المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثاني 130 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله - رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام - جـ ٢

[تاج الدين الفاكهاني]

فهرس الكتاب

- ‌بابُ الأَذانِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌بابُ استقبالِ القبلةِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌بابُ الصُّفوفِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌بابُ الإِمامةِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني والثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌بابُ صفةِ صلاةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالثَ عشر

- ‌الحديث الرابعَ عشر

- ‌باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود

- ‌باب القراءة في الصَّلاةِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب ترك الجَهرِ ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

- ‌باب سجود السَّهو

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب المرور بينَ يديِ المصلي

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب جامع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌باب التشهد

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الوتر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الزكاة عقب الصلاة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الجمع بين الصلاتين في السفر

- ‌باب قصر الصلاة في السفر

- ‌باب الجمعة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

الفصل: ‌ ‌الحديث الثاني 130 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله

‌الحديث الثاني

130 -

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ جَاءَ مِنْكُمُ الجُمُعَةَ، فَلْيَغْتَسِلْ"(1).

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (837)، كتاب: الجمعة، باب: فضل الغسل يوم الجمعة، و (854)، باب: هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء والصبيان وغيرهم؟ و (877)، باب: الخطبة على المنبر، ومسلم (844)، في أول كتاب: الجمعة، والنسائي (1376)، كتاب: الجمعة، باب: الأمر بالغسل يوم الجمعة، و (1405 - 1407)، باب: حض الإمام في خطبته على الغسل يوم الجمعة، والترمذي (492)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الاغتسال يوم الجمعة، وابن ماجه (1088)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الغسل يوم الجمعة.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"الاستذكار" لابن عبد البر (2/ 17)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (2/ 280)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (3/ 232)، و"المفهم" للقرطبي (2/ 478)، و"شرح مسلم" للنووي (6/ 130)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 109)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 674)، و"فتح الباري" لابن رجب (5/ 337)، و"التوضيح" لابن الملقن (7/ 378)، و"طرح التثريب" للعراقي (3/ 156)، و"فتح الباري" لابن حجر (2/ 357)، و"عمدة =

ص: 618

* الشرح:

(1)

الجمعة: -بضم الميم وإسكانها وفتحها-، حكاهن (2) الواحدي عن الفراء، والمشهورُ الضَّمُّ، وبها قُرىء في السبع، والإسكانُ تخفيفٌ منه، ووجَّهوا الفتحَ (3): بأن الجمعة تجمع الناس؛ كما يقال؛ هُمَزَة، وضُحَكَة للمكثر (4) من ذلك، والفتحُ لغةُ بني عقيل.

قال الزمخشري: قرىء في الشواذ باللغات (5) الثلاث.

وكان يومُ الجمعة يسمى في الجاهلية: عَروبةَ، والعَروبة، ولهذا قال الشافعي رحمه الله: يومُ الجمعة هو اليوم الذي بين الخميس والسبت، فأرادَ إيضاحه (6).

فائدة: كانت العرب تسمِّي أيام الأسبوع:

أَوَّل: يعني: الأحد، أهون، جُبار، دُبار، مُؤنس، عَروبة، شِيار.

ولبعض شعراء الجاهلية: [الوافر]

= القاري للعيني": (6/ 165)، و"كشف اللثام" للسفاريني (3/ 143)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (1/ 290).

(1)

في "ت" زيادة: "إن".

(2)

في "ت": "حكاها".

(3)

في "ت": "والفتح" بذل "ووجهوا الفتح".

(4)

في "خ" و"ق": "للمكثرين".

(5)

في "ق": "باللغة".

(6)

انظر: "المجموع في شرح المهذب" للنووي (4/ 402)، وعنه نقل المؤلف رحمه الله.

