الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعالَى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ} .
وقال باقي البصريين: التّقدير: (هي المأوَى لهُ)، فحذف الضّمير.
7.
ومنها. العموم، كقولِهِ تعالَى {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} .
وقيل: محذوف، أَي: منهم.
وقيل: وضع الظّاهر موضع المضمر؛ أَي: إنا لا نضيع أجرهم.
ومن العموم أيضًا: (نعم الرّجل زيد)؛ فزيد: مبتدأ، والجملة: خبر علَى إِعراب، والرّابط العموم الّذي فِي الفاعل؛ لأنَّ الفاعل مقصود به استغراق الجنس علَى المشهور.
ومنع ثعلب وقوع الجملة القسمية خبرًا
.
وأوردوا عليه قوله تعالَى: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ} .
وتقع الطّلبية خبرًا؛ نحو: (زيد يضربه)، خلافًا لابن الأنباري، وهو محجوج بقوله تعالَى:{قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ} ، وقولِ الشّاعرِ:
قلْبُ مَنْ عِيلَ صَبرُهُ كَيفَ يَسْلُو .......................
(1)
(1)
التخريج: صدر بيت من بحر الخفيف لرجل من طيئ، ولم يعين في مراجع البيت، انظر الهمع 2/ 14، والدرر 1/ 73، وشرح التسهيل 1/ 310، وشرح الألفية للشاطبي 1/ 627.
وعجزه: صَالِيًا نارَ لَوْعَةٍ وغَرامِ
اللغة: عيل صبره: ذهب وفرغ. صاليا: من صلى النار إذا تقلب فيها واحترق بها.
المعنى: وهو يتعجب من نفسه، كيف يسلو قلبه عن حبها، وقد أراد ذلك ولم يستطع؛ لأن قلبه اكتوى بنارها وذاب في حبها.
الإعراب: قلب: مبتدأ مرفوع. مَن: اسم موصول مضاف إليه. عِيل: فعل ماض. صبره: نائب فاعل مرفوع. كيف: اسم استفهام في محل نصب حال مقدمة يسلو: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة.
وجملة (قلب من عيل): استئنافية لا محل لها. وجملة (عيل): صلة الموصول. وجملة (كيف يسلو): خبر المبتدأ قلب.
الشاهد: وقوع الخبر وهو قوله: (كيف يسلو) جملة إنشائية، وفيه رد على ابن الأنباري ومن وافقه=
أَي: غُلِب صبرُه، وسيأتي فِي النّعت مفصلًا.
وقوله: (تكُنْ) فيه ضمير راجع إِلَى الجملة، و (إِياه): خبر تكن، وهو واقع علَى المبتدأ.
واللَّه الموفق
ص:
161 -
وَالْمُفْرَدُ الْحَامِدُ فَارعُ وَإِنْ
…
يُشْتَقَّ فَهْوَ ذُو ضَمِيْرٍ مُسْتَكِنّ
(1)
ش:
إِن كَانَ الخبر المفرد مشتقًا
…
فهو متحمل للضعير.
والمراد بالمشتق هنا: الجاري مجرَى الفعل:
• كاسم الفاعل؛ نحو: (زيد قائم).
• واسم المفعول؛ كـ (زيد مضروب).
الذي منع ذلك.
(1)
والمفرد: مبتدأ. الجامد: نعت له. فارغ: خبر المبتدأ. وإن شرطية. يشتق: فعل مضارع فعل الشرط مبني للمجهول، مجزوم بإن الشرطية، وعلامة جزمه السكون، وحرك بالفتح تخلصًا من التقاء الساكنين وطلبًا للخفة، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو، يعود على قوله: المفرد. فهو: الفاء واقعة في جواب الشرط، والضيير المنفصل: مبتدأ. ذو: اسم بمعنى صاحب خبر المبتدأ، وذو مضاف. وضمير: مضاف إليه. مستكن: نعت لضمير، وجملة المبتدأ والخبر في محل جزم جواب الشرط، ويجوز أن يكون قوله: المفرد مبتدأ أول، وقوله: الجامد: مبتدأ ثان، وقوله: فارغ: خبر المبتدأ الثاني، وجملة المبتدأ الثاني وخبره: في محل رفع خبر المبتدأ الأول، والرابط بين جملة الخبر والمبتدأ الأول محذوف، وتقدير الكلام على هذا: والمفرد الجامد منه فارغ، والشاطبي يوجب هذا الوجه من الإعراب، لأن الضمير المستتر في قوله: يشتق في الوجه الأول: عاد على المفرد الموصوف بقوله: (الجامد) بدون صفته، إذ لو عاد على الموصوف وصفته .. لكان المعنى:(إن يكن المفرد الجامد مشتقًا)، وهو كلام غير مستقيم، وزعم أن عود الضمير على الموصوف وحده -دون صفته- خطأ، وليس كما زعم، لا جرم جوزنا الوجهين في إعراب هذه العبارة.
