الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث التاسع
86 -
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلاةً، وَلا أَتَمَّ صّلاةً مِنَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم (1).
* * *
* الكلام على الحديث من وجوه:
الأول: هذا الحديث مبين لحديث ثابت البناني، عن أنس، المتقدم آنفا؛ من التطويل والتخفيف.
(1) * تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (676)، كتاب: الجماعة والإقامة، باب: مَنْ أَخَفَّ الصلاة عند بكاء الصبي، ومسلم (469)، كتاب: الصلاة، باب: أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام، واللفظ له.
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 384)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 232)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (1/ 478)، و"فتح الباري" لابن رجب (4/ 223)، و"فتح الباري" لابن حجر (2/ 202)، و"عمدة القاري" للعيني (5/ 246)، و"كشف اللثام" للسفاريني (2/ 380).
الثاني: «وراء» : من الأضداد، تستعمل بمعنى قدام أيضا.
قال أهل التفسير في قوله تعالى: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ} [الكهف: 79]، الآية: أي: أمامهم، وهي مؤنثة بدليل إلحاق التاء في تصغيرها، تقول (1): وُرَيْئَة، وكذلك قدام، تقول: قُدَدِيمَة، قال الشاعر:[الطويل]
قُدَيْدِيمَةُ التَّجْرِيبِ وَالْحِلْمِ إِنَّنِي
…
أَرَى غَفَلَاتِ الْعَيْشِ قَبْلَ التَّجَارِبِ
وهما شاذان؛ لأن الرباعي لا تلحقه تاء التأنيث، ووجه شذوذهما: أنه ليس في (2) الظروف مؤنث غيرهما، فلولو لم تحقهما الهاء، لأوهم ذلك تذكيرهما كسائر الظروف، فاعرفه (3).
الثالث: سمي الإمام إماما؛ لأن الناس يأتمون به؛ أي: يؤمون أفعاله؛ أي: يقصدونها، ويتبعونها، ويقال للطريق: إمام؛ لأنه يؤم؛ أي: يقصد ويتبع، ومنه قوله تعالى:{وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ} [الحجر: 79]؛ أي: لبطريق واضح يمرون عليها في أسفارهم، يعني: القريتين المهلكتين؛ قريتي قوم لوط، وأصحاب الأيكة، فيراهما، فيعتبر بهما من خاف وعيد الله عز وجل.
(1)"تقول" ليس في "ق".
(2)
في "ق": "من".
(3)
انظر: "المقتضب" للمبرد (2/ 272).
والإمام -أيضا-: الكتاب، ومنه قوله تعالى:{يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [الإسراء: 71]؛ أي: بكتابهم، وقيل: بدينهم (1)، ويقال: بنبيهم، قاله مجاهد.
قال ابن عباس، والحسن: كتابهم الذي فيه أعمالهم.
وقالت فرقة: متبعهم من هاد ومضل.
قال ابن عطية: لفظة الإمام تعم هذا كله كله؛ لأن الإمام هو ما يؤتم به، ويهتدى به في المقصد، ومنه قيل لخيط البناء: إمام، والله أعلم (2).
الرابع: «قط» على قسمين: زمانية: كهذه التي في الحديث.
وغير زمانية.
فالزمانية: مفتوحة القاف مشددة الطاء، تقول: ما رأيته قط.
قال الكسائي: كانت: قَطُط، يريد: كعضد، فلما سكن الحرف الأول للإدغام، جعل الآخر متحركا إلى إعرابه.
ومنهم من يقول: قُطُّ، فيتبع الضمة الضمة؛ مثل: منذ اليوم.
ومنهم من يقول: قَطُ -مخففة- يجعلها أداة، ثم يبينه على أصله، ويضم آخره بالضمة التي في المشددة.
ومنهم من يتبع الضمة في المخففة أيضا، ويقول: قُطُ، كقولهم: لم أره مُذُ يومان، وهي قليلة.
(1) انظر: "غريب القرآن" لأبي بكر العزيري السجستاني (ص: 99).
(2)
انظر: "المحرر الوجيز" لابن عطية (3/ 473).
وإنما بنيت؛ لأنها غاية، فبنيت كسائر الغايات.
وأما غير الزمانية: فهي بمعنى: حسب، وهو الكتفاء، فهي مفتوحة القاف، ساكنة الطاء، تقول: رأيته مرة فقط، فإذا أضفت، قلت: قَطُكَ هذا الشيء؛ أي: حسبك، وقَطْني، وقطي، وَقَطِ، قال الشاعر:[الرجز]
امْتَلَأَ الْحَوْضُ وَقَالَ قَطْنِي
…
مَهْلاً رُوَيْدًا قَدْ مَلَأْتَ بَطْنِي
والنون فيها للوقاية؛ أعني: أنها تقي السكون الذي بنيت عليه من الحركة، وإنما (1) بنيت لوقوعها موقع المبني، وهو فعل الأمر، ألا ترى أنك إذا قلت: قَطْكَ درهما، أن البمعنى: ليكفك درهم، أو اكتف بدرهم، والأصل في هذه النون أن تدخل على الفعل دون الاسم لتقيه من الكسر على ما تقرر في كتب العربية، وإنما دخلت في أسماء مخصوصة، نحو قطني، وَقَدْنِي، ولَدُنِّي، وكذا في بعض الحروف؛ نحو: عني، ومني.
وقالوا: قَطَاطِ؛ مثل: حذام؛ أي: حسبي، قال الشاعر:
أَطَلْتُ فِرَاطَهُمْ حَتَّى إِذَا مَا
…
قَتَلْتُ سَرَاتَهُمْ قُلْتُ قَطَاطِ (2)
الخامس: الظاهر أن هذه الصفة المذكورة في الحديث من صلاته عليه الصلاة والسلام تختص بحال الإمامة، وأما حال الانفراد، فإنه عليه الصلاة والسلام كان يطول، من ذلك قيام الليل
(1) في "خ": "وأنها".
(2)
انظر: "الصحاح" للجوهري (3/ 1153)، (مادة: قطط).
وغيره، وقد جاء ذلك صريحا في «الموطأ» وغيره، وـ (1) قالت عائشة رضي الله عنها: كان يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن، الحديث (2).
وكما تقدم من قوله عليه الصلاة والسلام: «إذا صلى أحدكم للناس، فليخفف، وإذا صلى لنفسه، فليطول ما شاء» الحديث، فذكر الحكم والعلة، والله أعلم.
* * *
(1) الواو ليست في "ق".
(2)
رواه البخاري (1096)، كتاب: التهجد، باب: قيام النبي صلى الله عليه وسلم بالليل في رمضان وغيره، ومسلم (738)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة الليل، من حديث عائشة رضي الله عنها.