الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب قصر الصلاة في السفر
128 -
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: صَحِبْتُ رَسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَانَ لَا يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ (1)، وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ كَذَلِكِ (2).
(1) في "ت": "على ركعتين في السفر".
(2)
* تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (1551)، كتاب: تقصير الصلاة، باب: من لم يتطوع في السفر دبر الصلوات وقبلها، واللفظ له، و (1032)، باب: الصلاة بمنى، و (1572)، كتاب: الحج، باب: الصلاة بمنى، ومسلم (689/ 8)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة المسافرين وقصرها، و (694)، كتاب: قصر الصلاة بمنى، وأبو داود (1223)، كتاب: الصلاة، باب: التطوع في السفر، والنسائي (1458)، كتاب: تقصير الصلاة في السفر، باب: التطوع في السفر، والترمذي (544)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في التقصير في السفر، وابن ماجه (1069)، كتاب: الصلاة، باب: الجمع بين الصلاتين في السفر.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"عارضة الأحوذي" لابن العربي (3/ 15)، "إكمال المعلم" للقاضي عياض (3/ 25)، و"المفهم" للقرطبي (2/ 330، 334)، و"شرح مسلم" للنووي (5/ 198)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 102)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (2/ 667)، =
هذا هو لفظ البخاري في الحديث، ولفظ رواية مسلم أكثرُ وأزيدُ، فلتعلمْ ذلك.
الحديثُ دليلٌ على مشروعية القصر، وكذلك قوله تعالى:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} [النساء: 101] الآية، وإن كان قد اختلف الناس في القصر المذكور في هذه الآية، هل هو قصر العدد، أو قصر الصفة؛ أي: عند اشتداد الخوف؟ والصحيح: الأول، ولا خلاف في جواز القصر من حيث الجملةُ عند وجود شرطه.
وأما حكمه: ففي المذهب ثلاثة أقوال:
قال (1) الباجي: وقد اختلف (2) قولُ مالك فيه:
فروى أشهب عنه: أنه فرض، وبه قال أبو حنيفة.
وروى أبو مصعب عن مالك: أنه سنة، وروي نحوه عن الشافعي.
والبغداديون من أصحابنا يقولون: إنه على التخيير (3).
= و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 133)، و"التوضيح" لابن الملقن (8/ 502)، و"فتح الباري" لابن حجر (2/ 578)، و"عمدة القاري" للعيني (7/ 144)، و"كشف اللثام" للسفاريني (3/ 124)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (3/ 244).
(1)
في "ت": "قاله".
(2)
في "ق": "وقال اختلف".
(3)
انظر: "المنتقى" للباجي (2/ 248).
وقال القاضي عبد الوهاب: ذهب أكثر أصحابنا إلى أن فرض المسافر التخيير، إلا أن القصر أفضل، وهو سنة، وقاله ابن وهب عن مالك.
قلت: وهذا هو المعروف من المذهب.
وقال ابن القصار: قال الأبهري وغيره: هو مُخير، والقصرُ أفضل، وحكى أبو جعفر الأبهري: أن أبا بكر الأبهري يقول: هو مخير بين القصر والإتمام، وكذلك قال الشافعي، واختلف قولُه أيهما أفضل؟
وأما محله: فالصلوات الرباعية المؤدَّاة في السفر، أو المقضيةُ لفواتها فيه، لا غيرُ؛ لأن المغرب لا تتنصَّف؛ إذ ليس في الشريعة نصفُ ركعة.
فإن قلت: إذا تعذر التنصيفُ، فلتكنْ ركعتين؛ كما أن من طلَّق طلقةً ونصفَ طلقة، لزمه طلقتان، وكما قلتم في طلاق العبد، وحَيْض الأَمَةِ.
قلت: قيل: لو فعلَ ذلك، لذهب مقصودُ الشرع من كون عدد ركعات الفرض في اليوم والليلة وترًا، وللشرع قصدٌ في الوتر، ولذلك (1) شرع ركعة الوتر في نافلة قيام (2) الليل لما قال عليه الصلاة والسلام: "صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ، صَلَّى وَاحِدَةً فَأَوْتَرَتْ لَهُ
(1) في" ت": "وكذلك".
(2)
"قيام" ليس في "ت".
مَا صَلَّى" (1)، ولذلك منعْنا أن تُعاد المغربُ في جماعة (2) إذا كان العبدُ قد صلاها وحدَه، بخلاف غيرِها من الصلوات؛ لما يلزم في إعادتها من ذهاب معنى الوتر.
وأما الصبح: فلم (3) يثبت في الشرع فيها قصرٌ، وإن كان ممكنًا (4)؛ بأن تكون ركعة؛ كما قال (5) بعض العلماء: إن صلاة الخوف ركعة، ويغني عن إطالة القول فيها وفي المغرب: أن الإجماع على أنهما لا تُقصران (6)، ولا تأثير للسفر فيهما.
وأما سببه: فالشروعُ (7) في السفر الطويل المشروع، فقولنا: الشروعُ في السفر احترازٌ مما (8) إذا عزم، ولم يضربْ في الأرض، ولم يخرجْ من (9) منزله، فإنه لا يقصر حتى يخرجَ من مدينته، وبه قال الشافعي، وأبو حنيفة، وأحمد، وإسحاق.
(1) تقدم تخريجه في باب: الوتر.
(2)
في "ق": "في الجماعة".
(3)
في "ت": "فلا".
(4)
في "ق": "يمكن".
