المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثالث 80 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله - رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام - جـ ٢

[تاج الدين الفاكهاني]

فهرس الكتاب

- ‌بابُ الأَذانِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌بابُ استقبالِ القبلةِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌بابُ الصُّفوفِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌بابُ الإِمامةِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني والثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌بابُ صفةِ صلاةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالثَ عشر

- ‌الحديث الرابعَ عشر

- ‌باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود

- ‌باب القراءة في الصَّلاةِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب ترك الجَهرِ ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

- ‌باب سجود السَّهو

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب المرور بينَ يديِ المصلي

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب جامع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌باب التشهد

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الوتر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الزكاة عقب الصلاة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الجمع بين الصلاتين في السفر

- ‌باب قصر الصلاة في السفر

- ‌باب الجمعة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

الفصل: ‌ ‌الحديث الثالث 80 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله

‌الحديث الثالث

80 -

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلاةَ ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ؛ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ ، وَقَالَ:«سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» ، وَكَانَ لا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ (1).

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (702)، كتاب: الصلاة، باب: رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح سواء، واللفظ له، و (703)، باب: رفع اليدين إذا كبَّر، وإذا رفع، و (705)، باب: إلى أين يرفع يديه؟ و (706)، باب: رفع اليدين إذا قام من الركعتين، ومسلم (390)، (21 - 23)، كتاب: الصلاة، باب: استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام والركوع، وفي الرفع من الركوع، وأنه لا يفعله إذا رفع من السجود، وأبو داود (722)، كتاب: الصلاة، باب: رفع اليدين في الصلاة، و (741، 742)، باب: افتتاح الصلاة، والنسائي (876)، كتاب: العمل في افتتاح الصلاة، والنسائي (876)، كتاب: الافتتاح، باب: العمل في افتتاح الصلاة، و (877)، باب: رفع اليدين قبل التكبير، و (878)، باب: رفع اليدين حذو المنكبين، و (1057)، كتاب: التطبيق، باب: رفع اليدين حذو المنكبين عند الرفع من الركوع، و (1059)، =

ص: 183

* الكم على الحديث من وجوه:

الأول: قد تقدم أن المنطب: مجمع عظم العضد والكتف.

قال الجوهري: والمناكب أيضا في جناح الطائر أربع بعد القوادم، والمنكب من الأرض: الموضع المرتفع (1).

الثاني: اعلم: أن رفع اليدين عندنا من فضائل الصلاة، والنظر فيه يتعلق (2) بأربعة أطراف:

الأول: هل ترفع اليدان (3) في الصلاة أو لا؟

= باب: ما يقول الإمام إذا رفع رأسه من الركوع، والترمذي (255)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في رفع اليدين عند الركوع، وابن ماجه (858)، كتاب: الصلاة، باب: رفع اليدين إذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"معالم السنن" للخطابي (1/ 191)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (1/ 407)، و"عارضة الأحوذي" لابن العربي (2/ 56)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 260)، و"المفهم" للقرطبي (2/ 18)، و"شرح مسلم" للنووي (4/ 93)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 220)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (1/ 458)، و"فتح الباري" لابن رجب (4/ 296)، و"التوضيح" لابن الملقن (6/ 625)، و"طرح التثريب" للعراقي (2/ 252)، و"فتح الباري" لابن حجر (2/ 220)، و"عمدة القاري" للعيني (5/ 271)، و"كشف اللثام" للسفاريني (2/ 331)، و"سبل السلام" للصنعاني (1/ 167)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (2/ 196).

(1)

انظر: "الصحاح" للجوهري (1/ 228)، (مادة: نكب).

(2)

"يتعلق" ليس في "ق".

(3)

في "ق": "يرفع اليدين".

ص: 184

الثاني: إذا قلنا بالرفع، ففي كم (1) موضع؟

الثالث: في منتهى الرفع.

الرابع: في صفة الرفع.

الطرف الأول: هل ترفع اليدان في الصلاة أم لا (2)؟

قال صاحب «البيان والتقريب» : المشهور من مذاهب العلماء مالكٍ وغيره إثبات الرفع في الجملة.

