الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود
92 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْمَسْجِدَ ، فَدَخَلَ رَجُلٌ، فَصَلَّى (1) ، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«ارْجِعْ فَصَلِّ؛ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ» ، فَرَجَعَ فَصَلَّى كَمَا صَلَّى ، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«ارْجِعْ فَصَلِّ؛ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ» ، ثَلاثاً، فَقَالَ: وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ! لا أُحْسِنُ غَيْرَهُ ، فَعَلِّمْنِي ، قَالَ (2):«إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلاةِ، فَكَبِّرْ ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعاً ، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِماً ، ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِداً، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِساً، وَافْعَلْ (3) ذَلِكَ فِي صَلاتِكَ كُلِّهَا» (4).
(1) في "خ": "يصلي".
(2)
في "ق": "قال".
(3)
في "ق": "ثم افعل".
(4)
* تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (724)، كتاب: صفة الصلاة، باب: وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها، و (760)، باب: حد إتمام الركوع والاعتدال فيه والطمأنينة، و (5897)، كتاب: الاستئذان، باب: من رد فقال: عليك السلام، و (6290)، كتاب: الأيمان والنذور، =
* الكلام على الحديث من وجوه:
الأول: الطمأنينة: السكون.
قال الجوهري: اطمأن الرجل اطمئنانا، أي: سكن، فهو مطمئن إلى كذا، واطبأن (1): مثله على الإبدال، وتصغير مطمئن: طُمَيَّان، بحذف الميم من أوله، وإحدى النونين من آخره، وتصغير طمأنينة: طُمَيْنِيَّة، بحذف إحدى النونين؛ لأنها زائدة، واطمأن ظهره، وطَأْمَنَ (2)،
= باب: إذا حنث ناسيا في الأيمان، ومسلم (397)، (45، 46)، كتاب: الصلاة، باب: وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، وأبو داود (856)، كتاب: صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود، والنسائي (884)، كتاب: الافتتاح، باب: فرض التكبيرة الأولى، والترمذي (303)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في وصف الصلاة، و (2692)، كتاب: الاستئذان، باب: ما جاء كيف رد السلام، وابن ماجه (1060)، كتاب: الصلاة، باب: إتمام الصلاة، و (3695)، كتاب الأدب، باب: رد السلام.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (1/ 210)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (2/ 94)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 281)، و"المفهم" للقرطبي (2/ 29)، و"شرح مسلم" للنووي (4/ 106)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 2)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (1/ 497)، و"فتح الباري" لابن رجب (5/ 56)، و"التوضيح" لابن الملقن (7/ 59)، و"فتح الباري" لابن حجر (2/ 277)، و"عمدة القاري" للعيني (6/ 15)، و"كشف اللثام" للسفاريني (2/ 410)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (2/ 294).
(1)
في "ق": "واطمأن".
(2)
في "ق": "وطمأن".
على القلب، وطأمنت منه: سكنت (1).
الثاني: انظر تكرير السلام مرارا من الأعرابي من غير غيبة من أحدهما عن الآخر؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان ينظر إلى صلاته، ولذلك قال له:«صل؛ فإنك لم تصل» ، وإقراره عليه الصلاة والسلام على ذلك، والمشروع المعروف: اشتراط الغيبة للتكرار، وهو ظاهر ما في «أبي داود» ، ونصه: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إذا لقي أحدكم أخاه، فليسلم عليه، فإن حالت بينهما شجرة، أو جدار، أو حجر، ثم لقيه، فليسلم عليه» (2).
وفي كتاب «ابن السني» ، عن أنس رضي الله عنه، قال: كان أصحاب رسول الله يتماشون، فإذا استقبلتهم صخرة (3)، أو أكمة، فتفرقوا يمينا وشمالا، ثم التقوا من ورائها، سلم بعضهم على بعض (4).
فهذا أيضا يشعر باشتراط التفرق لتكرار السلام، وهو خلاف ظاهر حديث الأعرابي، فانظر الجمع بين ذلك.
الثالث: فيه: الرفق في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
وفيه: حسن خلقه صلى الله عليه وسلم.
(1) انظر: "الصحاح" للجوهري (6/ 2158)، (مادة: طمن).
(2)
رواه أبو داود (5200)، كتاب: الأدب، باب: في الرجل يفارق الرجل ثم يلقاه، أيسلم عليه؟
(3)
في المطبوع من "عمل اليوم والليلة": "شجرة" بدل "صخرة".
(4)
رواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة"(ص: 217).
وفيه: جواز الحلف من غير استحلاف.
