الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الصَّلاة
1 - باب الصَّلاةِ مِنَ الإسْلامِ
311 -
حَدَّثَنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مالِكٍ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللهِ يَقُولُ: جاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثائِرَ الرَّأْسِ، يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ وَلا يُفْقَهُ ما يَقولُ، حَتَّى دَنا فَإِذا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلامِ فَقالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"خَمْسُ صَلَواتٍ فِي اليَوْمِ واللَّيلَةِ". قالَ هَلْ عَلي غَيْرُهنَّ قالَ: "لا إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ". قالَ وَذَكَرَ لَهُ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم صِيامَ شَهْرِ رَمَضانَ قالَ هَلْ عَلي غَيْرُهُ قالَ: "لا إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ". قالَ: وَذَكَرَ لَه رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم الصَّدَقَةَ. قالَ: فَهَلْ عَلي غَيْرُها قالَ: "لا إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ". فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقولُ والله لا أَزِيدُ عَلَى هذا وَلا أَنْقُصُ. فَقالَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ"(1).
312 -
حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ داودَ، حَدَّثَنا إِسْماعِيلُ بْن جَعْفَرٍ المدَنيُّ، عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ
(1) رواه البخاري (46)، ومسلم (11/ 8).
نافِعِ بْنِ مالِكِ بْنِ أَبِي عامِرٍ بإسْنادِهِ بهذا الحَدِيثِ قالَ: "أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ، دَخَلَ الجَنَّةَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ"(1).
* * *
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}
[وصَلى اللهُ على سَيِّدَنا مُحمدَ وآله وصحبه وسلم](2)
كتاب الصَّلاة
[391]
(ثَنَا عَبْدُ الله (3) بْنُ مَسْلَمَةَ) القعنبي (عَنْ مَالِكٍ، عَنْ) عمِّه (4)(أَبِي سُهَيلِ)(5) نافع (بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ) مَالك بن عَامِر الأصبحي، ونافِع عَم الإمام مَالك بن أنَس وهوَ تابعي.
(أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيدِ الله) أحَد العَشرة (يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم) قيل: إن هذا الرجُل هَو ضمام بن ثعلبة الذي سَماهُ البُخَاري في حَديث أنس الذي تكرر فيه (6): آلله أمرك؟ (7) وإن الحَديثين حَديث واحِد.
(1) رواه مسلم 11/ 9.
(2)
سقط من (د)، وفي (م): وبه نستفتح ونستعين ونتوكل.
(3)
في (س): عبيد الله.
(4)
من (د).
(5)
في (د): سهل.
(6)
سقط من (م).
(7)
"صحيح البخاري"(63).
واستبعدَهُ القُرْطبي وَقال: بَل هما حَديثان مختلفان (1)(مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرُ الرَّأْسِ) برَفع ثائر صفة لرَجُل، وهَل يَجُوز نَصبه على الحَال؛ لأن (رَجُل) لما اتصف بأنه مِن أهْل نَجد قرب مِنَ المعْرفة (2)؟ ومَعْنى ثائر الرأس مُنتَفش الشَعر قائمِهُ مِنْ قولهم: ثار الشيء إذا ارتفع.
(نسْمَعُ) بالنون المفتوحَة وباليَاء المثناة تحت المضمومة على البنَاء لما لم يُسَم فاعله وبالنون أشهرَ.
(دَوِيَّ) بفتح الدال وكسْر الوَاو وتشديد اليَاء [المثناة تحت](3) وحكي ضَمُّ الدال.
(صَوْتهِ) أي: بُعْدَهُ في الهَواء ومعَناهُ: شدَّةُ الصَّوت.
(وَلَا نَفْقَهُ) بفتح النون وروي باليَاء المثناة تحت المضمومَة والأول أعرف (مَا يَقُولُ) إنمَا لَمْ يَفهَمُوا مَا يَقول؛ لأنهُ نادى مِنْ بُعد فلمَّا دَنَا فَهموهُ.
(حَتَّى دَنَا) أي: قربَ منَّا (فَإِذَا هُوَ) إذا للمفاجَأة.
(يَسْأَلُ) يَجُوز أن تكون الجملة الفعلية في محَل رَفع خَبر للمبتَدأ الذي هُوَ: هو (4) يَجوزُ نصْبهَا على الحَال والخَبر محذُوف، أي: إذَا هوَ
(1)"المفهم" 1/ 157.
(2)
نعم يجوز هذا، لأن النكرة لما اتصفت صارت كأنها معرفة، لكن هنا إشكال أورده الكرماني، وغيره وهو: أن الحال لا تكون إلا نكرة وقوله: (ثائر الرأس) مضاف فصار معرفة. وأجاب عنه بأن هذه إضافة لفظية والمعنى: ثائرة رأسه فأصلها نكرة.
انظر: "شرح سنن أبي داود" للعيني 2/ 231.
(3)
سقط من (د، س، م).
(4)
سقط من (ص). والمثبت من باقي النسخ.