وروى ابن شعبان عن مالك: أنه غير مشروع والنهي عنه أصلا، وتأوله بعض أصحابنا على «المدونة» لما ذكر الرفع، وضعفه، وقال في «مختصر ما ليس في المختصر»: لا ترفع اليدان في شيء من الصلاة.

قال ابن القاسم: ولم أر مالكا يرفع يديه عند الإحرام، قال: وأحب إلي ترك الرفع عند الإحرام.

والدلليل على ثبوته على الجملة: الأخبار الصحيحة في أنه عليه الصلاة والسلام رفع يديه كما هو نص هذا الحديث وغيره، ولأنه ذكر في أحد طرفي الصلاة، فكان من حكمه أن يقرن به عمل؛ كالسلام.

وشبهوة النهي: ما روي عن جابر بن سمرة: كنا نرفع أيدنا في الصلاة، فمر بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«مالي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شُمْسٍ؟! اسكنوا في الصلاة» (3).

(1) في "ق" زيادة: "من".

(2)

"أم لا" ليس في "ق".

(3)

رواه مسلم (430)، كتاب: الصلاة، باب: الأمر بالسكون في الصلاة.

ص: 185

قلت: والاستدلال على ترك الرفع بهذا الحديث ضعيف؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لم ينكر مطلق الرفع، وإنكما أنكر كثرة تحريك (1) الأيدي، واضطرابها، وعدم استقرارها، ويفهم ذلك من تشبيهه بأذناب الخيل الشمس، وهي التي لا تكاد تستقر؛ هكذا فسره ابن فارس في «مجمله» (2)، ومن قوله أيضا:«اسكنوا في الصلاة» .

بل قد قال بعض متأخري الشافعية: إن المراد بالرفع المنهي عنه هنا: رفعهم أيديهم عند السلام مشيرين إلى السلام من الجانبين؛ كما صرح به في الرواية الأخرى (3).

الطرف الثاني: في مواضعه: قال اللخمي: فيه خمسة أقوال، عن مالك من ذلك ثلاث روايات:

الأولى: ما ذكره في «المدونة» : يرفع مرة واحدة عند الإحرام، وهو مذهب أبي حنيفة، وأبي يوسف.

والرواية الثانية: يرفع في موضعين: واحدة (4) عند الإحرام؛ وعند الرفع من الركوع؛ رواها ابن عبد الحكم عنه.

والرواية الثالثة: ما قاله في سماع ابن وهب: يرفع في ثلاثة مواضع: في الإحرام، وفي الركوع، وفي الرفع منه؛ وهو مذهب الشافعي.

(1) في "ق": "تحرك".

(2)

انظر: "مجمل اللغة" لابن فارس (ص: 511).

(3)

انظر: "شرح مسلم" للنووي (4/ 153).

(4)

"واحدة" ليس في "ق".

ص: 186

والقول الرابع: قول ابن وهب: يرفع إذا قام من اثنتين.

قال اللخمي: وهو أحسن أن يرفع في المواضع الأربعوة؛ لحديث ابن عمر، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا قام إلى الصلاة حتى يكونا حذو منكبيه، وكان يفعل ذلك حين يركع، وحين يرفع من الركوع.

أخرجه البخاري، ومسلم، و [مالك في]«الموطأ» (1).

وزاد البخاري عن ابن عمر: أنه كان يرفع إذا قام من اثنتين، ويذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك (2).

والقول الخامس: أنه لا يرفع مطلقا، وقد تقدم (3).

قال صاحب «البيان والتقريب» : ووجه ما اختاره في «المدونة» ما رواه الترمذي، والنسائي، عن عبد الله بن مسعود: أنه قال: ألا أصلي لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يرفع يديه إلا مرة واحدة (4).

قال أبو عيسى: وفي الباب: عن البراء بن عازب.

(1) قلت: هو حديث الباب، ورواه الإمام مالك في "الموطأ"(1/ 75).

(2)

تقدم تخريجه برقم (706) عند البخاري.

(3)

وانظر: "المدونة"(1/ 68)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (1/ 408)، و"الذخيرة" للقرافي (2/ 219).

(4)

رواه الترمذي (257)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع إلا في أول مرة، وقال: حسن، والنسائي (1058)، كتاب: التطبيق، باب: الرخصة في ترك ذلك. وكذا رواه أبو داود (748)، كتاب: الصلاة، باب: من لم يذكر الرفع عند الركوع. وانظر: "الدراية" لابن حجر (1/ 149 - 150).

