاقتداء بالإمام، لا بعوض عنه، كما هو ظاهر الحديث.

والثالث: صحة الصلاة إن أذن الإمام للمسمع، فحينئذ يكون كوكيله، وبطلانها إن لام يأذن؛ إذ لا تصح الوكالة من غير إذن (4).

ع: وقيل: إنما يجوز ذلك في مثل الأعياد، والجنائز، غير الفرائض التي يجتمع لها الناس.

(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 203).

(2)

"الأول" ليس في "خ".

(3)

في "ق": "إمامته".

(4)

انظر: "الذخيرة" للقرافي (2/ 258).

ص: 112

وقيل: يجوز في هذا، وفي الجمعات؛ لضرورات (1) كثرة الجموع.

وقيل: إنما يجوز ذلك إذا بصوت وطيء غير متكلف، فإن تكلف (2)، أفسد على نسفه، وعلى من ائتم به (3).

وفيه -أيضا-: دليل على أن قول: ربنا ولك الحمد، مختص بالمأموم، وهو مذهبنا.

وقال الشافعية: كل من الإمام والمأموم والفذ يقول: «سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد» ، فيجمع بينهما.

الخامس: قيل: معنى «سمع الله لمن حمده» : أجاب الله دعاء من حمده.

وقيل: المراد بها: الحث على التحميد (4).

وهذا لا ينافي الأول؛ لأنا إذا أخبرناأن الحمد سبب في إجابة الدعاء، كان ذلك حاثا لنا على التحميد في الدعاء وغيره.

ع: يظهر لي أن تردد قول مالك في اختيار جواب هذا بـ: ربنا لك الحمد، وـ: ولك الحمد؛ إنما كان لاختلاف الآثار بذلك، أو على التردد بين المعنيين المتقدمين، فإذا جعلنا «سمع الله لمن

(1) في "ق": "لضرورة".

(2)

في "ق": "مكلف، فإن كلف".

(3)

انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 315).

(4)

المرجع السابق، (2/ 298 - 299).

ص: 113

حمده»، بمعنى الحث على الحمد، كان الوجه في الجواب:«ربنا لك الحمد» دون واو؛ لأنه مطابق لما حث عليه، وامتثال لما ندب إليه، وعلى التلأويل الآخر: الأولى إثبات الواو؛ لأنه يتضمن تأكيد الدعاء الأول وتكراره بقوله: «ربنا» ؛ أي: استجب لنا، واسمع حمدنا، ثم يأتي بالعبادة التي دعا بالاستجابة لقائلها، وهو الحمد، فنقول:«ولك الحمد» (1).

وقيل: معنى ذلك: على إلهامنا ذلك، واستعمالنا له.

قلت: والمترجح عندنا إثبات الواو، والله أعلم.

فائدة:

ينبغي أن نتعلم: أن ما جاء من الدعاء بصيغة الخبر؛ نحو (2): سمع الله لمن حمده، وغفر الله ذنوبنا، ورضي الله عنا، وصلى الله على محمد وسلم، ونحو ذلك، قد قيل فيه: إنه من باب تللتفاءل بإجابة الدعاء؛ وكأنه وقع، واستجيب، وأخبر عن وقوعه، وقد تقدم الكلام على سر مجيء الأمر بصيغة الخبر، والعكس.

السادس: قوله عليه الصلاة والسلام: «فإذا كبر، فكبروا» ؛ أي: إذا قال: الله أكبر، فقولوا كذلك.

وقد اختلف العلماء في معنى (الله أكبر)، فقيل: معناه (3): الله أكبر

(1) المرجع السابق، (2/ 299).

(2)

في "ق": "مثل".

(3)

"معناه" ليس في "ق".

ص: 114

من كل شيء.

وأبى ذلك آخرون، وقالوا: إنما يقع التفاضل بين متقاربين في الشيء، ومتشاركين فيه، والله عز وجل يتعالى عن ذلك، وإنما معنى (أكبر): الكبير.

قال هؤلاء: وقد جاء (أفعل) بمعنى اسم الفاعل؛ كقولهم: أهون بمعنى: هين، قال تعالى:{وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27]؛ أي: هين.

وقال الفرزدق: [الكامل]

إِنَّ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاءَ بَنَى لَنَا

بَيْتًا دَعَائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطْوَلُ (1)

أراد: أعز: عزيز، وأطول: طويل.