وفيه: العذر بالجهل، وأن من أساء في صلاته؛ بترك بعض واجباتها -على القول بوجوب الطمأنينة على ما سيأتي- جهلا منه بذلك: أنه ليس كالعامد، فتلزمه الإعادة؛ إذ لم يأمره عليه الصلاة والسلام بإعادة ما صلى قبلا تعليمه إياه.
الرابع: هخذا الديث أصل في تعيين واجبات الصلاة وحصرها، وقد جرت عادة الفقهاء بالاحتجاج به كثيرا على وجوب ما ذكر فيه، وعدم وجوب ما لم يذكر فيه، أما ما ذكر، فظاهر، وأما ما لم يذكر فيه، فلوجهين:
أحدهما: أن الأصل عدم الوجوب.
والثاني: أن الموضع موضع بيان وتعليم للجاهل، فلا يسوغ فيه ترك ذكر شيء من الواجبات في الصلاة، ومما يقوي ذلك: عدم اقتصاره عليه الصلاة والسلام على ذكر ما لم يحسنه هذا المصلي، بل ذكره وغيره.
ق: فكل موضع اختلف الفقهاء في وجوبه، وكان مذكورا في هذا الحخديث، فلنا أن نتمسك به في وجوبه، وكل موضع اختلفوا في وجوبه، ولم يكن مذكورا في هذا الحديث، فلنا أن نتمسك في (1) عدم وجوبه؛ بكونه غير مذكور فيه، وكل موضع اختلف في تحريمه، فلنا أن نستدل بهذا الحديث على عدم تحريمه؛ لأنه لو حرم، لوجب التلبس بضدع؛
(1) في "ق": "بعدم".
فإن النهي عن الشيء أمر بأحد أضداده، ولو كان التلبس بالضد واجبا (1)، لذكر على ما قررناه، فصار من لوازم النهي الأمر بالضد، ومن لوازم الأمر بالضد ذكره في الحديث -على ما قررناه-، فإذا انتفى ذكر -أعني: ذكر الأمر بالتلبس بالضد-، انتفى ملزومه، [وهو الأمر بالضد، وإذا اناتفى الأمر بالضد انتفى ملزومه](2) وهو النهي عن ذلك الشيء؛ فهذه الطرق الثلاث يمكن الاستدلال بها على شيء كثير من المسائل المتعلقة بالصلاة، إلا أن على طالب التحقيق في هذا ثلاث وظائف:
إحداها: أن يجمع طرق هذا الحديث، ويحصي الأمور المذكورة فيه، ويأخذ بالزائد فالزائد؛ فإن الأخذ بالزائد واجب.
وثانيها: إذا أقام دليلا على أحد الأمرين؛ إما على عدم الوجوب، أو الوجوب: فالواجب يعمل به ما لم يعارضه ما هو أقوى منه، وهذا في باب النفي (3) يجب التحرز فيه أكثر، فلينظر عند التعارض أقوى الدليلين يعمل به.
وعندنا: أنه إذا (4) استدل على عدم الوجوب الشيء بعدم ذكره في الحديث، وجاءت صيغة الأمر به في حديث آخر، فالمقدم صيغة الأمر، وإن كان يمكن أن يقال: الحديث دليل على عدم الوجوب،
(1)"واجبا" ليس في "ق".
(2)
ما بين معكوفتين زيادة من "ق".
(3)
في "ق": "النهي".
(4)
"إذا" ليس في "ق".
وتحمل صيغة الأمر على الندب، لكن عندنا أن ذلك أقوى؛ لأن عدم الوجوب متوقف (1) على مقدمة أخرى؛ وهو أن عدم الذكر [في الرواية يدل على عدم الذكر في نفس الأمر، وهذه غير المقدمة التي قررناها، وهو أن عدم الذكر](2) يدل على عدم الوجوب؛ لأن المراد ثم: إن عدم الذكر في نفس الأمر من الرسول عليه الصلاة والسلام يدل على عدم الوجوب؛ فإنه موضع بيان، وعدم الذكر في نفس الأمر غير عدم الذكر في الرواية، وعدم الذكر في الرواية إنما يدل على عدم الذكر في نفس الأمر بطريق أن يقال: لو كان، لذكر، أو بأن الأصل عدمه؛ وهذه المقدمة أضعف من دلالة الأمر على الوجوب.
وأيضا: فالحديث الذي فيه الأمر إثبات لازيادة، فيعمل بها، وهذا كله بناء على إعمال صيغة الأمر في الوجوب الذي هو ظاهر فيه، والمخالف يخرجه عن حقيقتها بدليل عدم الذكر، فيحتاج الناظر المحقق في الموازنة بين الظن المستفاد من عدم الذكر في الرواية، وبين الذكر المستفاد من كون الصيغة للوجوب. والثاني عندنا (3) أرجح.