ص: 187

وروى مسلم، وأبو داود عن ابن جريج (1)، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة، رفع يديه حتى تكون حذو منكبيه، ثم كبر (2).

وروى علي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يرفع في ابتداء الصلاة، ثم لا يعود.

وقد قيل: إنه موقوف على علي رضي الله عنه (3).

وروى البراء: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة، رفع يديه إلى قرب أذنيه، ثم لا يعود (4).

(1) كذا في "خ" و"ق"، وفيه إيهام وقصور؛ إذ إنه من رواية ابن جريج، عن ابن شهاب، عن سالم، عن ابن عمر، به.

(2)

رواه مسلم (390)، كتاب: الصلاة، باب: استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام والركوع، وفي الرفع من الركوع، من طريق ابن جريج، به.

ورواه أبو داود (722)، كتاب: الصلاة، باب: رفع اليدين في الصلاة، من طريق الزبيدي، عن ابن شهاب، عن سالم، عن ابن عمر، به.

(3)

انظر: "السنن الكبرى" للبيهقي (2/ 80).

(4)

رواه أبو داود (749)، كتاب: الصلاة، باب: من لم يذكر الرفع عند الركوع، من طريق شريك، عن يزيد أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء، به.

ثم رواه أبو داود (750)، من طريق سفيان بن عيينة، عن يزيد، نحو حديث شريك، لم يقل:"ثم لا يعود". قال سفيان: قال لنا بالكوفة بعد: "ثم لا يعود". قال أبو داود: وروى هذا الحديث هشيم وخالد وابن إدريس عن يزيد، لم يذكروا:"ثم لا يعود".

ص: 188

وأجيب عنه: بأن ابن عيينة قالت: حدثنا يزيد بن أبي زياد، ولم يذكر فيه:«ثم لا يعود» (1).

وقال الحميدي وغيره: يزيد (2) بن أبي زياد ساء حفظه في آخر عمره، واختلط (3).

وقال ابن مسعود: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في ابتداء الصلاة، ثم لا يعود.

وروي عن ابن عمر، وابن عباس موقوفا عليهما، ومرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواضع: تكبيرة الافتتاح، وتكبيرة الأعياد، وتكبيرة القنوت، وذكر أربعة في الحج» (4).

وعن ابن عباس: أن العشرة الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة ما كانوا

(1) كما تقدم عند أبي داود.

(2)

في "ق": "يريد أن".

(3)

انظر: "السنن الكبرى" للبيهقي (2/ 76).

(4)

قال الحافظ في "الدراية"(1/ 148): لم أجده هكذا بصيغة الحصر الصريحة، ولا بذكر القنوت، ولا تكبيرات العيدين، وإنما أخرج البزار والبيهقي من طريق ابن أبي ليلى، عن نافع، عن ابن عمر، وعن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس مرفوعا وموقوفا:"لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن: في افتتاح الصلاة، واستقبال القبلة، وعلى الصفا والمروة، وبعرفات، وبجمع، وفي المقامين، وعند الجمرتين"، وفي رواية:"والموقفين" بدل "المقامين"، وذكره البخاري في "رفع اليدين" تعليقًا، انتهى.

ص: 189

يرفعون أيديهم إلا في افتتاح الصلاة (1).

ولأن ما عدا تكبيرة الإحرام تكبير عن الانتقال من حال إلى حال، فلا رفع؛ فالانتقال من الجلوس إلى السجود.

وتوجيه باقي هذه (2) الأقوال مصدرها في كتب الفقه، وإنما خصصنا هذا القول بالتوجيه دون ما عداه؛ لأنه المشهور من مذهبنا، والله أعلم.

الطرف الثالث: في منتهى الرفع، وفيه ثلاثة أقوال:

قيل: حذو الصدر، وقيل: حذو الأذنين، والمشهور عند مالك والشافعي: حذو المنكبين.

وروى أشهب عن مالك: حذو الصدر.

وقال أبو حنيفة: حذو الأذنين.

واختلفت الأحاديث على حسب اختلاف الروايات، فقال بعض المحدثين: هو بالخيار بين أن يرفع حذو منكبيه، أو حذو أذنيه.

