المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب سجود السَّهو ‌ ‌الحديث الأول 100 - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ - رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام - جـ ٢

[تاج الدين الفاكهاني]

فهرس الكتاب

- ‌بابُ الأَذانِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌بابُ استقبالِ القبلةِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌بابُ الصُّفوفِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌بابُ الإِمامةِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني والثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌بابُ صفةِ صلاةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالثَ عشر

- ‌الحديث الرابعَ عشر

- ‌باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود

- ‌باب القراءة في الصَّلاةِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب ترك الجَهرِ ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

- ‌باب سجود السَّهو

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب المرور بينَ يديِ المصلي

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب جامع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌باب التشهد

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الوتر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الزكاة عقب الصلاة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الجمع بين الصلاتين في السفر

- ‌باب قصر الصلاة في السفر

- ‌باب الجمعة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

الفصل: ‌ ‌باب سجود السَّهو ‌ ‌الحديث الأول 100 - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ

‌باب سجود السَّهو

‌الحديث الأول

100 -

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ- صلى الله عليه وسلم إحْدَى صَلاتَيِ الْعَشِيِّ، قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: وَسَمَّاهَا أَبُو هُرَيْرَةَ، وَلَكِنْ نَسِيتُ أَنَا، قَالَ (1): فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَامَ إلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ ، فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا، كَأَنَّهُ غَضْبَانُ، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى ، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، وَخَرَجَتِ السَّرَعَانُ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالُوا: قَصُرَتِ الصَّلاةُ، وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ، وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ طُولٌ ، يُقَالُ لَهُ: ذُو الْيَدَيْنِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَنَسِيتَ ، أَمْ قَصُرَتِ الصَّلاةُ؟ قَالَ:«لَمْ أَنْسَ، وَلَمْ تُقْصَرْ» ، فَقَالَ:«أَكَمَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟» ، فَقَالُوا: نَعَمْ، فَتَقَدَّمَ، فَصَلَّى مَا تَرَكَ، ثُمَّ سَلَّمَ ، ثُمَّ كَبَّرَ، وَسَجَدَ (2) مِثْلَ سُجُودِهِ، أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَكَبَّرَ ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ، أَوْ أَطْوَلَ،

(1)"قال" زيادة من "ق".

(2)

في "ق": "فسجد".

ص: 335

ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ، فَرُبَّمَا سَأَلُوهُ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَنُبِّئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ: ثُمَّ سَلَّمَ (1).

(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه البخاري (468)، كتاب: المساجد، باب: تشبيك الأصابع في المسجد، واللفظ له، و (682 - 683)، كتاب: الجماعة والإمامة، باب: هل يأخذ الإمام إذا شك بقول الناس؟ و (1169)، كتاب: السهو، باب: إذا سلَّم في ركعتين، أو في ثلاث، فسجد سجدتين، مثل سجود الصلاة أو أطول، و (1175، 1171)، باب: من لم يتشهد في سجدتي السهو، و (1172)، باب: من يكبر في سجدتي السهو، و (5704)، كتاب: الأدب، باب: ما يجوز من ذكر الناس: نحو قولهم: الطويل والقصير، و (6823)، كتاب: التمني، باب: ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام، ومسلم (573)، (97 - 100)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: السهو في الصلاة في السجود له، وأبو داود (1008 - 1016)، كتاب: الصلاة، باب: السهو في السجدتين، والنسائي (1224 - 1231)، باب: ذكر الاختلاف على أبي هريرة في السجدتين، والترمذي (399)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الرجل يسلم في الركعتين من الظهر والعصر، وابن ماجه (1213 - 1214)، كتاب: الصلاة، باب: فيمن سلم من ثنتين أو ثلاث ساهيًا.

* مصَادر شرح الحَدِيث:

"معالم السنن" للخطابي (1/ 234)، و"الاستذكار" لابن عبد البر (1/ 497)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 515)، و"المفهم" للقرطبي (2/ 187)، و"شرح مسلم" للنووي (5/ 68)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 25)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (1/ 527)، و"فتح الباري" لابن رجب (2/ 585، 4/ 239)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 104)، و"التوضيح" لابن الملقن (6/ 15)، و"طرح التثريب" للعراقي (3/ 2)، =

ص: 336

* الشرح:

السهو: مصدر سها، يسهو، وفسره الجوهري بالغفلة (1)

ولتعلعم: أن هذا الحديث وما قاربه أصل في سجود السهو، وهو من المسائل المهمة في الصلاة، وجملة الأحاديث الواردة في ذلك ثلاثة عشر حديثا مشهورة في كتب الحديث، فينبغي أن نقدم بين يدي هذا الحديث مقدمتين.

الألى: في نفس السجود.

والثانية: في أسبابه.

ثم نرجع بعد ذلك إلى تتبع ألفاظ الحديث.

أما الألى: فنقول: اختلف الناس في سجود السهو في (2) أربعة أوجه:

الأول: في محله.

والثاني: في تكريره بتكرر أسبابه.

والثالث: في صفته.

= و"فتح الباري" لابن حجر (3/ 96)، و"عمدة القاري" للعيني (4/ 263)، و"كشف اللثام" للسفاريني (2/ 467)، و"سبل السلام" للصنعاني (1/ 202)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (3/ 130).

(1)

انظر: "الصحاح" للجوهري (6/ 2386)، (مادة: سها).

(2)

في "ق": "على".

ص: 337

والرابع: في حكمه.

الوجه الأول: في محل السجوود: وقد اختلف فيه؛ لاختلاف الأحاديث الواردة فيه، فذهب علي، وسعد بن أبي وقاص، وابن مسعود، وعمار بن ياسر، وأنس لبن مالك، وابن عباس، وابن الزبير، إلى أنه كله بعد السلام، وبه قال من الفقهاء: الحسن البصري، وابن صالح، والنخعي، وابن أبي ليلى، والثوري، وأبو حنيفة.

وذهب أبو هريرة، وأبو سعيد الخدري: إلى أنه كله قبل السلام، وبه قال من الفقهاء: الزهري، وربيعة، والأوزاعي، والليث بن سعد، والشافعي في الجديد.

وذهب مالك: إلى أنه إن كان عوضاً عن نقص، فقبل السلام، أو زيادة، فبعد السلام، وبه قال إسحاق (1)، وأبو ثور، والشافعي في القديم.

وذهب ابن حنبل وغيره: إلى اتباع ظواهر الأخبار، وما لم يرد فيه أثر، فالسجود فيه قبل السلام، فالسجود عنده في ترك الجلسة الوطى قبل السلام؛ لحديث ابن بحينة الآتي بعد هذا الحديث، وإذا شك، رجع إلى اليقين، والسجود قبل السلام على حديث أبي سعيد الخدري، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدر كم صلى، ثلاثا، أم أربعا، فليطرح الشك، ولبن على ما استيقن،

(1)"وذهب مالك إلى أنه" إلى هنا، ليس في "ق".

ص: 338

ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسا، شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتماما لأربع، كانتا ترغيما للشيطان» رواه مالك، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي عن أبي سعيد (1).

وإذا شك، وكان ممن يرجع إلى التحري، فالسجود بعد السلام على حديث ابن مسعود، قال: صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فإما زاد، أو نقص، قال: قلنا: يا رسول الله! أحدث في الصلاة شيء؟ قال: «لا» ، فقلنا له الذي صنع، فقال:«إذا زاد الرجل أو نقص، فليسجد سجدتين» ، ثم سجد سجدتين، الحديث، رواه مسلم عن عبد الله (2).

وإذا سلم من اثنتين، فالسجود بعد السلام على حديث أبي هريرة هذا الذي نحن فيه.

(1) رواه الإمام مالك في "الموطأ"(1/ 95)، من طريق زيد بن أسلم، عن عطاء ابن يسار، مرسلا. قال ابن عبد البر في "التمهيد" (5/ 18): هكذا روى هذا الحديث عن مالك جميع رواة الموطأ عنه، ولا أعلم أحدا أسنده عن مالك إلا الوليد بن مسلم، فإنه وصله وأسنده عن مالك، وتابعه على ذلك يحيى بن راشد -إن صح- عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم، انتهى.

وقد رواه موصولا: مسلم (571)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: السهو في الصلاة والسجود له، والنسائي (1238)، كتاب: السهو، باب: إتمام المصلي على ما ذكر إذا شك، وأبو داود (1024)، كتاب: الصلاة، باب: إذا شك في الثنتين والثلاث.

(2)

رواه مسلم (572)، (1/ 403)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: السهو في الصلاة والسجود له.

ص: 339

وذهب داود إلى اتباع الآثار على حسب ما وردت، ومن أصله نفي القياس، فنفى (1) السجود فيما لم يرد فيه أثر.

وأشار بعض العلماء إلى التخيير في محله.