• والصّفة المشبهة؛ كـ (زيد حسن الوجه).
• واسم التّفضيل؛ كـ (زيد أحسن من عمرو).
• فخرج: المشتق الّذي لا يجري مجرَى الفعل؛ كاسم الآلة نحو: (هذا مفتاح)، فـ (مفتاح): خبره، وهو مشتق من الفتح، ومع هذا لا ضمير فيه.
• وخرج أيضًا (مفعَل) المقصود به الزّمان والمكان؛ نحو: (هذا مجلس زيد ومرمَى عمرو)، تريد: مكان جلوسه ورميه.
ثم إن المشتق الجاري مجرَى الفعل لا يتحمل الضّمير إِلَّا إِذا لم يرفع ظاهرًا؛ نحو: (زيد قائم).
فإِن رفع ظاهرًا .. لم يتحمل الضّمير؛ نحو: (زيد قائم أبوه).
وإِن كَانَ الخبر العفرد جامدًا فَلَا يتحمل ضميرًا عند البصريين؛ فـ (زيد آسد) فيه ثلاثة أوجه:
الأول: أَن يجعل زيد أسدًا مبالغة من غير التفات إِلَى التّشبيه.
الثّاني: أَن يقصد التّشبيه فيقدر مضاف؛ أَي: مثل الأسد، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إِليه مقامه؛ ففي هذين الوجهين: لا ضمير، فيه لجموده وعدم تأوله بمشتق.
الثّالث: أَن يؤول أسد بصفة وافيةٍ من الأسودية بمعنَى شجاع، فيتحمل الضّمير حينئذ، ولك أَن ترفع به الظّاهر حينئذ إِذا جرَى علَى غير من هو لهُ، كما تفعل ذلك بالصّفات الجارية مجرَى الفعل، وكما تقول:(زيد قائم أبوه) .. تقول أيضًا: (زيد أسد أبوه).
والحاصل: أَن المفرد الجامد فارغ.
وإن أول الحفرد بمشتق .. تحمّل ضميرًا مستكنًا؛ أَي: مستترًا.
وعن الكسائي: أَن الجامد يتحمل الضّمير، ونقله ابن العلج عن الكوفيين والرّماني تلميذ ابن السّراج من البصريين.
وقوله: (والمفرد): مبتدأ مقصود به الجنس، و (الجامد): مبتدأ ثان، و (فارغ): خبر الثّاني، والجملة: خبر الأول، والرّابط محذوف؛ أَي: الجامد منه.
والضمير فِي (يشتق): عائد علَى المفرد المقصود به الجنس، قال الشّاطبي رحمه الله: وهو أحسن ما قيل هنا.
واللَّه الموفق
ص:
122 -
وَأَبْرِزَنْهُ مُطْلَقًا حَيثُ تَلَا
…
مَا لَيْسَ مَعْنَاهُ لهُ مُحَصَّلَا
(1)
ش:
الخبر المشتق إن تلا مبتدأ هو لهُ .. استتر الضّمير فِي ذلك الخبر؛ كـ (زيد قائم).
فإِن قلت: (زيد قائمٌ هو) .. كَانَ هذا الضّمير توكيدًا للمستتر.
