الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث
125 -
عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحَارِثِ ابْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبي صَالِحِ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ فُقَرَاءَ المُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالوا (1):(2) ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ (3) بِالدَّرَجَاتِ العُلَا والنَّعِيمِ المُقِيِم، فَقَاَل:"وَمَا ذَاكَ؟ "، قَالُوا: يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، ويَتصَدَّقُونَ وَلا نَتَصَدَّقُ، وَيُعْتِقُوْنَ ولَا نُعْتِقُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"أَفَلَا أُعَلِّمُكُمْ (4) شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ (5) مَنْ سَبَقَكُمْ، وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدكُمْ، وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إِلَّا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَاصَنَعْتُمْ؟ "، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:"تُسَبِّحُونَ وتُكَبِّرُونَ وَتَحْمَدُوِنَ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ ثَلَاثًا وَثَلاثِينَ مَرَّةً". قَالَ أبو
(1)"فقالوا" ليس في "ت".
(2)
في "ت" و"ق" زيادة: "قد".
(3)
في "ت" زيادة: "بالأجور".
(4)
في "ق": "فعلمكم".
(5)
"به" ليس في "ت".
صَالح: فَرَجَعَ فُقَرَاءُ المُهَاجِرِينَ، فَقَالُوا: سَمِعَ إِخْوَانُنَا أَهْلُ الأَمْوَالِ بِمَا فَعَلْنَا، فَفَعَلُوا مِثْلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتيهِ مَنْ يَشَاءُ".
قَالَ سُمَيٌّ: فَحَدَّثْتُ (1) بَعْضَ أَهْلِي هَذَا الحَدِيثِ (2)، فَقَالَوا (3): وَهِمْتَ، إِنَّمَا قَالَ لَكَ:"تُسَبِّحُ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلاثِينَ، وَتَحْمَدُ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَتُكَبِّرُ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلاثِينَ"، فَرَجَعْتُ إِلَى أَبي صَاِلحٍ، فَقُلْتُ لَهُ ذِلَكَ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، والحَمْدُ للَّهِ (4)، حَتَى تَبْلُغَ مِنْ جَمِيعِهِنَّ ثَلاثًا وَثَلَاثِينَ (5)(6).
(1) في "ت" زيادة: "به".
(2)
في "ق": "بعض أهل الحديث، فقال".
(3)
في "ت": "فقال".
(4)
"والحمد للَّه" ليس في "ت".
(5)
في "ت": "ثلاثًا وثلاثين من جميعهن".
(6)
* تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (807)، كتاب: صفة الصلاة، باب: الذكر بعد الصلاة، و (5970)، كتاب: الدعوات، باب: الدعاء بعد الصلاة، ومسلم (595/ 142)، واللفقاله، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب الذكر بعد الصلاة، وبيان صفته.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 545)، و"المفهم" للقرطبي (2/ 212)، و"شرح مسلم" للنووي (5/ 92)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 93)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 655)، و"فتح الباري" لابن رجب (5/ 240)، و"النكت =
* التعريف:
سُمَيٌّ: مولى أبي بكرِ بنِ عبدِ الرحمنِ بنِ الحارثِ بنِ هشام، القرشيُّ، المخزوميُّ، المدنيُّ، تابعيٌّ، روى عن أبي صالح ذكوانَ.
روى عنه: مالكُ بنُ أنس، وعُمارة بن غزيةَ، وعُبيد اللَّه بنُ عمرَ، ومحمدُ (1) بنُ عجلانَ، وسُفيان (2) بنُ عُيينةَ، وسُفيان الثوريُّ، وسَهْلُ ابنُ أبي صالح، وعمرُ بنُ محمدِ بنِ المنكدرِ.
وكان سُمَيٌّ جميلًا، قتل سنة ثلاث ومئة، قتله الحرورية يوم قُدَيد (3).