وثالثها: أن يستمر على طريقة واحدة، ولا يستعمل في مكان ما يتركه في آخر، فيتشعب نظره، ويستعمل القوانين المعتبرة في ذلك استعمالا واحدا؛ فإنه قد يقع هذا الاختلاف في النظر في كلام كثير
(1) في "ق": "يتوقف".
(2)
ما بين معكوفتين زيادة من "ق".
(3)
في "ق": "عندي".
من المتناظرين (1). انتهى.
هذا الكلام من (2) التحقيق في الرتبة العليا، والله الموفق.
الخامس: اختلف أصحابنا في الطمأنينة في أركان الصلاة، هل هي من السنن، أو من الفرائض؟
قالوا: والمشهور: وجوبها، وهو ظاهر الحديث، إذا قلنا: الأمر للوجوب، وهو الصحيح عند أهل الأصول، ما لم تقترن به قرينة تدل على الندب.
لكن لقائل أن يقول: هنا الذي يدل على عدم وجوبها كونه عليه الصلاة والسلام رآه لا يطمئن، ولم يأمره بالقطع، بل أقره على إكمال صلاته، والحالة هذه، ولو كانت واجبة، لأمره بالقطع؛ لفساد صلاته بترك واجب من واجباتها.
ألا ترى أنه لو ترك الركوع، أو السجود، أو غير ذلك من الأركان، لفسدت صلاته، وأمر بقطعها، أو ببنائه على ما أتى فيه بالواجب، وإلغاء غيره؟ وهذا الرجل لم يطمئن في شيء من صلاته ظاهرا، فلولا خفة الأمر في الطمأنينة دون غيرها من الأركان الواجبة، لأمره بالقطع، فدل ذلك على أن الطمأنينة سنة، ويكون قوله عليه الصلاة والسلام:«صل؛ فإنك لم تصل» صلاة كاملة السنة؛ من باب: «لا صلاة لجار
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 3).
(2)
في "ق": "في".
المسجد إلا في المسجد» (1)، وأضا: فإه لم يأمره بالاطمئنان حال صلاته كما تقدم.
فإن قلت: فعل الأعرابي بمجرده لا يوصف بالحرمة عليه؛ لكونه غير عالم بالحكم، فلا يكون التقرير تقريرا على محرم.
قلت: الجاهل كالعامد، على الصحيح، لا سيما في العبادات الواجبة المشهورة المتكررة، التي يلزم تعلمها كل من وجبت عليه، وأيضا فإن هذا فعل فاسد عند موجبها، والتقرير يدل على عدم فساده، وإلا، لما كان التقرير في موضع دليل على الصحة.
فإن قلت: لم لم يعلمه عليه الصلاة والسلام من أول مرة؛ كي لا يقع التكرير لفعل فاسد ثلاثا؟
قلت: لا بد في وجوب التعليم من انتفاء الموانع، وزيادة قبول المتعلم لما يلقى إليه بعد لتكرار (2) فعله، وحضور نفسه (3)، واستجماع ذهنه، لا سيما مع عدم خوف الفوات، إما بناء على ظاهر الحال، أو بوحي خاص.
وقوله عليه الصلاة والسلام: «ثم ارفع حتى تعتدل قائما» : ظاهره يدل على وجوب الرفع والاعتدال، وقد تقدم ذكر الخلاف في
(1) تقدم تخريجه.
(2)
في "خ": "التكرار".
(3)
في "خ": "ذهنه".
ذلك عندنا. ومذهب الشافعي وجوبهما (1).
ووجه من لم يوجب الاعتدال: أن المقصود من الرفع الفصل، وهو حاصل بدون الاعتدال، وفيه نظر؛ فإن لقائل أن يقول: لا نسلم أن الفصل مقصود، أو لا نسلم أنه كل المقصود، وصيغة الأمر دلت على أن الاعتدال مقصود مع الفصل، فلا يلغى (2).
والكلام على قوله: «ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا» كالكلام على قوله: «ثم اركع» إلى آخره، وكذلك في قوله:«ثم ارفع حتى تطمئن جالسا» ، وقوله عليه الصلاة والسلام:«وافعل ذلك في صلاتك تكلها» يقتضي وجوب القراءة في كل ركعة، وسيأتي الكلام على ذلك -إن شاء الله- في موضعه قريبا.
السادس: الرجل الذي قال له عليه الصلاة والسلام: «ارجع فصل؛ فإنك لم تصل» ، قيل: اسمه خلاد (3).
* * *
(1) في "خ": "وجوبها".
(2)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 11).
(3)
قلت: هو ابن أبي رافع، انظر:"غوامض الأسماء المبهمة" لابن بشكوال (2/ 583)، و"فتح الباري" لابن حجر (2/ 277).