المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌10 - باب إذا أخر الإمام الصلاة، عن الوقت - شرح سنن أبي داود لابن رسلان - جـ ٣

[ابن رسلان]

فهرس الكتاب

- ‌132 - باب فِي الرَّجُلِ يسْلِمُ فَيُؤْمَرُ بِالغُسْلِ

- ‌133 - باب المَرْأَةِ تغْسِلُ ثوْبَها الذِي تَلْبسُهُ فِي حَيْضِها

- ‌134 - باب الصَّلاةِ فِي الثَّوْبِ الذي يُصِيبُ أَهْلهُ فِيهِ

- ‌135 - باب الصَّلاة فِي شُعُر النِّساء

- ‌136 - باب فِي الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ

- ‌137 - باب المَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ

- ‌138 - باب بَوْلِ الصَّبيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ

- ‌139 - باب الأَرْض يُصِيبُها البَوْلُ

- ‌140 - باب فِي طُهُورِ الأَرْض إِذا يَبِسَتْ

- ‌142 - باب فِي الأَذَى يُصِيبُ النَّعْلَ

- ‌143 - باب الإِعادَةِ مِنَ النَّجاسَةِ تَكُونُ فِي الثَّوْب

- ‌144 - باب البُصاق يُصِيبُ الثَّوْبَ

- ‌141 - بَابٌ فِي الأَذَى يُصِيبُ الذَّيْلَ

- ‌كتابُ الصلاة

- ‌1 - باب الصَّلاةِ مِنَ الإسْلامِ

- ‌2 - باب فِي المَواقِيتِ

- ‌3 - باب فِي وَقْتِ صَلاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكَيْفَ كانَ يصَلِّيها