قال الزجاج: وهذا غير منكر، وقد جاء على نمط كلام العرب في المبالغة في الوصف، ولم (2) يرد به النمفاضلة، والمعنى: الله أكبر كبير؛ كما يقال (3): أعز عزيز.

وقيل: معناه: الله أكبر من أن يشرك به، أو يذكر بغير المدح والتمجيد والثناء الحسن.

قال صاحب «التحرير في شرح مسلم» : هذا أحسن الأقوال؛ لما فيه من زيادة المعنى.

(1) انظر: "خزانة الأدب" للبغدادي (8/ 242).

(2)

في "ق": "فلم".

(3)

في "ق": "كما تقول".

ص: 115

وأما قولهم: «الله أكبر كبيرا» ، فعلى تقدير: كبرت كبيرا (1)(2).

ولتعلم: أن مذهب مالك رحمه الله: أنه لا يجزىء من التكبير إلا الله أكبر، لا غيره (3).

وبه قال أحمد، وداود.

وقال الشافعي رحمه الله، والجمهور: يجزىء: الله الأكبرُ.

واتفقوا على عدم انعقاد الصلاة بقوله: الله أجلُّ أو أعظمُ، و (4) الله الكبير، ونحو ذلك.

حاشا أبي حنيفة؛ فإنه قال: تنعقد الصلاة بكل ذِكْرٍ يُقصد به (5) تعظيم الله تعالى، ووافق على (6) أنه لا تنعقد الصلاة ب: يا ألله ارحمني، أو اللهمَّ اغفرلي، أو بالله أستعينُ.

وقال أبو يوسف: تنعقد بألفاظ التكبير (7)؛ كقوله: الله أكبر، والله الكبيرُ (8)، فلو قال: الله، أو الرحمنُ، واقتصر عليه، فعن أبي حنيفة روايتان.

وحجة الشافعي: قوله-عليه الصلاة والسلام: «مفتاح الصلاةِ

(1) في "ق": "تكبيرًا".

(2)

وانظر: "المجموع في شرح المهذب" للنووي (3/ 246 - 247).

(3)

في "ق": "لا غير".

(4)

في "ق": "أو".

(5)

في "ق": "يقتضيه".

(6)

"على" ليس في "ق".

(7)

في "خ": "الكبير".

(8)

"والله الكبير" ليس في "ق".

ص: 116

الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم» (1)، والتكبير يشتمل على: الله أكبر، والله أكبر.

وأورد عليه: أنه ينبغي أن تنعقد بقوله: الله أكبر، وبقوله: الله الكبير، كما قال أبو يوسف، وإذا منع هذا، لزم الاتباع وتعين، ونزل الخبر عليه (2).

فإن قلت: وما الفرق بين أكبر، والأكبر من جهة المعنى تنكيرا أو تعريفا (3)؟

قلت: قال الشيخ أبو بكر الأبهري - رحمه الله تعالى-: إذا دخل الألف والله على أكبر صار نعتا، كمصير الكبير، ويبقى المبتدأ بلا خبر.

قال بعض المتأخرين من أصحابنا: وفي هذا الكلام نظر؛ فإنه لا يمتنع أن يكون الأكر خبرا؛ لأن خبر المبتدأ قد يكون معرفة، إلا أنه قد صار محتملا للنعت والخبر، فكيف يقوم ذلك مقام: الله أكبر، الذي تعين (4) فيه أن أكبر خبر، والفرع لا يلحق بالأصل إلا إذا ساواه، أو زاد عليه، فلعل الشارع ما جعل قوله:«الله أكبر» عقدا للصلاة، إلا

(1) رواه أبو داود (61)، كتاب: الطهارة، باب: فرض الوضوء، والترمذي (3)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور، وابن ماجه (275)، كتاب: الطهارة، باب: مفتاح الصلاة الطهور، وغيرهم من حديث علي رضي الله عنه.

(2)

وانظر: "شرح مسلم" للنووي (4/ 96).

(3)

في "ق": "بتعريف أو تنكير".

(4)

في "ق": "يتعين".

ص: 117

لتعيين (1) أن أكبر خبر.

قال الأبهري: ثم إن قوله: «الله أكبر» معناه: أكبر من كل شيء، فهو أبلغ ما يكون من المدح، وإذا قلنا: الأكبر، لم يبقى ذلك المعنى؛ إذ لا يجوز الجمع بين الألف واللام و (من) في أفعل التفضيل.