ص: 619

أُؤُمِّلُ أَنْ أَعِيَش وَإِنَّ يَوْمِي (1)

بِأوَّلَ أَوْ بأهْوَن أَوْ جُبَارِ

أَوْ التَّالِي دُبَارَ فَإِنْ أَفُتْهُ (2)

فَمُؤْنِسَ أَوْ عَرُوبَةَ أَوْ شِيَارِ (3)

قال السهيلي: أول من سمى العَروبةَ الجمعةَ كعبُ بنُ لؤي، فكانت (4) قريش تجتمع إليه في هذا اليوم، فيخطُبُهم، ويذكِّرهم بمبعَثِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، ويعلمهم أنه من ولده، ويأمرهم باتباعه، والإيمان به، وينشد في هذا أبياتًا منها:

يَا لَيْتَنِي شَاهِدٌ فحواء (5) دَعْوتِهُ

إِذَا قُرَيْشٌ تُبَغِّي الحَقَّ خِذْلَانَا (6)

وثبت في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال:"خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ (7) الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا فِي يَوْمَ الْجُمُعَةِ"(8).

(1) في "ق": "أم بيومي"، وفي "خ":"أم فيومي".

(2)

في "ت": "يَفُتْني".

(3)

البيتان في "جمهرة اللغة" لابن دريد (3/ 1311)، و"المحكم" لابن سيده (2/ 93)، (مادة: عرب).

(4)

في "ت": "وكانت".

(5)

في "خ": "دعواء"، وفي "ت":"فحوى".

(6)

انظر: "الروض الأنف" للسهيلي (2/ 253).

(7)

في "ت" و"ق": "فيه".

(8)

رواه مسلم (854)، كتاب: الجمعة، باب: فضل يوم الجمعة.

ص: 620

وزاد مالك في "الموطأ"، وأبو داود، وغيرُهما بأسانيد على شرط البخاري، ومسلم:"وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ، وَفِيهِ مَاتَ، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ مُصِيخَةٌ يَوْمَ الجُمُعَةِ، مِنْ حِينِ يُصْبحُ (1) حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ؛ شَفَقًا مِنَ السَّاعَةِ، إِلَّا الجِنَّ وَالإِنْسَ"(2).

ع (3): الظاهر: أن هذه القضايا المعدودة فيه ليست لذكر فضيلتها؛ لأن ما وقع فيه (4) من إخراج آدمَ من الجنة، وقيام الساعة، لا يُعد في الفضائل (5).

وإنما هو على تعداد القضايا، وتعظيمِ ما وقع فيه وحدثَ فيه من الأمور العظام، فيجب على ذلك أن (6) يكون العبدُ مستعدًا متحررًا بعمل (7)، صالحٍ لرحمةٍ من (8) اللَّه -تعالى- تناله، أو بطشة تُدفع عنه.

(1) في "ت": "تصبح".

(2)

رواه الإمام مالك في "الموطأ"(1/ 108)، ومن طريقه: أبو داود (1046)، كتاب: الصلاة، باب: فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة.

(3)

"ع" ليس في "ت".

(4)

في "ت" زيادة: "وحدث فيه".

(5)

انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (3/ 247).

(6)

في "خ" و"ق": "فبحسب ذلك" بدل "فيجب على ذلك أن".

(7)

في "خ": "متهيئًا العمل"، وفي "ق":"متهيئًا بعمل" بدل "متحررًا بعمل".

(8)

"من" ليس في "ت".

ص: 621

وقوله: "مُصِيخَة" -بالخاء المعجمة-، وفي رواية أبي داود:"مُسِيخَة" -بالسين (1) -؛ أي: مصغية مستمعة (2).

وعنه قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "نَحْنُ السَّابِقُونَ الآخِرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، وَأُوتينَا مِنْ بَعْدِهِمْ، فَهَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَهَدَاناَ اللَّهُ لَهُ، (3) فَهُمْ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ، فَاليَهُودُ غَدًا، وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ"، رواه البخاري، ومسلم (4).