- ‌4 - باب فِي وقْت صَلاةِ الظُّهْرِ

- ‌5 - باب في وَقت صَلاةِ العَصْرِ

- ‌6 - باب فِي وَقْتِ المَغْرِبِ

- ‌7 - باب فِي وَقْت العِشاءِ الآخِرَةِ

- ‌8 - باب فِي وَقْتِ الصُّبْحِ

- ‌9 - باب فِي المُحافَظةِ عَلى وَقْتِ الصَّلَواتِ

- ‌10 - باب إذا أخَّرَ الإِمامُ الصَّلاة، عَن الوَقْتِ

- ‌11 - باب في مَنْ نام عَنِ الصَّلاةِ أوْ نَسِيَها

- ‌12 - باب فِي بناءِ المساجِدِ

- ‌13 - باب اتخاذ المَساجِدِ فِي الدُّورِ

- ‌14 - باب فِي السُّرُجِ فِي المَساجِدِ

- ‌15 - باب فِي حَصَى المَسْجِدِ

- ‌16 - باب فِي كَنْسِ المَسْجدِ

- ‌17 - باب فِي اعْتزالِ النِّساءِ فِي المَساجدِ عَنِ الرِّجالِ

- ‌18 - باب فِيما يقولُهُ الرَّجُلُ عِنْدَ دُخُولِهِ المَسْجدَ

- ‌19 - باب ما جاءَ فِي الصَّلاةِ عنْدَ دُخولِ المَسْجِدِ

- ‌20 - باب فِي فَضْلِ القعُودِ فِي المَسْجِدِ

- ‌21 - باب في كَراهيَة إِنْشادِ الضّالَّة فِي المَسْجِدِ

- ‌22 - باب فِي كَراهِيةِ البُزاقِ فِي المَسْجِدِ

- ‌23 - باب ما جاءَ في المشْرِكِ يدْخُلُ المَسْجِدَ

- ‌24 - باب المَواضِعِ التِي لا يَجُوزُ الصَّلاة فِيها

- ‌25 - باب النَّهْي عَنِ الصَّلاة فِي مَبارِكِ الإِبِلِ

- ‌26 - باب مَتَى يُؤْمَرُ الغُلام بِالصَّلاةِ

- ‌27 - باب بدْءِ الأَذانِ

- ‌28 - باب كَيْفَ الأَذانُ

- ‌29 - باب فِي الإِقامَةِ

- ‌30 - باب فِي الرَّجُلِ يؤذّنُ وَيقِيمٌ آخَرُ

- ‌31 - باب رَفْعِ الصَّوْتِ بِالأَذانِ

- ‌32 - باب ما يَجِبُ عَلى المُؤَذِّنِ مِنْ تعاهُدِ الوَقْتِ

- ‌33 - باب الأَذانِ فَوْقَ المنارة

- ‌34 - باب فِي المُؤَذِّن يَسْتَدِيرُ فِي أذانِهِ

- ‌35 - باب ما جاء فِي الدُّعاءِ بَينَ الأذانِ والإِقامةِ

- ‌36 - باب ما يَقُولُ إِذا سَمعَ المُؤَذِّنَ

- ‌37 - باب ما يَقُولُ إِذا سَمِعَ الإِقامَةَ

- ‌38 - باب ما جاءَ في الدُّعاء عِنْد الأَذانِ

- ‌39 - باب ما يَقُولُ عِنْدَ أَذانِ المَغْرِبِ

- ‌40 - باب أخْذِ الأَجْرِ عَلَى التَّأْذِينِ

- ‌41 - باب فِي الأَذانِ قَبْل دُخُولِ الوَقْتِ

- ‌42 - باب الأَذَانِ لِلأَعْمَى

- ‌43 - باب الخُرُوجِ مِن المَسْجِدِ بَعْد الأَذانِ

- ‌44 - باب في المُؤَذِّنِ يَنْتظِرُ الإِمَامَ

- ‌45 - بَاب فِي التَّثْوِيبِ

- ‌46 - باب فِي الصَّلاةِ تُقامُ وَلَمْ يأْتِ الإِمَامُ ينْتَظِرُونَهُ قُعُودًا

- ‌47 - باب فيِ التَّشْدِيدِ فِي تَرْكِ الجَماعَةِ

- ‌48 - باب فِي فَضْلِ صَلاة الجَماعَةِ

- ‌49 - باب ما جاءَ فِي فَضْلِ المَشْي إلى الصَّلاةِ

- ‌50 - باب ما جاءَ فِي المَشْيِ إِلَى الصَّلاةِ فِي الظُّلَمِ

- ‌51 - باب ما جاءَ في الهَدْيِ فِي المَشْي إِلَى الصَّلاةِ

- ‌52 - باب فِيمَنْ خَرجَ يُريدُ الصَّلاةَ فسُبِقَ بِها

- ‌53 - باب ما جاءَ فِي خُرُوجِ النِّساءِ إلَى المسْجِدِ

- ‌54 - باب التَّشْدِيدِ فِي ذَلِكَ

- ‌55 - باب السَّعْيِ إلىَ الصَّلاةِ

- ‌56 - باب فِي الجَمْعِ فِي المَسْجدِ مَرَّتَيْنِ

- ‌57 - باب فِيمَنْ صَلَّى فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ أدْرَكَ الجَماعَةَ يُصَلِّي مَعَهُمْ

- ‌58 - باب إِذا صَلَّى ثُمَّ أدْرَكَ جَماعَةً أَيُعِيدُ

- ‌59 - باب فِي جِماعِ الإمامَةِ وَفَضْلِها

- ‌60 - باب فِي كَراهيَةِ التَّدافُعِ على الإِمامَةِ

- ‌61 - باب مَنْ أَحَقُّ بِالإِمامَةِ

- ‌62 - باب إِمامَةِ النِّساءِ

- ‌63 - باب الرَّجُلِ يَؤُمُّ القَوْمَ وَهُمْ لهُ كارِهُونَ

- ‌64 - باب إمامَةِ البَرِّ والفاجِرِ

- ‌65 - باب إِمامَةِ الأَعْمَى

- ‌66 - باب إِمامَةِ الزّائِر

- ‌67 - باب الإِمامِ يَقُومُ مَكانًا أَرْفَعَ مِنْ مَكانِ القَوْمِ

- ‌68 - باب إِمامَةِ مَنْ يُصَلِّي بِقَوْمٍ وقَدْ صَلَّى تِلْكَ الصَّلاةَ

- ‌69 - باب الإِمامِ يُصَلِّي مِنْ قُعُودٍ

الفصل: ‌10 - باب إذا أخر الإمام الصلاة، عن الوقت

‌10 - باب إذا أخَّرَ الإِمامُ الصَّلاة، عَن الوَقْتِ

431 -

حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْن زَيْدٍ، عَنْ أَبِي عِمْرانَ -يَعْنِي: الجَوْنِيَّ- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قالَ: قالَ لِي رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يا أَبا ذَرٍّ كيْفَ أَنْتَ إِذا كانَتْ عَلَيكَ أُمَراءُ يُمِيتُونَ الصَّلاةَ". أَوْ قالَ: "يُؤَخِّرُونَ الصَّلاةَ". قلتُ: يا رَسُولَ اللهِ فَما تَأْمُرُنِي؟ قالَ: "صَلِّ الصَّلاةَ لِوَقْتِها فَإِنْ أَدْرَكتَها مَعَهُمْ فَصَلِّها فَإِنَّها لَكَ نافِلَةٌ"(1).