وإذا قلت: الأكبر، جاز أن يكون معه من يشاركه في الكِبَر، وإذا قلت: أكبر، لم يكن له نظير.

قلت: وفي هذا نظر؛ فإن صيغة (أفعل) التي للمفاضلة تقتضي بوضعها المشاركة في أصل الشيء، والزيادة عليه، كان فيها الألف واللام، أو لم يكن؛ كقولنا: زيد أفضل من عمرو، وزيد الأفضل، وكذا مع الإضافة في نحو: زيد أفضل القوم. فتأمله.

ثم قال: وأما أصحاب أبي حنيفة فقولهم أقرب من قول غيرهم، قال صاحب «البيان والتقريب»: يعني: أقرب من قول الشافعي، وأبي يوسف، فإنهما لم يطردا القياس في كل لفظ معناه التعظيم، ولم يقتصرا على ما ورد، وقول أبي حنيفة بعد ذلك ضعيف؛ لأنه استعمل القياس في عبادة لا يعقل معناها.

قال صاحب «البيان والتقريب» : ثم المعنى الذي استنبطوه من التكبير، وقاسوا به، ليس من معاني الشرع، بل هو راجع إلى تفسير معنى اللفظ، فلا يصح القياس معه، ولو تنزلنا على صحة ما قالوه،

(1) في (ق): "لتعين".

ص: 118

للزمهم أن تنعقد الصلاة بقوله: اللهم اغفر لي وارحمني، وهو لا تنعقد عندهم بذلك.

تنبيه:

فإن قلت: ما الحكمة في تقديسم هذا القول أمام فعل الصلاة؟ أعني: قول: الله أكبر.

قلت: قيل: الحكمة فيه تنبيه المصلي على معنى هذه الحكمة، التي معناها: أنه الموصوف بالجلال، وكبر الشأن، وأن كل شيء دون جلاله وسلطانه حقير، وأنه جل وتقدس عن شبه المخلوقين والفانين، ولشغل المصلي خاطره بمقتضى هذه اللفظتة، ويستحقر أن يذكر معه غيره، أو يحدث نفسه بسواه -جل اسمه-، وأن من انتصب لعبادته، وتمثل بين يديه، أكبر من كل شيء يشتغل به، أو يعرض بذكر عما هو قد تفرغ له من طاعته.

ولتعلم: أن حق الكلام في هذا الوجه أن يكون ثالثالثا لا سادسا، على ما جرت به (1) عادتنا من تتبع ألفاظ الحديث على الترتيب، ولكن سبحان من لا يسهو ولا يغفل، جل وتعالى.

السابع: قوله عليه الصلاة والسلام: «وإذا صلى جالسا، فصلوا جلوسا أجمعون» : اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة مذاهب:

فأخذت طائفة بظاهر هذا الحديث، فأجازوا صلاة القادر على القيام خلف الإمام العاجز عن القيام جالسا، تعلقا بما في كتاب

(1) في "ق": "على مادة عادتنا".

ص: 119

مسلم: فصلى جالسا، وصلينا وراءه جحلوسا (1)، وفي الحديث الآخر: فأشار إليهم: أن اجلسوا (2)، وكأنهم جعلوا متابعة الإمام عذرا في إسقاط القيام.

وذهب الشافعي والجمهور: إلى أن المأموم القادر على القيام، لا تصح صلاته خلف الإمام العاجز عن القيام إلا قائما، واحتجوزا بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في مرضه الذي توفي فيه قاعدا، وأبو بكر والناس خلفه قياما، قالوا: وهو آخر الأمر منه صلى الله عليه وسلم، وهذا أحد القولين عندنا.

والثاني: منع ذلك، وهو المشهور؛ تعلقا بقوله عليه الصلاة والسلام:«لا يؤمن أحد بعدي جالسا» (3)، وهذا الحديث، وإن كان قد احتج به أصحابنا لهذا القول؛ أعني: حديث (4): «لا يؤمن أحد بعدي جالسا» ، فهو حديث لا تكاد تقوم به حجة؛ لأنه رواه الدارقطني

(1) قلت: كذا نقله الشارح رحمه الله من "إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 311).

وكلام القاضي يوهم أن هذه القطعة قد خرجها مسلم في "صحيحه"، وليس كذلك. إنما رواه مسلم (411/ 77) بلفظ:"فصلى بنا قاعدًا، فصلينا وراءه قعودًا".

(2)

تقدم تخريجه عند البخاري برقم (656)، ومسلم برقم (412).

