الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السادس
111 -
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي شِدَّةِ الحَرِّ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ مِنَ الأَرْضِ، بَسَطَ ثَوْبَهُ، فَسَجَدَ عَلَيْهِ (1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (378)، كتاب: الصلاة في الثياب، باب: السجود على الثياب في شدة الحر، و (517)، كتاب: مواقيت الصلاة، باب: وقت الظهر عند الزوال، و (1150)، كتاب: العمل في الصلاة، باب: بسط الثوب في الصلاة للسجود، ومسلم (620)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب تقديم الظهر في أول الوقت في غير شدة الحر، وأبو داود (660)، كتاب: الصلاة، باب: الرجل يسجد على ثوبه، والنسائي (1116)، كتاب: التطبيق، باب: السجود على الثياب، والترمذي (584)، كتاب الصلاة، باب: ما ذكر من الرخصة في السجود على الثوب في الحر والبرد، وابن ماجه (1033)، كتاب: الصلاة، باب: السجود على الثياب في الحر والبرد.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (1/ 183)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (3/ 67)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 585)، و"المفهم" للقرطبي (2/ 248)، و"شرح مسلم" للنووي =
* الكلام على الحديث من وجوه:
الأول: ظاهرُه: تقديم (1) الظهر في أول وقتها، وهو في معنى حديث جابر بن عبد اللَّه الذي فيه: كانَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يصلِّي الظهرَ بالهاجرة، الحديث، وقد تقدم الكلامُ على الجمع بينه وبين حديث الإبراد.
ويحتمل أن لا يكون حديثُ أنس هذا معارضًا لحديث الإبراد؛ لأن الغالب بقاء حرارة الأرض، وإن ذهبت الشمسُ عنها، فيُحتاج (2) من أجل ذلك إلى بسط الثوب عليها، واللَّه أعلم.
الثاني: فيه: دليل على أن الأصل مباشرةُ الأرض بالجبهة (3) واليدين؛ لتعليقه بسطَ الثوب على عدم استطاعة مباشرة الأرض لشدة الحر، وقد كره أصحابنا السجودَ على الطنافس (4)، وثياب الصوف، والكتان، والقطن، وأحلاس الدوابِّ؛ وهي أكسية رقيقة تكون تحت
= (5/ 121)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 62)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (1/ 583)، و"فتح الباري" لابن رجب (2/ 269)، و"التوضيح" لابن الملقن (5/ 388)، و"فتح الباري" لابن حجر (1/ 493)، و"عمدة القاري" للعيني (4/ 117)، و"كشف اللثام" للسفاريني (2/ 546)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (2/ 289).
(1)
في "خ": "تقدم".
(2)
في "ق": "فمحتاج".
(3)
في "ق": "بالوجه".
(4)
في "ق": "الطنافيس".
البردعة، واحدها حِلْس وحَلَس؛ مثل: شِبْه وشَبَه، ومِثْل ومَثَل، وكذلك الأَدَم، واللبود، وبُسط الشَّعر، إلا أنه لا يكره أن يقوم عليها ويجلس، ويسجدَ على الأرض إذا لم يضع كفيه عليها.
ولا يكره السجود على الخُمْرَة، وهي سجادةٌ صغيرة تُعمل من سَعَف النخل، وتُرمل بالخيوط، وكذلك الحُصُر، وما تُنبت الأرضُ، ولكن الصلاة على التراب والجص أحبُّ إلى مالك رحمه اللَّه تعالى.
قال ابن حبيب: وهذا أقربُ إلى التقوى، ولولا ما مضى عليه الأمر من تَحْصيبِ المسجدينِ وغيرِهما، لفرشَهما أهلُ الطَّوْل بأفضلَ من ذلك (1).
وبالجملة: فالمصلي مأمورٌ بالتواضع للَّه عز وجل في صلاته بقلبه وجسده، وتعمُّدُ بَسْطِ الثياب التي لها قدرٌ والطنافسِ والسجاداتِ، ولا سيما المتَّخَذَةِ من الخرقِ الرفيعة؛ مما يضادُّ قصدَ التواضع، ويؤدي ذلك بالمصلي إلى مضاهاةِ أهلِ الكِبْر والترفُّه، وذلك مكروه في الصلاة، ولو لم يقصد المصلي بذلك الكبر والترفُّه، إلا أنَّا نكرهُه لأجل أنه في صورة المتكبرين.
وقريبٌ من هذا ما سمعتهُ من شيخنا محي الدين المازوني رحمه الله، وقد رأى بعضَ أعوانِ أصحاب الشُّرَط، فقال: هؤلاء يأثمون، وإن لم يقصدوا؛ لأن هيئتهم هيئةُ المُرْجِفين.
(1) وانظر: "مواهب الجليل" للحطاب (1/ 546).
قال اللخمي: يُستحب للمصلي أن يقوم على الأرض من غير حائل، وأن يباشر (1) بجبهته الأرضَ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام:"يَا رَبَاحُ! عَفِّرْ وَجْهَكَ في الأَرْضِ"(2)، ولأن ذلك هو المعمولُ به في الحرمين، والصلاةُ فيهما على الحصباء والتراب، ولم تُتخذ فيهما حصر، فإن صلى على حائل، فيستحب أن يكون مما تُنبت الأرض؛ كالحصر، وما أشبهَ ذلك.
قال صاحب "البيان والتقريب": يعني: مما لا ترفُّهَ فيه ولا داعيةَ في فَرْشه إلى كِبْر.