ومعنى (بَيْدَ): غير، وقيل: مَعَ، وقيل: على، وفيها لغة بالميم (مَيْدَ)، وقد تكون بمعنى: من أجل.

أنشد أبو عبيد (5):

عَمْدًا فَعَلْتُ ذَاكَ بَيْدَ أَنِّي

أَخَافُ إِنْ هَلَكْتُ لم (6) تُرِنِّي (7)

من الرَّنين.

(1)"بالسين" ليس في "ت".

(2)

انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (2/ 433).

(3)

في "ت" زيادة: "قال".

(4)

رواه البخاري (836)، كتاب: الجمعة، باب: فرض الجمعة، ومسلم (855)، كتاب: الجمعة، باب: هداية هذه الأمة ليوم الجمعة، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(5)

في "خ": "أبو علي".

(6)

في "ق": "أن".

(7)

انظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد (1/ 139).

ص: 622

وعظَّمت اليهودُ يومَ السبت لما كان تمامُ الخلق فيه (1)، فظنت أن ذلك يوجب له فضيلةً، وعظَّمت النصارى يومَ الأحد لما كان ابتداءُ الخلق فيه، وكلُّ ذلك تحكُّمٌ بعقولهم، وهدى اللَّه هذه (2) الأمةَ المحمديةَ بسنن (3) الاتباع، فعظَّمَتْ ما عظَّمَ اللَّهُ.

وقد قيل: إن موسى عليه الصلاة والسلام أمرَهم بالجمعة وفضلِها، فناظروه في ذلك، وخالفوه، واعتقدوا أن السبت أفضلُ، فأوحى اللَّه -سبحانه- إليه: أنْ (4) دَعْهُم وما اختاروا.

وقد قيل: إن اللَّه فرض عليهم يومًا في الجمعة، فاختاروا يومَ السبت، وكأن اللَّه سبحانه وكَّلَ تعيينَ اليوم إلى اختيارهم (5)، فاختلف (6) اجتهادُهم في تعيينه، فحرمهم اللَّه -تعالى- بركةَ يوم الجمعة، وجعلَه لمحمدٍ عليه الصلاة والسلام وأُمته (7)، فكانت (8) هذه الأمة المحمدية

(1)"فيه" ليس في "ت".

(2)

في "ت": "السيدة".

(3)

في "ت": "بسبب"، وفي "ق":"السير".

(4)

"أن" زيادة من "ت".

(5)

في "ت": "لاختيارهم".

(6)

في "ق": "واختلف".

(7)

في "ت": "ولأمته".

(8)

في "ت": "وكانت".

ص: 623

أسعدَ الأمم بالهداية من حيث كان يومهم هو عروس أيام (1) الأسبوع (2)؛ كما كان البيت الحرام (3) الذي يحجون إليه عروسَ الفلك الأرضي في الأمكنة، المقابل للبيت المعمور.

وكان يوم الجمعة من الأيام المعظَّمة في الجاهلية والإسلام.

قيل: ولم يختلف العلماء أن يوم عرفةَ أفضلُ منه، ولذلك (4) عَظُمَ فضلُه إذا وافق يومُ عرفة يومَ جمعة؛ لاجتماع أسباب الفضل فيه.

ولم تزل الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- يخبرون أن اللَّه تعالى عظَّمه من حيث إن فيه تمام الخلق، وكمال الدائرة، فهو أحد الأسباب التي اختص بها واقتضت تشريفه.

قال مجاهد في قوله تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [الأعراف: 54]، قال (5): أولها يوم الأحد، وآخرها يوم الجمعة، فلما اجتمع خلقُها يومَ الجمعة، جعلَه اللَّه تعالى عيدًا للمسلمين، قال صلى الله عليه وسلم:"الجُمُعَةُ حَجُّ الفُقَرَاءِ"، و"عِيدُ المَسَاكِينِ (6) "(7).

(1) في "ق": "الأيام".