فإِن تلا الخبر مبتدأ وليس معنَى الخبر محصلًا لذلك المبتدأ- يعني لم يكن
(1)
وأبرزنه: الواو للاستئناف، أبرز: فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنت، ونون التوكيد حرف مبني على السكون لا محل له من الإعراب، والضمير المتصل البارز مفعول به لأبرز. مطلقًا: حال من الضمير البارز، ومعناه:(سواء أمنت اللبس أم لم تأمنه). حيث: ظرف مكان متعلق بأبرز. تلا: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو، يعود إلى الخبر المشتق، والجملة من تلا وفاعله: في محل جر بإضافة حيث إليها. ما: اسم موصول مفعول به لتلا، مبني على السكون في محل نصب. ليس: فعل ماض ناقص. معناه: معنى: اسم ليس، ومعنى مضاف، والضمير مضاف إليه. له: جار ومجرور متعلق بقوله: محصلا الآتي. محصلا: خبر ليس، والجملة من ليس ومعموليها: لا محل لها من الإعراب، صلة الموصول الذي هو ما، وتقدير البيت: وأبرز ضمير الخبر المشتق مطلقًا إن تلا الخبر مبتدأ ليس معنى ذلك الخبر محصلًا لذلك المبتدأ.
وقد عبر الناظم في "الكافية" عن هذا المعنى بعبارة سالمة من هذا الاضطراب والقلق، وذلك قوله:
وإن تلا غير الذي تعلقا
…
به فأبرز الضمير مطلقا
في المذهب الكوفي شرط ذاك أن
…
لا يؤمن اللبس، ورأيهم حسن
وقد أشار الشارح إلى اختيار الناظم في غير الألفية من كتبه لمذهب الكوفيين في هذه المسألة، وأنت تراه يقول في آخر هذين البيتين عن مذهب الكوفيين:(ورأيهم حسن).
الخبر للمبتدأ- وجب إِبراز الضّمير؛ سواء كَانَ فِي الكلام لَبسٌ أم لا.
فالَّذي فيه اللّبس: (زيد عمرو ضاربه)؛ إِذ يحتمل: أَن يكونَ زيد ضارب عمرو، وعكسه.
فإِذا برز الضّمير نحو: (زيد عمرو ضاربه هو) .. عُلِم أَن الضّارب زيد، فـ (زيد): مبتدأ، و (عمرو): مبتدأ ثاني، و (ضاربه): خبر عن (عمرو)، مع أَن الضّرب لم يقع إِلَّا من زيد، والهاء فِي (ضاربه) ضمير عمرو، وحينئذ تلا الخبر مبتدأ ليس هو له؛ لأنَّ (عمرو) لم يقع منه ضرب كما ذكر، فوجب إِبراز الضّمير؛ أعني:(هو)، و (ضارب) حينئذ لا ضمير فيه؛ لأنَّ (هو) فاعل به؛ حيث برز منه، وهذا العمل إِنما هو مجرد اصطلاح، لأنه لا مانع من أَن يجعل عمرو هو الضّارب ويكون الضّمير بعده توكيدًا للضمير المستتر فيه، أَو للهاء فِي (ضاربه)، وهي حينئذ لزيد؛ كما تقول فِي التّوكيد:(مررت به هو).
والَّذي ليس فيه لبس: (زيد هند ضاربها)، فـ (زيد): مبتدأ، و (هند): مبتدأ ثان، و (ضاربها): خبر عن (هند)، وليس الخبر لها أيضًا، لأَنَّها لم تضرب والجملة: خبر عن زيد كما سبق، فيجب أيضًا إِبراز الضمير؛ نحو:(زيد هند ضاربها هو).
ولو حذف .. لكان معلومًا، إِلَّا أَن البصريين أوجبوا ذكره مطلقًا؛ ليجري الباب علَى سنن واحد.
والكوفيون يجيزون حذفه هنا؛ لعدم اللّبس، محتجين بقولِهِ:
قَوْمِي ذُرَى المَجْدِ بَانُوهَا وَقَدْ عَلِمَتْ
…
بِكُنْهِ ذَلِكَ عَدْنَانٌ وقَحْطَانُ
(1)
(1)
التخريج: وهو من شواهد: التصريح: 1/ 162، وابن عقيل: 42/ 1/ 208 والأشموني: 143/ 1/ 93، والعيني: 1/ 157.
المفردات الغريبة: ذرى: جمع ذروة، وذروة الشيء: أعلاه. المجد: الكرم. بانوها: اسم فاعل من البناء، وبانون أصله بانيون أعلَّ إعلال قاضيون. كنه: حقيقة ونهاية الشيء، عدنان: أبو معد. قحطان: أبو اليمن.
