الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَيْنَ يَدَيّ الكِتَاب
لما شرفني الحاج محمد علي بيضون حفظه اللَّه ورعاه، وأشار إليَّ أن أعمل في هذا السفر العظيم .. أحجمت قليلا في البداية، لما أعلم من قلة بضاعتي، وشُحِّ زادي في هذا الميدان، ولِمَا أعلم من صعوبة متن الألفية لدى الناس، وإحجامهم عن النهل من لذيذ شرابه، فللأسف كما قال صاحب الجوهرة:
لكن مِنَ التَّطْويلِ كلّتِ الهِمَمُ
…
فَصَارَ فِيهِ الاخْتِصَارُ مُلتَزم
فقد كلّت هِمَم المسلمين اليوم عن الاهتمام بلغة قرآنهم، ودستور دينهم، الذي من دون علمهم بلغته لن يفقهوا شيئًا منه، ولن يميزوا بين حلاله وحرامه، كيف لا!! والمولى عز وجل يقول:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} ، ويقول:{إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} ، فعبثًا يحاول أن يفهم القرآن أو أن يلج إلى أحكامه مَن فقد شيئًا من ذلك، ولم يتعلّم العربية، ويكتشف أسرارها، ويغُصْ في معانيها!!
وقد كان أشياخنا يسمون هذه العلوم: علوم الآلة، وبوابة الدخول للعلوم الشرعية.
ثم استخرت اللَّه في إنجازه، فجاءت الإشارة بالبدء، فشمرت عن ساعد الجد، وركبت الذلول والصعاب للخوض في عبابه، وللنيل من عذب شرابه، كيف لا!! وأنا الذي بحمد اللَّه وفضله قد حفظت الألفية منذ كنت في الثانية عشر من عمري، وقرأت شرحها على الأشياخ الكرام، فقد أجازني فضيلة الشيخ الإمام، والحبر الهمام، والعالم الرباني، فضيلة الشيخ المرحوم عبد الرزاق الحلبي في شرح ابن عقيل على الألفية، وفي كتب أخرى.
ولما استعرضت الكتاب .. وجدت وعورة في عبارته، وصعوبة في مسالكه، فأردت أن أذلل الصعب، وأسهّل الحزَن، وأخذت على عاتقي أن أجعل العمل فيه مميزًا، وجعلت كل علامات الترقيم، والاهتمام بالتفقير أستاذًا يتلو على الطالب ويشرَح، فجاءت كل علامة من علامات الرقيم مُؤذِنة بوصل أو وقف، شارحة للمقصود من العبارة، ولم يأتِ فقرةً واحدة تثقل على الطالب بزخومة الموضوع، وتُولِجُه في مَهْمَهٍ وعر المسالك، مُغبَرّ الأرجاء.
فجاءت علامات الترقيم كشاخصات المرور التي ترشدك في المجاهل التي لا تدري عنها، ودليلا للوصول لغايتك.
وسيرى معي القارئ في طيات الكتاب أهمية ذلك، وسيجد ذلك واضحًا جليًا، وسيجد من تلقاء نفسه كيف أن علامات الترقيم جاءت شارحة للعبارة، مرشدة إلى المقصود.
وفي الحقيقة نبعت أهمية علامات الترقيم عندي منذ كنت طالبًا في التسعينيات من القرن السابق، عندما كنا نقرأ في الكتب على الأشياخ، وللأسف ما كنت أجد علامات الترقيم في محلّها، وإنما كنت أراها بنظري كتوابل وضعها المحقق أو المؤلف هكذا، فجاءت منكّهةً للكتاب
…
لا مكوّنًا أساسيًا من أجزائه.
وصرت أرى في الحقيقة أن العمل في التحقيق يقتصر على: علامات الترقيم المناسبة، والمقابلة الجيدة للمخطوط.
فالمحقق عندما يعطيني نصًا مقابلا مقابلة دقيقة، تُنمُّ عن فهمه للعبارة التي يقرؤها، موشّى بعلامات ترقيم مرشدة لي أثناء قراءتي للكتاب .. يكون حينها قد أنعم عليّ وزاد.
ولكن ما حاجتي بالتعليقات إذا كان النص غير مضبوط ولا مقابل مقابلة جيدة.
ثم بعد ذلك يضنيك في فهم العبارة عندما لا يضع علامات الترقيم المناسبة في مكانها الصحيح.
وحدثنا أشياخنا أن علامة ترقيم قديمًا فكت رجلا من حبل المشنقة، وتوضيح
ذلك في العبارة التالية عندما جاء قرار الملك إلى السجّان: (العفوُ مستحيلٌ إلى الإعدام).
والحقيقة أن كتاب والد السجين كان في آخره التماسًا من الملك بالعفو، فجاء القرار باستحالة العفو وتوجيهه إلى الإعدام.
ولكن والد السجين أخذ الكتاب باليد ووضع علامة ترقيم واحدة نجا به ابنه من حبل المشنقة، فجاءت العبارة على الشكل التالي:(العفو. مستحيلٌ إلى الإعدام!).
فكان مفاد العبارة: (قرار الحاكم العفو. مستحيلٌ أن يعدم هذا الرجل).
وكحّلت وزينت ذلك بالألوان .. وأرجو أن أكون قد وُفقت إلى ذلك، ونلت ما أردت.
وما توفيقي إلا باللَّه عليه توكلت وإليه أنيب.