(2)

في "ت": "الأيام" بدل "أيام الأسبوع".

(3)

"الحرام" ليس في "ت".

(4)

في "ق": "وكذلك".

(5)

"قال" ليس في "ت".

(6)

في "ق": "الدين".

(7)

رواهما الشهاب القضاعي في "مسنده"(78، 79)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وإسناداهما ضعيفان.

ص: 624

ومما يدل على تفضيل يوم (1) الجمعة ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (2): "أُتِيتُ بِمِرْآةٍ فِيهَا نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ"، وفي رواية أخرى:"فِيهَا نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ! مَا هَذِهِ الْمِرْآةُ؟ فَقَالَ: هَذِهِ يَوْمُ الجُمُعَةِ، قُلْتُ: ما هَذِهِ النُّكْتَةُ؟ قَالَ: هَذِهِ السَّاعَةُ الَّتِي في يَوْمِ الجُمُعَةِ"(3).

قالَ بعضُ العلماءِ: السرُّ في كونها سوداءَ: هو انْبِهامُها والتِباسُ عينِها (4)، وبياضُها -على مقتضى الرواية الأخرى-: تنبيهٌ على شرفِها وخصوصيتها؛ من حيثُ إن البياض أحسنُ الألوان.

تنبيه: اعلمْ: أن الزمن من حيث هو زمنٌ لا يفضلُ بعضُه بعضًا، وكذلك لا يفضُل شيء شيئًا بذاته، بل بالتفضيل، وللَّه -سبحانه- أن يفضل ما شاء، ومَنْ شاء، على ما شاء، وأن يخصَّ مَنْ شاء بما شاء، وقد نص الرسول عليه الصلاة والسلام على تفضيل بعضِ الأزمنة، ونَبَّهَ على رُجحان العمل فيها، وكأن المقصودَ من ذلك: حَثُّ الخلق

(1) في "ت": "فضل" بدل "تفضيل يوم".

(2)

"قال" ليس في "ق".

(3)

رواه أبو يعلى في "مسنده"(4228)، والطبراني في "المعجم الأوسط"(6717)، والحارث بن أبي أسامة في "مسنده"(195)، وأبو نعيم في "حلة الأولياء"(3/ 72)، والخطيب في "موضح أوهام الجمع والتفريق"(2/ 294)، من حديث أنس رضي الله عنه.

(4)

في "ق": "عليها".

ص: 625

على الاجتهاد والطاعات (1) فيها، منها: يوم عرفة، ومنها: عَشْرُ ذي الحجة، ومنها: رمضان عمومًا، وليلةُ القدر منه خصوصًا، ومنها: شعبانُ عمومًا، وليلةُ نصفه خصوصًا، ومنها: يوم الجمعة عمومًا، والساعةُ التي فيه خصوصًا، ومنها: يومُ عاشوراء، ومنها: الساعات (2) التي في الليل، وخصوصًا نصفه الأخير.

وفي الخبر: أن داود عليه الصلاة والسلام قال: إِلَهيِ (3)! مَتَى أقومُ لِمُنَاجَاتِكَ؟ فَقَالَ (4): يَا دَاوُدُ! إِذَا ذَهَبُ شَطْرُ اللَّيْلِ الأَوَّلُ.

وفي هذه الشريعة المباركة المحمدية: "يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، حَتَّى يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ"، الحديث (5).

وقيل في قول يعقوب عليه الصلاة والسلام: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} [يوسف: 98]: إنه أَخَّرَ الاستغفار إلى السحر.

وقيل: وعدهم أن يستغفر لهم ليلةَ الجمعة.

(1) في "ت": "والطاعة".

(2)

في "ت": "الساعة".

(3)

"إلهي" ليس في "ت".

(4)

في "ت": "قال".

(5)

رواه أبو داود (4733)، كتاب: السنة، باب: في الرد على الجهمية، والترمذي (3498)، كتاب: الدعوات، باب:(79)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وقد رواه مسلم (758) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه نحو هذا.