وقد قال مالك في «المجموعة» : ما كان الناس يضايقون في سجود السهو قبل ولا بعد، وكان ذلك عندهم سهلا.

قال الإمام المازري - رحمه الله تعالى- في توجيه هذه المذاهب، وفي الاعتذار عن بعض ما ورد في الأخبار: أما داود، فبنى على التعبد، وأخذ بكل حديث فيما وقع فيه، وأنكر ما خرج عن ذلك.

وأما ابن حنبل، فعمل في الأحاديث بما عمل به داود، ثم استعمل القياس فيما لم يرد فيه أثر، ورأى السجود في ذلك كله قبل السلام؛ لما سنذكره في حجة القائلين بأن السجود كله قبل السلام.

وأما من أشار إلى التخيير، فإنه رأى الأخبار مختلفة، ولا سبيل إلى طرح جميعها، فجمع بينها بالتخيير.

وأما من قال: السجود كله قبل السلام، فإنه يتأول ما ورد بالسجود بعد السلام على أحد ثلاثة أوجه:

أحدها: أن يقدر أن المراد بالسلام السلام على النبي صلى الله عليه وسلم المذكور في التشهد.

(1) في "ق": "وينفي".

ص: 340

قلت: وهذا عندي في غاية البعد.

الثاني: أن يحمل ما وقع من سجوده عليه الصلاة والسلام بعد السلام أنه نسي أن يوقعه قبل السلام، فأوقعه بعد السلام.

الثالثت: أن يحمله على (1) أنه كان، ثم نسخ، ويعضده بقول ابن شهاب: كان آخر الأمر من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم السجود قبل السلام.

وأما من يقول: السجود كله بعد السلام، فإنه يتأول ما وقع من الأحاديث بأتنه قبل السلام بأحد وجهين:

أحدهما: أن المراد: قبل التسليمة الثانية.

الثاني: أن المراد به: قبل التسليم من السجود.

وذكر بعضهم تأويلا ثالثا، وهو أن المراد بالسجدتين: سجدتا الركعة الآخرة.

وهذه التأويلات كلها ضعيفة.

ثم تمسك من قال بأن السجود كله قبلُ بأمر فقهي، وهو أن الأصل يقتضي أن يكون سجود السهو عقب سببه، وإنما أخر إلى آخر الصلاة لأمرين:

أحدهما: أن يتكرر سهو آخر يقتضي السجود، وقد أجمعنا على أنه لا يتكرر السجود بتكرر السهو، وأخر سجود السهو ليجبر كل ما يطرأ في الصلاة من السهو.

(1)"على" ليس في "ق".

ص: 341

الثاني: أن الأصل: أن يعوض ما سهي عنه بمثله، ويفعل عند الذكر له، وحالة الذكر إذا كانت في أثناء الصلاة لا يصح أن يفعل فيها ما ترك سهوا، أو العوض منه؛ لأن ذلك المحل قد استحقه فعل آخر من الصلاة بأصل الشرع، فإذا (1) تزاحم هو والمتروك على هذا المحل، كان الأصل أحق به؛ لاستحقاقه إياه بأصل الشرع، فأخر العوض؛ إذ لا محل له إلا آخر الصلاة، ولا ينبغي أن يسلم قبل سجود السهو؛ لأنه بالسلام من الصلاة كملت، وما يفعل بعدها لا يجبر نقصها، ولا يرغم الشيطان في زيادتها، فوجب أن يكون السجود كله قبل السلام.

وتمسك من قال بأن السجود كله بعد السلام بأمر فقهي أيضا، وهو أن السجود المذكور زيادة على المقادير المقدرة في الصلاة، فإذا أوقعنا سجود السهو قبل السلام، زدنا في نفس الصىة تغيرا مع التغير الأول، فيقع الإجحاف بالعبادة في كثرة التغيير (2)، فوجب أن يكون خارجا عن نفس الصلاة؛ صيانة للصلاة عن (3) الزيادة في مقاديرها.

وأما مالبك رضي الله عنه، فاستشعر بعدُ هذه التأويلات، وإن كل فريق من الفريقين المتقدمين يرد مذهبه ظواهر بعض الأخبار، فاستعمل طريقة ثالثة هي أصوب الطرق، ولا يردها ظواهر الأخبار، ويقتضيها الفقه.

أما الأخبار: فإن حديث ابن بحينة تضمن نقصا، فلذلك سجد قبل

(1) في "ق": "وإذا".

(2)

في "ق": "التغير".

(3)

في "خ": "على".

ص: 342

السلام، وحديث ابن مسعود تضمن زيادة، فلذلك سجد بعد السلام.

وأما الفقه: فهو أن السجود للنقص (1) جبران، وجبران الشيء لا يكون إلا في نفسه، لا في غيره، ولا بعد انقضائه، والسجود للزيادة (2) ترغيم للشيطان، فهو في الحقيقة، زيادة، ولا تكلف الصلاة زيادتين، فينبغي أن يكون بعد السلام.

الوجه الثاني: في تكرير السجود إذا تكرر سببه.

وقد (3) اختلف في ذلك، فذهب عامة فقهاء الأمصار إلى الاكتفاء بسجدتين عن جميع ما يسهو عنه، وأن لا يتكرر بتكرر أسبابه، وشذت طائفة، فقالت: لكل سهو سجدتان، فيتكرر بتكرر أسبابه.

وقال الأوزاعي: إن كان النسيان من جنس واحد، تداخلا، وإن كانا من جنسين، لم يتداخلا.

وقال ابن أبي حازم، وعبد العزيز بن أبي سلمة: إن كان أحدهما محله قبل السلام، والآخر بعد السلام، لم يتداخلا، وسجد قبل السلام لما يختص بما قبل السلام، وبعد السلام لما (4) يختص بما بعد السلام (5).

(1) في "خ": "أن سجود النقص".

(2)

في "ق": "بالزيادة".

(3)

في "خ": "فقد".

(4)

في "خ": "مما".

(5)

انظر: "المجموع في شرح المهذب" للنووي (4/ 139).

ص: 343

ودليلنا على تداخله: أنه عليه الصلاة والسلام سلم من اثنتين، ثم مشى، ثم تكلم، وهذا سهو في ثلاثة مواضع مختلفة الأجناس، ومع هذا، فإنما سجد السجدتين.

وأيضا: فإن سجود السهو إنما أخر عن سببه إلى آخر الصلاة؛ ليكتفى عن جميعه بسجود واحد؛ إذ لو لم يكتفى به عن جميعه، لجعل السجود عقب سببه، وهذا لم يقله أحد، فإن تمسك من نف التداخل بقوله عليه الصلاة والسلام:«لكل سهو سجدتان» (1)، فالخبر غير ثابت، ولو ثبت، لكان معناه: أن لكل سهو إذا انفرد سجدتان.

وأيضا: فإن السهو مصدر -كما تقدم-، وهو يقع على القليل والكثير.

فإن تمسكوا بأن الدماء الواجبة في الحج لا تتداخل، بل تتعدد بتعدد أسبابها، فكذلك هاهنا.

وقد أجاب ابن القصار عن هذا: بأن القياس أن يكون الحج كالصلاة؛ يعني: فقد جرت مسألة الصلاة على القياس.

قال المازري: ويمكن أن يكون الفرق بينهما بأن الدم في الحج

(1) رواه أبو داود (1038)، كتاب: الصلاة، باب: من نسي أن يتشهد وهو جالس، والإمام أحمد في "المسند"(5/ 280)، وغيرهما من حديث ثوبان رضي الله عنه. وفي إسناده اختلاف. قال النووي في "خلاصة الأحكام" (2/ 642): ضعفه البيهقي وغيره، وفي إسناده ضعيفان. وانظر:"الدراية" لابن حجر (1/ 207).

ص: 344

يمكن أن يفعل عقب السبب، ولا يمكن ذلك في الصلاة، فما أخر إلا ليكتفى عن جميع السهو بسجدتين، والله أعلم.

الوجه الثالث: في صفة سجود السهو.

والنظر فيه في أربعة مواضع:

الموضع الأول: هل لما بعد السلام إحرام، أم لا؟ وقد اختلف فيه قول مالك.

ومنشأ هذا الاختلاف: أنه هل يعد كجزء من الصلاة، فلا يفتقر إلى إحرام، بل ينسحب عليه إحرام الصلاة، أو يعد كعبادة مستقلة، فيحتاج إلى إحرام، والمشهور: احتياجه إلى الإحرام؛ لاستقلاله بنفسه؛ لأنه بسلامه من الصلاة صار في غيره صلاة، فيحتاج في هاتين السجدتين إلى إحرام؛ ليدخل به ي هذه العبادة.

