الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} فالأصل: (لكن أنا هو اللَّه ربى)، بتخفيف (لكن)، فحذفت الهمزة وأدغمت النّون فِي النّون.
وظاهر قول الفارسي: أنها (لكنَّ) المشددة وخففت بحذف أحد النّونين، والضّمير اسمها؛ كما تقول:(لكنا مسلمون).
وإِنما قيل: (ربي) وَلَم يقل: (ربنا)؛ لأنه روعي فيه حال المتكلم؛ كما قال الشّاعرُ:
أَلَم تَرَنِي فِي يَومِ جَوِّ سَوَيقَةٍ
…
بَكَيتُ فَقَالَت لِي هُنَيدَةُ مَالِيَا؟
(1)
لأنها قالت لهُ: (ما لك؟)، فهو كالالتفات.
وقرئ: (لكن أنا هو اللَّه ربي)، وهو الأصل علَى القول الأول.
* وَ (كَأنَّ) للتشبيه.
والزّجاجِ: لا تكون للتشبيه إِلَّا إن كَانَ الخبر جامدًا؛ نحو: (كَأنَّ زيدًا أسدٌ)؛ فإِن كَانَ مشتقًا؛ نحو: (كأنه قائم) .. فهي للشك؛ إِذ لا يشبه الشّيء بنفسه.
قال البعلي: وأجيب بأن المعنَى: (كأنه رجل قائم)، فحذف الموصوف وأقيمت صفته مقامه، وجعلت هذه الصّفة كأنها الخبر باعتبار النّسبة، فعاد الضّمير لاسم (كَأنَّ)؛ كما تقول:(كأنك تقوم) بالخطاب، والأصل:(كأنك رجل يقوم) بالغيبة.
وذكر ابن فرحون: أنها قَدْ تكون: للتحقيق، والظّن، والتّقريب.
تنبيه:
إِنما عملت هذه الأحرف؛ لاختصاصها بالأسماء، وَكَانَ القياس أَن تعمل الجر الّذي هو مختص بما اختصت به، ولكن نصبت ورفعت:
(1)
التخريج: البيت من الطويل، وهو للفرزدق في ديوانه 2/ 360؛ وشرح شواهد المغني 2/ 833؛ والمنصف 3/ 117؛ وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص 853؛ ومغني اللبيب 2/ 414.
التمثيل: قوله: (ما ليا؟)؛ حيث التفت في الكلام وروعي فيه حال المتكلم؛ والأصل أن يقول: ما لك؟
* لشبهها بالماضي فِي بناء الآخر علَى الفتح واتصال نون الوقاية بها.
* ولأَنَّ معانيها كمعاني الأفعال؛ فـ (إِنَّ) بمعنَى: أكّدتُ، و (كَأنَّ) بمعنَى: شبَّهتُ، و (ليت) بمعنَى: تمنَّيتُ، و (لعل): ترجَّيتُ، و (لكنَّ): استدركتُ.
والكوفيون: أن (لكنَّ) مركبة من: (لا) و (إنَّ) المكسورة، والكاف زائدة، والهمزة محذوفة بعد نقل كسرتها للكاف.
والقواس: الصّحيح أنها مفردة؛ كَـ (إنَّ)، و (أنَّ)، و (ليت).
وقيل: إن (كَأنَّ) مركبة من الكاف و (إنَّ) المكسورة، ولكن فتحت للتركيب.
وقد دخلت (إنَّ) علَى ما خبره نهي فِي قولهِ:
إِنّ الَّذينَ قَتَلتُم أَمْسِ سَيِّدَهُم
…
لا تَحْسِبُوا لَيلَهُم عَنْ لَيلِكُم نَامَا
(1)
وسبق فِي باب (كَانَ): ما لا يجوز دخول النّاسخ عليه.
