المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثاني 79 - عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ - رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام - جـ ٢

[تاج الدين الفاكهاني]

فهرس الكتاب

- ‌بابُ الأَذانِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌بابُ استقبالِ القبلةِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌بابُ الصُّفوفِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌بابُ الإِمامةِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني والثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌بابُ صفةِ صلاةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌الحديث الثاني عشر

- ‌الحديث الثالثَ عشر

- ‌الحديث الرابعَ عشر

- ‌باب وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود

- ‌باب القراءة في الصَّلاةِ

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌باب ترك الجَهرِ ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

- ‌باب سجود السَّهو

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌باب المرور بينَ يديِ المصلي

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب جامع

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌باب التشهد

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌باب الوتر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌باب الزكاة عقب الصلاة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌باب الجمع بين الصلاتين في السفر

- ‌باب قصر الصلاة في السفر

- ‌باب الجمعة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

الفصل: ‌ ‌الحديث الثاني 79 - عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ

‌الحديث الثاني

79 -

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَفْتِحُ الصَّلاةَ بِالتَّكْبِيرِ ، وَالْقِرَاءَةَ بـ «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» ، وَكَانَ إذَا رَكَعَ؛ لَمْ يُشْخِصْ رَأْسَهُ، وَلَمْ يُصَوِّبْهُ، وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ ، وَكَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ؛ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِماً ، وَكَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ، لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِداً ، وَكَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ: التَّحِيَّةَ (1) ، وَكَانَ يَفْرُشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ (2) الْيُمْنَى ، وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ، وَيَنْهَى أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ ، وَكَانَ يَخْتِمُ الصَّلاةَ بِالتَّسْلِيمِ (3).

(1) في "ق": "التحيات".

(2)

"رجله" ليس في "ق".

(3)

* تَخْرِيج الحَدِيث:

رواه مسلم (498)، كتاب: الصلاة، باب: ما يجمع صفة الصلاة، وما يفتتح به. . . .، وأبو داود (783)، كتاب: الصلاة، باب: من لم ير الجهر ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وابن ماجه (893)، كتاب: الصلاة، باب: الجلوس بين السجدتين. والحديث من أفراد مسلم، فلم يخرجه البخاري في "صحيحه"، وسيأتي تنبيه الشارح رحمه الله عليه. =

ص: 157

اعلم: أن المصنف رحمه الله سها في إيراد هذا الحديث في هذا الكتاب: فإنه مما انفرد به مسلم عن البخاري، وشرط الكتاب تخريج الشيخين (1).

* ثم الكلام على الحديث من وجوه:

الأول: قولها رضي الله عنها: «يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة» هكذا رويناه، و (القراءة)(2)، بالنصب، وضم الدال من (الحمد) لا غير؛ أي: يبتدئ الصلاة بالتكبير، ويبتدئ القراءة بالحمد لله رب العالمين، وعلى هذا لا تعارض بين حديث أبي هريرة وهذا الحديث؛ لأنه يجوز أن يكون المعنى: عليه الصلاة والسلام يسكت السكوت المذكور بعد التكبير، ثم يبتدئ القراءة بـ: الحمد لله رب العالمين.

وأما إن روي لفظ القراءة بالخفض، تعارضا؛ إذ لا يبقى المعنى: أنه يبتدئ الصلاة بالتكبير، وبـ: الحمد لله رب العالمين، فيكون (والقراءة) معطوفا على قولها:(بالتكبير)، ولا سكوت ثم، ولا ذكر، فتكون

= * مصَادر شرح الحَدِيث:

"معالم السنن" للخطابي (1/ 199)، و"إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 409)، و"المفهم" للقرطبي (2/ 98)، و"شرح مسلم" للنووي (4/ 213)، و"شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 213)، و"العدة في شرح العمدة" لابن العطار (1/ 446)، و"النكت على العمدة" للزركشي (ص: 930)، و"كشف اللثام" للسفاريني (2/ 319)، و"سبل السلام" للصنعاني (1/ 166).

(1)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 213).

(2)

"هكذا رويناه، والقراءة" ليس في "ق".

ص: 158

الصلاة قد ابتدئت بشيئين بتكبير وقراءة، لا غير، ولا يلزم ذلك على النصب؛ لما تقدم (1).

الثاني: قد تقدم الكلام في تعيين اللفظ الذي تنعقد به الصلاة، وذكر اختلاف العلماء في ذلك قريبا في حديث:«إنما جعل الإمام ليؤتم به» بما يغني عن الإعادة، لكن الكلام هنا في الدليل على وجوب تكبيرة الإحرام على ما قاله الجمهور، فنقول (2): اختلف في الإحرام، هل هو ركن، أو شرط؟

فقال مالك، والشافعي: هو ركن.

وقال الحنفيون: هو شرط.

قال الإمام أبو عبد الله المازري (3): الذي حكاه أصحابنا البغداديون: أن تكبيرة الإحرام جزء.

(1) المرجع السابق، (1/ 214).

