الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني
107 -
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: كُنَّا نَتكَلَّمُ في الصَّلَاةِ، يُكَلِّمُ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ وَهُوَ إِلَى جَنْبِهِ فِي الصَّلَاةِ، حَتَّى نَزَلَتْ:{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] فَأُمِرْنَا بالسُّكُوتِ، ونُهِينَا عَنِ الكَلَامِ (1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (1142)، كتاب: العمل في الصلاة، باب: ما ينهى من الكلام في الصلاة، و (4260)، كتاب التفسير، باب:{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] ، ومسلم (539)، كتاب: المساجد، ومواضع الصلاة، باب: تحريم الكلام في الصلاة، ونسخ ما كان من إباحة، واللفظ له، وأبو داود (949)، كتاب: الصلاة، باب: النهي عن الكلام في الصلاة، والنسائي (1219)، كتاب: السهو، باب: الكلام في الصلاة، والترمذي (405) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في نسخ الكلام في الصلاة، و (2986)، كتاب: التفسير، باب: ومن سورة البقرة.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"عارضة الأحوذي" لابن العربي (2/ 195)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 468)، و"المفهم" للقرطبي (2/ 147)، و"شرح مسلم" للنووي (5/ 26)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 52)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (1/ 565)، و"فتح الباري" لابن رجب (6/ 363)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 112)، و"التوضيح" لابن الملقن (9/ 262)، و"فتح الباري" لابن حجر (3/ 73)، =
* التعريف:
زَيْدُ بنُ أَرقمَ بنِ النعمانِ بنِ مالكٍ الأَغَرِّ (1) -بالغين المعجمة والراء المهملة- بنِ ثعلبةَ بنِ كعبِ بنِ الخزرج، الأنصاريُّ، الخزرجيُّ، من بني الحارث بن الخزرج.
اختُلف في كنيته، فقيل: أبو عمرو، وقيل: أبو عامر، وقيل: أبو سعيد، وقيل: أبو أُنيسة، بضم الهمزة وفتح النون.
كان يتيمًا في حجر عبدِ اللَّهِ بنِ رواحة.
وهو الذي رفع إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن عبد اللَّه بنِ أُبَيِّ ابنِ سلولَ قوله: {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} [المنافقون: 8]، فأكذَبه عبدُ اللَّه بنُ أبي، وحلف، فأنزل اللَّه -تعالى- تصديقَ زيد بن أرقمَ، فبادر أبو بكر وعمر إلى زيدٍ ليبشراه، فسبق أبو بكر، فأقسمَ عمرُ لا يبادرُه بعدها إلى شيء، وجاء النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فأخذ (2) بأذنِ زيد، وقال:"وَفَتْ أُذُنُكَ يَا غُلَامُ"(3).
= و"عمدة القاري" للعيني (7/ 270)، و"كشف اللثام" للسفاريني (2/ 518)، و"سبل السلام" للصنعاني (1/ 139)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (2/ 360).
(1)
في "ق": "بن الأعز".
(2)
في "خ": "وأخذ".
(3)
رواه البخاري (4617)، كتاب: التفسير، باب: قوله: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: 1] ومسلم (2772)، في أول كتاب: صفات المنافقين وأحكامهم، بلفظ -والسياق للبخاري-:"إن اللَّه قد صدقك يا زيد". وانظر: "غوامض الأسماء المبهمة" لابن بشكوال (2/ 764).
قيل: كان ذلك في غزوة بني المصطلق، وقيل: في تبوك.
رُوي عن زيد بن أرقم: أنه قال: غزوتُ مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سبعَ عشرةَ غزوةً، روي ذلك عنه من طرق عديدة، وقال في بعضها: وفاتني معه غَزاتان (1).
نزل الكوفة، وسكنها، وبنى بها دارًا في كِنْدَةَ، وهو معدود في الكوفيين، وشهد مع عليٍّ صِفِّينَ، وهو معدود في خاصة أصحابه.
وتوفي بالكوفة سنة ثمان وستين، وتوفي معه في هذه السنة عبدُ اللَّه ابنُ عمرِو بنِ العاص، وزيدُ بنُ خالدٍ الجهنيُّ، رضي الله عنهم أجمعين (2).
* ثم الكلام على الحديث من وجوه:
الأول: هذا الحديث مصرِّحٌ بنسخ الكلام في الصلاة، وقد وردت في ذلك أحاديثُ، منها: حديثُ ابن مسعود، قال: كنت أُسَلِّم على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو يصلِّي، فأسلِّمُ عليه، فيردُّ عليَّ السلام، فأتيته بعد
(1) في "ق": "غزوتان".