ص: 626

وقيل: بل أخَّر الاستغفارَ حتى يجتمع بيوسفَ بمصرَ (1)؛ ليكون أجمعَ للدعاء، وأطيبَ للنفس، وليستوهبَ (2) من يوسف ذنوبَ إخوته، على جميعهم أفضلُ الصلاة والسلام.

وبالجملة: فتخصيصُ بعض الأزمنة، وتفضيلُ بعضها على بعض ثابتٌ في الشرع، وكلُّ ذلك لأسرار علمها عليه الصلاة والسلام، وأطلعَ اللَّهُ مَنْ شاءَ (3) عليها، واستَأْثَرَ بما شاءَ منها، قاله (4) ابن بزيزة، واللَّه الموفق.

وليسَ في الحديثِ إلا مَا يتعلقُ بحكمِ الغُسل للجمعةِ، وظاهرُهُ: وجوبُ الغُسْلِ؛ فإنَّهُ صريحٌ في الأمر، وظاهرُ الأمرِ الوجوبُ، وقد جاءَ التصريحُ بلفظِ الوجوبِ في حديثٍ آخر، وقد اختلف العلماءُ في وجوبِهِ، وسنيتِهِ، واستحبابِهِ.

ع (5): روي عن بعضِ الصحابةِ وجوبُه.

قلت: وأظنُّه أبا هريرة رضي الله عنه.

وبه قال أهلُ الظاهر، وتأول ابنُ المنذر بأنه (6) مذهبُ مالك،

(1) في "ت": "بقصر".

(2)

في "ت": "ويستوهب".

(3)

في "ق": "يشاء".

(4)

"ق": "قال".

(5)

"ع" ليس في "ت".

(6)

"ت": "أنه".

ص: 627

وحكاه الخطابي عنه، وعن الحسن.

وعامة فقهاء الأمصار، وأئمة الفتوى على أنه سُنةٌ، وهو مذهبُ مالك، والمعروفُ من قوله (1)، ومعظم قول أصحابه.

وجاء عنه ما دلَّ على أنه مستحب؛ وبه قالت طائفة من العلماء، وقال بعضهم: الطِّيبُ يُجزىء عنه (2)(3).

و (4) كذلك -أيضًا- اختلفوا في الطيب والسواك، والجمهورُ على عدمِ وجوبه.

قال بعض متأخري أصحابنا: والمعوَّل في إسقاط وجوبه حديثُ عمرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنه مع عثمانَ حين دخلَ عليه (5).

على أنهم قد اختلفوا في الداخل من هو؟ فقيل: عثمان، وقيل: غيره.

وفي "صحيح البخاري": إذ جاء رجلٌ من المهاجرين الأَوَّلِينَ من أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم (6).

(1) في "ت" و"خ": "فعله".

(2)

في "خ": "منه".

(3)

انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (3/ 232).

(4)

الواو ليست في "ت".

(5)

رواه البخاري (838)، كتاب: الجمعة، باب: فضل الغسل يوم الجمعة، ومسلم (845)، في أول كتاب: الجمعة.

(6)

هي رواية البخاري المتقدمة آنفًا برقم (838).

ص: 628

و (1) وجه الاستدلال من حديث عمر: أنه لو كان الغسل واجبًا، لما تركه عثمانُ رضي الله عنه، ولأَمَرَه عمرُ بالخروج والاغتسال (2)، فهو إقرار منه بمحضر الصحابة، فكان كالإجماع، وهذا الذي يسميه (3) الفقهاء: الإجماعَ السكوتيَّ، واختلفوا هل هو حجة، أم (4) لا؟

وروى النسائي عن الحسن، عن سَمُرة، قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنِ اغْتَسَلَ، فَالغُسْلُ أَفْضَلُ"(5)، وهذا نصٌّ إسقاط الوجوب، وإن كان قد اختلف في تصحيح إسناد هذا الحديث؛ فضعَّفه بعضُهم، وصحَّحه بعضُهم.