(2)

في "ق" زيادة هنا، وهي:"هي واجبة فرض؛ لما رواه أبو داود، والترمذي، وغيرهما بالإسناد الصحيح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مفتاحُ الصلاةِ الوضوء، وتحريمُها التكبيرُ، وتحليلُها التسليم"، وإن كان في إسناده عبدُ الله بنُ محمدِ بنِ عقيل، وقد تكلم الناس فيه من جهة حفظه خاصة، وقد قال فيه الترمذي: صدوق، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قِبَل حفظه، قال: وسمعت البخاري يقول: كان أحمد، وإسحاق، والحميدي يحتجون بحديثه، إذا ثبت هذا، فتكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة، لا تصح إلا بها، هذا مذهبنا، واختلف. . . .".

(3)

"المازري" ليس في "خ".

ص: 159

وكان شيخنا عبد الحميد يرى أن فائدة الخلاف في ذلك ما ذكره سحنون: أن المأموم (1) النتاظر إلى عورة إمامه في الصلاة متعمدا تبطل صلاته، فإذا قيل: إن تكبيرة الإحرام من نفس الصلاة، بطلت صلاة الناظر إلى عورة إمامه في حين إحرامه، وإن قيل: ليست من نفس الصلاة، لم تبطل.

قال الإمام: والذي عندي: أن فائدة الخلاف في ذلك صحة تقديم الإحرام على وقت العبادة إن كان شرطا، وعدم صحة تقديمه إن كان ركنا، إذ لا يشترط في إيقاع شرط العبادة المؤقتة دخول الوقت؛ كالطهارة، انتهى (2).

وقال بعض متأخري الشافعية: تظهر فائدة الخلاف فيما لو كبر وفي يده نجاسة، فلأقاها في أثناء التكبير، أو شرع في التكبير قبل ظهور زوال الشمس، ثم ظهر الزوال قبل فراغها، فلا تصح صلاته عندنا في الصورتين، وتصح عنده؛ كستر العورة (3).

ثم قال الإمام: ودليل كونها جزءا من الصلاة: حديث الأعرابي، لما قال: يا رسول الله! علمني؛ أي: علمني (4) الصلاة، فأنمره بالتكبير (5)،

(1)"المأموم" ليس في "خ".

(2)

وانظر: "مواهب الجليل" للحطاب (1/ 506).

(3)

انظر: "المجموع في شرح المهذب" للنووي (3/ 240).

(4)

"أي: علمني" ليس في "ق".

(5)

سيأتي تخريجه.

ص: 160

وكل ما ذكره له في تعليمه هو من نفس الصلاة.

قال غيره: وفي هذا (1) الاستدلال بهذا الحديث نظر؛ فإن في لفظ الحديث الذي ذكره أشياء ليست من نفس الصلاة، بل من شروطها، فإنه قال:«إذا قمت إلى الصلاة، فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر» (2).

قال الإمام: وأيضا: فإن شرط العبادة يصح انفصاله عنها؛ حتى لا يكون بينهما اتصال؛ كالطهارة، فلو كان الإحرام شرطا، لصح انفصاله عنها.

قيل: وهذا أيضا ضعيف؛ فقد يكون الشرط لا يفارق الصلاة؛ كستر العورة، واستقبال القبلة.

واحتج من بقال: إنها شرط بقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 14 - 15]، والفاء للتعقيب، والذكر: التكبير (3)، والصلاة معطوفة عليه بالفاء، فهو غيه.

والجواب عن ذلك: أنه ليس المراد بالذكر هنا تكبيرة الإحرام بالإجماع، قبل خلاف المخالف، كذا نقله بعض المتأخرين، وإن كان

(1)"هذا" ليس في "ق".

(2)

رواه البخاري (5897)، كتاب: الاستئذان، باب: من رد فقال: عليك السلام، ومسلم (397)، كتاب: الصلاة، باب: وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

في "خ": "للتكبير".

ص: 161

الزمخشري بدأ به، فقال: فصلى صلاة العيد، وذكر اسم ربه، فكبر تكبيرة الافتتاح، وبه يحتج على وجوب تكبيرة الافتتتاح، وعلى أنها ليست من الصلاة؛ لأن الصلاة معطوفة عليها، وعلى أن الافتتاح جائز بكل اسم من أسمائه عز وجل.

ثم قال: عن ابن عباس: ذكر معاده وموقفه بين يدي ربه، فصلى له،.

وعن الضحاك: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ} [الأعلى: 15]: في طريق المصلى، فصلى صلاة العيد، انتهى (1).

قال غيره: ويحتمل أن يكون المراد بالذكر هنا النية.

وبالجملة: فالآية خارجة عن النصوصية على ما ادعوه، وإذا تطرق إليها الاحتمال، سقط بها الاتدلال.

احتجوا -أيضا- بقوله عليه الصلاة والسلام: «تحريمها التكبير» (2)، والمضاف غير المضاف إليه.