(5)
في "ت": "فعل".
(6)
في "ت": "لا يقصران".
(7)
في "ت": "في الشروع".
(8)
في "ت": "احترازًا عما".
(9)
في "خ" و"ق": "عن".
وقد قال بعض العلماء: إنه يقصر، وروي ذلك عن الحارث بن أبي ربيعة: أَنَّه أرادَ بهم (1) سفرًا، فَصَلَّى بهم (2) رَكْعتين في منزله، وفيهم الأسودُ بنُ يزيدَ، وغيرُ واحد من أصحاب عبد اللَّه. هكذا ذكره صاحب "البيان والتقريب"(3).
قال: وحكي عن عطاء: أنه قال: إذا خرج الرجلُ حاجًا، فلم يخرج من بيوت القرية حتى حضرت الصلاة، فإن شاء قصر، وإن شاء أوفى (4).
وقد احتج بعضُهم لهذا المذهب: بأن المسافر لو نوى الإقامة، وجبَ عليه الإتمامُ بالنية، فكذلك المقيمُ إذا نوى السفر صير (5) مسافرًا بنيته، وهو ضعيف من وجهين:
أحدهما: أن نقول: لا يكون مقيمًا بمجرد النية، ولكنه إذا نوى الإقامة، فمعناها أنه لا يسافر، فقد حصل فعلٌ مع نية، فاعتبر، وإذا نوى السفر قبل أن يخرج، لم يحصل في السفر، إلا نيةٌ بلا فعل؛ لأن معنى السفر: الضربُ في الأرضِ، ولم يحصل بعدُ.
(1)"بهم" ليس في "ت".
(2)
"بهم" ليس في "ت".
(3)
وهو من الغرائب، كما قال ابن الملقن في "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام"(4/ 98).
(4)
رواه عبد الرزاق في "المصنف"(4329).
(5)
في "ت": "صار".
والثاني: أن الأصل الإقامة، وإنما الأسفارُ طارئة على الأصل، فيصحُّ أن يرجع إلى الأصل بالنية، ولا يلزم عليه أن يخرج عن الأصل بالنية، وهذا شبيهٌ بعرض التجارة، يرجع (1) بالنية (2) إلى القُنية؛ لأنها الأصل، ولا يرجع عرضُ القُنية بالنية للتجارة (3).
والصواب: أنه لا قصرَ إلا في سفر، ولا سفرَ إلا بعد الخروج من القرية، وأن مجرد النية من غير أن يقترن بها أمر زائد لا اعتبار به في الأحكام المتعلقة بالجوارح؛ كالطلاق، والعتق، والنكاح، والبيع، فلا يكون الإنسان مطلِّقًا بنيته على القول المعروف من مذهبنا، ولا بائعًا، ولا ناكحًا، بخلاف الأحكام المترتبة على أعمال القلوب؛ كالإيمان، والكفر، والحسد، والعُجْب، والرياء، وغيره.
والقصر، والإتمامُ من أفعال الجوارح، ويدلُّ عليه من السنة: أن الرسول عليه الصلاة والسلام صلَّى الظهرَ بالمدينة أربعًا، والعصرَ بذي الحُلَيْفَة ركعتين (4)، فلم يقصر بمجرد النية، حتى برزَ (5)، وكذلك
(1)"يرجع" ليس في "ق".
(2)
"ولا يلزم عليه أن يخرج. . . " إلى هنا، ليس في "ت".
(3)
في "ت": "إلى التجارة".
(4)
رواه البخاري (1039)، كتاب: تقصير الصلاة، باب: يقصر إذا خرج من موضعه، ومسلم (690)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة المسافرين وقصرها، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(5)
في "ت": "يَرِدَ".
فَعَلَ عمرُ، كان إذا خرج حاجًا أو معتمرًا، قصرَ بذي الحليفة، ويدل عليه -أيضًا-: أن بنيان القرية في حق الداخل من السفر يقطع حكَم (1) السفر؛ بلا خلاف؛ إذ لا خلاف (2) أنه إذا دخل بيوتَ القرية، يُتِمُّ (3)، فلذلك تمنعُ (4) ابتداءَ السفر، واللَّه أعلم.
هذه مقدمة، وفي البابِ فروعٌ كثيرةٌ موضِعُها كلتب الفقه، وليس في لفظ (5) الحديث ما يحتاج إلى تفسير.
وأما ذكرُه لأبي بكرٍ، وعمرَ، وعثمانَ رضي الله عنهم، وإن كان الدليلُ قائمًا بمجرد فعلِ الرسولِ عليه الصلاة والسلام، فللإشعار بدوامِ العملِ بذلك، وأنه لم يتطرق إليه نسخ (6)، ولا معارِضٌ راجحٌ، وهذه طريقة مالك رحمه الله في "موطئه"، يبدأ بالحديث أولًا، ثم يذكر عملَ الصحابة وأهلِ المدينة رضي الله عنهم، وهو مِنْوالٌ لم ينسج على مثاله (7) إلا مَنْ صحبه التوفيق، وهُدي في تأليفه إلى أَقْوَمِ طريق، واللَّه الموفق.
* * *
(1)"حكم" ليس في "ت".
(2)
في "ق": "ولا خلاف".
(3)
"يتم" ليس في "ت".
(4)
في "ت": "فكذلك يمنع".
(5)
"لفظ" ليس في "ت".
(6)
في "ق": "النسخ".
(7)
في "ت": "مثله".