ق (6): والمشهورُ أن سندَه صحيح على مذهب بعض أهل الحديث (7).

قلت: ووجهُ التضعيف اختلافُ أهلِ الحديث في سماع الحسنِ

(1) الواو ليست في "ت".

(2)

في "ت": "إلى الاغتسال".

(3)

في "ت": "تسميه".

(4)

في "ت": "أو".

(5)

رواه الإمام أحمد في "المسند": (5/ 8)، وأبو داود (354)، كتاب: الطهارة، باب: الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة، والترمذي (497)، كتاب: الطهارة، باب، ما جاء في الوضوء يوم الجمعة، وابن خزيمة في "صحيحه":(1757).

(6)

"ق" ليس في "ت".

(7)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 110).

ص: 629

من (1) سمرةَ.

وذكر أبو أحمد بن عديٍّ -أيضًا (2) - عن أنس، قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ إِلَى (3) الجُمُعَةِ، فَلْيَغْتَسِلْ"، فلما كان الشتاءُ، قلنا: يا رسولَ اللَّهِ! أمرتَنا بالغُسل يومَ الجمعة (4)، وقد جاء الشتاء، ونحن نجد البردَ، فقال:"مَنِ (5) اغْتَسَلَ، فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنْ لَمْ يَغْتَسِلْ، فَلَا حَرَجَ"(6).

قلت: قوله عليه الصلاة والسلام: "فَبِهَا وَنِعْمَتْ"، تقديرُه: فَنِعْمَتْ فِعْلَةً فِعْلَتُه، فحذف التمييز، واسمُ الممدوح، هكذا نص عليه أهل العربية.

وقوله عليه الصلاة والسلام: "لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا"(7) يقتضي الحثَّ والاستحباب، والترغيبَ، دونَ الحَتْم والوجوب.

وأما حديثُ أبي هريرة: "حَقٌّ عَلَى كُلّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ في كُلِّ

(1) في "ق": "عن".

(2)

"أيضًا" ليس في "ت".

(3)

"إلى" ليس في "ت".

(4)

في "ت": "للجمعة" بدل "يوم الجمعة".

(5)

في "ت": "فمن".

(6)

رواه ابن عدي في "الكامل في الضعفاء"(6/ 15).

(7)

رواه البخاري (860)، كتاب: الجمعة، باب: من أين تؤتى الجمعة وعلى من تجب، ومسلم (847)، كتاب: الجمعة، باب: وجوب غسل الجمعة على كل بالغ من الرجال، من حديث عائشة. رضي الله عنها.

ص: 630

سَبْعَةِ أَيَّامٍ" (1)، وحديثُ أبي سعيدٍ الخدريِّ -أيضًا-: أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "الغُسْلُ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ" (2)، فمقتضاهما (3) وجوبُ الغُسل يومَ الجمعة، وتأوله المالكيةُ على وجوب السُّنَن، وفيه عندي نظر، وفي بعض طرق الحديث: "كَغُسْلِ الجَنَابَةِ" (4)، فقيل: حكمًا، وقيل: صفةً.

قال الخطابي: ولم تختلف الأمة أن صلاةَ مَنْ لم يغتسل للجمعة جائزةٌ (5).

ومما استدل به الجمهور -أيضًا-: حديثُ عائشة رضي الله عنها، قالت: كان الناس ينتابون (6) الجمعةَ من منازلهم، فيأتون في

(1) رواه البخاري (856)، كتاب: الجمعة، باب: هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء والصبيان وغيرهم، ومسلم (849)، كتاب: الجمعة، باب: الطيب والسواك يوم الجمعة.