والجواب: أنه قد يضاف البعض إلى الدجملة؛ طكا تقول: رأس زيد، فلا حجة فيه (3)، مع أن في إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل، وقد تكلم الناس فيه من جهة حفظه خاصة (4)، وقد قال فيه الترمذي:

(1) انظر: "الكشاف" للزمخشري (4/ 742).

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

"فلا حجة فيه" ليس في "ق".

(4)

"خاصة" ليس في "ق".

ص: 162

صدوق، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من جهة حفظه (1).

احتجوا -أيضا (2) - بالقياس، فقالوا:(ذكر) لم يتعقبه جزء من الصلاة، فلا يكون منها؛ كالخطبة.

قلنا (3): يقابله: عبادة افتتحت بالكبير، وليس (4) منها؛ كالأذان، وقياسنا أخص، ويكفي في الرد عليهم حديث معاوية بن الحكم السلمي، لما فسر له النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، فقال:(إنما هو التكبير والسبيح وقراءة القرآن» (5)، فجعل التكبير منها.

وإذا ثبت ذلك، فقد اختلف العلماء هل تنعقد الصلاة بالنية بغير لفظ، أو لا تنعقد إلا باللفظ؟

فروى ابن المنذر عن ابن شهاب: أنه قال في رجل نوى الصلاة، ورفع يديه، ولم يحرم: إن الصلاة تجزئه.

وقال بعض الناس: إن ابن شهاب، وابن المسيب يريان تكبيرة الإحرام سنة، وأنكر ذلك عنهما آخرون، وقالوا: إنهما يريانها سنة في

(1) انظر: "سنن الترمذي"(1/ 9). وانظر: "التلخيص الحبير" لابن حجر (1/ 216).

(2)

"أيضا" ليس في "ق".

(3)

"قلنا" ليس في "ق".

(4)

في "ق": "فليكن" بدل "وليس".

(5)

رواه مسلم (537)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحة.

ص: 163

حق المأموم خاصة.

قال الإمام -وإليه أشار ابن المواز-: إذ قال: ويلم يختلف في الفذ والإمام، وإنما اختلف في المأموم، قال بعض أصحابنا: ووجه القول بأنه لا يشترط لفظ في انعقاد الصلاة: القياس على الحج والعمرة، وهو ضعيف؛ إذ إنما يتعمل القياس في مسكوت عنه، وقد وردت الأوامر من الرسول عليه الصلاة والسلام بالتكبير.

وقال بقية العلماء: لا تنعقد الصلاة إلا بلفظ، ثم اختلفوا بعد ذلك على أربعة أقوال:

الأول: أنها لا تنعقد إلا بقوله: الله أكبر، وهو قول مالك، وأحمد.

والقول الثاني: أنها تنعقد -أيضا- بقوله: الله أكبر، ولا تنعقد بغيرهما، وهو قول الشافعي، وأبي ثور، وداود، وإسحاق.

القول الثالث: أنها لا تنعقد إلا بالتكبير، كيفما كان التكبير، فلو قال: الله الكبير، انعقدت، وهو قول أبي يوسف.

والقول الرابغع: تنعقد بذكر كل اسم لله تعالى على وجه التعظيم؛ كقوله: الله أعظم، والله عظيم، أو جليل، وكذلك: الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، وهو قول أبي حنيفة، فإن قال: الله، أو الرحمن، من غير قصد، فعنه: فيه روايتان لأبي الحسن بن زياد: أنها تنعقد بذلك.

ص: 164

وظاهر رواية الأول: أنه لا بد من صفة، فإن ذكر اسم الله -تعالى- على وجه النداء؛ كقوله: يا الله! وكذلك قوله: أستغفر الله، لم تنعقد، وبهذا قال النخعي، والحكم بن عتيبة.

وروى ابن شجاع عن أبي حنيفة: أنه قال: أكره أن تنعقد الصلاة بغير: الله أكبر.

قال صاحب «البيان والتقريب» : دليل وجوب التكبير، واقتصار الانعقاد عليه: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفعله، وفعل أصحابه، ومن بعدهم من سائ السلف رضي الله عنهم.

فأما قوله عليه الصلاة والسلام فيما (1) رواه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، عن أبي هريرة: أن رجلا دخل المسجد، فصلى، ثم جاء (2) فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فرد عليه السلام، فقال:«ارجع فصل، فإنك لم تصل» ، فصلى (3) ثم جاء، ففعل ذلك ثلاثا، فقال: والذي بعثك بالحق! لا أحسن غير هذا، فعلمني، فقال عليه الصلاة والسلام:«إذا قمت إلى الصلاة» ، ققال البخاري ومسلم:«فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبره ..» ، الحديث (4)، فقد (5) أمره بالتكبير، وظاهر

(1) في "ق": "فما" بدل "فيما".

(2)

في "ق": "ثم جلس".

(3)

"فصلى" ليس في "ق".

(4)

سيأتي تخريجه.

(5)

في "خ": "وبعد".

ص: 165

الأمر الوجوب، ولا سيما في موضع التعليم.

وكذلك ما رواه الترمذي، وأبو داود عن علي رضي الله عنه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم» ، قال أبو عيسى: هذا أصح شيء في هذا الباب، وأحسن.