حَاضِر (1) سَائلًا (عَنِ) شرائع (الإِسْلَامِ) لا عَن حَقيقة الإسْلام (فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: خَمْسُ) مَرفوع؛ لأنه خبرُ مُبتَدَأٍ محَذوف أي: هوَ خمس (صَلَوَاتٍ فِي اليَوْمِ وَاللَّيلَةِ) وهيَ المكتوبَات.
(قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيرُهُن؟ قَالَ: لا) فيه دَليل عَلى أن الوتر ليْسَ بوَاجِب وهوَ مَذهَب الجمهُور، وخالفهم أبُو حَنيفة وقالَ: إنهُ وَاجب ولا نُسميه فرضًا؛ لأن الفَرض عندهُ مَا كانَ مَقطوعًا بلزومه كالصَّلوَات الخَمس (2).
(إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ) المشهُور في (3)(تَطَّوَّع) تشديد (4) الطاء على إدْغَام إحْدَى التاءين في الطاء.
قالَ ابن الصَّلاح: هوَ محتمل للتشديد والتخفيف عَلى الحَذف (5)، وهذا (6) استثناء مُنقطع، و (إلا) بمعَنى لكن، والتقدير لكنَّ التطَوُّعَ خَير لك، وقال: من شرع في تطوع استحبّ (7) له إتمامه ولا يَجب بَل يجوز قطعهُ؛ ، لأن الشروعَ غَيرُ مُلزمٍ (8).
قال الطيبي: هذا الاستثناء من وَادي قوله تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} (9) التقدير في الحَديث عَلى هذا لا يجبُ
(1) في (م): خاص.
(2)
انظر: "المبسوط" للسرخسي 1/ 308.
(3)
في (د، م): فيه.
(4)
في (د، م): بتشديد.
(5)
"صيانة صحيح مسلم" 1/ 139.
(6)
في (د): هو.
(7)
في (د، م): يستحب.
(8)
انظر: "شرح النووي على مسلم" 1/ 166.
(9)
الدخان: 56.
شيء إلا أن تَطوَّع وقَد عُلم أنَّ التطوّع ليسَ بوَاجب فلا يجبُ شيء آخر أصْلًا (1)، وقال بَعض العُلماء: هوَ استثناء مُتصل.
قَال القرطبِي: مَعنى الكلام هَل يجبُ عليَّ مِنْ نَوع الصَّلوَات شَيء غَير هذِه الخَمس فأجَابَهُ بأنهُ لا يَجبُ عليه شَيء إلا أن يطوّع فيجبُ عَلَيك، وهذا ظَاهِر؛ لأنَّ أصْل الاستثناء مِنَ الجنس، والاستثناء من غير الجنس مختلف فيه، ثم هُوَ مجَاز عند القائل بهِ. وإذا حَمَلناهُ على الاستثناء المتصل لزم منه أن يَكون التَطوع واجبًا، ولا قَائل به لاستحالته فلم يبق إلا مَا ذَهَب إليه مَالك (2)، وهوَ أن التطوُّعَ يَصير واجبًا بِنَفس الشروع فيه كما يَصير واجبًا بالنذر (3).
ولقوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (4) فالشرُوع فيه التزام (5)، وحينئذ يكونُ معنى قوله: إلا أن تطوع أن تشرع فيه وتبتدئه، ومَن ادَّعى أنه (6) استثناء مِنْ غَير الجنس طُولبَ بتصحيح ما ادَّعَاهُ.
(قال (7): وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ؛ ) لأنه فهم منه أنهُ إنما يسأل عما يتعين عَلَيه فعله من شرائع الإسلام الفعلية لا القَولية، ولذَلك لم يذكر لهُ أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محَمدًا رسُول الله، ولم يذكر لهُ الحج؛ لأنه علم منه أنهُ غَير مُسْتطيع فلا يجبُ عليه الحج.
(1) انظر: "عمدة القاري" 1/ 417 - 418.
(2)
انظر: "الذخيرة" 2/ 529.
(3)
"المفهم" 1/ 159.
(4)
محمد: 33.
(5)
زاد في (د، م): له.
(6)
سقط من (د).
(7)
من (د).
(قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيرُهُ قَالَ: لا إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ) بالتشديد كما تقدم عَلى إدغام إحدَى التاءين في الطاء، وقيل: يَجوز تخفيف الطاء عَلى الحَذف، فإن قيل أيُّ التاءين حُذفت، قيل (1): الأصلية أولى بالإسقاط مِنَ العَارضة الزائدة؛ لأن الزائدة إنما دَخلت لإظهَار معنى فلا تُحْذَف لئلا يَزُول الغَرضُ الذي لأجله دَخلت.
(قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الصدَقَةَ) يعني: الزكاةَ الوَاجبَة.
(قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيرُهَا؟ قَالَ: لَا) فيه أنه ليس في المال حق سوى الزكاة عَلى مَن ملك نِصَابًا، وحَالَ عَليه الحَوْل.