وإذا قلنا: فيمن سلم من اثنتين ساهيا: إنه لا يرجع إلى الصلاة إلا بإحرام، مع أنه لم يكمل صلاته بعد، فهذا الذي أمر بالسلام عندما كملت صلاته أولى بتجديد الإحرام.

الموضع الثاني: هل يتشهد بعد السجود الذي قبل السلام، أم لا؟

وقد اختلف فيه قول مالك أيضا؛ فأحد قوليه: أنه يعيد التشهد بعد السجود؛ إذ سنة الصلاة أن يكون السلام عقب التشهد، وقد حال بين الأول وبين الصلام هذا السجود.

ص: 345

فإن قيل: فقد قيل (1) في مسبوق على إمامه سجود بعد السلام: إنه إذا سلم إمامه، واشتغل بالسجود، ولم يقم المأموم للقضاء، بل بقي جالسا حتى فرغ الإمام من السجود: أن المأموم لا يتشهد، وليدع؛ خشية من تكرار التشهد في الجلوس الواحد، فليكن هذا منهن فلا يعيد التشهد؛ لأنه قد تشهد في جلوسه هذا، وإلا فما الفرق بينهما؟

قلنا: بينهما فرق، وذلك أن هذا بسجوده انفصل ذلك التشهد وذلك الجلوس، وهذا جلوس ثان، لم يتشهد فيه، فليتشهد؛ ليكون سلامه عقب التشهد.

والقول الثاني لمالك رضي الله عنه: أنه لا يتشهد لهذا الجلوس الذي فعله بعد سجوده؛ الذي هو قبل السلام، ورآه كأنه بقية الجلوس الذي كان قبل السجود، وقد تشهد فيه، ولا عهد في الشريعة بأن يتشهد في جلوس واحد مرتين، وهذا القول الثاني قول ابن القاسم، وعليه العمل، والله أعلم.

الموضع الثالث: هل للسجةد الذي بعد السلام تشهد بعده وسلام؟

وقد اختلف الناس في ذلك: فمذهبنا: إثباتهما؛ لما قدمناه من أنهما عبادة مستقلة منفصلة عن الصلاة.

وذهب الحسن إلى نفيهما، وروي ذلك عن أنس بن مالك.

(1) في "خ": "قال".

ص: 346

وذهب النخعي إلى إثبات التشهد دون السلام.

وذهب ابن سيرين إلى إثبات السلام دون التشهد.

وذهب عطاء إلى التخيير في ذلك، إن شاء فعل التشهد والسلام، وإن شاء لم يفعلهما.

وفي «المدونة» لابن القاسم: إذا انتقض وضوءه قبل أن يسلم منهما إن لم يعدهما، اكتفى، وقيل: لا يكتفي (1).

واختلف القول عندنا في الإحرام لهما (2) إذا لم يوقعهما عقب السلام، وأوقعهما بعد أن طال انفصاله من الصلاة، وأما رو كانتا قبل السلام، فنسيهما حتى سلم، لأحرم بهما؛ إذ لا يرجع لإصلاح ما انتقص من الصلاة إلا بالإحرام، وقد اختلفت الرواية في حديث ذي اليدين هذا، فبعضهم ذكر السلام، وبعضهم لم يذكره، وهو سبب اضطراب الناس في ذلك، ولم يذكر في حديث ابن بحينة الآتي التشهد لهما، وقال في حديث عمران بن حصين:«ثم سجد سجدتين، ثم تشهد، ثم سلم» (3)، والقياس: أن كل ما له إرام، فله تشهد وسلام.

الموضع الرابع: هل يجهر بالسلام من التين بعد السلام أو لا؟

(1) انظر: "المدونة"(1/ 139).

(2)

في "خ": "بهما".

(3)

رواه أبو داود (1039)، كتاب: الصلاة، باب: سجدتي السهو فيهما تشهد وتسليم، والترمذي (395)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في التشهد في سجدتي السهو، وقال: حسن صحيح.

ص: 347

اختلف فيه، والمشهنور الجهر، وروي الإسرار.

الوجه الرابع: في حكم سجدتي السهو.

وقد اختلف الناس في ذلك، فذهب أبو حنيفة إلى أن السجود واجب، وذهب الشافعي إلى أنه سنة، وذكر القاضي عبد الوهاب أنه يتنوع؛ فمنه ما هو واجب، ومنه ما هو سنة.

قال المازري: ما أشار إليه أن ما بعد السلام سنة، وما كان قبل السلام فهو واجب، على (1) قولنا: إنه إذا نسي ما قبل السلام حتى طل، تفسد (2) صلاته.

قلت: وفي المذهب قول بالوجوب مطلقا.

وقول الإمام: إذا نسي ما قبل السلام: يريد إذا كان السجود لزم عن ترك ثلاث تكبيرات، أو ثلاث تحميدات، أو الجلسة الوسطى، هذا مذهب ابن القاسم، وعليه العمل.

وروي عن مالك: إذا نسي سنتين فصاعدا حتى طال، أعاد الصلاة.

ثم قال الإمام: فحجة من قال بالوجوب مطلقا: قوله عليه الصلاة والسلام في حديث ابن مسعود: «فليتحر الصواب وليبن عليه، وليسجد (3) سجدتين» وهذا أمر، وظاهر الأمر الوجوب.

(1) في "ق": "هل" بدل "على".

(2)

في "ق": "مفسد".

(3)

في "ق": "ويسجد".

ص: 348

واستدل بعض من قال بالوجوب أيضا بجبران الحج.

وأُجيبوا عن ذلك بأن جبران الحج عن ترك واجب، وسجود السهو من ترك سنة.

وحجة من أنكر الوجوب: قوله عليه الصلاة والسلام في حديث ابن مسعود: «كانت الركعة نافلة له، والسجدتان» ؛ فقد صرح بنفي الوجوب، وأنهما نافلة، يعني: الركعة والسجدتين.

وقوله عليه الصلاة والسلام أيضا: «والسجدتان ترغيم للشيطان» والترغيم ليس بواجب، أصله الحوقلةن ولأن الجبران ينبغي أن يكون على حسب المتروك؛ لأنه كالتابع له.

المقدمة الثانية: في أسباب السجود.

وهي أربعة: زيادة، ونقص، واجتماعهما، والرابع: الشك فيهما.

السبب الأول: الزيادة: وهي إما قول، أو فعل، أو اجتماعهما.

فزيادة القول؛ إما أن تكثر، أو تقل، فالكثير مبطل إن (1) أحال الإعراض عن الصلاة، والقليل يجزئ عنه سجدتا السهو؛ لحديث ذي اليدين هذا.

وأما الفعل، فتارة، يكون من غير جنس الصلاة، وتارة يكون من جنسها:

فالأول: كالمشي، والأكل، والشرب، وشبه ذلك، فالكثير منه

(1) في "ق": "إذا".

ص: 349

مبطل، واليسير يجزئ سجود السهو عنه؛ لحديث ذي اليدين أيضا؛ فإن فيه: أنه- عليه الصلاة والسلام قام واتكأ على خشبة؛ وفي الحديث الآخر: أنه- عليه الصلاة والسلام قام، ودخل حجرته، ثم بنى، وسجد للسهو.

والثاني: وهو ما كان من جنس الصلاة، فالقليل منه على وجه السهو لا يبطل؛ كزيادة ركعة في الرباعية؛ لأنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمسا، فسجد بعد السلام، فإن كثرت الزيادة، فزاد على الرباعية مثلها، فالمشهور بطلانها، وإن زاد على الرباعية مثل نصفها، فإن قلنا بصحة الرباعية المزيد عليها مثلها، فهذا أولى، وإن قلنا بالبطلان ثم، فهنا قولان منشأهما: أّن النصف كثير لا أكثر، فإن قلنا: لا يبطل الصلاة إلا بزيادة هي مثل أكثر العبادة، صححنا، وإن قلنا: إن (1) مجرد الكثرة في الزيادة مبطل، أبطلنا هذه الصلاة، فإن كانت الصلاة ثنائية، فزاد عليها مثلها، فإن قلنا بصحة الرباعية المزيد عليها مثلها، فهاهنا أولى، وإن قلنا ثم: تبطل، فهاهنا قولان منشأهما: أن الزيادة هل ينظر إليها في نفسها من غير نسبة إلى المزيد عليه، أو ننسبها إليه، وإذا فرعنا على البطلان، فزاد في الثنائية ركعة، ففي البطلان أيضا قولان، منشأهما ما قدمناه.

وفي إلحاق الثلاثية بالرباعية، أو بالثنائية، قولان.

(1) في «ق» : "لأن".

ص: 350

ثم حيث حكمنا بالصحة، فليسجد بعد السلام، وأما إذا كانت الزيادة عمدا، وهي من جنس الصلاة فمبطلة، ولو (1) كانت سجدة واحدة؛ لتعمده تغيير نظم الصلاة ووضعها، فإن (2) كانت الزيادة جهلا، جرى على الخلاف في إلحاق الجاهل بالعامد، أو بالناسي.