وفي الباب: ععن جابر، وأبي سعيد (1).

قال الإمام أبو المعالي: لفظ هذا الحديث يتضمن لغةً حصرَ التحريم والتحليل في التكبر والتسليم.

قال: وليس هذا من قبيل المفهوم؛ لئلا يقول أصحاب أبي حنيفة: هذا من المفهوم، ونحن لا نقول به، بل لغة العرب تقتضي أن يكون ترتيب الكلام: التكبير تحريمها، ولو قال كذلك، لم يلزم انحصار التحريم في التكبير، فلما قدم ما ينبغي تأخيره، علم قطعا أن ذلك لقصد (2) الحصر.

قال: وهذا بمثابة قول القائل: زيد صديقي، فلا يتضمن ذلك حصر الصداقة في زيد، فإذا قال (3): صديقي زيد، تضمن كلامه ذلك، وهذا ما لا يبعد ادعاء إجنماع أهلب البيان فيه.

وأما فعل الرسول عليه الصلاة والسلام، فما رواه البخاري،

(1) وتقدم تخريجه.

(2)

في "ق": "لفظ" بدل "لقصد".

(3)

في "ق": "قيل".

ص: 166

ومسلم (1) عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم (2).

وما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمدُ لله رب العالمين.

قلت: وأفعال الرسول عليه الصلاة والسلام في الصلاة محمولة على الوجوب لأمرين:

أحدهما: قوله: «صلوا كما رأيتموني أصلي» (3).

الثاني: أن ذكر الصلاة في القرآن مجمل باعتبار كيفيتها، فيجب تنزيل فعل الرسول عليه الصلاة والسلام على البيان، إلا أن يدل دليل خاص في فعل خاص على أنه غير واجب.

ودليلنا في تعيين قوله: (الله أكبر) دون ما سواه: العلم، والقيساس: أصحابه، ولا من السلف إلى هلم جرا؛ أنه افتتح الصلاة بغير (الله أكبر)، والصلاة عبادة افتتحت على وجه، فالأصل أنها لا تصح بغيره، مع أنها لا يعقل معناها.

(1)"ومسلم": ليس في "ق".

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

رواه البخاري (605)، كتاب: الأذان، باب: الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة، والإقامة، من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه.

ص: 167

قال المازري: ونكتة المسألة: أنها عبادة غير معقولة المعنى، ولا تبلغ أفهام البشر مدلول وجهه (1) اختصاصها بوجوهها، فالواجب التسليم والاتباع.

وأما القياس: فيمكن أن يقال: أحد أركان الصلاة، فيتعين فيه ما ورد؛ قياسا على الركوع، والسجود، انتهى.

وأما قول الشافعي - رحمه الله تعالى-: إنها تنعقد بقوله: (الله الأكر)، فقد تقدم الكلام عليه قريبا في حديث:«إنما جعل الإمام ليؤتم به» ، الحديث.

الثالث: لو أخل بحرف واحد من التكبير، لم تصح صلاته، بلا خلاف؛ لأنه ليس بتكبير.

وانظر لو قال: الله أكبرٌ -بالتنويون-، أو أكبرَ -بالنصب-، أو قدم الخبر، فقال: أكبر الله، فإنه لم يتحرر لي (2) الآن فيها نقل.

أما لو مد الهمزة في تكبير الإحرام، حتى صار الكلام بصورة استفهام، فقال صاحب «البيان والتقريب»: لم أر لأصحابنا فيها نصا، والقياس: أنها لا تجزئه؛ إذ لم يأت بالتكبير اللغوي، وقال ابن الصباغ.

قلت: وكذلك ينبغي أن لا تجزئه إذا نون أكبر، أو نصبه (3)؛ إذ لم يأت بالتكبير اللغوي على هذا.

(1) في "ق": "وجوه".

(2)

في "ق": "إلى".

(3)

في "ق": "أو نصب".

ص: 168

أما لو كان بلسان المصلي خبل، فإنه يحركه بالتكبير على قدر ما يمكنه، وسواء فيه الأخرس المقطوع اللسان، ومن بلسانه عارض؛ وهكذا في التشهد، والذكر في الصلاة، يكون عليه النطق بذلك، والنطق يتضمن الحركة، وإذا عجز عن النطق، أتى بما يمكنه من الحركة؛ هكذا ذكره (1) ابن الصباغ أيضا، ولم أر هذا الفرع لأصحابنا.

وأما من لا يحسن التكبير بالعربية: فيجب عليه أن يتعلم، فإن ضاق الوقت عن التعلم، ففيه ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه لا ينطق بغير التكبير؛ إذ لا يقوم غيره مقامه، ومقتضاه: أن يدخل في الصلاة بالنية فقط؛ وهذا قول الأبهري، وصوبه المازري.

والقول الثاني: أنه يفتتح الصلاة بالحرف الذي دخل به في الإسلام؛ قال أبو الفرج؛ لأنه الذي يقدر عليه من اللفظ الذي فيه تعظيم لله عز وجل، وهو أولى من الاكتفاء بالنية.