* ثم الكلام على الحديث من وجوه:
الأول: قوله: "فقراءَ المهاجرين": هو من باب: مسجدِ الجامع، وصلاةِ الأولى؛ مما أضيف فيه الموصوفُ إلى صفته، وكان الأصل:
= على العمدة" للزركشي (ص: 128)، و"التوضيح" لابن الملقن (7/ 302)، و"فتح الباري" لابن حجر (2/ 327)، و"عمدة القاري" للعيني (6/ 127)، و"كشف اللثام" للسفاريني (3/ 85).
(1)
في "ت": "عمر" بدل "محمد".
(2)
في "ق": "سعيد".
(3)
وانظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" للبخاري (4/ 302)، و"خلاصة تذهيب التهذيب" للخزرجي (ص: 156)، و"تهذيب التهذيب" لابن حجر (4/ 209)، و"تقريب التهذيب" له أيضًا (تر: 2635) وقديد: اسم موضع قرب مكة. انظر: "معجم البلدان" لياقوت (4/ 313).
الفقراء المهاجرون (1)؛ كما أن الأصل: المسجد الجامع، والصلاة الأولى.
الثاني: "الدثور": الأموالُ الكثيرة، الواحد دَثْر؛ مثل: فَلْس وفُلُوس (2).
و"الدرجات": يجوز أن تكون هنا حِسِّيَّةً على ظاهرها؛ من دَرَجِ الجِنان، ويجوز أن تكون معنوية، أي: علا قدرُهم عند اللَّه تعالى، وارتفعت درجاتهم عنده (3)؛ من قولهم: ارتفعتْ درجةُ فلانٍ عند الملك، ونحو ذلك.
والنعيم: ما يُتَنَعَّمُ به من مطعَم أو ملبَس أو منكَح أو منظَر، أو علوم ومعارف، أو غير ذلك.
والمقيم: الدائم الذي لا ينقطع أبدًا، جعلنا اللَّه من أهله، آمين بمنِّه وكرمه (4).
الثالث: ظاهرُ هذا الحديث يُشعر بتفضيل الغنيِّ الشاكِرِ على الفقير الصابِر؛ لأن الفقراء ذَكَروا له عليه الصلاة والسلام ما يقتضي تفضيلَ الأغنياء بالتصدُّق والإعتاق اللذين مصدرُهُمَا المالُ، فأقرَّهم
(1) في "ت": "المهاجرين".
(2)
انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (1/ 253).
(3)
في "ت": "عند اللَّه".
(4)
"بمنه وكرمه" ليس في "ق".
على ذلك، ولم يقلْ لهم: أنتمُ أفضلُ منهم لصبركم (1) على فقركم، بل علَّمَهم (2) ما يقوم مقامَ تلك الزيادة التي فَضَلَهم الأغنياءُ بها، فلما قالها الأغنياء، ساوَوْهُم فيها، وبقي معهم (3) راجِحِيَّة القُرَب المالية، فقال عليه الصلاة والسلام:"ذلكَ فضلُ اللَّه يؤتيه مَنْ يشاء".
وقد تأول الشيخ أبو طالب المكيُّ رحمه الله قوله عليه الصلاة والسلام "ذلكَ فضلُ اللَّه يؤتيهِ مَنْ يشاءُ"(4) تأويلًا لا يتبادر إليه (5) الذهن، ومعناه: أنكم فَضَلْتم الأغنياء، أو (6) ساويتموهم، وإن لم تكن لكم قُرُباتُ (7)، وذلك بفضل اللَّه تعالى.
وبالجملة: فالخلافُ في هذه المشكلة شهير (8) جدًا، والكلام عليها مبسوط في كتب التصوف بعد أن تعلم: أن الذي عليه الجمهورُ من الصوفية؛ أن الفقيرَ الصابرَ أفضلُ من الغني الشاكر.
(1) في "ت": "بصبركم".
(2)
في "ت": "علمتم".
(3)
في "ت": "وبقيت" بدل "بقي معهم".
(4)
"وقد تأول الشيخ أبو طالب. . . " إلى هنا، ليس في "ت".