وأما إن زاد قولاً أو فعلا، فإن كانا أو أحدهما كثيرا أبطل (3) الصلاة، وإن لم يكونا كثيرا؛ كما إذا سلم من اثنتين، ثم قام ومشى، ولم يطُل، فلا بطلان، وعليه سجود السهو؛ كما في حديث ذي اليدين وغيره.

السبب الثاني: وهو النقص سهوا، فالمتروك ركن، وسنة، وفضيلة.

قال القاضي عبد الوهاب: وـ (4) هيئة.

قال صاحب «البيان والتقريب» : الهيئات (5) من جملة الفضائل، ففيه أيضا ثلاثة فصول:

الأول: أن يكون المتروك ركنًا، فلا ينوب عنه السجود، ولا بد من الإتيان به، فإن فات محله من ركعة، بطلت تلك الركعة، فإن أخل بركوع ركعة، أو بسجدتيها، أو بإحداهما، فإنه يتلافى ذلك ما لم يعقد

(1) في "ق": "وإن".

(2)

في "ق": "وإن".

(3)

في "ق": "أبطلا".

(4)

في "خ": "أو".

(5)

في "ق": "الهيئة".

ص: 351

الركعة التي تليها.

وَبِمَ تنعقد؟ في المذهب قولان: أشهرهما: برفع الرأس من الركوع.

والشاذ: بوضع اليدين على الركبتين.

الفصل الثاني: أن يكون المتروك سنة، فإن تركها عمدا، ففي بطلان الصلاة قولان؛ وجه البطلان: أنه متلاعب، ووجه الصحة: كون المتروك ليس بركن.

وإذا قلنا بالصحة، فهل عليه سجود، أو لا ? في المذهب قولان: أشهرهما: أنه لا سجود عليه ; لأن السجود إنما شرع في السهو، وهذا نظير قولنا: أن القاتل عمدا لا تجب عليه الكفارة ; لأنها إنما وردت في حق المخطئ، لتمحوا (1) ما نسب إليه من التفريط، وأما المتعمد، فإثمه أعظم من أن تمحوه الكفارة، وكذلك قلنا في اليمين الغموس: إنها لا كفارة فيها ; لأن إثمها أعظم من أن تكفر.

والقول الثاني: أنه يسجد إلحاقا للعامد بالساهي.

وأما إن ترك السنة ساهيا، فإن كانت فعلا، سجد لها، وإن كانت قولاً، ففي السجود لها عندنا (2) قولان: أشهرهما: السجود، ومتى يسجد؟ فقيل: قبل السلام؛ كنقص

(1) في "خ": "فتمحو".

(2)

في "ق": "عنده".

ص: 352

بعض الأفعال، وقيل: بعد السلام؛ لخفة الأمر في ذلك، فأما إذا قل ما هو من جنس السنن؛ كالتكبيرة، أو التحميدة الواحدة، فالمشهور: أنه لا سجود عليه في ذلك؛ لضعف أمره، فأشبه الفضائل، وقيل: يسجد، ومنشأ الخلاف: معارضة شائبة القلة لوصف السنة.

وأما تارك الجلسة الوسطى، فمذهب ابن القاسم: أن تاركها، إن لم يسجد قبل السلام، سجد بعد السلام بالقرب، فإن تطاول ذلك، أعاد الصلاة أبدا، وكذلك الحكم فيمن ترك ثلاث تكبيرات، أو ثلاث تحميدات فصاعدا، والله أعلم (1).

فهذا ما أردنا من ذكر هاتين المقدمتين، فاحتفظ بهما، فقل ما تجدهما متيسرتين هذا التيسير، مفسرتين هذا التفسير.

ولنرجع إلى تتبع ألفاظ الحديث فنقول:

* الكلام عليه من وجوه:

الأول: قوله: «إحدى صلاتي العشي» : يدل على أن العشي من الزوال إلى غروب الشمس، وكذلك ذكره الجوهري (2)، ففي بعض الأحاديث: أنها صلاة الظهر، وفي بعضها: أنها صلاة العصر، وفي بعضها الشك؛ كما في هذا الحديث:«هل كانت الظهر، أو العصر» .

(1) وانظر: "المعونة" للقاضي عبد الوهاب (1/ 107)، و"الذخيرة" للقرافي (2/ 289).

(2)

انظر: "الصحاح" للجوهري (6/ 2426)، (مادة: عشا).

ص: 353

واتفقت الأحاديث أنها صلاة رباعية، وقد قال بعض أهل العلم: إن هذا الاختلاف في قضية واحدة.

قال ابن بزيزة: ويحتمل أن تكون قضيات مختلفة، إلا أن يثبت التاريخ.

الثاني: قوله: «إلى خشبة معروضة في المسجد» : الظاهر: أن هذه (1) الخشبة هي الجذع الذي كان عليه الصلاة والسلام يخطب عليه، كان منصوبا في المسجد، ولم يزل يبكي حتى جاء إليه (2) النبي صلى الله عليه وسلم، فضمه وعانقه، فسكن، وهو من إحدى معجزاته عليه الصلاة والسلام على ما سيأتي، ومما يحقق ذلك: أن في الرواية الأخرى في الصحيح: «ثم أتى جذعا» (3) مكان (خشبة) هنا.

الثالث: قوله: «فاتكأ عليها كأنه غضبان» : قال بعض المتأخرين -وأظنه ابن بزيزة-: غضبه عليه الصلاة والسلام في هذا الوقت أمر خفي عنا، سببه، ولعل الصحابة رضي الله عنهم عبروا بالغضب عّما ظهر عليه من قبض نشأ عن مطالعته الجلال وهيبته، والله يقبض ويبسط، وإلا، فلا موجب له في هذا الوقت.

(1)"هذه" ليس في "خ".

(2)

في "ق": "جاءه".

(3)

هي رواية مسلم المتقدم تخريجها في صدر الحديث برقم (573)، (1/ 403).

ص: 354

قلت: يريد: لا موجب له ظاهرا، وإلا، فحاشاه صلى الله عليه وسلم أن تظهر عليه حالة لا موجب لها أصلا.

قال: وتهيب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أن يكلماه، دليل على ما لهما من المنزلة الجليلة في الفهم عنه، فلما كان الوقت وقت قبض، لم يبادرا (1) إلى أن يكلماه، انتهى.

الرابع: سَرَعان الناس -بفتح السين والراء والعين المهملات- أوائلهم، هذا هو الصواب الذي قاله الجمهور (2) من أهل اللغة والحديث، وكذا ضبطه المحققون (3)، والسرعان: المسرعون إلى الخروج (4).

ونقل ع عن بعضهم -إسكان الراء-، قال: وضبطه الأصيلي في «البخاري» بضم السين وإسكان الراء، جمع سريع؛ كقفيز وقُفْزان (5)، وكثيب وكثبان (6).

وإنما خرجوا ولم، يتكلموا، ولم يلبثوا؛ لأن الزمن زمن الوحي

(1) في "ق": "يتبادرا".

(2)

في "ق": "الجوهري".

(3)

في "ق": "المحدثون".

(4)

انظر: "شرح مسلم" للنووي (5/ 68).

(5)

في "ق": "كفقير وقفران".

(6)

انظر: "إكمال المعلم"(2/ 519)، و"مشارق الأنوار" كلاهما للقاضي عياض (1/ 213).

ص: 355

ونزول الشرائع، فخرجوا بانين على أن النسخ قد وقع، وأن الصلاة قد قَصُرَت، ويبعد اتفاقهم على النسيان.

الخامس): قوله: «وفي القوم رجل في يديه طول، يقال له: ذو اليدين» : قال ابن بزيزة في «شرح الأحكام» : وفي لفظ آخر: خرباق (1) ، وهو غير ذي الشمالين، وقد اختلفت (2) ألفاظ هذا الحديث، ففي بعضها:«فقام ذو اليدين» ، وفي حديث عمران بن حصين:«فقام إليه رجل يقال له: الخرباق، وكان في يده طول» ، في حديث ابن مسعود:«فلما سلم، قيل له: أحدث في الصلاة شيء؟» ، وفي حديث معاوية بن حُدَيج (3):«فأدركه رجل، فقال: نسيت يا رسول الله ركعة» ، وفيه: أن الرجل الذي كلمه هو (4) طلحة بن عبيد الله (5)، ولعلها قضايا مختلفة.

وقدتردد نظر الحفاظ في ذي اليدين، والصحيح الذي عليه

(1) رواه مسلم (574)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: السهو في الصلاة والسجود له، من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه.

(2)

في "خ": "اختلف".

(3)

قلت: بضم الحاء، وكسر الدال المهملتين، فياء ساكنة، فجيم.

