الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني
103 -
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ النِّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِذَا صَلَّى أَحَدَكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلْيَدْفَعْهُ، فَإِنْ أَبَى، فَلْيُقَاتِلْهُ؛ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ"(1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (487)، كتاب: سترة المصلي، باب: يردُّ المصلي من مرَّ بين يديه، واللفظ له، و (3100)، كتاب: بدء الخلق، باب: صفة إبليس وجنوده، ومسلم (505)، (258، 259): كتاب: الصلاة، باب: منع المار بين يدي الصلاة، وأبو داود (697 - 700)، كتاب: الصلاة، باب: ما يؤمر المصلي أن يدرأ عن المار بين يديه، والنسائي (757)، كتاب: القبلة، باب: التشديد في المرور بين يدي المصلي وبين سترته، و (4862)، كتاب: القسامة، باب: من اقتص وأخذ حقه دون السلطان، وابن ماجه (954)، كتاب: الصلاة، باب: ادرأ ما استطعت.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (1/ 188)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (2/ 273)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 419)، و"المفهم" للقرطبي (2/ 104)، و"شرح مسلم" للنووي (4/ 223)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 41)، و"العدة في =
* الكلام على الحديث من وجوه:
الأول: قوله عليه الصلاة والسلام: "إلى شيء يستره": ظاهرُه الإطلاق في الأشياء المستَتَر بها، وإن كان قد كره بعضُ الفقهاء السترَ بآدمي، أو حيوانٍ غيره؛ لأنه يصير في صورة المصلَّى إليه، وكره مالك في المرأة.
الثاني: قوله عليه الصلاة والسلام: "فليدفَعْه"، وفي رواية أخرى:"فَلْيَدْرَأْهُ"(1)، وهما بمعنى واحد.
ح: وهذا الأمر بالدفع أمرُ ندبٍ، وهو ندبٌ متأكدٌ، ولا أعلم أحدًا من العلماء أوجبه، قال: بل صرح أصحابُنا وغيرهم بأنه مندوبٌ غيرُ واجب (2).
الثالث: قوله عليه الصلاة والسلام: "فإن أبي، فليقاتلْه":
ع: أي: إِن أبي بالإشارة ولطيفِ المنع، فليمانعْه ويدافعْه بيده عن المرور، ويعنِّف عليه في ردِّه.
= شرح العمدة" لابن العطار (1/ 550)، و"فتح الباري" لابن رجب (2/ 668)، و"التوضيح" لابن الملقن (6/ 59)، و"فتح الباري" لابن حجر (1/ 582)، و"عمدة القاري" للعيني (4/ 290)، و"كشف اللثام" للسفاريني (2/ 496)، و"سبل السلام" للصنعاني (1/ 145)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (3/ 6).
(1)
تقدم تخريجه عند مسلم برقم (505)، (1/ 362).
(2)
انظر: "شرح مسلم" للنووي (4/ 223).
قال أبو عمر بن عبد البر: هذا لفظ جاء على وجه التغليظ والمبالغة (1).
وقال الباجي: يحتمل أن يكون بمعنى: فليلْعَنْه، فالمقاتلةُ بمعنى اللعنِ موجودةٌ، قال اللَّه تعالى {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} [الذاريات: 10] (2).
قلت: قول الباجي رحمه الله: يحتمل أن يكون بمعنى فليلعنه إلى آخره ضعيفٌ جدًا؛ لوجوه:
الأول: أن الآية التي استشهد بها غيرُ ما في الحديث؛ لأن معنى قاتلَ غيرُ معنى قُتل قطعًا، ولو كان المعنى على ما ذكر، لقيل: قوتل الخراصون، فلا يلزم من ثبوت قَتَلَ بمعنى لَعَنَ ثبوتُ قاتلَ كذلك.
الوجه الثاني: إنَّا لا نعهد في الشريعة جنايةً رتب عليها اللعن زاجرًا، بل ثبت العكس في قصة مَنْ قيل فيه: لعنه اللَّه! ما أكثرَ ما يؤتَى به! فقال صلى الله عليه وسلم: "لَا تَلْعَنْهُ"، الحديث (3).
الثالث: لو أُمِر المصلِّي بلعن المارِّ، لم يخل أن يلعنه وهو (4) في الصلاة، أو بعدَ فراغه منها، فلا يجوز الأولُ إجماعًا؛ لأنه متكلِّم في
(1) انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (2/ 274). وانظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 420).
(2)
انظر: "المنتقى" للباجي (2/ 276).
(3)
رواه البخاري (6398)، كتاب: الحدود، باب: ما يكره من لعن شارب الخمر، وأنه ليس بخارج من الملة، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(4)
"وهو" زيادة من "ق".
وقيل: فإنه يفعل فعلَ الشيطان؛ فإن الشيطان بعيدٌ من الخير والائتمار للسُّنَّة، من قولهم: نَوَى شَطُون؛ أي: بعيدة، ومنه سمي الشيطان؛ لبعده من رحمة اللَّه تعالى، فسماه شيطانًا؛ لاتصافه بوصفه؛ كما يقال: فلان الأسدُ؛ أي: يبطِشُ كبطشه وقُوَّته.
قلت: وقيل: إنه مأخوذ من شاطَ يَشِيطُ: إذا احترق، والأولُ أصح، وينبني عليه الصرفُ وتركُه، فيصرف على شطن؛ لأصالة النون، ولا يصرف على شاط؛ لزيادتها، واللَّه أعلم.
وقيل: المراد بالشيطان هنا: قرين الإنسان اللازم له؛ كما قال في الرواية الأخرى: "فَإِنَّ مَعَهُ الْقَرِينَ"(1)، ويكون هذا في (2) معنى قوله في الحديث الآخر:"فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَحُولُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهَا"، فيكون على هذا منع الإنسان الجوازَ بين يدي المصلي من أجل الشيطان اللازمِ له؛ لكونه خبيثًا نجسًا، ويكون اللَّه -تعالى- يمنعُه من التسلط (3) على المشي أمام المصليِّ، وقطعِ صلاتِه إذا اجتهد العبدُ في الدنو من قبلته، وامتثلَ ما أمره به، ولم يجعل له سبيلًا إليه، بخلاف ما إذا لم يدنُ من السترة، واللَّه أعلم (4).
(1) رواه مسلم (506)، كتاب: الصلاة، باب: منع المار بين يدي المصلي، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(2)
في "خ": "من".
(3)
في "خ": "النشاط".
(4)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 420).
الخامس: فيه دليلٌ على أن العمل اليسيرَ في الصلاة جائز، إذا كان لإصلاحها، وقد تقرر الكلام على هذا قريبًا، واللَّه أعلم.
* * *