الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني
94 -
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنْ صَلاةِ الظُّهْرِ؛ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَسُورَتَيْنِ؛ يُطَوِّلُ فِي الأُولَى ، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ ، وَيُسْمِعُ الآيَةَ أَحْيَاناً، وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَسُورَتَيْنِ، يُطَوِّلُ فِي الأُولَى ، وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ/ وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُخْرَيَيْنِ؛ بِأُمِّ الْكِتَابِ (1).
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (725)، كتاب: صفة الصلاة، باب: القراءة في الظهر، واللفظ له، و (728)، باب: القراءة في العصر، و (743)، باب: يقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب، و (745)، باب: إذا سمع الإمام الآية، و (746)، باب: يطول في الركعة الأولى، ومسلم (451)، (154، 155)، كتاب: الصلاة، باب: القراءة في الظهر والعصر، وأبو داود (798 - 800)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في القراءة في الظهر، والنسائي (974)، كتاب: الافتتاح، باب: تطويل القيام في الركعة الأولى من صلاة الظهر، و (975)، باب: إسماع الإمام الآية في الظهر، و (976)، باب: تقصير القيام في الركعة الثانية من الظهر، و (977)، باب: القراءة في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر، و (978)، باب: القراءة في الركعتين الأوليين من صلاة العصر، وابن ماجه (819)، كتاب: الصلاة، باب: =
* الكلام على الحديث من وجوه:
الأول: قوله: «يقرأ في الأوليين» هي أفصح من الأَوَّلَة والأوَّلَتَيْن -بالتاء-، وكذلك الأخرى والأخريان أفصح من الآخرة والآخِرتين (1).
الثاني: السورة في أصل اللغة: كل منزل من البناء.
قال الجوهري: ومنه سورة القرآن؛ لأنها منزلة بعد منزلة مقطوعة عن الأولى، والجمع سور، بفتح الواو.
قال الشاعر: [البسيط]
سُودُ الْمَحَجِرِ لا يَقْرَأْنَ بِالسُّوَرِ (2)
= القراءة في صلاة الفجر، و (829)، باب: الجهر بالآية أحيانا في صلاة الظهر والعصر.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (1/ 201)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 367)، و"المفهم" للقرطبي (2/ 71)، و"شرح مسلم" للنووي (4/ 171)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 15)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (1/ 510)، و"فتح الباري" لابن رجب (4/ 414)، و"التوضيح" لابن الملقن (7/ 63)، و"فتح الباري" لابن حجر (2/ 244)، و"عمدة القاري" للعيني (6/ 21)، و"كشف اللثام" للسفاريني (2/ 432)، و"سبل السلام" للصنعاني (1/ 174)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (2/ 248).
(1)
في "خ": "والآخرتان".
(2)
عجز بيت للراعي النميري، وصدره:
هنَّ الحرائر لا ربات أحمرة
ويجوز أن تجمع على سورات، وسوَرات -بتسكين الواو وفتحها-، وأما قول النابغة:[الطويل]
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَعْطَاكَ سُورَةً
…
تَرَى كُلَّ مَلْكٍ دُونَهَا يَتَذَبْذَبُ
فإنه يريد: شرفا ومنزلة.
وأما سورى بوزن بشرى، فموضع بالعراق من أرض بابل، ونهو بعد بلد السُّريانيين (1).
وقال غيره: معنى السورة في كلام العرب: الإبانة لها من سورة أخرى، وانفصالها عنها، سميت بذلك؛ لأنه يرتفع فيها من منزلة إلى منزلة.
وقيل: سميت بذلك؛ لشرفها، وارتفاعها؛ كما يقال لما ارتفع من الأرض: سُور.
وقيل: سميت بذلك؛ لأن قارئها يشرف على ما لم يكن عنده؛ كسور البناء كله -بغير همز-.
وقيل: سميت بذلك؛ لأنها قطعة من القرآن على حدة، من قول العرب للبقية: سُؤْر، وجاء: في أسآر الناس؛ أي: بقاياهم، فعلى هذا يكون الأصل سؤرة -بالهمز-، ثم خففت، فأبدلت (2) واوا لانضمام ما قبلها.
(1) انظر: "الصحاح" للجوهري (2/ 690)، (مادة: سور).
(2)
في "ق": "وأبدت".
وقيل: سميت بذلك؛ لتمامها وكمالها، من قول العرب للناقة التامة: سورة، والله أعلم (1).
الثالث: الحديث يدل على قراءة سورة مع الفاتحة، ولا خلاف في ذلك، وإنما الخلاف في وجوبها وعدمه.
وللعلماء في زيادة قرآن مع الفاتحة ثلاثة أقوال:
القول الأول: الوجوب: يحكى ذلك عن عمر بن الخطاب، وعثمان بن أبي العاص، وغيرهما، وحده عمر وعثمان رضي الله عنهما بثلاث آيات، وقال غيرهما: ما تيسر (2)، ووجهه: التمسك بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم، وما رواه أبو هريرة، قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، ويعارضه قةله عليه الصلاة والسلام:«لا صلاة إلا بقراءة، ولو بفاتحة الكتاب» (3)، وما رواه محمول على الندب.