(4)

"هو" ليس في "خ".

(5)

رواه أبو داود (1023)، كتاب: الصلاة، باب: إذا صلى خمسًا، والنسائي (664)، كتاب: الأذان، باب: الإقامة لمن نسي ركعة من صلاة.

ص: 356

الجماعة: أن ذا الشمالين غير ذي اليدين (1).

وقال (2) ابن شهاب: إن ذا اليدين هو ذو الشمالين، وـ (3) هو مما عد من أوهامه، وفي حديث مالك، عن ابن شهاب:«فقال له ذو الشمالين: رجل من بني زهرة بن كلاب» (4)، والصحيح أن المذكور في حديث أبي هريرة، من بني سليم، حليف لبني زهرة بن كلاب، وليس منهم.

واسمه عمير بن عمر (5) ، وهو الذي استشهد يوم بدر، لا ذو اليدين، وكان ذو الشمالين يبطش بيديه جميعا، فكان يقال له: ذو الشمالين، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول له ذلك، فقال:«أصدق ذو اليدين؟» ، فكان أول ما سمي بهذا الاسم، وكان آخر يقال له: ذو اليدين قتل يوم بدر، وقد ذكر بعض الناس أن ذا اليدين قتل ببدر.

قال (6) ابن عبد البر: لا يصح هذا، وإنما الصحيح أن المقتول ببدر ذو الشمالين: رجل من خزاعة (7).

(1) انظر: "خلاصة الأحكام" للنووي (2/ 635).

(2)

في "ق": "وقول".

(3)

الواو ليست في "ق".

(4)

انظر: "الموطأ"(1/ 94).

(5)

في "ق": "عمرو".

(6)

في "خ": "وقال".

(7)

انظر: "الاستذكار"(1/ 509)، و"التمهيد" كلاهما لابن عبد البر (1/ 366).

ص: 357

السادس: سؤال النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يدل على أنه حدث عنده شك من إخبار ذي اليدين، ومن المعلوم أنه عليه الصلاة والسلام إنما سلم بناء على ما اعتقده من إكمال الصلاة، ورجوعه عليه الصلاة والسلام إلى إكمال الصلاة بعد اتفاق الجماعة على صحة قول ذي اليدين أصل في رجوع الإمام إلى قول المخبرين.

وقال ابن العربي في «القبس» : اختلف الناس في رجوع النبي صلى الله عليه وسلم إلى القضاء، هل كان بما ظهر له ورأى، أم كان بقول الناس وشهادتهم عنده؟

قال: وهذا (1) فصل اختلف الناس فيه، وتحزبوا كثيرا، فإن وقفنا أنفسنا على النظر، فالظاهر: أنه عمل بشهادتهم، وكذلك روي عن مالك في هذه النازلة، وإن استقرأنا الأثر، فقد روى أبو داود في «سننه» في هذا الحديث بعينه: فلم يرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يقنه الله تعالى (2).

وتحصيل المذهب فيه: أن المخبرين للإمام إما أن يكونوا معه في الصلاة، أو لا، فإن أخبروه (3) من معه في الصلاة؛ فإما أن يكون موقنا بصحة خبره، أو موقنا ببطلانه أو شاكا.

(1) في "ق": "فهذا".

(2)

تقدم تخريجه عند أبي داود برقم (1012). وانظر: "القبس" لابن العربي (4/ 570).

(3)

في "ق": "أخبر".

ص: 358

فإن أيقن بصحة ما قالوه، رجع إليهم، والرجوع في الحقيقة إلى يقينه، لا إلى خبرهم.

وإن كان شاكا، فإما أن يكون سلامه على يقين، أو على شك، فإن كان سلامه على يقين، ثم طرأ له الشك بإخبارهم، فصلاته صحيحة، ويجب عليه الرجوع إلى قولهم إن حصل له اليقين بصحته، وإن سلم على الشك هل أكمل الصلاة أم لا ? أو على اليقين أنه لم يكمل، فالمنصوص: أن صلاته باطلة، هكذا نقل المتأخرون عن المذهب.

والتحقيق فيه: أن صلاته باطلة إن سلم مع تيقن أنه لم يكمل صلاته.

وأما إذا سلم على الشك، ثم سألهم، فقال ابن القاسم، وأشهب، وعبد الملك: إنها تجزئه، وقد تقدم شيء من هذا.

وإن أيقن بخلاف ما قاله المخبرون، فلا يخلوا من أن (1) يكونوا ممن يقع العلم الضروري بقولهم، أو لا، فإن كان الأول، رجع إلى خبرهم ، وتبين حينئذ أن يقينه شك، وأنه ليس بيقين حقيقة.

واختلف المذهب إذا سلم على يقين، ثم طرأ له الشك هل يسأل من خلفه أم لا? فيه (2) قولان: والأحوط السؤال.

(1) في "ق": "إما أن".

(2)

في "خ": "وفيه".

ص: 359

وإن كان المخبر له ليس معه في صلاة؛ فالتقسيم الأول جار فيه أيضا، فإن أيقن ببطلان ما قاله، لم يرجع إليه، وإن أيقن بصحة ما قاله، رجع إلى يقينه.

وإذا لم يتصور له يقين ولا شكٌ بقولهم، فهل يرجع إلى قولهم، أم لا? فيه خلاف في المذهب، وإذا قلنا: إنه يعمل (1) على خبر غيره، فهل يكون محمل ذلك محمل الشهادات، أم محمل الإخبارات ? فيه خلاف ونظر.

وقال أشهب: إذا (2) أخبره شاهدان عدلان بما صلى، رجع إلى قولهما، وفي الواحد العدل يخبره، نظر؛ فإن جعلناه شهادة، افتقر إلى عدلين، وإلا، اكتفينا بواحد.

السابع: قوله: «تقدم فصلى ما ترك» لم يذكر في هذه الطريق: أنه عليه الصلاة والسلام رجع بتكبير.

قال بعض أصحابنا المتأخرين: ولم يكن إلا بالتكبير، وقد جاء ذلك مبينا، يريد: في غير هذه (3) الطريق، ووجهه ظاهر ; لأنه انفصل عن الصلاة بوجه جازم، وقد اختلف العلماء في ذلك، والجمهور على (4) أن ذلك واجب.

(1) في "ق": "لم يعمل".

(2)

في "خ": "وإذا".

(3)

في "ق": "هذا".

(4)

"على" ليس في "خ".

ص: 360

قال ابن القاسم عن مالك: كل من جاز له أن يبني بعد انصرافه، فليرجع بإحرام.

قال ابن نافع: إن لم يكبر لرجوعه، بطلت صلاته ; لأنه خرج منها بالسلام، فلا يعود إليها إلا بالإحرام.

وتحصيل المذهب فيه: أنه إذا كان قريبا جدا، لا يفتقر إلى تكبير؛ لانسحاب التكبير الأول عليه، وقد قيل: أنه يكبر بناء على صورة الانفصال حسا.

واختلف فيه إذا بعد بُعدًا لا يقتضي بطلان الصلاة، هل يفتقر إلى استئناف إحرام، أم لا ?

ومنشأ الخلاف: هل يعتبر ما تخللها من الفعل، أو (1) لا? (وإذا قلنا: إنه يُحْرم، فهل يكتفى بتكبيرة الإحرام، وهو المشهور، أم لا يكتفى بها? خلاف:

قال الطليطلي: إذا تذكر وهو جالس، كبر تكبيرتين، إحداهما: ينوي بها الرجوع إلى الصلاة، والثانية: يقوم بها (2).

قال بعض المتأخرين: وهو سديد في النظر ; لأن ذلك (3) هو الذي يفعله لو لم يسلم.

(1) في "ق": "أم لا".

(2)

"بها" ليس في "ق".

(3)

في "ق": "وذلك" بدل "لأن ذلك".

ص: 361

وإذا قلنا: إنه يحرم قائماً، فهل يرجع إلى الجلوس بعد ذلك، أم لا ?

فقال ابن القاسم: إنه يجلس، وروى ابن نافع: لا يجلس.

ومنشأ الخلاف: هل الحركة إلى الأركان مقصودة، أم لا ?

وقال ابن حبيب: إن سلم من ركعة، أو من ثلاث، دخل بإحرام، ولم يجلس، وإن سلم من اثنتين، جلس.

وفيه نظر؛ لأن حكم التكبير في القيام إلى الركعة ثابت مطلقا، والله أعلم (1).

الثامن: اختلف الفقهاء فيمن جرى له مثل قصة ذي اليدين، هل يبني، أو يبتدئ?

فقالت طائفة من أهل العلم: حكمه الابتداء، وصلاته باطلة.

وبذلك قال أبوحنيفة وأصحابه؛ وهو قول ابن كنانة من أصحابنا، ورواية المدنيين عن مالك، وتأولوا أن هذه القضية منسوخة، وأنها إنما وقعت في أول الإسلام.