432 -

حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْراهِيمَ دُحَيْمٌ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنا الوَلِيدُ، حَدَّثَنا الأوزاعِيُّ حَدَّثَنِي حَسّان -يَعْنِي: ابن عَطِيَّةَ- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سابِطٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الأودِيِّ قالَ: قَدِمَ عَلَيْنا مُعاذ بْنُ جَبَل اليَمَنَ رَسُول رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَيْنا -قالَ- فَسَمِعْتُ تَكْبِيرَهُ مَعَ الفَجْرِ رَجُل أَجَشُّ الصَّوْتِ -قالَ: - فَألقِيَتْ عَلَيْهِ مَحَبَّتِي فَما فارَقْتهُ حَتَّى دَفَنْتُهُ بِالشّامِ مَيْتًا ثمَّ نَظَرتُ إِلَى أَفْقَهِ النّاسِ بَعْدَهُ فَأَتَيْتُ ابن مَسْعُودٍ فَلَزِمْتُهُ حَتَّى ماتَ فَقالَ: قالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "كيفَ بِكُمْ إِذا أَتَتْ عَلَيكُمْ أُمَراءُ يُصَلُّونَ الصَّلاةَ لِغَيرِ مِيقاتِها". قلْتُ: فَما تَأمُرُنِي؟ إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: "صَلِّ الصَّلاةَ لِمِيقاتِها واجْعَلْ صَلَاتكَ مَعَهُمْ سُبْحَةً"(2).

433 -

حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ قُدامَةَ بْنِ أَعْيَنَ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ هِلالِ بْنِ يِسافٍ، عَنْ أَبِي المثَنَّى، عَنِ ابن أختِ عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ عَنْ عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ ح، وحَدَّثَنا محَمَّد بْن سُلَيْمانَ الأنبارِيُّ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيانَ -الْمَعْنَى- عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلالِ بْنِ يِسافٍ عَنْ أَبِي المُثَنَّى الِحمْصِيِّ عَنْ أَبِي أُبَيٍّ ابن امْرَأَةِ عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ، عَنْ عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ قالَ: قالَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّها سَتَكُونُ عَلَيكُمْ بَعْدِي أُمَراءُ

(1) رواه مسلم (648).

(2)

رواه ابن ماجه (1255)، وأحمد 5/ 231، ابن حبان (1481).

وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(459).

ص: 201

تَشْغَلُهُمْ أَشْياءُ، عَنِ الصَّلاةِ لِوَقْتِها حَتَى يَذْهَبَ وَقْتُها، فَصَلُّوا الصَّلاةَ لِوَقْتِها". فَقالَ رَجُلٌ: يا رَسُولَ اللهِ أُصَلِّي مَعَهُمْ؟ قالَ: "نَعَمْ إِنْ شِئْتَ". وقالَ سُفْيان: إِنْ أَدْرَكْتُها مَعَهُمْ أَأُصَلِّي مَعَهُم؟ قالَ: "نَعَمْ إِنْ شِئْتَ"(1).

434 -

حَدَّثَنا أَبُو الوَلِيدِ الطَّيالِسِيُّ، حَدَّثَنا أَبُو هاشِمٍ -يَعْنِي: الزَّعْفَرانِيَّ- حَدَّثَنِي صالِحُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ وَقّاصٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَكُونُ عَلَيكُمْ أُمَراءُ مِنْ بَعْدِي يُؤَخِّرُونَ الصَّلاةَ فَهِيَ لَكُمْ وَهِيَ عَلَيهِمْ، فَصَلُّوا مَعَهُمْ ما صَلَّوا القِبْلَةَ"(2).

* * *

باب إِذَا أَخَّرَ الإِمَامُ الصَّلَاةَ عَنِ الوَقتِ

[431]

(ثَنَا مُسَدَّدٌ قال ثَنَا حَمَادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ) عَبد الملك بن حَبيب (3)(الْجَوْنِي) بفَتح الجِيم (عَنْ عَبْدِ الله بْنِ الصامت (4)، عَنْ أَبِي ذَرٍّ) جندب بن جنادة (قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: يَا أَبَا ذَرٍّ، كَيفَ أَنْتَ إِذَا كَانَتْ عَلَيْكَ أُمَرَاءُ يُمِيتُونَ الصَّلاةَ؟ ) إمَاتتها إخراجهَا عَن وقتها حَتى تكون كالميت الذي لَا روح فيه (5).

