الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني عشر
89 -
عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: أَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ (1).
* * *
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (379)، كتاب: الصلاة في الثياب، باب: الصلاة في النعال، واللفظ له، و (5512)، كتاب: اللباس، باب: النعال السبتية وغيرها، ومسلم (555)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: جواز الصلاة في النعلين، والنسائي (775)، كتاب: القبلة، باب: الصلاة في النعلين، والترمذي (400)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الصلاة في النعال.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"عارضة الأحوذي" لابن العربي (2/ 190)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 488)، و"المفهم" للقرطبي (2/ 161)، و"شرح مسلم" للنووي (5/ 42)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 236)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (1/ 486)، و"فتح الباري" لابن رجب (2/ 274)، و"التوضيح" لابن الملقن (5/ 391)، و"فتح الباري" لابن حجر (1/ 494)، و"عمدة القاري" للعيني (4/ 119)، و"كشف اللثام" للسفاريني (2/ 395)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (2/ 131).
* التعريف:
أبو مسلمة: تابعي اسمه سعيد (1) -كما ذكر-، بن يزيد بن مسلمة، القصير، الأزدي، ويقال: البصري الطاحي -بالطاء وبالحاء المهملتين-، منسوب إلى طاحية -بطن من الأزد-، متفق على الاحتجاج به.
سمع أبا نضرة -بالضاد المعجمة- (2)، وأنس بن مالك.
روى عنه: بشر بن المفضل، وشعبة، وعباد بن العوام، وإسماعيل بن علية.
توفي سنة اثنتين وثلاثين ومئة - رحمه الله تعالى- (3).
* ثم الكلام على الحديث من وجوه:
الأول: الحديث دليل على جواز الصلاة في النعلين.
ق: ولا ينبغي أن يؤخذ منه الاستحباب؛ لأن ذلك لا يدخل في المعنى المطلوب من الصلاة.
فإن قلت: فلعله من باب الزينة وكمال الهيئة، فيجري مجرى الأردية والثياب التي (4) استحب التجمل بها في الصلاة؟
(1) في "خ": "يزيد" بدل "سعيد".
(2)
"بالضاد المعجمة" ليس في "خ".
(3)
وانظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" للبخاري (3/ 520)، و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (4/ 73)، و"الثقات" لابن حبان (4/ 280)، و"تهذيب الكمال" للمزي (11/ 114)، و"تهذيب التهذيب" لابن حجر (4/ 88).
(4)
في "خ": "الذي".
قلت: هو وإن كان كذلك، إلا أن ملابسة الأرض التي تكثر بها (1) النجاسات مما يقصر به عن هذا المقصود، لكن البناء على الأصل، إن انتهض دليل (2) على الجواز، فيعمل به في ذلك، والقصور الذي ذكرناه عن الثياب المتجمل بها يمنع من إلحاقه بالمستحبات، إلا أن يرد دليل شرعي بإلحاقه بما يتجمل به، فيرجع إليه، ويترك هذا النظر.
ومما يقوي هذا النظر، إن لم يرد دليل على خلافه: أن التزين في الصلاة من (3) الرتبة الثالثة في المصالح، وهي رتبة التزيينات والتحسينات، ومراعاة أمر النجاسة من الرتبة الأولى، وهي الضروريات، أو الثانية، وهي الحاجيات، على حسب اختلاف العلماء في حكم إزالة النجاسة، فيكون رعاية الأولى بدفع ما قد يكون مزيلا لها أرجح بالنظر إليها، ويعمل بذلك فغي عدم الاستحباب، وبالحديث في الجواز، ويرتب كل حكم على ما يناسبه، ما لم يمنع من ذلك مانع، والله أعلم، انتهى (4).
الثاني: فيه: دليل لأحد القولين، وهو مراعاة الأصل فيما إذا تعارض الأصل والغالب، وذلك أن النعلين يلابسان الأرض، وأصلها الطهارة، والغالب عليها النجاسة، ثم الغالب علوق الشيء منها بالنعلين، ومع ذلك صلى بهما عليه الصلاة والسلام بناء على الأصل الذي
(1) في "ق": "فيها".
(2)
في "ق": "دليلا".
(3)
في "ق": "في".
(4)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 236).
هو الطهارة، إلا أنه يعارض هذا، أنه عليه الصلاة والسلام أمر بالنظر إلى النعلين ودلكهما إن رئي فيهما أذى، وإذا كان الغالب النجاسة، فالغالب رؤيتها، وإذا رآها فيهما، دلكهما؛ لأمره بذلك؛ إذ محال أن يأمر بشيء من هذا ولا يفعله، وإذا كان الأمر كذلك، لم تكن التمسألوة من باب تعارض الأصل والغالب، وإنما تكون منه لو لم يدلكهما، والله أعلم (1).
الثالث: «نعم» : حرف عِدَةٍ وتصديق، وجواب للاستفهام، سمع فيه كسر العين، والأكثر الفتح، وهو قائم في الكلام مقام الجملة المفيدة، فإذا قال القائل: أقام زيد؟ فقلت: نعم، فكأنك قلت: قام زيد، فسدت (نعم) مسد الجملة، وأغنت غناها، وذلك من محاسن كلام العرب.
وأما (بلى)، فهي رد للنفي، وتقرير للثبوت، فإذا قال: ألم أحسن إليك؟ قلت: بلى، إن أردت تقرير الإحسان، فكأنك قلت: أحسنت
(1) المرجع السابق، (1/ 237).
قلت: والتحقيق في تعارض الأصل والغالب: أنه إذا كان الغالب الظاهر اتبع ما لم يعارضه غيره، وإلا عمل بالأصل، ورجح بعض المالكية تقديم الغالب على الأصل، إلا في موضع يلزم من تقديمه حرج أو إضاعة مال محترم؛ كطعام أهل الكتاب، فإن الأصل طهارته، والغالب نجاسته؛ لأنهم لا يتوقونها، ويلزم من اجتنابه حرج، والأمر بغسل اليدين عند القيام من النوم قدم فيه الغالب؛ لانتفاء الحرج فيه. وقدم فيما نحن فيه الأصل؛ لما في غسل النعل في كل وقت من الضرر، انتهى.
نبه إلى ذلك ابن الملقن رحمه الله في "الإعلام"(3/ 142).
إلي، فسدت -أيضا- مسد الجملة، ومنه قوله تعالى:{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172].
ولتعلم أن (نعم) تكون عدة في جواب الأمر وغيره من الأفعال (1) المستقبلة، وذلك كقولك: نعم، في جواب من قال: أكرمني، أو هل تكرمني، أنت في الحالين واعد له بالإكرام، وتكون تصديقا فيما عدا ذلك، وذلك نحو قولك: نعم لمن قال: خرج زيد -مثلا-: إذا صدقته (2) في إخباره بذلك، وكذلك -أيضا- إذا قال: أخرج زيد؟ فقلت له: نعم، كنت مخبرا له بخروج زيد، ومصدقا نفسك فيما أخبرته به من خروجه، وإن وقعت بعد إيجاب، أو سؤال عن نفي، كانت تصديقا لذلك النفي، وذلك نحو قولهم: نعم في جواب من قال: قام، أو هل قام زيد؟ وفي جواب من قال: لم يقم زيد، أو ألم يقم زيد؟ إذا أردت تحقيق نفي القيام.
وأما (بلى)، فإنها لا تقع إلا بعد نفي في اللفظ أو في المعنى، وسواء كان النفي مقرونا بها، أو بأداة الاستفهام، أو لم يكن كذلك، فإذا قال القائل: لم يقم زيد، فقلت في الجواب: بلى، فالمعنى: بلى، قام زيد، وكذلك إذا قال منكرا لمقاومة زيد له: هل يستطيع زيد أن يقاومني، فقيل له في الجواب: بلى، فالمعنى: بلى يسطيع مقاومتك.
وساغ وقوع بلى جوابا للاستفهام لما كان معناه النفي، فإن قلت:
(1) في "ق": "الأحوال".
(2)
في "ق": "حذفته".
فهلا جاز أن تقع (نعم) في جواب النفي المقرون همزة الاستفهام، إذا أريد إثثبات النفي؟ فيقال في جواب من قال: ألم أعطك درهمات: نعم، ويكون المراد إثبات الإعطاء من حيث كان مراد المقرر الإثبات، ألا ترى أن مراده بقوله: ألم أعطك درهما: قد أعطيتك درهما، فكما يقال في تصديق قوله: قد أعطيتك درهما: نعم، فكذلك كان ينبغي أن يقال: نعم في جواب من قال: ألم أعطك درهما؟ ويكون المراد: إثبات الإعطاء.
قلت: قيل في الجواب: إن المقرر قد يوافق المقرَّر على تقريره، وقد لا يوافقه، فلو قال في الجواب: نعم، لم يدر هل هو جواب على حسب اللفظ، فيكون المراد: إثبات النفي، أو جواب على المعنى الذي أراده (1) المقرِّر، فيكون المراد: إبطال النفي، فلما كان في ذلك من اللبس ما ذكرناه، جعلوا الجواب لكل واحد من المعنيين بحرف يخصه حتى يرتفع اللبس، فأجابوا بـ (بلى» إذا أرادوا إبطال النفي، وبـ «نعم إذا أرادوا تحقيق النفي، فإن اقترن بالكلام ما يرتفع معه اللبس، كان الجواب بنعم، والمراد المراد بالجواب بببلى، ويكون الجواب -إذ ذاك- على حسب المعنى، لا على حسب اللفظ، ومن ذلك قوله:[الوافر]
أَلَيْسَ اللَّيْلُ يَجْمَعُ أُمَّ عَمْرٍو
…
وَإِيَّانَا، فَذَاكَ بِنَا تَدَانِ
(1) في "ق": "أراد".
نَعَمْ، وَتَرَى الْهِلَالَ كَمَا أَرَاهُ
…
وَيَعْلُوهَا الْنَّهَارُ كَمَا عَلَانِي (1)
ألا ترى أن المعنى: نعم، ويجمعنا الليل؟ وساغ ذلك؛ لارتفاع اللبس من جهتين:
إحدهما: أنه قد علم أنه لا ينكر أحد جمع الليل لهما.
وأخرى: أنه هو الذي أجاب عن نفسه، فقد علم ما قصد بالجواب، فاحتفظ بهذه المسألة، فإنها في نهاية التحرير في هذا الباب، والله الموفق.
* * *
(1) البيتان لجحدر بن مالك الحنفي، انظر:"خزانة الأدب" للبغدادي (11/ 201، 208).