وقالت (2) طائفة من العلماء: إنها باقية إلى يوم القيامة؛ وهو المشهور من قول مالك، ورواية ابن القاسم عنه، وبه قال الشافعي، وجماعة من العلماء (3).

(1) وانظر: "شرح مختصر خليل" للخرشي (1/ 337).

(2)

في "ق": "فقالت".

(3)

في "خ": "وجماعة العلماء".

ص: 362

وقال سحنون: إن هذه القضية فيمن سلم من اثنتين، أو من ثلاث؛ كما سلم النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة الرباعية، فقصرها على ما وردت، وخصها بمحلها، ولم يَر التحاق غيرها بها.

وقال ابن نافع: لا يجوز البناء أولاً، فإن وقع، جاز.

واختلفت طرق الحنفية في الاعتذار عن حديث ذي اليدين هذا وأمثاله، فادعت طائفة أنه منسوخ (1) -كما ذكرنا- بحديث ابن مسعود، وفيه:«إن الله (2) يحدث من أمره ما شاء، وممّا أحدث أ، لاّ يتكلموا في الصلاة» (3)، وذلك عندما نزل قوله تعالى:{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]، وهذا ضعيف; لأن أبا هريرة متأخر الإسلام، أسلم عام خيبر، وكانت قضية ذي اليدين بالمدينة، وحديث ابن مسعود كان بمكة حين انصرفوا من هجرة الحبشة، قبل الهجرة إلى المدينة، قال بعضهم: لا يشك في ذلك حامل أثر، ولا ناقل خبر (4).

وقد اعتذر بعضهم عن هذا: بأن قصة (5) ذي اليدين لم يحضرها أبو هريرة، وإنما أرسل القضية إرسالاً، ولا بُعد في ذلك إذا تلقاها من

(1) في "ق": "منتسخ".

(2)

في "خ": "إنه".

(3)

تقدم تخريجه.

(4)

انظر: "التمهيد" لابن عبد البر (1/ 352).

(5)

في "ق": "قضية".

ص: 363

صاحب حضرها، يؤيده: ما روي عن أنس بن مالك: أنه قال: ليس كل ما نحدثكم به سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن منه ما سمعنا، ومنه ما أخبرنا به أصحابنا (1).

فغير نكير أن يحدث أبوهريرة بقضية ذي اليدين، وإن لم يحضرها، انتهى (2).

وقد أبطل هذا الجواب: بأن علماء الأثر، وأهل النقل والخبر، قد صححوا حضور أبي هريرة القضية، ويدل عليه ما ذكره مالك في «موطئه» ، عن داود بن الحصين، عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد، قال: سمعت أبا هريرة يقول: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر (3)، فسلم من ركعتين، وذكرا الحديث (4).

وكذلك ذكر الحديث أبو داود من طريق محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، قال: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي، الحديث (5).

(1) رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(7/ 21)، والطبراني في "المعجم الكبير"(699)، والحاكم في "المستدرك"(6458).

(2)

انظر: "الاستذكار"(1/ 554)، و"التمهيد" كلاهما لابن عبد البر (1/ 352).

(3)

"العصر" ليس في "ق".

(4)

رواه الإمام مالك في "الموطأ"(1/ 94).

(5)

تقدم تخريجه عند أبي داود برقم (1008). قلت: وقد تقدم تخريجه أيضا عند البخاري برقم (468)، وعند مسلم برقم (573)، من طريق محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، به. والشارح رحمه الله ينقل ويسرد كلام ابن بزيرة وغيره.

ص: 364

وعلى الجملة: فحضور أبي هريرة للقضية ثابت من طريق الحفاظ الثقات، وقد ذكر القاضي أبو بكر بن العربي وغيره: أن التاريخ في هاتين القضيتين مجهول.

قال ابن بزيزة في «شرح الأحكام لعبد الحق» : هذا وهم بين، وغفلة ظاهرة، وقضية ابن مسعود متقدمة على قضية ذي اليدين، باتفاق أهل الأثر كافة (1).

قال: ورأى بعض علمائنا: أن النسخ إنما يحتاج إليه في هذا المحل مع المضادة والتعارض، وهو منتف هاهنا ; لأن الكلام المنهي عنه في الصلاة إنما هو الخارج عن إصلاحها، وكلام ذي اليدين وغيره إنما كان لإصلاح الصلاة، فليس من جنس الكلام المنهي عنه.

وفيه نظر; لعموم النهي عن الكلام في الصلاة، إلا أن يخصصه المعنى.

وقال بعضهم: إن ذا اليدين لم يتكلم إلاّ وهو مجوز للنسخ، فظن أن الصلاة قصرت، وهذا ضعيف; لأن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الصحابة، تكلم (2)، مع علمه أن الصلاة لم يقع فيها قصر، ولا تبديل، ولا تغيير، بل بانيًا على أنها قد كملت.

وقال بعض علمائنا: إن كلام الصحابة في هذا المحل خارج

(1)"كافة" ليس في "ق".

(2)

في "ق": "قد تكلم".

ص: 365

عن الكلام المنهي عنه; لأن النبي صلى الله عليه وسلم سألهم، وطاعته واجبة، فلا بد من مجاوبته، فليس ككلام العمد الخارج عن الصلاة بكل حال.

وانفصل بعضهم عن هذا: بأن جواب الصحابة له ممكن بالإشارة; إذ لم يستدع عليه الصلاة والسلام منهم الجواب بالنطق، وفي كتاب أبي داود: أن أبا بكر، وعمر رضي الله عنهما: أشارا إليه أن يقوم.

وقال بعض علمائنا: لعل جواب الصحابة له (1) إنما كان بالإشارة ، فسمى الإشارة قولاً؛ كما تسمى كلاما، قال الله تعالى:{قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا} [آل عمران: 41].

وقال الشاعر: [الرجز]

يا ليتني أوتيت علم الحُكْلِ .. علم سليمان كلام النمل (2)

فسمى دبيب النمل وما يُفهم من حاله كلاما ; لأن سليمان عليه السلام كان يفهم منه ما يفهم من الكلام.

تكميل:

نحا كثير من أهل العلم إلى أن قضية ذي اليدين ليست منسوخة، بل هي مخصوصة بزمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولما كان القياس يقتضي بطلان الصلاة إذا وقع فيها الكلام عمدا، وجب أن يُعتَقد في هذه

(1)"له" ليس في "خ".

(2)

لرؤبة بن العجاج، كما في "المحكم" لابن سيده (4/ 70)، و"جمهرة اللغة" لابن دريد (1/ 562)، و"الخصائص" لابن جني (1/ 22).

ص: 366

القضية الاختصاص; لأن الصحابة لم تتكلم إلا مع اعتقادهم جواز النسخ، والقصر، وجواز ذلك منتف بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم.

وقصر سحنون القضية -كما تقدم- على من سلم من ركعتين أو ثلاث؛ كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم فقط، دون ما عداها من صور النسيان.

قال بعض متأخري أصحابنا: وهذه نزعة ظاهرية لا تليق بأهل القياس، وقد جاء في حديث ذي اليدين: أن ذلك كان في الثالثة، فلهذا المعنى قال جمهور المالكية: إن القضية جارية معمول بها إذا سلم المسلم من اثنتين، أو ثلاث، أو من ركعة؛ تغليبا للمعنى، ومراعاة القياس، ولما كان من مذهب الحنفية تقديم القياس على خبر الواحد، رووا حديث ذي اليدين، ولم يعملوا عليه؛ لمعارضته القياس؛ ولأنه مما تعم به البلوى، فلا يقبل فيه عندهم أخبار الآحاد، وقد تقرر أن كلا الأصلين باطل.

نكتة:

قال الشافعي رحمه الله: لا يشك مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينصرف إلا وهو يرى أن قد أكمل الصلاة، وظن ذو اليدين أن الصلاة قد قصرت لحادثحدث من الله سبحانه (1).

وهذا يشعر بالتخصيص، انتهى كلامه (2).

التاسع: قوله عليه الصلاة والسلام: «لم أنس، ولم تَقصر» ،

(1) انظر: "الأم"(1/ 125)، و"اختلاف الحديث" للإمام الشافعي (ص: 541).

(2)

يعني: كلام ابن بزيزة في "شرح الأحكام" لعبد الحق الإشبيلي.

ص: 367

وفي (1) بعض طرق حديث أبي هريرة: «كل ذلك لم يكن» (2)، وفي لفظ آخر:«ما قصرت الصلاة، ولا نسيت» (3): تكلم فيه العلماء ; لأن المعلوم أن بعضه قد كان، فقال بعضهم: إنه عليه الصلاة والسلام إنما أخبر عن اعتقاده، والمعنى: كل ذلك لم يكن عن اعتقادي وظني ، وقدره بعضهم: في علمي، وهو مجاز; إذ العلم مطابق للمعلوم، وهو هنا (4) غير مطابق.

وقال بعضهم: وهو من باب المفهوم، فلما قال له ذو اليدين:«أقصرت الصلاة، أم نسيت ?» قال له: «كل ذلك لم يكن» ، والمفهوم منه: أن بعضه كان، وهو النسيان، وهذا غير متوجه عندنا ; لأن لفظ ذي اليدين لا يقتضي مجموع الأمرين، إنما معناه: السؤال عن أحدهما، لا بعينه بدليل حرف المعادلة، وهو (أم).

وقال بعضهم: ما قصرت الصلاة، وما نسيتُ، وإنما سلمت عامدا بانيا على اعتقاد الإكمال، ويرجع إلى الأول.

وقال بعضهم: هو على ظاهره لا يحتاج إلى تأويل ; لأن القصر والنسيان لم يكن واحد منهما، أما القصر، فظاهر أنه لم يكن، وأما

(1) في "ق": "ومن".

(2)

تقدم تخريجه عند مسلم برقم (573/ 99).

(3)

رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 77)، وابن حبان في "صحيحه"(2688)، وغيرهما.

(4)

في "ق": "هاهنا".

ص: 368

السهو والنسيان، فكذلك ; لأن ذلك غفلة، والنبي صلى الله عليه وسلم منزه عن ذلك، بل شغله في (1) الصلاة ما في الصلاة، ممّا تجلى عليه من مطالعة لنعوت العزة والعظمة والجلال، ولذلك قال:«جعلت قرة عيني في الصلاة» (2)؛ من حيث كانت محل المشاهدة، حكاه القاضي أبو بكر في «المسالك» عن بعض أهل التصوف.

قال ابن بزيزة: وهذا (3) باطل بنص قوله عليه الصلاة والسلام: «إنما أنا بشر مثلكم، أنسى كما تنسون، فإذا نسيت، فذكروني» (4)، ومن ألفاظ العلماء: النسيان ليس ببدع في الإنسان.

سمعت بعض شيوخنا رحمهم الله يحكي: أن خطيب بغداد فرغ من الخطبة يوم الجمعة، والخليفة تحته، ونسي أن يدعو له على ما جرت به عادتهم المبتدعة في ذلك، وعزم على (5) النزول إلى الصلاة، فتذكر، فعاد، فقال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، والنسيان ليس ببدع في الإنسان، وأول ناس أول الناس، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا

(1) في "خ": "عن".

(2)

رواه النسائي (3940)، كتاب: عشرة النساء، باب: حب النساء، وغيره عن أنس رضي الله عنه بإسناد صحيح.

(3)

في "خ": "وهو".

(4)

رواه البخاري (392)، كتاب: أبواب القبلة، باب: التوجه إلى القبلة حيث كان، ومسلم (572)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: السهو في الصلاة والسجود له، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.

(5)

في "خ": "إلى".

ص: 369

إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115]، ثم دعا للخليفة، ونزل إلى الصلاة، هذا، أو نحوه.

قال ابن بزيزة: ويحتمل عندي: أن يكون قوله عليه الصلاة والسلام: «كل ذلك لم يكن» ؛ نفيا لهما معا، على معنى: أن القصر لم يقع، وأنه لم ينس، بل نسَيَ، فعدل عن إضافة النسيان إليه، ويبينه قوله عليه الصلاة والسلام:«لا يقل أحدكم: نسيت آية كذا وكذا، وليقل: أُنسيتُها» (1)، قال: وله عندنا حكمتان:

إحداهما: إظهار قانون التوحيد حتى يتبين للخاص والعام: أن الأشخاص قوالب وأشباح تجري عليهم أحكام القدرة، فليس لهم من أنفسهم شيء، سيما (2) أن النسيان بخصوصه (3) معناه لا (4) يكون مفعولا للإنسان.

الحكمة الثانية: الخروج من الدخول تحت مقتضى قوله تعالى: {كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا} [طه: 126]، فأراد (5) -عليه الصلاة

(1) رواه البخاري (4744)، كتاب: فضائل القرآن، باب: استذكار القرآن وتعاهده، ومسلم (790)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: فضائل القرآن وما يتعلق به، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه بلفظ:"بئسما لأحدهم أن يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل نُسِّي".

(2)

في "ق": "يسمى".

(3)

في "ق": "تخصصه".

(4)

"لا" زيادة من "ق".

(5)

في "ق" زيادة: "وكذلك".

ص: 370

والسلام- قطع الإضافة المجازية، والرجوع إلى الإضافة الحقيقية؛ ليسلم المؤمنون من الدخول تحت حكم الكفار، والوعيد (1) المنتجز في الآخرة عليهم، وقد قال عليه الصلاة والسلام:«إِنِّي لأَنْسَى، أَوْ أُنَسَّى لأَسُنَّ» ، وهو حديث منقطع الإسناد، وهو مما ذكره مالك في بلاغاته الواقعة في «الموطأ» .

قال ابن عبد البر: وهو حديث لا أعلمه بهذا اللفظ يُروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسندا، ولا مقطوعا من غير هذا الوجه (2).

قال غيره: وقد اختلف العلماء في معناه، فقال بعضهم:(أو) فيه للشك من الراوي، وقال بعضهم: المقصود به: النوم واليقظة، فينسى في اليقظة، ويُنَسَّى في النوم، فأضاف نسيان اليقظة إلى نفسه، وأضاف نسيان النوم إلى الله ، حكاه الباجي (3) ، واستبعده غيره من المتأخرين.

وقال بعضهم: إني لأنسى على عادة البشر، وَأُنَسَّى الشيء مع إقبالي عليه وتوجهي (4) إليه.

قال ابن بزيزة: والصحيح عندنا: أنه خرج مخرج النسبتين:

(1) في "خ": "والوعد".

(2)

انظر: "التمهيد" لابن عبد البر (24/ 375).

(3)

انظر: "المنتقى" للباجي (2/ 102).

(4)

في "ق": "وتوجيهي".

ص: 371

الحقيقية (1)، والمجازية، فيكون (أو) للتقسيم، وأضاف عليه الصلاة والسلام النسيان إلى نفسه مجازا، ثم أضافه إلى الله -تعالى-، والمعنى: أن الله سبحانه وتعالى يُنَسِّي، وهو تأويل ابن نافع، وابن دينار، وله نظائر في الحديث.

وفي طريق آخر: «إني لا أنسى، ولكن (2) أُنَسى لأسن» وهذا يبين (3) النسبة الحقيقية، والله أعلم.

العاشر: ويتعلق بأصول الدين، أجمعت الأمة على أن الأنبياء -صلوات الله عليهم وسلامه- معصومون من الكفر والبدعة، إلا الفُضَيلية من الخوارج ، والظاهر عدم الاعتداد بخلافهم.

وأجاز الرافضة على الأنبياء إظهار كلمة الكفر على سبيل التقية.

أما ما يتعلق بتبليغ الشرائع والأحكام الإلهية، فأجمعوا على أن الكذب عليهم في ذلك لا يجوز، وكذلك النسيان قبل التبليغ، وأما بعد التبليغ، فهل يجوز عليهم النسيان فيما بلغوه، أم لا؟ فيه خلاف، والجمهور على امتناعه.

وأما ما يتعلق بالفتوى، فأجمعت الأمة على أنه لا يجوز عليهم

(1) في "ق": "الحسية".

(2)

في "ق": "ولكنني".

(3)

في "ق": "بين".

ص: 372

تعمد الخطأ في ذلك، وهل يجوز وقوعه سهوا، أم لا ? فيه خلاف.

وأما ما يتعلق بأفعالهم وأحوالهم، فالمذاهب في ذلك خمسة:

فقالت الحشوية: يجوز عليهم الإقدام على الصغائر والكبائر مطلقا، وقالوا بوقوعها منهم.

وقالت الروافض: لا تجوز عليهم الصغيرة، ولا الكبيرة مطلقا، لا عمدا، ولا سهوا، ولا تأويلا.

وقال طائفة من المتكلمين: لا تجوز عليهم الكبائر عمدا، وأما الصغائر والكبائر سهوا فجائزة عليهم بشرط عدم الإصرار؛ لأنه كبيرة، وهو قول أكثر المعتزلة.

وقال الجبائي: لا يجوز علريهم تعمد الكبيرة والصغيرة، ولكن يجوز صدور ذلك على سبيل الخطأ في التأويل.

وقال طائفة من العلماء: لا تجوز الكبيرة ولا الصغيرة، لا عمدا، ولا بالتأويل الخطأ، أما على وجه السهو، فجائز (1).