والقول الثالث: أنه يدخل في الصلاة بلفظ لغة العجم المراد به التكبير؛ قال القاضي عبد الوهاب عن بعض شيوخه، وهو مذهب الشافعي، ووجهه: أنه لا بد من لفظ، وهذا أقرب لفظ يمكن أن يقوم مقام ما عجز عنه من التكبير.

وإذا قال أبو حنيفة: إن ذلك يصح من القادر، فالعاجز أولى.

(1) في "ق": "ذكر".

ص: 169

* فائدة:

قال صاحب «البيان والتقريب» : اختلف فيمن افتتح الصلاة، ثم شك في صحة إحرامه، فتمادىن ثم تبين أنه كان أحرم، وكذلك من زاد في الصلاة متعمدا، أو ساهيا، ثم تبين له أنه الواجب، ومن سلم شاك في إتمام (1) صلاته، ثم تبين له (2) أنه أتم، أو شك في طهارته، فتمادى (3)، ثم تبين أنه متطهر، في جميع ذلك قولان:

أحدهما: الإجزاء؛ لانسحاب النية على جميع الصلاة، والشك لا يناقض الاستصحاب؛ كالسهو.

والقول الثاني: عدم الإجزاء؛ لأن الجزء المفعول مع الشك لا يجزئ مع النية ذكرا أو حكما؛ لأن الشك يناقض الاستصحاب.

الرابع: قولها: «والقراءة بالحمد لله رب العالمين» ، هو بضم الدال، كما تقدم على الحكاية.

وفيه: دليل لمن يقول: إن البسملة ليست من الفاتحة؛ كما يقوله مالك، وأصحابه، وغيرهم، على ما سيأتي في موضعه (4) مستوعبا إن شاء الله تعالى.

(1)"إتمام" ليس في "ق".

(2)

"له" ليس في "خ".

(3)

"فتمادى" ليس في "خ".

(4)

"في موضعه" ليس في "ق".

ص: 170

واحتج من يقول: إنها منها: بأن المعنى: أنه كان يبتدئ القراءة بسورة الحمد، لا بسورة أخرى غيرها، فالمراد: بيان السورة التي كان يبتدئ بها، وهي الفاتحة لا غيرها، وهذا ضعيف جدا؛ لأن هذا الاتجاج إنما كان يجمُل لو كانت الرواية بخفض الدال على الإعراب، وأما على الضم، فهو على الحكاية؛ كما تقدم -أعني: حكاية لفظه صلى الله عليه وسلم، وكأنها قالت: كان يبتدئ الصلاة بهذا اللفظ، وهو الحمد لله رب الغعالمين، وإذا ثبت هذا، تعين أنه عليه الصلاة والسلام لم يبتدئ الصلاة ببِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.

ق: وإن جعل اسما؛ يعني: الحمد (1)، فسورةة الفاتحة لا تسمى بهذا النمجموع؛ أعني: الحمد لله رب العالمين، بل تسمى: بالحمد، فلو كان لفظ الرواية: كان يفتتح بالحمد، لقوي هذا؛ لأنه كان حينئذ يدل على أن الافتتاح بالسورة التي البسملة بعضها عند هذا المتأول لهذا الحديث، انتهى (2).

قلت: قوله: لا تسمى بهذا المجموع؛ فيه نظر، فإن في أبي داود، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحمد لله رب العالمين: أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني» (3).

(1)"يعني الحمد" ليس في "خ".

(2)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 217).

(3)

رواه أبو داود (1457)، كتاب: الصلاة، باب: فاتحة الكتاب، والترمذي (3124)، كتاب: التفسير، باب: ومن سورة الحجر، وقال: حسن صحيح.

ص: 171

وفيها أيضا من حديث سعيد بن المعلى: «الحمد لله رب العالمين: هي السبع المثاني التي أوتيت والقرآن العظيم» (1)، فهذا (2) ظاهر، أو نص في أن الفاتحة تسمى بهذا المجموع الذي هو: الحمد لله رب العالمين، فلتعلم ذلك، وبالله التوفيق، وسيأتي الكلام على ذلك في بابه إن شاء الله تعالى بأشبع من هذا.

الخامس: قولها: «وكان (3) إذا ركع، لم يشخص رأسه، ولم يصوبه، ولكن بين ذلك» ، هو بضم الياء من (يشخص)، وماضيه: أشخص؛ أي: رفع؛ أي: لم يرفع رأسه، والأصل: شَخَص الرجل: إذا ارتفع غير متعد (4)، فلما دخلت عليه همزة النقل، تعدى إلى مفعول واحد، ويقال للرجل إذا ورد عليه أمر أقلقه: شُخِصَ به؛ كأنه ارتفع عن الأرض؛ لقلقه (5).

ومعنى يصبه: ينكسه، ومنه الصيب للمطر، يقال فيه (6):

(1) رواه أبو داود (1458)، كتاب: الصلاة، باب: فاتحة الكتاب. وقد رواه البخاري (4204)، كتاب: التفسير، باب: ما جاء في فاتحة الكتاب، نحوه.