قال المازري: وقال بعض أشياخي: مجنمل اختلاف الأحاديث على التوسعة، أَيَّ ذلك أحب فعله.

وفي حديث عمر الذي قدمناه: حذو المنكبين.

وروى أبو حميد في عشرة من الصحابة رضي الله عنهم أحدهم: أبو قتادة:

(1) قد ذكره العيني في "عمدة القاري"(5/ 272) عن "البدائع" للكاساني (1/ 207): أنه روي ذلك.

(2)

في "ق": "وتوجيه ما في هذه".

ص: 190

أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا قام، اعتدل قائما، رفع يديه حتى يحاذي منكبيه.

وروى مالك بن الحويرث، ووائل بن حُج} ر: أنه عليه الصلاة والسلام رفع يديه حذو أذنيه (1).

وقد جمع بعض المتأخرين من أصحابنا بين معاني هذه الأحاديث، فقال: كان يحاذي بكفيه (2) منكبيه، وبأطراف (3) أصابعه أذنيه، فيكون مراد أحدهما بالمحاذاة غير مراد الآخر.

قال الإمام أبو عبد الله: وإن استعملنا الترجحيح من حيث الإسناد، قلنا: ابن شهاب، عن سالم، أصح من قتادة، عن نصر بن عاصم، عن مالك بن الحويرث.

وقال بعضهم: اختلفت الرواة عن مالك، ووائل بن حجر، فروي عنهما -أيضا-: حذو منكبيه، فإما أن تتعارض الروايتان فتسقطان (4)، وتبقى الرواية التي لا اختلاف فيها (5)، وفي ذلك خلاف بين أهل الأصول، كلا القولين (6) مؤد إلى مطلوبنا.

(1) انظر: "جزء رفع اليدين في الصلاة" للبخاري (ص: 70).

(2)

في "ق": "كان يحاذي بالكوع حذو الصدر، وبكفيه".

(3)

في "خ": "وأطراف".

(4)

في "خ": "وتسقطان".

(5)

في "ق" زيادة وهي: "لا اختلاف فيها ولا تعارض لها، أو ترجح إحدى الروايتين المختلفتين بالرواية التي لا اختلاف فيها".

(6)

في "ق": "الفريقين".

ص: 191

الطرف الرابع: في صفة الرفع:

قال الباجي: الذي عليه شيوخنا العراقيسون: أن تكون يداه قائمتين تحاذي كفاه منكبيه، وأصابعه أذنيه.

وروى سحنون: أنهما تكونان مبسوطتين ظهورهما إلى السماء، وبطونهما إلى الأرض.

قال: والأول عندي أولى؛ لأنا (1) نتمكن بذلك من الجمع بين الحديثين، ولأنه أبعد عن التكلف (2)، وأيسر في الرفع (3).

وقال الإمام أبو عبد الله: وحكى بعض المتأخرين اختيار إقامة الكف مع ضم الأصابع؛ لأنه زعم أن هذا الشكل فيه معنى من حال الرهبة، وهي ما اختار سحنون، وفيه معنى من حال الرغبة، وهي الإشارة بالكف نحو السماء، والأمر في هذا أقرب.

قال: وإلى اختيار أشياخي أميل، والله أعلم.

فائدة:

قال بعض المتأخرين: لم يشتغل مشاهير الأئمة (4) بإبداء معنى معقول للرفع (5).

قال الإمام أبو غبد الله: قال بعض أشياخي: القصد به إشعار النفس،

(1) في "خ": "لأنَّا لا".

(2)

في "ق": "التخلف".

(3)

انظر: "المنتقى" للباجي (2/ 29).

(4)

في "خ": "الأمة".

(5)

في "ق": "الرفع".

ص: 192

واستعظام ما يدخل فيه، وكثيرا ما يجري للناس مثل ذلك عند مفاجأة أم يستعظمه، فيرفع يديه كالفزع منه، والمسهول له.

فقال بعض الخراسانيين: إن رفع اليدين للسؤال (1)، إنما يكون إذا اختلف مكان السائل (2) من المسؤول، وتباين متقراهما، والباري -سبحانه- لا مكان له، ولا مستقر، فإن هذه الحركة عند الافتتاح تسكين لوحشة النفوس من سؤال من ليس في مكان، وبسط لها في التضرع والسؤال؛ إذا (3) تحرك البدن بالرحكات التي تألفها النفس عند سؤال من ارتفع قدره، وعظم شأنه.