المعنى: يفخر الشاعر بأن قومه هم الذين أسسوا أعالي المجد والشرف، وقد علمت بحقيقة ذلك قبيلتا عدنان وقحطان، ويريد العرب جميعًا.
فـ (قومي): مبتدأ، و (ذرى المجد): مبتدأ ثان، و (بانوها): خبر الثّاني، والجملة: خبر الأول وَلَم يبرز الضّمير لعدم اللّبس؛ كـ (زيد هند ضاربها)، ولو أبرز لقال:(بانوها هم).
وهذا الحكم ثابت للضمير إِذا:
• جرَى متحملة علَى غير من هو لهُ خبرًا كما مر.
• أَو نعتًا؛ كـ (مررت بالرّجل والحائط الواقف هو عليها).
• أَو صلة؛ نحو: (جاء زيد والمرأة الَّتي ضربها هو).
أَو حالًا.
وقس علَى ما سبق.
والضّمير فِي قوله: (وَأَبرزَنْهُ) يرجع للضمير السّابق فِي قوله: (فهوَ ذُوْ ضَميرٍ مُسْتَكِنْ)، وفاعل (تَلا): يعود علَى الخبر، و (مَا): موصولة صفة لمحذوف، و (الهاء) فِي قوله:(مَعنَاهُ): عائدة علَى الخبر أيضًا، والتّقدير: وأبرز الضّمير مطلقًا إن تلا الخبر مبتدأ ليس معنَى الخبر محصلًا لذلك المبتدأ، والضمير فِي (لَهُ): يعود علَى المبتدأ الموصوف بقوله: (مَا لَيسَ).
=الإعراب: قومي: مبتدأ أول، وضمير مضاف إليه. ذرى: مبتدأ ثانٍ، وهو مضاف. المجد: مضاف إليه. بانوها: خبر المبتدأ الثاني، وها مضاف إليه، وجملة المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول. قد: حرف تحقيق. علمت: فعل ماضٍ، والتاء: للتأنيث. بكنه: متعلق بعلمت، وكنه مضاف. ذلك: اسم إشارة مضاف إليه واللام للبعد، والكاف للخطاب. عدنان: فاعل علمت. وقحطان: معطوف عليه مرفوع مثله.
وجمله (قومي ذرى المجد بانوها): ابتدائية لا محل لها. وجملة (ذرى المجد بانوها): خبر المبتدأ الأول.
الشاهد: قوله: (قومي ذرى المجد بانوها)؛ حيث وقع بانوها خبرا لـ ذرى، وهو في المعنى عائد إلى قومي، لأنهم هم البانون، ولم يبرز الضمير، لأمن اللبس، لأن الذرى مبنية لا بانية، ولو أبرزه، لقال: بانيها هم، حيث إن الوصف كالفعل يفرد إذا أسند إلى المثنى والجمع، ويجوز على غير الفصحى: بانوها هم، والكوفيون يجيزون عدم إبراز الضمير عند أمن اللبس فقط، كما في هذا المثال، وأما البصريون، فيوجبون إبراز الضمير في كل حال، ويعدون هذا الشاهد غير موافق لقياس، فهو شاذٌّ، ومعلوم أن الشاذَّ، يحفظ، ولا يقاس عليه، وقد أعرب بعضهم ذرى المجد: منصوبًا بوصف محذوف، يفسره الوصف المذكور، والتقدير: بانوا ذرى المجد بانوها.
وفي هذا البيت بعض تعسُّف، وبيته فِي "الكافية" أسهل من هذا قال:
وَإِن تَلَا غَيرُ الّذِي تَعَلَّقَا
…
بِهِ فَأَبرِزِ الضّمِيرَ مُطْلَقَا
ثم استحسن مذهب الكوفيين فقال:
فِي المَذهَبِ الكُوفِيِّ شَرطُ ذَاكَ أَنْ
…
لَا يُؤمَنَ اللّبْسُ وَرَأيُهُم حَسَنْ
تنبيه:
كثيرًا ما يقع الامتحان بقولِ الشّاعرِ:
لَيسَ يَخفَى عَنكِ مَا حَلَّ بِنَا
…
أنا أَنتِ الضَّارِبِي أَنتِ أَنَا
ومعناه: أنت قتلتني، فـ (أنا): مبتدأ، و (أنت): مبتدأ ثان، و (آل): مبتدأ ثالث وهي نفس أنا، وصلتها -أعني قاتل-: نفس أنت الّذي هو المبتدأ الثّاني.