(1) رواه ابن ماجه (1257)، وأحمد 5/ 315.

وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(460).

(2)

رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 7/ 55 - 56، والبخاري في "التاريخ الكبير" 7/ 137، وابن قانع في "معجم الصحابة" 2/ 343، والطبراني 18 (959)، وابن عبد البر في "التمهيد" 8/ 65 - 66.

وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(461).

(3)

زاد في (د): يعني.

(4)

في (ص): سامت. والمثبت من (د، س، م، ل).

(5)

في (د، م): له.

ص: 202

(أَوْ قَالَ: يُؤَخِّرُونَ الصَّلاةَ) وهذا شك من أحَد الروَاة، والمراد بتأخيرهَا (1) عَنْ وَقتها أي: عن وقتها المختار [لا عَنْ جميع وَقتها، فإن المنقول عَن الأمرَاء المتقدمين والمتَأخرين إنما هُو تَأخيرهَا عَنْ وَقتها المختار](2) ولم يُؤَخرهَا أحَد منهمُ عَن جَميع وقتها فوَجَبَ حَمل هذِه الأخبَار عَلى مَا هُوَ الوَاقع، وفي هذا (3) الحَدِيث الحث (4) عَلى الصَّلاة أول الوقت، وفيه علم من أعلام النبوة إذ قَد أخبرنَا عن غَيبٍ وقَع عَلى نحو مَا أخبر، وقد طَرأ بَعْدَهُ مِنْ تَأخير بني أمَية مَا قَد ظَهَرَ واشتهر، وقوله:"كيفَ أنت إذا كانَت عَليك أمراء". إشعَار بقرب زَمَان ذلك.

(قُلْتُ يَا رَسُولَ الله فَمَا تَأمُرُنِي؟ ) إذا أدرَكت ذلك [(قَالَ: صَل الصَّلاةَ لِوَقْتِهَا) اللام بِمَعْنى (في) أي: في وَقتها كَقَوله تَعَالى {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} (5){لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} (6) وَقَولهم: مَضَى لسَبيله.

(فَإِنْ أَدْرَكتَهَا مَعَهُمْ فَصَلِّهَ) روَاية مُسْلم: "فَصَل مَعَهم فإنهَا زِيَادَة خَيْر"(7). وهذِه الهَاء الداخلة عَلى فصَله هي هاء السَّكت، وهذِه الهَاء يُؤتي بهِ جبرًا لحَرف العِلة المحَذُوف مِنَ الفعْل المعتَل مِنْ فعْل الأمر

(1) في (ص): قد أخرها. وفي (ل): فتأخيره.

(2)

سقط من (م).

(3)

من (د، م).

(4)

في (ص، س، ل): أيجب.

(5)

الأنبياء: 47.

(6)

الأعراف: 187.

(7)

"صحيح مسلم"(648)(243).

ص: 203

أو المضَارع المجزُوم، ويجوز حذْفها. وفيه دَليل عَلى أن الإمَام إذَا أخَّر الصَّلاة عن أول وقتها يُسْتحبُّ للمأموم أن يصليها أول الوَقت مُنْفَردًا، ثم يُصَليهَا مَعَ الإمَام فيَجمَع فَضيلتي أول الوقت والجَماعَة، فَلَوْ أرَاد الاقتصَار عَلى أحَدهما فهَل الاقتصَار عَلى فعلهَا مُنفَردًا أفضل أو الاقتصَار عَلى فعلهَا جَمَاعَة في آخِر الوَقت فيه خلاف مَشهور لأصحَابنَا.

قالَ النوَوي: والمختار اسْتحباب الانتظار إن لم يفحش (1) التَّأخِير (2).

(فَإِنَّهَا) أي: إذا صَليت الصلاة في أول وَقتها ثم جئت المسْجِد فصَلوهَا لوَقتها المختار فصَلهَا أيضًا مَعَهم وَيكون صَلاتك مَعَهم.

(لَكَ نَافِلَةٌ) وإن لم يُصَلوهَا فتكون قد احتطت وحصَلت الفَضيلة.

[432]

(ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدّمشقي) المَعْرُوف بدحيم (3) روى لهُ البُخَارِي في الأدَب.

(قال: ثَنَا الوَلِيدُ)(4) بن مُسْلم (قَال: ثَنَا الأوزَاعِيُّ قالَ: حَدَّثَنِي حَسَّانُ بْنَ عَطِيَّةَ) المحَاربي (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ) الجمحي رَوَى له مُسْلم.

(عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيمُونٍ الأودِيِّ) أود هوَ ابن سَعْد العشيرة (5) من مذحج.

(قَالَ: قَدِمَ عَلَينَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رضي الله عنه اليَمَنَ رَسُول) مَنصوب عَلى الحَال؛

(1) في (د): يخش.

(2)

"شرح النووي على مسلم" 5/ 148.

(3)

في (ص)، س): برحيم.

(4)

كتب فوقها في (د): ع.

(5)

في (س): أحد العشرة. وهو خطأ.

ص: 204

لأنه مؤول (1) بمشتق أي: قدمَ مرَسُولا [كقولهم: اقبض مَالك فِضَّةً](2)(رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم إِلَينَا) قَاضيًا ومُعَلمًا وَجَعَل إليه قبض الصَّدَقات مِنَ العُمال الذين باليمن.

(فَسَمِعْتُ تَكْبِيرَهُ [مَعَ الفَجْر] (3) رَجُلٌ) بالرفع خَبر مُبتَدأ مَحْذُوف أي: هُوَ رَجُل (أَجَشُّ) بفتح الهمزة والجيْم وتشديد الشين المعجمة أي: غليظ (الصَّوْتِ) بغنة (4). قَالهُ ابن الأثير (5)، ومنهُ: سحَاب أجَشّ الرعد.

(قَالَ: فَأُلْقِيَتْ) بضم (6) الهمزة مَبنى لما لم يسَم فاعله.

(عَلَيهِ مَحَبَّتِي) يُشبهُ أن يَكون هذا مِنَ القَلب والتقدير ألقيت محبته عليَّ، ومنَ القلب قوله تعالىَ:{مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ} (7) ومعناه أن العصبة تَنوءُ بالمفَاتيح لثقلهَا، ومنهُ {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} (8) أي جَاءت سَكرة الحق بالموت ومثلهُ {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} (9).

قَالَ الفَراء: أي: لكُل أمر كتَبَهُ الله أجَل (10){وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ} (11)

(1) في (ص): يؤول.

(2)

في (ص): بقولهم قبض مالك.

(3)

في (د): بالفجر.

(4)

في (س): نقية.

(5)

"النهاية في غريب الحديث"(جشش).

(6)

في (ص): بهم.

(7)

القصص: 76.

(8)

ق: 19.

(9)

الرعد: 38.

(10)

"معاني القرآن" 3/ 11.

(11)

يونس: 107.

ص: 205

هُوَ منَ المقلوب أي: يُريدُ بكَ الخَير.

(فَمَا فَارَقْتُهُ) مِنْ عظم مَحبَّتي لهُ (حَتَّى دَفَنْتُهُ بِالشَّامِ) وكانَ عُمَر استَعملهُ عليها بعَد أبي عَبيدة بن الجَراح فمات مِن عَامِهِ ذَلِك في طَاعون عمواس (1) سنة [ثمان عَشرة](2)(مَيتًا) أي عندَ مَوته (ثمَّ نَظَرْتُ إِلَى أَفْقَهِ النَّاسِ بَعْدَهُ) فَإذَا هوَ عَبد الله ابن مَسُعُود.

(فَأتَيتُ) عَبْد الله (ابْنَ مَسْعُودٍ) رضي الله عنه الهذلي (3)(فَلَزِمْتُهُ) أخدمه [وآخذ عنه](4)(حَتَّى مَاتَ) بالمدينَة سَنة اثنتين وثلاثين، ودُفن بالبقيع (فَقَالَ) ابن مسْعُود (قَالَ لِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: كيفَ بِكُمْ إِذَا أَتَتْ عَلَيكُمْ أُمَرَاءُ يُصَلُّونَ الصَّلَاة لِغَيرِ) أي: في غَير (مِيقَاتِهَا) أي: في غَير وقتها المختار كما تقدَّمَ.

(قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي) أنْ أصْنَعَ (إِنْ أَدْرَكنِي ذَلِكَ) الوَقت (يَا رَسُولَ الله قَالَ: صَلِّ الصَّلَاة لِمِيقَاتِهَا) أي: في أوَّل وَقتها روَاية مُسْلم: "صَل الصَّلَاة لوَقتها، ثم اذهَبْ لحَاجَتكَ، وإن أقيمَت وأنت في المَسْجد فصَل مَعَهم"(5).

(وَاجْعَلْ صَلَاتكَ مَعَهُمْ سُبْحَةً) أي: نافلة وسُمِّيَت الصَّلاة سُبحة لما فيهَا مِن تعظيم الله تعَالى وتَسبيحه وتنزيهه، قالَ اللهُ تعالى: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ

(1) في (ص): عمراس.

(2)

في النسخ: ثمانية عشر. والمثبت الصواب.

(3)

في (د): الهدى.

(4)

في (ص): أقعد عنده. وفي (س، ل): آخذ عنده.

(5)

"صحيح مسلم"(648)(241) من حديث أبي ذر رضي الله عنه.

ص: 206

مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} (1) أي: من (2) المصلين. وفيه فضيلة الصَّلاة مَرتين، ويَحمل النهي عَلى إعادَة الصَّلَاة مِنْ غَير سَبَب.

[433]

(ثَنَا مُحَمَدُ بْنُ قُدَامَةَ بْنِ أَعْيَنَ)(3) المصيصي مَولى بَني هَاشم، قَالَ الدارقطني: ثقَة (4). والنسَائي: لَا بأسَ به (5)

(قال ثَنَا جَرِيرٌ) بن حَازم (6)(عَنْ مَنْصُورٍ عن (7) هِلَالِ بْنِ يَسَاف) لا ينصَرف للعَلمية ووَزن الفعل: كينام، الأشجَعي رَوَى له مُسْلم.

(عَنْ أَبِي المُثَنَّى) اسْمه ضَمضَم بالمعجمتَين الأملوكي. وقالَ فيه عَبد الله بن المبَارك: المليكي.

قال ابن أبي حَاتم: وهوَ وَهم (8). ذكرهُ ابن حبان في "الثقات"(9) وفي بَعض النسَخ ابن المثنى. وهوَ وهم، والصحيحُ أبُو المثنى كما ذكرهُ ابن مَاجَه ومسلم في "الكُنى"(10) والذهَبي (11) وغَيرهم.

(1) الصافات: 143.

(2)

من (د).

(3)

في (ص، س): أعبد. وبياض في (ل).

(4)

"العلل" 10/ 137.

(5)

انظر: "المعجم المشتمل"(943).

(6)

جرير هذا المذكور في هذا الحديث ليس هو ابن حازم، وإنما هو ابن عبد الحميد بن قرط، وقد وهم المصنف رحمه الله.

(7)

في (ص): بن.

(8)

"الجرح والتعديل" 4/ 468.

(9)

"الثقات" 4/ 389.

(10)

"الكنى" 2/ 781 (3179).

(11)

في (م): المديني. وذكره الذهبي في "المقتنى في سرد الكنى"(5596).

ص: 207

(عَنِ ابن أُخْتِ عُبَادَةَ) صَوَابهُ ابن امْرأته كما سَيَأتي.

(بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، ح (1) وَثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيمَانَ) [وهوَ محمد بن أبي (2) دَاود](3) الأَنْبَارِيُّ وثقهُ الخَطيب (4).

(قال: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ) ابن زاذان (5)(عَنْ هِلَالِ بْنِ يِسَاف) الأشجعي (عَنْ أَبِي المُثَنَّى) ضمضم (الْحِمْصِيِّ، عَنْ أَبِي) بِفتح الهَمزة (أُبَي) بضَم الهَمزَة مُصَغر اسْمه عَبد الله، قيل: عَبْد الله بن أُبَي، وقيل: عَبد الله بن كعب (6)(ابْنِ امْرَأَةِ عُبَادَةَ) أُم حرام بنت ملحَان أخت أُم سليم، وكانَ ربيب عبَادة، وكانَ قَديم الإسْلام ممن صَلى القبلتَين يُعَدُّ في الشاميِّين (بْنِ الصَّامِتِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّهَا سَتَكُونُ عَلَيكُمْ بَعْدِي أُمَرَاءُ) لا ينصرف؛ لأن فيه ألف التأنيث الممدودة.

(تشْغَلهم) بفتح التاء والغَين (أَشْيَاءُ) بالرفع فَاعل غَير مُنصَرف، واختلف في علته اختلافًا كثيرًا، والأقرب مَا حُكي عَن الخليل (7) أن وزنه شيئاء وِزَان حمراء فاستثقل وجُود هَمزتين في تَقدير الاجتماع

(1) من (د، س، م).

(2)

من "تاريخ بغداد"(2796)، و"التهذيب"(5264).

(3)

سقط من (م).

(4)

"تاريخ بغداد"(2796).

(5)

منصور هنا هو ابن المعتمر، وليس ابن زاذان وقد وهم المصنف هنا رحمه الله.

(6)

وقيل أيضًا: عبد الله بن عمرو.

(7)

كتاب "العين"(شيء).

ص: 208

فنقلت الأولى إلى (1) أول الكلمة [فبقيت لفعاء](2) كما قلبُوا أدؤر فقَالوا آدر وشبهه (3)(عَنِ الصَّلَاةِ لِوَقْتِهَا) روَاية ابن مَاجه: "يُؤخرُونَ الصَّلاة عن وقتها"(4). يَعني: المختار كما تقدَّمَ.

(حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُهَا) المختار (فَصَلُّوا الصَّلاةَ لِوَقْتِهَا) أي: في أول وقتها (فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسولَ الله، أُصَلِّي مَعَهُمْ؟ ) أي: مَعَ الأمَرَاء ثانيًا.

(قَالَ: نَعَمْ إِنْ شِئْتَ) فيه دَليل على أن الصَّلاة الثانية فَضيلة ليسَت بِوَاجبَة بَل إن شاء صَلاهَا وإلا ترك وهذا الحَديث صريح في ذَلك.

(وَقَالَ سُفْيَانُ) في روَايته (إِنْ أَدْرَكْتُهَا مَعَهُمْ) أي: ولو قبل السَّلام (أُصَلِّي مَعَهُمْ قَالَ: نَعَمْ).

[قال مالك: فَإن](5) دَخل الذي صَلى وَحْدَهُ المَسْجد فوَجد القوم جُلوسًا في آخِر صَلاتهم فلا يدخل مَعَهمُ، وإنما يدخل مَعَهم من علم أنهُ يدرك من صَلاتهم ركعة (6) بسجْدتيها (7)] (8) فيه حجة للشافعي أنهُ يعيد الصَّلاة ولا يستثنى مِنها، فإن الصَّلوات (9) كلهَا في ذَلك سَواء؛

(1) من (د).

(2)

في (ص): فنعت لدواء.

(3)

"المصباح المنير"(شاء).

(4)

"سنن ابن ماجه"(1257).

(5)

في (ص، س، م، ل): أحمد فإذا. والمثبت من "الاستذكار".

(6)

انظر: "الاستذكار" 5/ 360.

(7)

في النسخ الخطية: يسجد فيها. والمثبت من "الاستذكار".

(8)

سقط من (م).

(9)

في (س): الصواب.

ص: 209

لأن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: نعم، صَلِّ مَعهم ولم يخص صَلاة مِن صَلاة ولم يذكر عَصْرًا ولا مَغربًا ولا صبحًا قَال: والأولى فَريضة، والثانية تَطوع سَنّهَا رَسُول الله كما سَنَّ الوتر والعيدَين وغَيرهما وهوَ قول دَاود بن عَلي في إعَادَة الصَّلوَات كلهَا في جَماعَة؛ لأنه يَرَى الصَّلاة في الجماعَة فَرضًا.

واختلفَ عَن الثوري (1) فروى عنهُ أنهُ يُعيد الصَّلوَات كلهَا مَعَ الإمام كقَول الشافعي، وَرُوي عنهُ مثل قول مَالك، وقال أبُو ثور: يُعيدُهَا إلا الفَجر والعَصر إلَّا أن يَكون في مَسْجد فتقام الصَّلاة فلا يخرج حَتى يُصَليهَا (2).

وَذكر مَالك في "الموطأ" عنْ نَافِع أن عَبد الله بن عمَر كانَ يَقول: مَن صلى المغرب أو (3) الصبح ثم أدْرَكها مَعَ الإمام فلا يعد لهما (4)(5)، وهوَ قول الأوزاعي والحَسَن البصري وسُفيَان الثوري، وَقال مَالك وأصحَابه: يُعيدُ الصَّلوَات كلهَا مَنْ صَلاهَا وحدهُ إلا المغرب وحدهَا وَهوَ قَول أبي مُوسَى الأشعَري والنعمان بن مقرن وأبي مجلز، وحجة مَالك في عدم إعَادَة المغرب، لأنها تَصير شفعًا (6) كذلك (7) قال في "موَطئه"(8).