(2)
وانظر ترجمته في: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (6/ 18)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (3/ 385)، و"الثقات" لابن حبان (3/ 139)، و"المستدرك" للحاكم (3/ 613)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (2/ 535)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (19/ 256)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (2/ 342)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (1/ 196)، و"تهذيب الكمال" للمزي (10/ 9)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (2/ 165)، و"الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر (2/ 589)، و"تهذيب التهذيب" له أيضًا (3/ 340).
ذلك فسلمتُ عليه، فلم يردَّ عليَّ، فما صلَّى صلاةً كان أعظمَ عليَّ منها، فلما سلَّم، أشار بيده إلى القوم، فقال:"إِنَّ اللَّه أَحْدَثَ في الصَّلَاةِ أَلَّا تَكَلَّمُوا فِيهَا (1) إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ، وَأَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ"، رُوي من طرق، وفي بعضها: كنا نسلِّم على النبي صلى الله عليه وسلم، فيرد علينا السلام، حتى قدمنا من أرض الحبشة، فسلَّمْتُ عليه، فلم يردَّ عليَّ، فأخذني ما قَرُبَ وما بَعُدَ، فجلستُ حتى قضى الصلاة، قال:"إِنَّ اللَّه يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ، وَإِنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ أَنْ لا تَتَكَلَّمُوا في الصَّلاةِ"(2).
الثاني: روينا عن الإِمام أبي بكر الحازمي في كتابه المسمى بـ "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ" وهو من أَجَلِّ ما صُنِّفَ فيه، قال: الكلامُ في هذا الباب يجري في فصلين:
أحدهما: المنعُ من الكلام؛ سهوِه، وعمدِه.
والثاني: اختصاصُ المنع بالعمدِ دونَ السهو.
أما الفصل الأول: فقد اتفق أهل العلم قاطبةً على أن مَنْ تكلم عامدًا، وهو لا يريد تعليمَ أحد، ولا إصلاحَ شيء: أن صلاته باطلة، وذهبوا إلى (3) الأحاديث التي ذكرناها آنفًا.
وأما الفصل الثاني: فقد اختلف أهل العلم في المصلي يسلِّم (4)
(1)"ألا تكلموا فيها" ليس في "ق".
(2)
رواه النسائي (1220)، كتاب: السهو، باب: الكلام في الصلاة.
(3)
في "خ": "إلى أن".
(4)
في "ق": "يتكلم".
في صلاته ساهيًا، قبل أن يتم صلاته، فذهبت طائفة: إلى أنه إذا تكلم ساهيًا، استأنف صلاته، وإليه ذهب قَتادةُ من البصريين، وإبراهيمُ النخعيُّ، وحمادُ بنُ سليمان، وأبو حنيفة، وأهلُ الكوفة، وتمسَّكوا بظاهر حديث ابن مسعود؛ لأنه مطلق، فتناولَ حالتي العَمْد والسَّهْو.
وخالفهم في ذلك آخرون، وقالوا: يبني على صلاته، ولا إعادةَ عليه، وروي ذلك عن عبد اللَّه بن مسعود، وبه قال عروةُ بنُ الزبير، وعطاءٌ، والحسنُ البصريُّ، وعمرُو بنُ دينار، والثوريُّ، ونفرٌ من أهل الكوفة، والشافعيُّ وأصحابُه، وأحمدُ، وإسحاق، وأكثرُ أهل الحجاز والشام، وذهبوا في ذلك إلى حديث أبي هريرة، يعني: حديثَ ذي اليدين، ورأوه ناسخًا للسهو، وفي حديث ابن مسعود: دونَ العمد؛ لأنه آخرُ الحديثين، وذكر حديث ذي اليدين من طريقين:
أحدهما: عن أبي هريرة.
والآخر: عن عمران بن حصين: أنه سلم في ثلاث ركعات من العصر، ثم ذكر بعد ذلك، بسنده للشافعي، قال: إنما نهى رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الكلام في الصلاة في العَمْد، وهذا الحديث بمكة؛ يعني: حديث ابن مسعود، وحديث ذي اليدين بالمدينة، فهو ناسخ (1).
قلت: وهذا مذهبنا -أيضًا-: أنه إذا تكلم ساهيًا، بني على
(1) انظر: "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار" للحازمي (ص: 210)، وما بعدها.
صلاته، وسجد لسهوه؛ كما تقدم في باب السهو.
ق: هذا اللفظ أحدُ ما يُستدل به على الناسخ والمنسوخ، وهو ذكر الراوي لتقدم أحد الحكمين على الآخر، وهذا لا شك فيه، وليس كقوله: هذا منسوخ، من غير بيان التاريخ (1)؛ فإن ذلك قد ذكروا فيه: أنه لا يكون دليلًا؛ لاحتمال أن يكون الحكم بالنسخ عن (2) طريق اجتهادي، واللَّه أعلم (3).