والقول الثاني: أن ذلك سنة.
قال في «المدونة» : إن ترك ذلك سهوا، سجد قبل السلام.
قال ابن القاسم في «العتبية» : فإن نسي السجود حتى طال، فلا شيء عليه، ودليلنا على عدم الوجوب الحديث المذكور آنفا، وقوله
(1) انظر: "تفسير القرطبي"(1/ 65).
(2)
في "ق": "بآيتين" بدل "ما تيسر".
(3)
رواه أبو داود (819 - 820)، كتاب: الصلاة، باب: من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب.
-عليه الصلاة والسلام: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» ، فلم (1) يزد عليها، والاستدلال بالحديث الأول أصرح من هذا الثاني.
والقول الثالث: عندنا: أن ذلك فضيلة، قال مالك في «مختصر ما ليس في المختصر»: ليس على ناسيها إعادة ولا سجود، وقاله أشهب.
قال اللخمي: واختلف في تاركها عمدا، أو جهلا، فقال ابن القاسم: يستغفر الله، ولا شيء عليه.
وقال عيسى: إن تركها عمدا، أو جهلا، أعاد أبدا.
قال اللخمي: فجعلها واجبة.
قال الإمام المازري: ما أظن اللخمي خرج الوجوب إلا من قوله: من تركها جهلا؛ لأن القول بالإعادة مع العمد يجري على طريقة القائلين بأن تارك السنة متعمدا يعيد أبدا، وفي تخريجه هذا نظر؛ لأن المذهب اختلف، هل الجاهل كالعامد، أو لا؟ فعلعل عيسى رآه كالعامد.
قال صاحب «البيان والتقريب» : ومنشأ الخلاف في أنها سنة أو فضيلة: النظر في تأكد الأمر وعدم تأكده، انتهى.
هذا كله في الفرائض، أما السنن والتطوعات، فزيادة قرآن على الفاتحة فيها سنة، ما عدا ركعتي الفجر؛ فإن المشهور عندنا فيها الاقتصار على الفاتحة.
(1) في "ق": "ولم".
وفي «مختصر ابن شعبان» : يقرأ فيهما بأم القرآن، وسورة من قصار المفصل،.
ودليلنا في استحبابها في سائر التطوعات: استمرار العمل على ذلك، وسيأتي الكلام على ركعتي الفجر في موضعه إن شاء الله تعالى.
وقد اختلف في قراءة سورة مع أم القرآن في الثالثة والرابعة، فالمشهور: لا يفعل، وإن فعل، فلا شيء عليه.
وفي «التفريع» (1) عن أشهب: أنه يسجد بعد السلام.
وقال محمد بن عبد الحكم: من فعل، فقد أحسن.
وقال الشافعي في أحد قوليه: يقرأ بها في الأربع.
قال اللخمي: والأحسن أن يقرأ بها فيهما؛ لأنها زيادة (2) فضل، فقد أجاز (3) مالك في «مختصر ابن عبد الحكم» أن يقرأ في كل ركعة من الركعتين (4) الأوليين بالسورتين والثلاث، وإذا جاز أن يزيد على سورة في الأوليين، جاز أن يقرأ السورة (5) في الأخريين.
قال صاحب «البيان والتقريب» : وهذا ضعيف؛ فإنه لا يلزم إذا
(1)"وفي التفريغ عن أشهب: أنه يسجد بعد السلام" ليس في "ق".
(2)
في "ق": "زائدة".
(3)
في "ق": "أجاب".
(4)
"الركعتين" ليس في "ق".
(5)
في "ق": "ميسورة".
جاز في الموضع الذي ثبت فيه شرعية القراءة أن يقرأ بسورتين وثلاث أن يجز ذلك حيث لم يثبت شرعية ذلك.
قلت: ودليلنا في ذلك: هذا الحديث، وقول الراوي: كان ييفعل ذلك، يدل على استمراره عليه الصلاة والسلام على ذلك؛ كما تقدم غير مرة.
قال بعض المتأخرين من أصحايبنا: ووجه قول ابن عبد الحكم، والشافعي: ما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم في الظهر في الركعتين الأوليين قدر ثلاثين آية، وفي الأخريين نصف ذلك (1)، والنصف من ذلك يزيد على قدر الفاتحة، وما روي: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قرأ في الآخرة من المغرب بأم القرآن، وـ {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا} [آل عمران: 8] (2).
والجواب عن ذلك: أنه ليس عليه العمل؛ كما ذكره مالك في «المدونة» (3).
(1) رواه مسلم (452)، كتاب: الصلاة، باب: القراءة في الظهر والعصر، بلفظ: كنا نحزر قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر والعصر، فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر قراءة {الم (1) تَنْزِيلُ} [السجدة: 1 - 2]، وحزرنا قيامه في الأخريين قدر النصف من ذلك. . . .، الحديث.
واللفظ الذي ساقه الشارح رحمه الله، رواه الطحاوي في "شرح مشكل الآثار"(12/ 44) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(2)
انظر: "السنن الكبرى" للبيهقي (2/ 348).
(3)
انظر: "المدونة"(1/ 65).
مسألة:
اختلف عندنا في الاقتصار على بعض سورة، فيل: مكروه؛ لأنه خلاف ما مضى به العمل، وقيل: جائز؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قد قرأ ببعض سورة في الصبح.
قال صاحب «البيان والتقريب» : إنما فعل ذلك في الصبح؛ لأنه عليه الصلاة والسلام أخذته سعلة، فركع (1)، فلا حجة فيه للجواز.
مسألة:
الأحسن عندنا: الاقتصار على سورة واحدة، وقيل بجواز (2) الزيادة عليها، ووجه الأول: أنه عمل السلف، ووجه الثاني: قول (3) ابن مسعود رضي الله عنه في «الصحيحين» : لقد عرفت النظائر التي كان عليه الصلاة والسلام يقرن بينهن، وذلك عشرين سورة، سورتين في كل ركعة (4).
وأجيب عن هذا: بأن ذلك محمول على النوافل.
مسألة:
مشهور مذهبنا: أنه لا يقسم سورة في ركعتين، فإن فعل، أجزأه.
(1) رواه مسلم (455)، كتاب: الصلاة، باب: القراءة في الصبح، من حديث عبد الله بن السائب رضي الله عنه. وذكره البخاري في "صحيحه"(1/ 268) معلقًا.
(2)
في "ق": "تجوز".
(3)
في "ق": "فعل".
(4)
رواه البخاري (742)، كتاب: صفة الصلاة، باب: الجمع بين السورتين في الركعة، ومسلم (822)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: ترتيل القراءة.
وقال مالك في «المجموعة» : لا بأس به، وما هو الشأن؛ أي: إنه (1) لم ينقل عن السلف، ولو كان، لنقل.
وقوله: وما هو الشأن يشير إلى أنه ليس عليه العمل.
مسألة:
المستحب أن تكون السورة الثانية أقصر من الأولى، كما هو ظاهر الحديث على ما سيأتي، وأن تكون مرتبتين (2) على ترتيب المصحف؛ لأنه المروي في الأخبار والآثار، ويجوز غيره، ووجه الجواز: أن المصحف إنما جمع في زمن أبي بكر رضي الله عنه، فلم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ترتيب في السور، والله أعلم.
الرابع: قوله: «يطول في الأولى، ويقصر في الثانية» ، أي: يطول القراءة في الأولى، ويقصرها في الثانية، هذا هو المتبادر إلى الذهن؛ كما تقدم آنفا، وإن كان اللفظ يحتمل أن يكون تطويل الأولى بمجموع منه القراءة، ويقوي الأول: أن المذكور هنا القراءة، والسياق لها، فينبغي أن يكون التطويل والتقصير راجعين (3) إليها، لا بأمر زائد عليها، وعند الشافعية في ذلك خلاف، والله أعلم.
وانظر: إذا أدرك المسبوق الثانية، وفاتته الأولى، هل يطولها؛ كما قال أصحابنا، يقرأ فيها -أعني: الأولى- حين يقضيها بالسورتين
(1) في "ق": "لأنه".
(2)
في "ق": "مرتين".
(3)
في "ق": "راجعان".
التي قرأها (1) إمامه، وهي أطول من الثانية على ما تقرر، أو يقصرها؛ لأنها ثانية من حيث الجملة؟ في هذا النظر.
الخامس: قوله: «وفي الركعتين الأخرين (2)، بأم الكتاب» : قد تقدم ذكر الاختلاف في ذلك، وأن المشهور ما هو نص الحديث: أنه لا يزيد في الأخريين على أم الكتاب.
السادس: فيه: جواز الجهر بالآيات اليسيرة في الصلاة السرية، ولذلك لا يسجد عندنا من فعل ذلك، ولا أعلم فيه خلافا لغيرنا.
السابع: فيه: ابلاكتفاء بظاهر الحال في الأخبار دون التوقف على اليقين؛ إذ لا يكمن تيقن قراءة سورة إلا بسماع جميعها، وقد قال:«وكان يسمع القراءة أحيانا» ، فأخذ من سماع بعضها قراءة جميعها؛ اعتمادا على هذه القرينة، ويبعد أن يكون تيقن ذلك بإخباره عليه الصلاة والسلام عند فراغ الصلاة بعدا شديدا، مع ما في لفظة (كان) من الإشعار بالأكثرية والمداومة، والله أعلم.
فإن قلت: لم جهر عليه الصلاة والسلام في بعض الأحيان، والسنة في الصلاة السرية وعدم الجهر؟
قلت: قيل: إن هذا محمول على أنه أراد بيان الجواز، وأن الإسرار ليس بشرط، بل هو سنة.
(1) في "ق": "قرأ".
(2)
في "ق": "الآخرتين".
ح: ويحتمل أن الجهر بالقراءة كان يحصل لسبق اللسان؛ للاستغراق في التدبر، والله أعلم (1).
* * *
(1) انظر: "شرح مسلم" للنووي (4/ 175).