(إِلَّا أَنْ تطَوَّعَ) روي بتشديد الطاء وتخفيفها، وأصلهُ تتطوَّع بتَاءين، فمَن شدد أدْغم إحدَى التاءين في الطاء لقرب المخرَج، ومن خفف حَذف إحدَى التاءين اختصارًا لتخف الكلمة، وهو استثناء منقطع معناهُ لكن يُستحب لك أن تتطوع، وجعَله بَعضهم متصلا؛ لأنَّ مَن شرع في صَلَاة نَفْلٍ أو صَومِهِ يجبُ إتمامه وعندَنا يُستحب.
(فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ) فجُمْلَة: (وهوَ يقول)(2) في مَوضع نَصب على الحَال، أي: أدبَر في حَال قوله (والله لَا أَزِيدُ عَلَى هذا وَلَا أَنْقُصُ) إن قيل: كَيف قالَ: لا أزيدُ عَلَى هذا؟ وليسَ في هذا الحَديث جَميع الوَاجبَات ولا المنهيات الشرعية ولا السُنن، والجَوَابُ أنهُ جَاء في روَاية البخاري. في آخِر هذا الحَديث زِيَادَة توضح المقصُود فإنهُ قَالَ: فَأخَبَرَه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسْلام فَأدبَر الرجُل وهوَ يَقُول:
(1) في (د، م): قلت.
(2)
سقط من (م).
والله لا أزيد ولا أنقصُ مما فرض اللهُ عليَّ شَيئًا (1). ففي عموم قوله شرائع الإسلام (2) وقوله: مما فرضَ الله عليَّ شيئًا (3) يَزُول الإشكال في الفرائض، وأما النوَافل فقيل يحتمل أن هذا كانَ قبل شرعِها.
(فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: أَفْلَحَ) الفَلاح هوَ الفَوز والبَقاء، قيل: إنهُ عبَارة عَن أربَعة أشياء: بقَاء بلَا فَنَاء، وغنى بلا فقر، وعز بلا ذل، وعلم بلا جَهْل، ولا كلمة في اللغة أجمَع للخَيرَات مِنَ الفلاح.
قال النووي: قيل: إن (4) هذا الفلاح رَاجع إلى لفظ ولا أنقص خاصة (5) والمختار أنه رَاجع إليهما بمعنى أنه إذا لم يزد ولم ينقص كانَ مُفلحًا؛ لأنهُ أتى بما عليه، ومن أتى بما عَليه كانَ مفلحًا (6).
قال الكرماني: له محَمل آخر وهو: أن السَّائل كانَ رَسُولًا فحلفَ أن لا أزيد في الإبْلَاغ عَلَى مَا سَمعته ولا أنقص في تبليغ ما سَمعتهُ منكَ إلى قومي (7)[فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفلح"](8)(إنْ صَدَق) فيما حَلفَ عَليهِ، وفيه ثلاثة أقوَال: أحَدها: أنهُ أخبرَ بفَلاحه ثم أعقبهُ بالشَرط المتأخر لينبه على أن سَبَب فلاحه صدقه.
الثاني: أنهُ فعل مَاض أُريدَ به المُستقبل.
(1)"صحيح البخاري"(1819) بلفظ: لا أتطوع شيئًا ولا أنقص مما فرض الله عليَّ شيئًا.
(2)
من (د، م).
(3)
من (م).
(4)
من (م).
(5)
في (ص): خاصته.
(6)
"شرح النووي على مسلم" 1/ 167.
(7)
انظر: "عمدة القاري" 1/ 419.
(8)
من (د، م).
الثالث: أنه فعل تقدم عَلى حَرف الشَرط والنية به التأخير والتقدير إِنْ صَدَقَ أَفْلَحَ و (1) دَخَلَ الجَنَّةَ التي هي دَار المفْلحين.
[392]
(ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاودَ) المهري قال النسائي: ثقة (2)(ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ المَدَنِيُّ) روَى له الجَماعة (عَنْ أَبِي سُهَيْل (3) نَافِعِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ) وهو مِن الطائف (بِإِسْنَادِهِ بهذا الحَدِيثِ) و (قَالَ) فيه (أَفْلَحَ وَأَبِيهِ) يُسْأل عن التوفيق بَيْنَهُ (4) وبَيْنَ حَديث "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم"(5) الجَوَابُ: أَنَّ (وأبيهِ) ليسَ حلفًا [إنما هي كلمة جرت عادة العرب أن تدخلها في كلامها، غير قاصد بها حقيقة الحلف؛ والحلف المنهي عنه إنما هو فيمن](6) قصد الحقيقة لما فيه من إعظام المحلوف ومعناهَا [برَّ بالله](7) تعالى (إِنْ صَدَقَ) فيما أقسم عليه. (دَخَلَ الجَنَّةَ) دَار أهل الفلاح الباقي (إِنْ صَدَقَ) يدل عَلى أنهُ إن لم يصدق في التزام شرائع الإسْلام فلَيْس بمفلح، وهذا خلاف قول المرجئة.
* * *
(1) من (د).
(2)
"مشيخة النسائي"(93).
(3)
في (د): سهل.
(4)
في (د): فيه.
(5)
أخرجه البخاري (6108)، ومسلم (1646)(1) وسيأتي تخريجه مفصَّلا.
(6)
من (د، م).
(7)
في (م): يريد الله، وفي (ص): ندبًا لله، والمثبت من (د، ل).