(2)

رواه الإمام مالك في "الموطأ"(1/ 102)، والإمام أحمد في "المسند"(3/ 6)، والبخاري (839)، كتاب: الجمعة، باب: فضل الغسل يوم الجمعة، ومسلم (846)، كتاب: الجمعة، باب: الطيب والسواك يوم الجمعة، وأبو داود (341)، كتاب: الطهارة، باب: في الغسل يوم الجمعة، وابن ماجه (1089)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الغسل يوم الجمعة.

(3)

في "ق": "فمقتضاه".

(4)

هي رواية الإمام مالك رحمه الله المتقدم تخريجها.

(5)

انظر: "معالم السنن" للخطابي (1/ 106).

(6)

في "ت": "يأتون".

ص: 631

العَباء، ويُصيبهم الغُبار، فيخرج منهم الريحُ، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا" رواه البخاري، ومسلم (1).

وعن ابن عباس، قال: غُسل الجمعة ليس بواجب، ولكنه أطهرُ وخيرٌ لمن اغتسل (2)، وسأخبركم كيف كان (3) بدءُ الغسل، فذكرَ نحوَ حديث عائشة، رواه أبو داود بإسناد حسن (4).

وبالجملة: فالأحاديثُ التي ظاهرُها الوجوب إذا حُملت على الندب، كان ذلك (5) جمعًا بينها وبين ما يقتضي من الأحاديث عدمَ الوجوب، واللَّه أعلم.

قال العلماء: ويُستحب أن يتنظف بالاستياك، وقصِّ الأظفار، وأخذِ الشعر، وقطع الأرائح، وأن يتطيَّبَ، ويلبسَ أحسنَ ثيابه؛ لما روى أبو سعيد، وأبو هريرة رضي الله عنهما: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَاسْتَنَّ، ومَسَّ مِنْ طِيبٍ (6) إِنْ كَانَ عِنْدَهُ، وَلَبِسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى يأْتيَ المَسْجِدَ، وَلَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ، ثُمَّ رَكَعَ

(1) تقدم تخريجه قريبًا.

(2)

في "ت": "للمغتسل" بدل "لمن اغتسل".

(3)

"كان" ليس في "ت".

(4)

رواه أبو داود (353)، كتاب: الطهارة، باب: الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة، ومن طريقه: البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 295)، وابن عبد البر في "التمهيد"(10/ 85).

(5)

في "ت": "كذلك".

(6)

في "ق": "من الطيب".

ص: 632

مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْكَعَ، وَأَنْصَتَ إِذَا خَرَجَ الإِمَامُ؛ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا" (1).

وأفضلُ الثياب البَياضُ؛ لما روى سَمُرَةُ بنُ جندبٍ، قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "الْبَسُوا بَيَاضَ الثِّيَابِ؛ فَإِنَّهَا أَطْهَرُ، وَأَطْيَبُ"(2).

وَيُسْتَحَبُّ للإمامِ من الزينةِ أكثرُ مما يُسْتَحَبُّ لغيرهِ؛ لأنه مقتدًى به، والأفضل أن يعتمَّ ويرتدي؛ اقتداءً به صلى الله عليه وسلم (3).

* * *

(1) رواه أبو داود (343)، كتاب: الطهارة، باب: في الغسل يوم الجمعة، والإمام أحمد في "المسند"(3/ 81)، وابن خزيمة في "صحيحه"(1762)، وابن حبان في "صحيحه"(2778)، والحاكم في "المستدرك"(1046)، وانظر:"التلخيص الحبير" لابن حجر (2/ 69).

(2)

رواه النسائي (5322)، كتاب: الزينة، باب: الأمر بلبس البيض من الثياب، والترمذي (2810)، كتاب: الأدب، باب: ما جاء في لبس البياض، وقال: حسن صحيح، وابن ماجه (3567)، كتاب: اللباس، باب: البياض من الثياب.

(3)

انظر: "المجموع في شرح المهذب" للنووي (4/ 456).

ص: 633