الثاني: قال الإِمام أبو بكر السجستاني ثم العُزَيري (4): قانتون: مطيعون، وقيل: مُقِرُّون بالعبودية، والقنوت على وجوه: الطاعة، والقيام في الصلاة، والدعاء، والصمت (5).
ع: وقيل: أصلُه الدوام على الشيء، وإذا كان هذا أصله، فمديمُ الطاعة قانتٌ، وكذلك الداعي، والقائمُ في الصلاة، والمخلصُ فيها، والساكتُ فيها، كلُّهم فاعلون القنوت (6).
(1) في "ق": "الناسخ".
(2)
في "ق": "على".
(3)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 52).
(4)
قلت: هو بضم العين، وفتح الزاي، وسكون الياء، بعدها راء، وهو محمد عُزير العزيري السجستاني؛ منسوب إلى أبيه، ومن قاله بزايين فقد أخطأ. وانظر:"اللباب في تهذيب الأنساب" لابن الجزري (2/ 338)، و"توضيح المشبه" لابن ناصر الدين (6/ 265).
(5)
انظر: "غريب القرآن" لأبي بكر العزيري السجستاني (ص: 372).
(6)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 469).
وهذه إشارة لما ذكرناه من استعماله لمعنى مشترك (1)، وهذه طريقة المتأخرين من أهل العصر، وما قاربه، يقصدون به: دفع الاشتراك والمجاز عن موضع اللفظ، فلا (2) بأس بها، إن لم يدل دليل على أن اللفظ (3) حقيقة في معنى معين، فيستعمل حيثُ لا يقوم دليل على ذلك.
قال: ولفظُ الراوي يُشعر بأن المراد بالقنوت في الآية: السكوت؛ كما دل عليه لفظ (حتى) التي للغاية، و (الفاء) التي تشعر بتعليل ما سبق عليها لما يأتي بعدها.
وقد قيل: إن القنوت في الآية: الطاعة، وفي كلام بعضهم ما يُشعر بحمله على الدعاء المعروف، حتى جعل (4) ذلك دليلًا على أن الصلاة الوسطى هي الصبح من حيث قرنها بالقنوت.
والأرجحُ من هذا كلِّه: حملُه على ما أشعرَ به كلامُ الراوي؛ فإن المشاهدين للوحي والتنزيل يعلمون سبب (5) النزول، والقرائنَ المحتفَّةَ به؛ مما يرشدهم إلى تعيين المحتمَلات، وبيانِ المجمَلات، فهم في ذلك كالناقلين للفط يدل على التعليل والسبب، وقد قالوا: إن قول الصحابي في الآية: نزلت في كذا، يتنزل منزلةَ المسند (6).
(1) في "ق": "مشرك".
(2)
في "ق": "ولا".
(3)
في "ق": "إن لم يقم دليل على اللفظ".
(4)
في "ق": "حمل".
(5)
في "ق": "بسبب".
(6)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 53).
الثالث: قوله: "فأُمرنا بالسكوت، ونُهينا عن الكلام": انظر ما فائدة قوله: "ونُهينا عن الكلام"، بعد قوله:"فأُمرنا بالسكوت"، فإنه كافٍ في تحريم التلفُّظ في الصلاة بغير قراءتها وأذكارها؛ أعني: قوله: "فأمرنا بالسكوت"، وقوله:"ونُهينا عن الكلام" لا يَقتضي تحريمَ التلفظ بما لا يصدق عليه كلامٌ من المفردات الإسمية، والأفعال المجردة عن الضمائر، والحروف والأصوات، وإنما تقتضي تحريمَ ما يصدُقُ عليه كلامٌ خاصة.
وقد اختلف الفقهاء في أشياءَ هل تُبطل الصلاةَ أو لا؛ كالنفخ، والتنحنحِ لغير علَّة، وحاجة، وكالبكاء؟
ق: والذي يقتضيه القياس: أن ما يسمى كلامًا، فهو منهيٌّ عنه، وما لا يسمى كلامًا، فمن أراد إلحاقَه به، كان ذلك بطريق القياس، فليراعِ شرطَه في مساواة الفرعِ الأصلَ (1).
قلت: وقولُ أصحابنا: إن النفخ في الصلاة كالكلام، فيه نظر، فإنه قد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نفخَ في صلاة الكسوف (2)، ولا قائلَ بالفرق بينَ الكسوف وغيرِها في الإبطال بالكلام، واللَّه أعلم.
(1) المرجع السابق، الموضع نفسه.
(2)
رواه أبو داود (1194)، كتاب: الصلاة، باب: من قال يركع ركعتين، والنسائي (547)، كتاب: السهو، باب: كيف النفخ، من حديث عبد اللَّه بن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما.