الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع
109 -
عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَنْ نَسِيَ صَلَاةً، فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا، لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ (1): {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] "(2).
وَلِمسْلِمٍ: "مَنْ نَسِيَ صَلَاةً، أَوْ نَامَ عَنْها، فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا"(3).
(1) في "ق" زيادة: "وتلا قوله".
(2)
* تَخْرِيج الحَدِيث:
رواه البخاري (572)، كتاب: مواقيت الصلاة، باب: من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها؛ ولا يعيد إلا تلك الصلاة، ومسلم (684/ 314)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: قضاء الصلاة الفائتة، واستحباب تعجيل قضائها، وأبو داود (442)، كتاب: الصلاة، باب: فيمن نام عن الصلاة أو نسيها، والنسائي (613)، كتاب: المواقيت، باب: فيمن نسي صلاة، والترمذي (178)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في الرجل ينسى الصلاة، وابن ماجه (696)، كتاب: الصلاة، باب: من نام عن الصلاة أو نسيها.
(3)
* مصَادر شرح الحَدِيث:
"معالم السنن" للخطابي (1/ 140)، و"عارضة =
* الكلام على الحديث من وجوه:
الأول: النسيان -بكسر النون-: خلاف الذِّكْر والحِفْظ، ورجلٌ نَسيان -بفتح النون-: كثيرُ النِّسيان للشيء، والنِّسْيان -أيضًا-: التَّرْكُ، قال اللَّه تعالى:{نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: 67](1).
الثاني: فيه: وجوبُ قضاء ما فاتَ وقتُه من الصلوات المفروضة بنسيان أو توهُّم (2)، هذا منطوق الحديث (3) إجماعًا، إلا أنه يجب قضاءُ ما فات وقتُه بغير عذر؛ كالعَمْد من باب أَوْلى، وكأنه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى؛ لأنه إذا وجب قضاءُ ما ترك لعذر، فلأَنْ يجبَ ما تُرك عمدًا أَوْلى وأَحْرى.
وقد شذَّ بعضُ أهل الظاهر، وقال: لا يجبُ قضاءُ الفائتة بغير
= الأحوذي" لابن العربي (1/ 289)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 669)، و"المفهم" للقرطبي (2/ 309)، و"شرح مسلم" للنووي (5/ 183)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 56)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (1/ 572)، و"فتح الباري" لابن رجب (3/ 350)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 114)، و"التوضيح" لابن الملقن (6/ 286)، و"فتح الباري" لابن حجر (2/ 71)، و"عمدة القاري" للعيني (5/ 92)، و"كشف اللثام" للسفاريني (2/ 531)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (2/ 2).
(1)
انظر: "الصحاح" للجوهري (6/ 2508)، (مادة: نسا).
(2)
في "ق": "أو نوم".
(3)
في "ق": "به بالحديث".
عذر، وزعمَ أنها أعظمُ من أن يخرج من وَبال معصيتِها بالقضاء.
ح: وهذا خطأ وجهالة من قائله (1).
قلت: وليتأمل الفرق بين هذه المسألة، ومسألة اليمين الغموس؛ فإنهم قالوا: لا كفارةَ فيها، وإثْمُها أعظمُ من أن تُكَفَّر، وكذلك مَنْ تركَ سنةً من الصلاة متعمِّدًا على القول بعد (2) السجود.
الثالث: ق: اللفظ يقتضي تَوَجُّهَ الأمر بقضائها عندَ ذكرها؛ لأنه جعلَ الذكرَ ظرفًا للمأمور به (3)، فيتعلَّق الأمرُ بالفعل فيه.
وقد قسم الأمرُ فيه عند بعض الفقهاء بينَ ما ترك عمدًا، فيجب القضاء فيه على الفور، وقطعَ به بعضُ مصنفي الشافعية.
وبينَ ما تُرك بنومٍ أو نسيان؛ فيستحب قضاؤه على الفور، ولا يجب.
واستدل على عدم وجوبه على الفور في هذه الحالة: بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما استيقظ بعدَ فواتِ الصلاة بالنوم، أَخَّر قضاءها، واقتادوا رواحِلَهم حتى خرجوا من الوادي، وذلك دليل على جواز التأخير، وهذا يتوقف على أن لا يكون ثمَّ مانعٌ من المبادرة، وقد قيل: إن المانع أن الشمس كانت طالعة (4)، فأخَّر القضاء حتى ترتفع، بناء على مذهب (5) مَنْ يمنع
(1) انظر: "شرح مسلم" للنووي (5/ 183).
(2)
في "ق": "بعدم".
(3)
في "ق": "لما يوجبه" بدل "للمأمور به".
(4)
في "ق": "تطلع".
(5)
"مذهب" ليس في "ق".
القضاء في هذا الوقت.
وردَّ ذلك بأنها كانت صبح ذلك اليوم، وأبو حنيفة يجيزها في هذا الوقت (1)، وبأنه جاء في الحديث:"فَمَا أَيْقَظَهُمْ إِلَّا حَرُّ الشَّمْسِ"(2)، وذلك بالارتفاع.
وقد يعتقد مانع آخر، وهو ما دل عليه الحديث من أن الوادي به شيطان، وأخَّر ذلك للخروج عنه، ولا شك أن هذا علةٌ للتأخير والخروج كما دل عليه الحديث، ولكن هل يكون ذلك مانعًا على تقدير أن يكون الواجبُ المبادرةَ؟
في هذا نظر، ولا يمتنع أن يكون مانعًا على تقدير جواز التأخير (3).
الرابع: اختُلف فيمن ذكر صلاة منسية في وقتية يجب ترتيبُها معها، هل تفسد الوقتيةُ بذلك، أم لا؟
قولان لأصحابنا، وظاهر هذا الحديث قد يدل لقول من قالَ بالقطع، وهو قوله:"فَلْيُصَلِّها إذا ذَكَرَهَا"، ووجهُ الدليل منه: أنه يقتضي الأمر (4) بالقضاء عندَ الذكر، ومن صورة (5) ذلك قطعُ ما هو فيه، ومن أرادَ خروج شيء من ذلك، فعليه أن يبين مانعًا من إعمال
(1)"في هذا الوقت" ليس في "ق".
(2)
تقدم تخريجه عند البخاري برقم (337)، ومسلم برقم (682).
(3)
انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 56).
(4)
"الأمر بـ" ليس في "ق".
(5)
في "ق": "ضرورة".
اللفظ في الصورة التي يريد أن يخرجها.
وإن كان منشأ الخلاف عندنا: هل الترتيبُ شرطٌ أم لا؟
قالوا: وهو مأمور على المذهبين بأن يقطع، ويبتدىء الفائتة، ثم يشتغل بالمؤداة إن كان منفردًا، وَلم يعقد ركعة، وقيل: يتمها ركعتين نافلةً؛ كما لو عقدَ الركعةَ. وإن كان إمامًا، أمر أن يقطع.
وهل يسري ذلك لصلاة المأمومين؟
روى ابن القاسم أنه يسري، فلا يستخلف.
وروى أشهب: أنه لا يسري، فيستخلف من يُتِمُّ بهم، وتصحُّ صلاتهم.
وسبب الخلاف: مراعاة الخلاف، وإن كان مأمومًا، تمادى مع إمامه، ولم يقطع.
ثم اختُلف في وجوب الإعادة عليه، ولو كان في الجمعة.
فقال أشهب: إن علم أنه يدرك ركعةً من الجمعة بعدَ قضاء المنسية، فأحبُّ إليَّ أن يقطعَ، ويقضيَ، ثم يعود إلى الجمعة، وإن لم يعلم ذلك، تمادى، فإذا أكملَ الجمعةَ، صلَّى المنسيةَ خاصة، ولا إعادة عليه في الجمعة إلا احتياطًا؛ لأنها قد فاتت.
وقال الشيخ أبو الحسن: مذهبُ مالك: اتباعُ الإمام، فإذا فرغَ، صلَّى التي نسيَ، وأعاد الجمعة ظهرًا.
قال ابن القاسم: وإن لم يذكر التي نسي حتى فرغَ من الجمعة،
لم تكن عليه إعادتُها.
قال سحنون: آخرُ قوله: أنه يعيدها في الوقت، وعليه أكثر الرواة، ولو ذكرها بعد الصلاة الوقتية، صلى المنسيةَ، ثم أعاد الوقتيةَ ما لم يذهب وقتُها (1).
وهل الاختياري أو الضروري؟ فيه قولان، سببهما: الموازنة (2) بين فضيلة الترتيب، وكراهية إيقاع الصلاة بعد الاصفرار، فعلى هذه (3) التفاصيل لا يستمر الاستدلال بهذا الحديث مطلقًا لنا. واللَّه أعلم.
وقد تقدم خلافُ الأصوليين في أن القضاء هل هو (4) بأمرٍ جديد، أو بالخطاب المتقدم؟ مستوفًى باب الحيض بما يغني عن الإعادة.
الخامس: قوله عليه الصلاة والسلام: "لا كفارة لها إلا ذلك".
ق: يحتمل أن يراد به: نفيُ الكفارة المالية كما وقع في أُمور أُخَر، وأنه لا يكتفى فيها إلا بالإتيان بها.
ويحتمل أن يراد (5) به: أنه لا بدلَ لقضائها؛ كما يقع الإبدال في بعض الكفارات.
(1) انظر: "جامع الأمهات" لابن الحاجب (ص: 100).
(2)
في "ق": "المواردة".
(3)
في "خ": "هذا".
(4)
"هل هو" ليس في "ق".
(5)
في "ق": "يريد".
ويحتمل أن يراد: لا يكفي فيها مجردُ التوبة والاستغفار، ولا بدَّ من الاتيان بها (1).
السادس: تسميتُها كفارةً لا يلزم منه حصولُ الإثم؛ فإنه قد وردت الكفارات مع عدم الإثم إجماعًا، وذلك ككفارة القتل (2) الخطأ، وكفارةِ اليمينِ بالله تعالى، مع استحباب الحِنْث في بعض المواضع، وجوازِ اليمينِ ابتداء.
السابع: قوله: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14].
قال ابن عطية: يحتمل أن يريد: لتذكُرَني فيها، أو يريد: لأذكرَكَ في عِلِّيِّين بها، فالمصدرُ على هذا يحتمل الإضافةَ إلى الفاعل، أو إلى المفعول، واللام لام السبب.
وقالت فرقة: معنى قوله: {لِذِكْرِي} ؛ أي: عند ذكري، أي: إذا ذكرتني، وأمري لك بها، فاللام على هذا بمنزلتها في قوله تعالى:{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78].
وقرأت فرقة: (للذِّكْرَى)، وقرأت فرقة:(لِذِكْرَى) -بغير تعريف-، وقرأت فرقة:(للذِّكْر)(3).
وقال الزمخشري: {لِذِكْرِي} : لتذكرني؛ فإن ذكري: أن (4)
(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (2/ 57).
(2)
في "ق": "كفارة قتل".
(3)
انظر: "المحرر الوجيز" لابن عطية (4/ 39).
(4)
في "ق": "بأن".
أُعبد ويصلَّى لي.
أو لتذكرني فيها؛ لاشتمال الصلاة على الأذكار، عن مجاهد.
أو لأني ذكرتُها في الكتب، وأمرتُ بها.
أو لأن أذكرَكَ بالحمد والثناء، وأجعلَ لك لسانَ صدق.
أو لذكري خاصةً، لا تشوبه بذكر غيري.
أو لإخلاص ذكري، وطلبِ وجهي، لا تُرائي بها، ولا تطلبُ بها عوضًا آخر، ولتكون لي ذاكرًا غيرَ ناس فعلَ المخلصين في (1) جعلِهم ذكرَ ربهم على بال منهم، وتوكيد هممهم وأفكارهم به؛ كما قال:{رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور: 37].
أو لأوقاتِ ذكري، وهي مواقيت الصلاة؛ لقوله:{إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103].
واللام مثلها في قولك: جئتك (2) لوقت كذا، وكان ذلك لستِّ ليالٍ خَلَوْنَ (3).
قلت: ولا يكادُ شيء من هذه التفاسير ينطبق على معنى الحديث؛ فإنه إنما أتى في سياق الاستدلال؛ أي: إذا ذكرتَ الصلاةَ بعدَ نومٍ أو نسيان، فصلِّها عندَ ذكرها، فليتأمل ذلك، وباللَّه التوفيق.
(1) في "ق": "من".
(2)
في "ق": "جئت".
(3)
انظر: "الكشاف" للزمخشري (3/ 57).