(2)

في "خ": "فهو".

(3)

في "ق": "فكان".

(4)

في "ق": "معتد".

(5)

انظر: "الصحاح" للجوهري (3/ 1042)، (مادة: شخص).

(6)

في "ق": "منه".

ص: 172

صاب يُصَوِّبُ: إذا نظر (1).

وقولها: «ولكن بين ذلك» ؛ أي: بين الارتفاع والتنكيس.

فإن قلت: الأصل في (بين): أن تضاف إلى شيئين فصاعدا؛ كقولك: المال بين زيد وعمرو، أو بين الزيدين، ونحو ذلك، فما بالها جاءت مضافة إلى مفرد، وهو: ذلك؟

قلت: لما كانت الإشارة بذلك إلى ما تقدم من الإشخاص والتصويب المفهومين (2) من فعليهما، ساغ فيها ذلك، ومنه قوله تعالى:{لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [البقرة: 68]، لما كانت الإشارة بذلك إلى الفُروضة والبَكارة المفهومين من قوله تعالى:{لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ} [البقرة: 68]، فأشارت إلى المسنون في الركوع، وهو الاعتدال، واستواء الظهر والعنق (3).

وقولها: «وكان إذا رفع رأسه من الركوع، لم يسجد حتى يستوي قائما» دليل على الرفع (4) من الركوع، والاعتدال فيه، ولا خلاف أنه مطلوب في الصلاة -أتعني: الرفع-، فلو أخل به، وجبت الإعادة في رواية ابن القاسم، ولم تجب في رواية علي بن زياد.

(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 217)، وانظر:"الصحاح" للجوهري (1/ 164)، (مادة: صوب).

(2)

في "ق": "المتقدمين".

(3)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 218).

(4)

في "خ": "الرافع".

ص: 173

وإذا قلنا برواية ابن القاسم، فهل يجب الاعتدال، أم لا؟

روي لابن القاسم فيمن رفع من الركوع أو (1) السجود، ولم يعتدل: أن صلاته تجزئه، ويستغفر الله عز وجل، ولا يعود.

ولأشهب: أن صلاته غير صحيحة.

وقال القاضي عبد الوهاب: الأولى أن يجب من ذلك ما كان إلى القيام أقرب، وحكاه القاضي أبو الحسن عن بع أصحابنا (2).

ثم إذا قلنا بوجوب الاعتدال، فتجب الطمأنينة، وقيل: لا تجب على ما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.

وقولها: «وكان إذا رفع رأسه من السجود، لم يسجد حتى يستوي قاعدا» دليل على السجود، والرفع منه، وعلى الاستواء في الجلوس بين السجدتين.

وصفة السجود (3): أن يمكن جبهته وأنفه من الأرض، والكفين والركبتين وأصابع القدمين، ولا يجب كشف الكفين.

قال صاحب «الجواهر» : لكن يستحب.

وفي إثبات الإجزاء ونفيه -عند الاقتصار من الجبهة والأنف على أحدهما- ثلاثة أقوال: تخصيص الإجزاء في الثالث بالاقتصار على

(1) في "ق": "و".

(2)

"أصحابنا" ليس في "ق".

(3)

"السجود" ليس في "ق".

ص: 174

الجبهة دون الأنف، وهو المشهور عندنا.

وأما باقي الأعضاء، فقال سحنون: اختلف أصحابنا إذا لم يرفع يديه عند رفعه للسجدة الثانية؛ فمنهم من قال: لا تصح صلاته؛ لما جاء أن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه، ومنهم من ضعف (1) ذلك.

وقال القاضي أبو الحسن بن القصار من أصحابنا: يقوى في نفسي: أن السجود على الركبتين وأطراف القدمين سنة في المذهب، ولو سجد على طرفه، أو كور عمامته؛ كالطاقة والطاقتين، أو طرف كمه لم يمنع الإجزاء، وإن كان ذلك مكروها.

ويستحب له (2) أن يفرق بين ركبتيه ومرفقيه، وجنبه وبطنه وفخذيه، وهو التفريج، ولا تفرج المرأة.

واستحب متأخرو أصحابنا أن يسجد (3) بين كفيه، ولم يحد مالك في ذلك حدا، ثم يفصل بين السجدتين بالرفع؛ فإنه لا يتصور تعدد السجود إلا بالرفع، بخلاف الرفع من الركوع، فإن الركوع غير متعدد، ولذلك لم يختلف في وجوب الرفع من السجود، بخلاف الرفع من الركوع، على ما تقدم.

وقد سها من نقل في ذلك خلافا سهوا عظيما؛ لما ذكرنا (4) من

(1) في "ق": "خفف".

(2)

"له" ليس في "ق".

(3)

"أن يسجد" ليس في "خ".

(4)

في "ق": "ذكرناه".

ص: 175

عدم التعدد عند عدم الرفع.

فأما الاعتدال في الرفع من السجود، ففيه من الخلاف ما مضى في الاعتدال في الرفع من الركوع.