وقال بعض الصوفية: القصد بذلك: إشعار النفس نبذ أمور الدنيا وراء ظهره؛ لتستقبل النفس طلب ما عند الله.

قال صاحب «البيان والتقريب» : فهذا إنما يستقيم على أن تكون اليدان قائمتين، لا على ما قال سحنون.

ثم قال الإمام: وهذه الأجوبة دائرة كلها على أن القصد: الإشعار للنفس بأمر ما، وهي معاني تروق الذهن، فإن صحت، وثبت أن قصد الشريعة ذلك، فذكرها هنا للتنبيه على محاسن الشرع.

ع: وقيل: بل ذلك علم للتكبير؛ ليراه من قرب ومن بعد.

وقيل: ذلك من تمام القيام.

(1) في "خ": "للمسؤول".

(2)

في "ق": "السؤال".

(3)

في "خ": "إذ".

ص: 193

وقيل: بل علامة للتذلل والاستسلام (1).

فائدة أخرى:

في كل صلاة ثنائية إحدى عشرة تكبيرة: تكبيرة الإحرام، وخمس في كل ركعة، وفي الثلاثية: سبع عشرة تكبيرة وهي: تكبيرة الإحرام، وتكبيرة القيام من التشهد الأول، وخمس في كل ركعة، وفي الرباعية: ثنتان وعشرون، ففي المكتوبات الخمس أربع وتسعون تكبيرة.

الثالث: قوله: «حذو منكبيه» دليل لمالك والشافعي؛ إذ ذلك مذهبهما كما تقدم.

الرابع: قوله: «وقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد» : اعلم: أنه قد اختلف في هذه المسألة في موضعين:

أحدهما: أن الإمام إذا قال: سمع الله لمن حمده، هل يقول معها: ربنا ولك الحمد، أو يقتصر على الأول (2)؟

قال الشافعي: يقوله.

وهو مذهب عطاء، وابن سيرين، وإسحاق بن راهويه.

وقاله من أصحابنا: عيسى بن دينار، وابن نافع، وإن كان ع في «الإكمال» خطأ من تأول عليهما ذلك، فلينظر هناك (3).

(1) انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 263).

(2)

في "ق": "الأولى".

(3)

انظر: "إكمال المعلم"(2/ 268).

ص: 194

وقال مالك: لا يزيد الإمام على «سمع الله لمن حمده» ، وهو مذهب أبي حنيفة، ودليله أمران:

أحدهما: الحديث الذي رواه في «الموطأ» ، عن سُمَيٍّ مولى أبي بكر، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد؛ فإنه من وافق قوله قول الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه» (1)؛ فقد خص الإمام بلفظ، وخص المأموم بلفظ، فلا يقل واحد منهما سواه.

الأمر الثاني: أنه انتقال من ركن إلى ركن، فينبغي أن يكون ذكرا واحدا في حق الإمام؛ كالذكر في القيام من السجود، وأيضا: فإن قول الإمام: «سمع الله لمن حمده» : هو في معنى الدعاء، فكأنه يقول: الله اسمع لمن حمدك (2)، فيقول المأموم:«ربنا ولك الحمد» ؛ كالداعي والمؤمن، هكذا ذكره الشيخ أبو إسحاق.

وقال القاضي أبو الوليد الباجي: الأظهر عندي: أن يكون قول الإمام: «سمع الله لمن حمده» في معنى التغريب في الحمد، فالإمام مرغب، والمأموم راغب (3).

(1) رواه الإمام مالك في "الموطأ"(1/ 88)، ومن طريقه: البخاري (763)، كتاب: صفة الصلاة، باب: فضل اللهم ربنا ولك الحمد، ومسلم (409)، كتاب: الصلاة، باب: التسميع والتحميد والتأمين.

(2)

في "ق" زيادة: "لمن حمدك".

(3)

انظر: "المنتقى"(2/ 68).

ص: 195

وحجة الشافعي حديث ابن عمر هذا، وقد قال عليه الصلاة والسلام «صلوا كما رأيتموني أصلي» (1)، وهذا عام.

الموضع الثاني: أن المأموم هل يقول: مع «ربنا ولك الحمد» : «سمع الله لمن حمده» ؟.