واختُلف في ثياب القطن والكتان، فكرهه مالكٌ (3) في "المدونة"، وأجازه ابن مسلمة.
والأولُ أحسن؛ لما فيهما من الترفُّه، وموضعُ الصلاة التواضعُ والخضوعُ والتذلل.
وكره الصلاة على الحصر السامان مما عظم ثمنه، والتواضعُ للَّه تعالى أفضلُ.
(1) في "ق": "وإن لم يباشر".
(2)
رواه الترمذي (381)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في كراهية النفخ في الصلاة، من حديث أم سلمة رضي الله عنها. وقال: إسناد ليس بذاك، وميمون أبو حمزة قد ضعفه بعض أهل العلم، انتهى. وقد رواه ابن حبان في "صحيحه"(1913)، وغيره من طرق أخرى عن أم سلمة رضي الله عنها. كلهم بلفظ:"يا رباح! ترب وجهك".
(3)
"مالك" ليس في "خ".
قال: ويُباشر بيديه ما يسجد عليه، ويُبرزهما عن كُمَّيه، ويَحْسِرُ العِمَامةَ عن جبهته.
وقال محمد بن مسلمة: ينبغي أن لا (1) يسجدَ على ثوبه الذي على جسده، ولا على يديه وهما في كُمَّيه حتى يفضي (2) بهما إلى الأرض؛ لأنه كان [كمن] يسجد بغير وجهه ويديه.
قال ابن وهب: وقد رأى النبيُّ صلى الله عليه وسلم رجلًا يسجد وقد اعتمَّ على جبهته، فحسرَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عن جبهته (3).
قال صاحب "البيان والتقريب" وقد وردت أخبارٌ في السجود على ما لا ترفُّه فيه.
منها: ما رواه البخاري عن أنس، قال: كنا نصلِّي معَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فيسجدُ على فِراشِه (4).
(1)"لا" ليست في "ق".
(2)
في "خ": "يمضي".
(3)
رواه أبو داود في "المراسيل"(84)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 105)، عن صالح السبأي مرسلًا.
(4)
قلت: ذكر البخاري في "صحيحه"(1/ 150) باب: الصلاة على الفراش، وصلى أنس على فراشه، وقال أنس: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فيسجد أحدنا على ثوبه. كذا في البخاري.
أما فعل أنس رضي الله عنه: فقد أخرج البيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 305)، عن حميد الطويل قال: رأيت أنس بن مالك يصلي متربعًا على فراشه. =
وما رواه أبو داود عن المغيرة بن شعبة، قال: كان رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يصلِّي على الحصير، والفَرْوَةِ المدبوغَة (1).
وما رواه الترمذي عن ابن عباس: أن (2) النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُصلِّي على الخُمْرَة (3).
وما رواه البخاري، ومسلم عن أنس، قال: كانَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أحسنَ الناس خُلُقًا، فربما تحضُرُه الصلاةُ وهو في بيتنا، فيأمر بالبِساط الذي تحته، فَيُنْشَر، ثم يُنْضَح، ثم يقوم رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، ويصلِّي بنا، ونقومُ خلفَه، وكان بساطُهم من جريدِ النَّخْل (4).
وما رواه البخاري، ومسلم، وأبو داود عن ميمونةَ زوجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قالت: كان رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يصلِّي وأنا حِذَاءَهُ، وربما أصابني (5) ثوبُه،
= وأما قوله رضي الله عنه: فرواه البخاري (378)، كتاب: الصلاة، باب: السجود على الثوب.
(1)
رواه أبو داود (659)، كتاب: الصلاة، باب: الصلاة على الحصير، وابن خزيمة في "صحيحه"(1006)، وغيرهما.
(2)
في "ق": "عن".
(3)
رواه الترمذي (331)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الصلاة على الخمرة، وقال: حسن صحيح.
(4)
رواه البخاري (5850)، كتاب: الأدب، باب: الكنية للصبي، ومسلم (659)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: جواز الجماعة في النافلة، والصلاة على حصير.
(5)
في "خ": "أصابتني".
وكان يصلِّي على الخُمْرة (1).
الرابع: قال الجوهري: الاستطاعةَ: الإطاقَةُ، وقالوا: اسطاع (2) يسطيع، يحذفون التاء استثقالًا لها مع الطاء، ويكرهون إدغامَ التاء فيها، فتحرِّك السين، وهي لا تُحرَّك (3) أبدًا.
وذكر الأخفش: أن بعض العرب يقول: استاعَ يستيعُ، قال: وبعضُ العرب يقول: اسطاع يسطيع، بقطع الألف، وهو يريد أن يقول: أطاعَ يُطيع، ويجعل السين عوضا من ذهاب حركة عين الفعل، ويقال: تطاوع لهذا الأمر حتى يستطيعه، وتطوَّعَ؛ أي: تكلَّفَ استطاعته، واللَّه أعلم (4).
* * *
(1) رواه البخاري (372)، كتاب: الصلاة، باب: إذا أصاب ثوب المصلي امرأته إذا سجد، ومسلم (513)، كتاب: الصلاة، باب: الاعتراض بين يدي المصلي، ومسلم (656)، كتاب: الصلاة، باب: الصلاة على الخمرة.
(2)
في "خ": "استطاع".
(3)
في "ق": "وهو لا يحرك".
(4)
انظر: "الصحاح" للجوهري (3/ 1255)، (مادة: طوع).