ويبغي أن يضع يديه قريبا من ركبتيه مستوتي الأصابع، ثم يسجد سجدة أخرى مثلها، ثم يقوم للثانية واضعا يديه على الأرض، ويكبر حين شروعه في الرفع من السجود، وكذلك في جميع تكبيرات الانتقال، سوى تكبيرة القيام من الجلوس؛ فإنه لا يكبر حتى يستقل قائما؛ إذ الشروع في تكبير الانتقال إنما هو في الأركان، ولم ينتقل من ركن إلى ركن فيكبر فيه، هذا مذهبنا، وعليه استمر العمل، وبالله التوفيق (1).

وقولها: «وكان يقول في كل ركعتين التحية» : تريد: التشهد كله، وهو من باب إطلاق لفظ (2) البعض على الكل.

وقولها: «وكان يفرش رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى» : هو بضم الراء من يفرش، وقد تكسر، والضم أشهر.

ق: يسدل به أصحاب أبي حنيفة على اختيار هذه الهيئة في الجلوس من الرجل.

ومالك يختار التورك، وهو أن يفضي بوركه اليسرى (3) إلى الأرض،

(1) وانظر: "جامع الأمهات" لابن الحاجب (ص: 97)، و"مواهب الجليل" للحطاب (1/ 519).

(2)

"لفظ" ليس في "ق".

(3)

في "ق": "الأيسر".

ص: 176

وينصب رجله اليمنى.

والشافعي يفرق بين التشهد الأول والتشهد الأخير، ففي الأول: الافتراش، وفي الثاني: التورك، وقد ورد فيه -أيضا- التورك، فجمع الشافعي بين الحديثين، فحمل الافتراش على الأول، وحمل التورك على الثاني، وقد (1) ورد ذلك مفصلا في بعض الأحخاديث، ورجح من جهة المعنى بأملارين ليسا بالقويين:

أحدهما: أن المخالفة في الهيئة قد تكون سببا للتذكر عند الشك في كونه في التشهد الأول، أو في التشهد الأخير.

والثاني: أن الافتراش هيئة استيفاز، فناسب أن يكون في التشهد الأول؛ لأن المصلي مستوفز للقيام، والتورك هيئة (2) اطمئنان، فناسب الأخير، والاعتماد على النقل أولى، انتهى (3).

وأما مذهبنا: فالمستحب في صفة الجلوس كله: الأول، والآخر، وبين السجدتين: أن يكون توركا، وهو أن يفضي بوركه اليسرى (4) إلى الأرض، ويخرج رجليه جميعا من جانبه الأيمن، وينصب قدمه اليمنى وباطن الإبهام إلى الأرض، ويثني اليسرى، ويضع كفيه على فخذيه، ويقبض في الجلوس للتشهد الوسطى والخنصر وما بينهما من اليمنى،

(1)"وقد" ليس في "ق".

(2)

في "خ" و"ق": "فيه"، والمثبت من "شرح العمدة".

(3)

انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 218).

(4)

في "ق": "الأيسر".

ص: 177

ويمد السبابة، ويضع الإبهام على الوسطى، ويجعل جانب السبابة (1) مما يلي السماء، ويشير بها (2) عند الذكر للوحدانية، وينصبها فيما وراء ذلك.

وقيل: يشير بها دائما تقريرا على نفسه.

وقيل: ينصبها دائما من غير تحريك؛ إشارة إلى الوحدانية (3).

وسمعت بعض شيوخنا يقول ما معناه: أن السر في اختصاص السبابة بذلك: أن لها اتصالا بنياط القلب، فكأنها سبب لحضور القلب، أو كلاما ذا معناه.

وقولها: «وكان ينهى عن عقبة الشيطان» : هو بضم العين وإسكان القاف، ويروى:«عن عَقِبَة الشيطان» بفتح (4) العين وكسر القاف، وهو المشهور المعروف الصحيح فيه.

وحكى ع: ضم العين فيه، وضعفه (5).

ق: وفسر: بأن يفرش قدميه، ويجلس بأليتيه على عقبيه، وقد يسمى ذلك -أيضا-: الإقعاء، انتهى.

(1) في "ق": "الإبهام" بدل "السبابة".

(2)

في "ق": "به".

(3)

انظر: "التفريع" لابن الجلاب (1/ 228)، و"جامع الأمهات" لابن الحاجب (ص: 98).

(4)

في "ق": "بضم" بدل "بفتح".

(5)

انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 411).

ص: 178

وفسر افتراش السبع: بأن يضع ذراعيه على الأرض في السجود، والسنة أن يرفعهما (1)، على ما تقدم آنفا في صفة السجود.

وقولها: «وكان يختم الصلاة بالتسليم» دليل للجمهور على أبي حنيفة القائل بجواز الخروج من الصلاة بما ينافيها؛ سلاما كان أو حدثا، أو غير ذلك، ولأنه الذي واظب عليه صلى الله عليه وسلم، وهو عندنا متعين لا يقوم غيره مقامه أصلا، ولفظه متعين أيضا، وهو: السلام عليكم، فلو نكر ونون وقال: سلام عليكم، فقال القاضيس أبو محمد، والشيخ أبو محمد بن أبي زيد: لا يجزئه، وقال ابن شبلون (2): يجزئه.