(3)

رواه الدارقطني في "سننه"(1/ 398)، وقال: لم يروه غير جابر الجعفي، عن الشعبي، وهو متروك الحديث، والحديث مرسل لا تقوم به حجة، ومن طريق الدارقطني: رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 80). قال ابن عبد البر في "التمهيد"(6/ 143): وهو حديث لا يصح عند أهل العلم بالحديث، إنما يرويه جابر الجعفي، عن الشعبي مرسلا، وجابر الجعفي لا يحتج بشيء يرويه مسندًا، فكيف بما يرويه مرسلًا؟!.

(4)

"حديث" ليس في "ق".

ص: 120

عن جابر بن يزيد الجعفي -بضم الجيم وسكون العين المهملة-، عن الشعبي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يؤمن أحد بعدي جالسا» ، وهذا مرسل، وجار بن يزيد، قالوا فيه: متروك، ورواه أيضا مجالد -بالجيم واللام-، عن الشعبي، وقد استضعف مجالد، وقد قواه ع بفعل الخلفاء، فقال بعد ما ذكر الحديث: و (1) بفعل الخلفاء بعده، وأنه لم يؤمن أحد منهم قاعدا، وإن كان النسخ لا يمكن بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فمثابرتهم على ذلك تشهد بصحة نهيه عن إمامة القاعد بعده، وهو يقوي (2) لين هذا الحديث (3).

ق: وأما استدلاله بترك الخلفاء الإمامة عن قعود، فأضعف؛ فإن ترك الشيء لا يدل على تحريمه، ولعلهم اكتفوا بالاستنابة للقادرين، وإن كان الاتفاق حاصلا على مرجوحية صلاة القاعد بالقائم، وأن الأولى تركه، وذلك كاف في سبب تركهم الإمامة من قعود.

وقوله: تشهد بصحة نهيه عن إمامة القاعد بعده: ليس كذلك؛ لما بيناه من أن الترك للفعل لا يدل على تحريمه (4).

قلت: وما قاله ق ظاهر لا شك فيه، والظاهر أنه ليس لأصحابنا في ذلك حجة إلا ما قاله ابن القاسم: من أن عمل أهل المدينة على

(1) الواو ليست في "ق".

(2)

في "ق": "ويقوي هذا لين".

(3)

انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 311 - 312).

(4)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 205).

ص: 121

ذلك -أعني: عدم الائتمام بالقاعد-، وفيه ما قاله ق من أن ترك الشيء لا يدل على تحلاريمه، فلا يتم لهم الاحتجاج، والله أعلم.

واختلف أصحابنا -أيضا- في جواز ائتمام الجالس العاجز عن القيام بمثله.

فروى عيسى عن ابن القاسم في «العتبية» : لا بأس أن يؤمهم في الفريضة؛ لأن حالهم قد استوت؛ كما لو أطاقوا القيام كلهم، وبه قال مطرف، وابن الماجشون، وأصبغ، وابن عبد الحكم.

ع: وهو مشهور مذهبنا.

وروى سحنون عن ابن القاسم: لا يؤمهم؛ لأن هذا عاجز عن القيام؛ كما لو لم يقدر إلا على الاضطجاع، فإنه لا يؤم من ساواه فيه.

وقد روى عيسى عن ابن القاسم: لا يؤم المضطجع.

ع: قيل: هذه الرواية وهم، وهو كما قيل، وإنما وهم فيه من سمع النهي عن إمامة الجالس، فأخذ بعمةم اللفظ فيه، وحمله في كل حال (1).

وإذا قلنا: لا يؤم المريض العاجز عن القيام مثله، فوقع ذلك.

فقال ابن القاسم: تجزئ الإمام، ويعيد من ائتم بته؛ لأن الإمام قد أتى بصلاته على الوجه المأمور؛ من الانفراد، وترك الاقتداء بغيره، ومن ائتم به، فقد ائتم بمن ليس بإمام، فعليه الإعلادة؛ كما لو ائتمت امرأة بامرأة.

(1) انظر: «إكمال المعلم» للقاضي عياض (2/ 314).

ص: 122

وفي المسألة فروع مذكورة في كتب الفقه المطولة.

والكلام على حديث عائشة رضي الله عنها مثل الكلام على حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وما فيه من الزيادة، فقد (1) حصل التنبيه عليه، وبالله التوفيق.

(1) في "ق": "قد".

ص: 123