(5)
في "ق": "إلى".
(6)
في "ت": "و".
(7)
في "ت" زيادة: "أموال".
(8)
في "ت": "كثير".
وقال الداودي من المالكية (1): إن الأفضلَ الكفافُ؛ فإن الفقر والغنى محنتان يَمتحن اللَّهُ -تعالى- بهما مَنْ يشاءُ من عبادِهِ، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام "اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ كَفَافًا"، أو قال:"قُوتًا"(2)، هذا أو معناه.
ووقفت طائفةٌ عن التفضيل بينهما.
فهذه أقوال أربعة للعلماء -رحمهم اللَّه تعالى-.
ق: والذي يقتضيه الأصل: أنهما إن تساويا، وحصل الرجحان بالعبادات المالية: أن يكون الغنيُّ أفضلَ، ولا شك في ذلك، وإنما النظرُ إذا (3) تساويا في أداء الواجب فقط، وانفرد كلُّ واحدٍ بمصلحة ما هو فيه، فإذا كانت المصالح متقابلة، ففي ذلك نظر يرجع إلى تفسير الأفضل ما هو؟ فإن فسرناه بزيادة الثواب، فالقياس يقتضي أن المصالح المتعدية أفضلُ من القاصرة، وإن كان الأفضل بمعنى الأشرف بالنسبة إلى صفات النفس، فالذي يحصُل للنفس من التطهيرِ للأخلاق، والرياضةِ لسوء الطباع بسبب الفقر، أشرفُ، فيترجَّحُ الفقر، ولهذا المعنى ذهب الجمهورُ من الصوفية إلى ترجيح الفقير
(1)"من المالكية" ليس في "ت".
(2)
رواه البخاري (6095)، كتاب: الرقاق، باب: كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتخليهم من الدنيا، ومسلم (1055)، كتاب: الزكاة، باب: في الكفاف والقناعة، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
في "ت": "إن".
الصابر؛ لأن مدار الطريق على تهذيب النفس ورياضتها، وذلك مع الفقر أكثرُ (1) منه مع الغِنى، فكان أفضلَ بمعنى: أشرفَ (2).
الرابع: قوله عليه الصلاة والسلام: "تُدركون به مَنْ سبقكم": السبقيةُ هاهنا يحتمل أن تكون (3) في الفضيلة على مَنْ لا يعمل هذا العمل، وهو الأظهر، واحتمل (4) أن تكون (5) في الزمان، وكذلك البَعْدية، واللَّه أعلم.
وقوله عليه الصلاة والسلام: "ولا يكون أحدٌ أفضلَ منكم" يدلُّ على ترجيح هذه الأذكار على فضيلة المال، وعلى فضيلة غيرها من الأذكار، وفي تلك الرواية تعليم كيفية هذا الذكر.
ع: ما معناه: أن الإفراد أولى من تأويل أبي صالح؛ يعني: أن يقول كلَّ واحدة من هذه الكلمات مستقلة ثلاثًا وثلاثين أفضلُ من جمعها؛ كما تأوله أبو صالح (6).
(1) في "ت": "أعظم".
(2)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 95).
(3)
في "ت": "يكون".
(4)
في "ت": "ويحتمل".
(5)
في "ت": "يكون".
(6)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 547). قال الحافظ في "الفتح"(2/ 329): ورجح بعضهم الجمع؛ للإثبات فيه بواو العطف. قال الحافظ: والذي يظهر أن كلًا من الأمرين حسن، قال: إلا أن الإفراد يتميز بأمر =
قلت: ولم يظهر لي وجهُ (1) الأولوية في ذلك، واللَّه أعلم.
* * *
= آخر، وهو أن الذاكر يحتاج إلى العدد، وله على كل حركة لذلك، سواء كان بأصابعه، أو بغيرها، ثواب لا يحصل لصاحب الجمع منه إلا الثلث، انتهى.
(1)
"وجه" ليس في "ت".