فلما رفعت الصّلة ضميرًا يعود علَى غير (أل) .. برز الضّمير وانفصل وهو (أنت) المذكور ثانيًا؛ لأنَّ اسم الفاعل جرَى علَى غير من هو لهُ.
و (أنا) الأخير: خبر عن (أل) فِي القاتلي.
وخبره: خبر عن أنت الأول.
و (أنت) الأول وخبره: خبر عن (أنا) الأول (أنا) المذكور آخرًا.
وعائد المبتدأ الثّاني: (أنت) المذكور ثانيًا.
والعائد علَى (أل): الياء فِي اسم الفاعل باعتبار المتكلم.
ولو حمل علَى اللّفظ .. لقال: (القاتلة)؛ كما تقول: (أنا الّذي ضربتني يازيد)، أَو:(أنا الّذي ضربته يا زيد) كما سبق في آخر الموصول.
واللَّه الموفق
ص:
123 -
وَأَخْبَرُوا بِظَرْفٍ أو بِحَرْفِ جَرّ
…
نَاوِيْنَ مَعْنَى كَاِئِنٍ أَوِ أسْتَقَرْ
(1)
(1)
وأخبروا: الواو للاستئناف، وأخبروا: فعل وفاعل. بظرف: جار ومجرور متعلق بأخبروا. أو: عاطفة. بحرف: جار ومجرور معطوف على الجار والمجرور السابق، وحرف: مضاف. وجر: مضاف إليه. ناوين: حال من الواو في قوله: (أخبروا) منصوب بالياء نيابة عن الفتحة، وفاعله ضمير مستتر فيه. معنى: مفعول به لناوين، ومعنى: مضاف. وكائن: مضاف إليه. أو: عاطفة. استقر: قصد لفظه، وهو معطوف على كائن.
ش:
يقع الخبر ظرفًا؛ كـ (زيد عندك).
ومجرورًا؛ كـ (زيد فِي الدّار).
وكلاهما متحمل لضمير منتقل إِليه من الخبر الأصلي المحذوف العامل فِي الظّرف والمجرور، وهو الكون العام الّذي لا يجوز إِظهاره، مكانيًا كَانَ الظّرف كما سبق، أَو زمانيًا؛ كـ (السفر غدًا).
وهو مفرد، تقديرُهُ:
(كائن)، مِن (كَانَ التّامة).
أَو: (مستقر)، وقد صرح بالمحذوف شذوذًا فِي قولِهِ:
لكَ العِزُّ إِنْ مَوْلاكَ عَزَّ وَإِن يَهُن
…
فَأَنتَ لَدَى بُحْبُوحَةِ الهُونِ كَائِنُ
(1)
(1)
التخريج: هذا البيت من الشّواهد الَّتي لم يذكروها منسوبة إلى قائل معين.
اللُّغة: مولاك: يطلق المولى على معان كثيرة، منها السّيد، والعبَد، والحليف، والمعين، والنّاصر، وابن العم، والمحب، والجار، والصّهر. يهن: قال الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد في تحقيقه لابن عقيل: يروى بالبناء للمجهول كما قاله العيني وتبعه عليه كثير من أرباب الحواشي، ولَا مانع من بنائه للمعلوم، بل هو الواضح عندنا، لأن الفعل الثّلاثي لازم، فبناؤه للمفعول مع غير الظّرف أو الجار والمجرور ممتنع، نعم يجوز أن يكون الفعل من أهنته أهينه، وعلى هذا يجيء ما ذكره العيني، ولكنه ليس بمتعين، ولَا هو ممَّا يدعو إِليه المعنى، بل الذي اخترناه أقرب، لمقابلته بقوله:(عزَّ) الثّلاثي اللّازم، وقوله: بحبوحة: هو بضم فسكون، وبحبوحة كل شيء: وسطه. الهون: الذل والهوان.
الإِعراب: لك: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم. العز: مبتدأ مؤخر. إِن: شرطية. مولاك: مولى: فاعل لفعل محذوف يقع فعل الشّرط، يفسره المذكور بعده، ومولى مضاف، والكاف ضمير خطاب مضاف إِليه عز: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو يعود إِلى مولاك، والجملة لا محل لها مفسرة، وجواب الشّرط محذوف يدل عليه الكلام، أي: إِن عز مولاك فلك العز. وإِن: الواو عاطفة، وإِن: شرطية. يَهُن: فعل مضارع فعل الشّرط مجزوم وعلامة جزمه السّكون، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو يعود إِلى مولاك. فأنت: الفاء واقعة في جواب الشّرط، أنت: ضمير منفصل مبتدأ. لدى: ظرف متعلق بكائن الآتي، ولدى مضاف. بحبوحةِ: مضاف إِليه، وبحبوحة مضاف. الهون: مضاف إِليه. كائنُ: خبر المبتدأ، والجلمة من المبتدأ والخبر في محل جزم جواب الشّرط.
الشَّاهد: قوله: (كائن)؛ حيث صرح به -وهو متعلق الظّرف الواقع خبرًا- شذوذًا، وذلك لأن الأصل عند الجمهور: أن الخبر -إِذا كَانَ ظرفًا أو جارًا ومجرورًا- أن يكون كل منهما متعلقًا=
وكان القياس: حذف (كائن)؛ لأنه كون عام، فـ (أنت): مبتدأ، و (كائن): خبر صرح به شذوذًا، وفيه الضّمير والظّرف حينئذ فارغ؛ أعني قوله:(لدى بحبوحة الهون).
وبحبوحة كل شيء: وسطه. والهون بالضّم: الذّل والهوان.
وكما يجب حذف العامل فِي الظّرف والمجرور إِذا وقعا خبرًا .. يجب أيضًا:
إِذا وقعا صفة لنكرة؛ كـ (مررت برجل عندك)، أَو:(علَى حائط).
فَلَا يقال: (كائن عندك)، ولَا:(مستقر علَى حائط).
وكذا إِذا وقعا حالًا من معرفة؛ كـ (مررت بزيد عندك)، أَو:(فِي الدّار).
- وكذا فِي الصّلة؛ كـ (الذي عندك)، أَو:(فِي الدّار).
ولكن صلة الموصول لا تكون إِلَّا جملة، فالمحذوف هنا:(استقر)، لا (كائن، ولَا مستقر).
وليس (مُسْتَقِرًّا) هو الكون العام فِي قوله تعالَى: {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ} ؛ إِذ لو كَانَ كذلك .. لقيل: فلما رآه عنده، فلفظ (مستقرًا) هنا: معناها: ثابت غير متقلقل.
=بكون عام، وأن يكون هذا الكون العام واجب الحذف، كما قرره الشّارح العلامة؛ فإِن كَانَ متعلقهما كونًا خاصًا .. وجب ذكره، إِلا أن تقوم قرينة تدل عليه إِذا حذف؛ فإِن قامت هذه القرينة جاز ذكره وحذفه.
وذهب ابن جني: إِلى أنه يجوز ذكر هذا الكون العام لكون الذكر أصلًا، وعلى هذا يكون ذكره في هذا البيت ونحوه ليس شاذًا، كذلك قالوا.
والذي يتجه للعبد الضّعيف -عفا الله تعالى عنهُ- وذكره كثير من أكابر العلماء: أن (كائنا)، و (استقر) قد يراد بهما مجرد الحصول والوجود، فيكون كل منهما كونًا عامًا واجب الحذف. وقد يراد بهما حصول مخصوص كالثبات وعدم قبول التحول والانتقال ونحو ذلك، فيكون كل منهما كونًا خاصًا، وحينئذ يجوز ذكره، و (ثابت) و (ثبت) بهذه المنزلة؛ فقد يراد بهما الوجود المطلق الذي هو ضد الانتقال فيكونان عامين، وقد يراد بهما القرار وعدم قابلية الحركة مثلًا، وحينئذ يكونان خاصين، وبهذا يرد على ابن جني ما ذهب إِليه، وبهذا -أيضًا- يتجه ذكر (كائن) في هذا البيت، وذكر (مستقر) في نحو: قوله تعالى: {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ} ؛ لأن المعنى: أنه لما رآه ثابتًا كما لو كَانَ موضعه بين يديه من أول الأمر. انتهى كلام الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد رحمه الله.