واللَّه الموفق
ص:
175 -
كَإِنَّ زَيْدًا عالِمٌ بِأَنِّي
…
كُفءٌ وَلكِنَّ ابْنَهُ ذُو ضِغْنِ
(2)
ش:
لما ذكر أَن هذه الأحرف عكس كَانَ فِي العمل .. أخذ يمثل، فقال: كـ (إنَّ زيدًا عالم)، والأصل:(زيد عالم)، فلما دخلت (إنَّ) .. نصبت المبتدأ اسمًا لها، ورفعت
(1)
التخريج: البيت لأبي مكعت أخي بني سعد بن مالك في خزانة الأدب 1/ 247، 249، 250، والدرر 1/ 285، وبلا نسبة في شرح شواهد المغني 2/ 914، ومغني اللبيب 2/ 585، وهمع الهوامع 1/ 135، وأمالي ابن الشجري 1/ 332، وشرح التسهيل 2/ 11.
الشاهد: قوله: (إن الذين
…
لا تحسبوا)؛ حيث أخل (إنَّ) على ما خبره نهي.
(2)
كإن: الكاف جارة لقول محذوف كما سبق غير مرة، إن: حرف توكيد ونصب. زيدًا: اسمها. عالم: خبرها. بأني: الباء جارة، وأن: حرف توكيد ونصب، والياء اسمها. كفء: خبرها، وأن ومعمولاها في تأويل مصدر مجرور بالباء، والجار والمجرور متعلق بقوله: عالم السابق. ولكن: حرف استدراك ونصب. ابنه: ابن: اسم لكن، وابن مضاف، والهاء: مضاف إليه. ذو: خبر لكن، وذو مضاف. وضغن: مضاف إليه.
الخبر خبرًا لها، وليست هي فِي قولِ الشّاعرِ:
إِنَّ هِندُ المَلِيحَةُ الحَسْناءَ
…
وَأْيَ مَن أَضْمَرَتْ لِصَبٍّ وَفَاءَ
(1)
بضم (هندُ) و (المليحةُ)، ونصب (الحسناءَ)، بَلْ هذه فعل أمرٍ مؤكد بالنّون، والأصل:(إي)، بمعنَى:(عِدِي) ثم أُكِّدَ بالنّون الثّقيلة، فحذفت الياء من فعل الأمر لالتقاء السّاكنين، فحصل:(إِنَّ).
يقال: (وأى يأي)؛ كوعد يعد، والأمر للواحد:(إِ)؛ مثل: (قِ) من الوقاية، و (عِ) من الوعي
(2)
.
(1)
قال في شرح الشواهد الشعرية في أمات الكتب النحوية (1/ 69): هذا البيت من ألغاز ابن هشام، عن المغني، وشرح أبيات مغني اللبيب ج 1/ 57.
(2)
هناك عشرة أفعال في اللغة العربية تبنى على حرف واحد في حالة الأمر، وقد جمع هذه الأفعال ابن مالك صاحب الألفية مبيّنًا كيفية إسنادها للواحد المذكر، ثم المثنى مطلقًا، ثم الجمع المذكر، ثم الواحدة ثم جمعها، وذلك في عشرة أبيات طريفة -ليست من الألفية- يقول فيها:
إنّي أقولُ لمنْ تُرجى مودَّتُهُ
…
قِ المستجير قياهُ قُوهُ قِي قِينَ
وإنْ صرفتَ لوَالٍ شُغْلَ آخرَ قُلْ
…
لِ شُغْلَ هذا لِياهُ لُوهُ لِي لِينَ
وإنْ وشَى ثوبَ غيري قلتُ في ضجرٍ
…
شِ الثوبَ وَيْكَ شِياهُ شُوهُ شِي شِينَ
وقُلْ لقاتِل إنسانٍ على خطأٍ
…
دِ مَنْ قتَلْتَ دِياهُ دُوهُ دِي دِينَ
وإنْ همُ لمْ يَرَوْا رأيي أَقُولُ لهمْ
…
رَ الرأيَ وَيْكَ رَياه رَوْه رَيْ رَيْنَ
وإنْ همُ لمْ يَعُوا قوْلِي أَقُولُ لهمْ
…
عِ القولَ مِنِّي عِياهُ عُوهُ عِي عِينَ
وإن أمَرْتَ بِوَأْيٍ للمُحِبِّ فقلْ
…
إِ مَنْ تُحِبُّ إياهُ أوهُ إِي إينَ
وإنْ أردْتَ الوَنَى وَهْوَ الفُتُورُ فقلْ
…
نِ يا خَلِيلِي نِياهُ نُوهُ نِي نِينَ
وإنْ أبَى أن يَفِي بالعهدِ قلتُ لَهُ
…
فِ يا فلانُ فِياهُ فُوهُ فِي فِينَ
وقُلْ لساكِنِ قلْبِي إنْ سِوَاكَ بِهِ
…
جِ القلبَ مِنِّي جِياهُ جُوهُ جِي جِينَ
ذكر هذه الأبيات الشيخ الخضري في حاشيته على ابن عقيل ثم أردفها بالقول: (فهذه عشرة أفعال كلها بالكسر إلا (رَ) فيفتح في جميع أمثلته لفتح عين مضارعه، وكلها متعدية إلا (نِ) فلازم؛ لأنه بمعنى تأنَّ. فالهاء في نِيَاه هاء المصدر لا المفعول به).
و (هندُ) منادَى حذفت منه الأداة، و (المليحةُ): صفة (هند) مرفوعة علَى اللّفظ، و (الحسناءَ) صفة ثانية منصوبة علَى محل المنادَى.
وقوله: (وَأْيَ): منصوب علَى أنه مصدر مؤكد للفعل المذكور، والمعنَى (عدي يا هند وعد من يفي).
والياء فِي قوله: (بِأَنِّي) اسم (أَنَّ) المفتوحة، و (كفؤٌ): خبرها، و (ابنَهُ): اسم (لكنَّ)، و (ذُو ضِغنِ): خبرها.
والكفؤ: المثل. والضّغن: الحقد.
وإِذا حصلت الفائدة .. جاز أَن يكونَ الأول نكرة؛ كقولِهِ:
فَإِنَّ حَرامًا أَن أَخُونَ أَمانَةً
…
وَآمَنَ نَفسًا لَيسَ عِندِي ضَمِيرُهَا
(1)
وقولِ الآخرِ:
حَتّى رَأَيتُهُم كَأَنَّ سَحابَةً
…
صابَت عَلَيهِم وَدقُها لَم يُشمَلِ
(2)
والحقُّ: أن هذه الأبيات لا تحيط بكل ما في العربية من أفعال اللفيف المفروق وإنما تقتصر على تسعة منها هي كل ما جاء مكسورًا فيها، أمّا (رَ) وهو المفتوح الوحيد فيها فليس من هذا الضرب، وإنما هو ناقص مهموز العين، إذ إن أصله (رأى) ومضارعه (يرأى) إلا أنَّ همزته تسقط تخفيفًا فيبقى على (يرى) ثم يبنى على حذف حرف العلة من آخره في صيغة الأمر فيبقى على (رَ) ووزنه (فَـ) لأن ما سقط منه هو العين واللام خلافًا لسائر الأفعال المذكورة في الأبيات إذ إنَّ وزنها (عِ) لأن ما سقط منها هو الفاء واللام.
عن الدكتور محمد حسان الطيان بتصرف يسير.
(1)
التخريج: البيت من الطويل، وهو لأبي ذؤيب الهذلي في الشعر والشعراء 2/ 642، وشرح ديوان الهذليين 1/ 156.
الشاهد: قوله: (إن حرامًا)؛ حيث جاء اسم (إن) نكرة لحصول العلم به.
(2)
التخريج: البيت من الكامل، وهو لأبي كبر الهذلي في شرح أشعار الهذليين ص 1075؛ ولسان العرب 11/ 367 (شمل).
اللغة: صابت تَصُوب تَنحدِر كما ينحدر المطر. وقوله: لَم يُشمَل؛ أي: لم تُصِبْه الرِّيح الشَّمال، وذاك أن الشَّمال إذا أصابته انقَشَع.
الشاهد: قوله: (كأن سحابة)؛ حيث جاء اسم (كأن) نكرة لحصول الفائدة به.
والخليل وسيبويه: تكون (أَنَّ) بمعنَى (نعم) فَلَا تعمل.
وأنكره أبو عبيدة، قال الشّاعرُ:
لَيتَ شِعرِيَ هَلْ لِلمُحِبِّ شِفَا
…
مِن جَوَى حُبِّهِنَّ أَنَّ اللِّقَا
(1)
برفع (اللّقا)؛ أَي: (نعم، شفاؤه اللّقاءُ).
وقولُ الآخرِ: (قالوا: خفت؟ فقلت: إِنَّ).
وحكي: أَن شاعرًا قال لابن الزّبير: (لعن اللَّه ناقةً حملتني إِليك)، فقال:(إنَّ، وراكبَها)، يريد:(نعم وراكبها).
وكذا قيل: إنها بمعنَى (نعم) فِي قوله تعالى: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} .
وقيل: اسم (إِن) ضمير شأن؛ أَي: (إنه هذان لساحران).
وعلَى القولين: تكون اللّام صلة فِي خبر المبتدأ وهو قليل.
وقيل: جاء علَى لغة الحارث وهي لزوم الألف فِي الأحوال الثّلاث كما علم.
وتستعمل (أَنَّ) المفتوحة:
* فعلًا ماضيًا من الأنين.
* ومصدرًا.
والمكسورة أصل المفتوحة علَى الصّحيح.
وقيل عكسه.
وقيل: هما أصل.
واللَّه الموفق
(1)
التخريج: البيت في شرح التسهيل للمصنف، والتذييل (2/ 738).
والشاهد: قوله: (هل للمحب شفاء .. إن اللقاء)؛ حيث وقعت "إنّ" جوابًا لسؤال؛ فهي بمعنى (نعم) والتقدير: نعم اللقاء شفاء من جوى حبها.
ص:
176 -
وَرَاعِ ذَا التَّرْتِيْبَ إلَّا فِي الَّذِي
…
كَلَيْتَ فِيْهَا أَوْ هُنَا غَيْرَ البَذِي
(1)
ش:
يقول: راع هذا التّرتيب المذكور فِي البيت قبل هذا، وهو: كون الاسم مقدمًا علَى الخبر فِي هذا الباب؛ فَلَا يقدم علَى الاسم ولَا الحرف؛ لأنَّ هذه الأحرف لا تتصرف فِي نفسها، فَلَا تتصرف فِي معمولاتها.
ما لم يكن الخبر ظرفًا أَو مجرورًا فيجوز تقديمه علَى الاسم؛ للتوسع فِي الظّرف والمجرور.
أَو لأنه ليس معمولًا لهذه الأحرف فِي الحقيقة كما علم من باب المبتدأ والخبر فِي وقوع الظّرف خبرًا.
قال تعالَى: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا} ، {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ} فقدم الظّرف فِي الأول والمجرور فِي الثّاني.
ويجب التّقديم فِي نحو: (إنَّ فِي الدّار صاحبَها)؛ لئلا يعود الضّمير علَى متأخر فِي اللّفظ والرّتبة.
ويجوز تقديم معمول الخبر علَى الاسم ظرفًا أَو مجرورًا؛ نحو: (إنَّ عندك زيدًا مقيم).
قال الشّاعرُ:
(1)
وراع: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنت. ذا: اسم إشارة مفعول به لراع. الترتيب: بدل، أو عطف بيان، أو نعت لاسم الإشارة. إلا: أداة استثناء. في الذي: جار ومجرور يقع موقع المستثنى من محذوف، والتقدير: راع هذا الترتيب في كل تركيب إلا في التركيب الذي إلخ. كليت: الكاف: جارة لقول محذوف، وهي ومجرورها متعلقان بفعل محذوف تقع جملته صلة الذي، وليت: حرف تمن ونصب. فيها: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر ليت مقدم على اسمها. أو: عاطفة، معناه التخيير. هنا: ظرف مكان معطوف على قوله فيها. غير: اسم ليت مؤخر، وغير مضاف. والبذي: مضاف إليه، والمراد بالتركيب الذي كليت فيها
…
إلخ: كل تركيب وقع فيه خبر إن ظرفًا أو جارًا ومجرورًا.