فقال الشافعي: يقولها.

وبه قال عطاء، وابن سيبرين، وإسحاق بن راهويه.

وقال مالك: لا يقول المأموم إلا «ربنا ولك الحمد» .

وبه قال: أبو حنيفة؛ كما لا يقول الإمام: إلا «سمع الله لمن حمده» ، واختاره ابن المنذر.

وقال مالك -أيضا- في «مختصر ما ليس في المختصر» : للمأموم أن يقول: «سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد» ، وحجة مالك في القول الأول -وهو المشهور المعروف- ما قدمناه.

واحتج الشافعي في هذا: بأن الحديث المتقدم يدل على أن الإمام يقولهما، وما يسن للإمام في الانتقال من ركن إلى ركن، يسن للمأموم كسائر الأركان (2).

قال الطحاوي: خالف الشافعي في ذلك الإجماع.

قال ابن الصباغ: وليس بصحيح؛ فقد حكينا من قاله بقوله، فبطل مقاله.

(1) تقدم تخريجه.

(2)

انظر: "المنتقى" للباجي (2/ 68).

ص: 196

تذنيب:

قال القاضي أبو الوليد: اختلف العلماء في صفة ما يقوله المأموم، واختلفت (1) الآثار فيه، فروي في حديث:«اللهم ربنا لك الحمد» بزيادة: اللهم، ونقصان الواو من قولك:«ولك الحمد» .

وفي حديث عائشة، وأنس:«ربنا ولك الحمد» .

وفي حديث سعيد، عن أبي هريرة:«اللهم ربنا ولك الحمد» .

وروي عن مالك أنه كان يقول: لك الحمد، واختاره ابن القاسم.

وروي عنه: أنه كان يقول: «اللهم ربنا لك الحمد» ، واختاره أشهب.

ووجه ما اختاره ابن القاسم: أن سعيد بن أبي سعيد قد رواه، وهو ثقة، والزيادة من العدل مقبولة.

ومن جهة المعنى: أنه زيادة في لفظ ذكر، ولأن فيها زيادة معنى في تمجيد الله عز وجل، والثناء عليه؛ لأن معناه: لك الثناء، ولك الحمد؛ لأن الأصل أن الواو للعطف، ولا بد للمعطوف من معطوف عليه لفظا، أو تقديرا، وهذا التقدير هو الذي يقتضيه المعنى.

ووجه ما اختاره أشهب: أنه بنى على أن الواو زائدة، والزائد لا يفيد معنى، فكان حذفها أولى (2).

وقال الشافعي: المأموم بالخيار، إن شاء قال: 0 «ولك الحمد» ،

(1) في "ق": "واختلف".

(2)

المرجع السابق، (2/ 68 - 69).

ص: 197

وإن شاء قال: «لك الحمد» بغير واو؛ لورود الفظين في حديثين، وقد تقدم شيء من هذا، فزدناه وضوحا، والله أعلم.

الخامس: قوله: «وكان لا يفعل ذلك في السجود» ؛ أي: لا يرفع حينئذ.

ق: وكأنه يريد بذلك: عند ابتداء السجود، أو عند الرفع [منه]، وحمله على الابتداء أقرب.

وأكثر الفقهاء على القول بهذا الحديث، وأنه لا يسن رفع اليدين عند السجود، خالف بعضهم في ذلك، وقال يرفع؛ لحديث ورد فيه.

قال: وهذا مقتضى ما ذكرناه من القاعدة، وهو القول بإثبات الزيادة، وتقديمها على من نفاها، أو سكت عنها.

والذين تركوا الرفع من السجود سلكوا مسلك الترجيح لرواية ابن عمر في ترك الرفع من السجود، والترجيح إنما يكون عند التعارض، [ولا تعارض] بين رواية من أثبت الزيادة، وبين من نفاها، أو سكت عنها، إلا أن يكون النفي والإثبات منحصرين في جهة واحدة، فإن ادعى ذلك في حديث ابن عمر والحديث الآخر، وثبت اتحاد الوقتين، فذاك، انتهى (1).

قلت: وهذا تنبيه حسن، والله أعلم.

* * *

(1) انظر: «شرح عمدة الأحكام» لابن دقيق (1/ 222).

ص: 198