قال ابن يونس: وهذا بين، ولا فرق في هذا بين الإمام والمأموم، ويحمل قول مالك: ولا يجزئ من السلام إلا السلام عبليكم: أنه لا يجزئ فيه تكبير ولا تحميد، فإن لم يحمل على (3) ذلك، فهو اختلاف قول، انتهى كلامه (4)(5).

(1) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (1/ 219).

(2)

هو الإمام المالكي عبد الخالق بن خلف، أبو القاسم بن شبلون، والذي كان الاعتماد عليه في القيروان في الفتوى والتدريس بعد ابن أبي زيد، توفي سنة (391 هـ)، وقيل:(390 هـ). انظر: "الديباج المذهب" لابن فرحون (ص: 158).

(3)

"على" ليس في "ق".

(4)

بعد هذا في "ق" تقديم وتأخير، فأورد هنا:"قال صاحب الجواهر: واختلف. . . ." إلى قوله: "وقد تقدم وجه القولين".

(5)

وانظر: "المدونة"(1/ 62)، و"الذخيرة" للقرافي (2/ 199)، و"القوانين الفقهية" لابن جزي (47).

ص: 179

والقولان أيضا عند الشافعية، قال صاحب «البيان والتقريب»: ومنشأ الخلاف: معارضة قوله عليه الصلاة والسلام: «وـ (1) تحليلها التسليم» ؛ فإنه يتناول هذا اللفظ، ولفعله عليه الصلاة والسلام المستمر، وفعل الصحابة، وفعل السلف.

والصحيح: أنه لا يجزئ لوجوب الاتباع.

وقال من أجاز ذلك من أصحاب الشافعي: إن التنويو في علم العربية يقوم مقام الألف واللام، وهذا ضعيف؛ فإن الصحيح في علم العربية أن التنويو يضاد الألف واللام، ولذلك (2) لا يجتمعان؛ لأن الألف واللام للتعريف، والتنويو للتنكير، أو من أدلة (3) التنكير.

قال صاحب «الجواهر» : واختلف المتأخرون في استصحاب حكم النية على التسليم، واشتراط تجيد نية للخروج على قولين.

قلت: والمشهور: عدم وجوب الاشتراط، وما أظنهم يختلفون في استحباب ذلك، والله أعلم.

ومنشأ الخلاف: أنه هل هو جزء من الصلاة، أو لا؟ كالخلاف الذي قدمناه: في أن الإحرام هل هو جزء أو شرط؟ وقد تقدم وجه القولين (4).

(1) الواو ليست في "ق".

(2)

في "خ": "وذلك".

(3)

في "خ": "أداة".

(4)

في "ق" زيادة: "وقد قال ابن المنذر: أجمعوا على أن صلاة من اقتصر على تسليمة واحدة جائزة، ويسلم"، وستأتي في آخر الشرح مكررة.

ص: 180

ويسلم كل واحد من الإمام والفذ، ويتيامن قليلا.

وأما المأموم، فقال الشيخ أبو محمد بن أبي زيد: يسلم عن يمينه، قال الإمام أبو عبد الله: وهكذا ظاهر (1) رواية ابن القاسم.

وبالتسليمة الأولى يخرجون من الصلاة، ولا يؤمر الإمام ولا الفذ بزيادة عليها.

وروي: أن كل واحد منهما يسلم تسليمتين، ولا يسلم المأموم حتى يفرغ الإمام منها، ويضيف إليها المأموم اثنتين، على المشهور، أولاهما: يرد بها على إمامه، والثانية: عن يساره إن كان عن يساره أحد في الرواية الأخيرة.

وروى أشهب: أنه يبدأ منهما بالتي على اليسار، وهي الرواية المتقدمة.

وحكى القاضي أبو محمد التخيير بين مقتضى الروايتين.

وقيل: يقتصر على الرد على الإمام فقط، ولو كان مسبوقا، ففي رده على الإمام ومن على يساره روايتان.

ح: وشذ بعض الظاهرية والمالكية، فأوجبوا التسليمة الثانية، وهو ضعيف مخالف لإجماع من قبله (2).

قلت: ولم أقف على هذا القول لأحد من المالكية -أععني: وجوب التسليمة الثانية-، وقد قال ابن المنذر: أجمعوا على أن صلارة من اقتصر

(1)"ظاهر" ليس في "خ".

(2)

انظر: "شرح مسلم" للنووي (4/ 216).

ص: 181

على تسليمة واحدة جائزة (1)، وبالله التوفيق.

* * *

(1) قلت: وقد حكى هذا الإجماع عن ابن المنذر الإمامُ النووي في "المجموع"(3/ 445). وانظر: "الإشراف على مذاهب العلماء" لابن المنذر (2/ 47).

ص: 182