قال ابن بزيزة: وتصحيل مذاهب الأشعرية في ذلك: أن الجمهور منهم قد اتفقوا على جواز وقوع الصغائر منهم، واختلفوا في الكبائر، فجوز القاضي ذلك عقلا، ومنع من الوقوع والإصرار على المعصية، والجمهور من أهل السنة: على أن الكبائر لا تجوز عليهم.

(1) انظر: "عصمة الأنبياء" للرازي (ص: 8)، وما بعدها.

ص: 373

من المحققين من ذهب إلى عصمتهم من الكبائر، واحتج بقول ابن عباس: إن كل ما عصي الله به فهو كبيرة (1).

واختار بعض المتأخرين جواز وقوع الصغائر منهم سهوا.

واتفق الجمهور على أن تكرار الصغائر، وكثرة وقوعها يلحقها بالكبائر، فهم معصومون منه -أيضا- عصمتهم من الكبائر.

وذكر بعض شيوخنا الإجماع على عصمتهم من الكبائر (2)، قال: والإجماع في ذلك باطل.

واختلفوا في مواقعتهم المكروه قصدا، فجمهور الفقهاء على أنهم معصومون من ذلك، نص عليه أبو الفرج عن مالك.

قال القاضي أبو بكر بن العربي: وجمهور الفقهاء من أصحاب مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، وأكثر أهل العراق على ذلك، وهو قول الأبهري، وابن القصار، وغيرهما من متأخري المالكية.

قال بعض علمائنا: اتفق الأشعرية على أنهم معصومون من الكبائر، واختلفوا في الصغائر، والله أعلم، انتهى كلام ابن بزيزة.

ع: ومنعت طائفة من العلماء والنظار السهو عليه عليه الصلاة والسلام في الأفعال البلاغية، والعبادات الشرعية، كما منعوا اتفاقا

(1) رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(292).

(2)

"وذكر بعض شيوخنا الإجماع على عصمتهم من الكبائر" ليس في "ق".

ص: 374

في الأقوال البلاغية، واعتذروا عن الظواهر الواردة في ذلك باعتذارات، وإليه مال الأستاذ أبو إسحاق.

وشذت الباطنية، وطائفة من أرباب علم القلوب، فقالوا: لا يجوز عليه النسيان جملة، وإنما ينسى قصدا، ويتعمد صورة النسيان؛ ليسن، ونحا إلى قولهم عظيم من أئمة التحقيق، وهو أبو المظفر الإسفراييني في كتابه «الأوسط» ، وهذا منحًى غير سديد، وجمع الضد مع ضده مسحيل بعيد.

والقول الأول هو الصحيح؛ فإن السهو في الأفعال غير مناقض للنبوة، ولا موجب (1) للتشكيكات في الرسالة، ولا قادحا في الشريعة، بل هو سبب لتقرير (2) شرع، وإفادة حكم؛ كما قال عليه الصلاة والسلام:«إني أنسى وأُنَسَّى لأسن» (3)، ولذلك اختلفوا فيما ليس (4) طريقه البلاغ، ولا (5) بيان الأحكام من أفعاله الشرعية، وما يخص (6) به من عاداته، وأذكار قلبه، والأكثر على تجويز الغفلة هنا والسهو؛ إذ لم يؤمر بتبليغها.

(1) في "ق": "يوجب".

(2)

في "ق": "لتفريغ".

(3)

تقدم تخريجه.

(4)

"ليس": ليس في "ق".

(5)

"لا" ليست في "ق".

(6)

في "ق": "وما يختص ".

ص: 375

وأما طروء ذلك عليه في الأقوال الدنيوية، وفيما ليس سبيله البلاغ من الأخبار التي لا مستند للأحكام إليها، ولا أخبار المعاد، ولا يضاف إلى وحي، قد جوز قوم السهو والغفلة في هذا الباب؛ إذ ليس من باب التبليغ الذي يتطرق به إلى القدجح في الشريعة.

والحق الذي لا مرية فيه: ترجيح قول من لم يجوز ذلك على الأنبياء في خبر من الأخبار؛ كما لم يجوزوا عليهم العمد، وأنه لا يجوز عليهم خلف في خبر، لا عن قصد، ولا عن (1) سهو، ولا في صحة، ولا مرض، ولا رضا، ولا غضب، وحسبك أن سيره وآثاره وكلامه وأفعاله مجموعة، معتنًى بها على مر الزمان، يتداول نقلها الموافق والمخالف، ويرويه الموقن والمرتاب، فلم يأت في شيء منها استدراك غلط في قول، ولا اعتراف بوهم (2) في كلمة، ولو كان، لنقل كما نقل سهوه في الصلاة، ونومه عنها، واستدراكه رأيه في تلقيح النقل، وفي نزوله بأدنى مياه بدر، وفي مصالحة عيينة بن بدر، وكقوله:«والله إني لا أحلف (3) على يمين، فأرى غيرها خيرا منها، إلا فعلبت الذي حلفت عليه، وكفرت عن يميني» (4)، وغير ذلك.

(1)"عن" ليس في "ق".

(2)

في "ق": "توهم".

(3)

في "ق": "لأحلف".

(4)

سيأتي تخريجه.

ص: 376

وأما جواز السهو عليه في الاعتقادات في أمور الدنيا، فغير نكير، وأما ما يتعلق من ذلك بالعلم بالله، وصفاته، والإيمان به، فلا يصح فيه طروء سهو ولا غلط، ولا ما يضاده عليه ; لأن ضد ذلك كفر، وهو محال في حقه عليه الصلاة والسلام، بل منعت أهل علم الباطن من ذلك (1) الغفلات، والفَتَرات (2)، وإحالتها بكل حال، انتهى كلامه (3).

فهذا ما يتعلق بأصول الدين.

وأما ما يتعلق بأصول الفقه، ففيه: الترجيح بكثرة الرواة؛ لسؤاله عليه الصلاة والسلام غير ذي اليدين من المأمومين، وعمله على ما أخبروه به (4) -على ما تقدم من الخلاف- هل رجع إلى قولهم، أو أنه لم يرجع حتى يقَّنه (5) الله تعالى؟

الحادي عشر: الحديث نص في أن السجود للزيادة بعد السلام، وهو مذهب مالك، والمذاهب الثلاثة في ذلك مشهورة؛ أعني: أن الشافعي لا سجود عنده (6) للسهو إلا قبل السلام، وأبو حنيفة عكسه، ومالك يفرق، فيسجد للنقص قبل، وللزيادة بعد، كما تقدم.

(1) في "خ": "منعت طائفة الباطن".

(2)

في "ق": "والعثرات".

(3)

انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 514).

(4)

"به" ليس في "خ".

(5)

في "ق": "لقنه".

(6)

في "ق": "عليه" بدل "عنده".

ص: 377

الثاني عشر: الفوائد الظاهرة من هذا الحديث أربع -وإن كان بعض أصحابنا أوصلها (1) إلى مئة وخمسين فائدة ، وهو القاضي أبو بكر بن العربي في كتاب «النيرين» له-:

الفائدة الأولى: أن النسيان لا يعصم منه أحد -على ما تقدم-، قال الله تعالى:{وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115] إشارة إلى الذهول في أحد التأويلين، وقال عليه الصلاة والسلام:«نسي آدم، فنسيت ذريته» ، الحديث (2).

الفائدة الثانية: أن اليقين لا يدفعه إلا اليقين؛ بدليل أن ذا اليدين لما كان متيقنا أن فرض الصلاوة أربع ركعات، لم ينته حتى استفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل قصرت الصلاة، أم لا؟ وذلك للشك العارض عنده، فدفعه باليقين، ورجع إلى ما قطع عنه الشك.

الفائدة الثالثة: أن من ادعى من الجماعة شيئا انفرد به، لم يقبل قوله إلا بعد سؤال جماعة، وموافقتهم له، وجعله العلماء أصلا فيمن ادعى رؤية الهلال في يوم الصحو، وانفرد بذلك دون الناس، وقد قال سحنون: هؤلاء شهود سوء.

(1) في "ق": "وصلها".

(2)

رواه الترمذي (3076)، كتاب: التفسير، باب: ومن سورة الأعراف، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقال: حسن صحيح.

ص: 378

الفائدة الرابعة: أن الكلام في الصلاة لإصلاحها لا يبطلها، وهو موضع خلاف، فالجمهور من الشافعية والمالكية: على أنه لا يفسدها، وقال أبو حنيفة: يفسدها الكلام عمدا، أو سهوا؛ لإصلاحها، وـ (1) لغير إصلاحها، اعتمادا على حديث ابن مسعود، وغيره. والله أعلم (2).

* * *

(1) في "ق": "أو".

(2)

قال ابن الملقن في "الإعلام"(3/ 292): وأنت إذا تأملت ما ذكرته لك وجدت فوائده الظاهرة أكثر من هذا.

ص: 379