(1) في "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 297 (255): يعيد إلا المغرب والفجر.

(2)

انظر: "الاستذكار" 5/ 361.

(3)

في (م): و.

(4)

في (ص، س، ل): لها.

(5)

"الموطأ" 1/ 128.

(6)

انظر: "الاستذكار" 5/ 359.

(7)

في (ص، ل): بذلك.

(8)

"الموطأ" 1/ 128.

ص: 210

وفي روَاية قال مَالك: ومَن صَلى في جَماعة ولو مَعَ وَاحِد فإنه (1) لا يعيد تلك الصَّلَاة إلا أن يُعيدهَا في مَسْجِد النَّبي صلى الله عليه وسلم أو المَسْجِد الحَرام أو مَسْجِد بَيت المقدس (2).

وقال أبو حنيفة وأصْحَابه: لا يُعيْد المصَلي وحده مَعَ الإمَام العَصر ولا الفجر ولا المغرب، ويعيد الظهر والعشَاء (3).

قالَ محَمد بن الحَسَن: لأنَّ النَّافلة بعَد الصُّبْح والعَصْر لا تجوز، ولا يعَاد المغرب؛ لأن النافلة لا تكونُ وترًا في غَير الوتر (4).

(إِنْ شِئْتَ) هذا يَدُل على أن الأولى وَقعت فريضة.

[434]

(ثَنَا أَبُو الوَلِيدِ) هشام بن عَبد الملك (الطَّيَالِسِيُّ، قال: ثنا (5) أَبُو هَاشِمٍ) عمار بن عمارة صَاحب (الزَّعْفَرَانِي) ثقة (6) تفرد بِهِ أبُو دَاود (قالَ: حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ عُبَيدٍ) ذكره ابن حبان في كتاب "الثقات": فرق بين الذي يَرويه عَن قبيصة بن وقاص ويروى عنه أبو (7) هَاشِم الزعفراني وبَيْنَ الذي يروي عَن نابل صَاحب العباء، ويروي عنه عمرو بن الحارث وَجعَلهما غَيره وَاحِد، روى له أبُو دَاود هذا الحَدِيث الوَاحِد (8).

(1) من (د، م، ل).

(2)

"الاستذكار" 5/ 360.

(3)

انظر: "مختصر اختلاف العلماء" 1/ 297 (255).

(4)

"الحجة على أهل المدينة" 1/ 211 - 212.

(5)

من (د، م، ل).

(6)

"الكاشف" للذهبي 2/ 310.

(7)

في (ص، س، ل): عن أبي.

(8)

"الثقات" لابن حبان 6/ 457. "تهذيب الكمال" 13/ 69.

ص: 211

(عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ وَقَّاصٍ) السُّلمي سَكن البصْرَة روى عنه هذا الحَديث الوَاحِد لم يحَدث به غَير أبي الوَليد الطيَالسي عَن أبي هَاشم صَاحب الزَّعفراني (قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: يَكُونُ عَلَيكُمْ أُمَرَاءُ مِنْ بَعْدِي يُؤَخِّرُونَ الصَّلاة) أي: عَن وَقتها المختار.

(فَهِيَ لَكُمْ) أجرهَا إذا صَليتموهَا مَعَهمُ (وَهِيَ عَلَيهِمْ) وزرهَا في تأخيرهَا عَن وَقتها (فَصَلُّوا مَعَهُمْ) فيه جَوَاز الصَّلاة خَلف أئمة الجَور، وفيه الحَث عَلى مُوَافقَة الأمَرَاء في غَير مَعْصِيَة لئلا تفترق الكلمة وتقع الفتنة، ولهذا قَالَ في الروَاية الأخرى:"إن خَليلي أوصَانِي أن أسمع وأطيع، وإن كان عَبدًا مجدَّع الأطراف"(1).

وقال ابن عَبد البر في "الاستذكار": اختلف العُلماء في مَعنى الصَّلَاة مَعَهمُ فقالَ جمهُور الفُقهاء: إنما يُعيدُ الصَّلَاة مع (2) الإمَام مَن صَلى وَحْدهُ في بَيته وأهله أو في غَير بيته، وأمَّا مَن صَلى في جَمَاعَة، وإن قَلت فإنهُ لا يعيد في جَماعَة أكثر منها. ولَا أقل، وكل مَن صَلى عندهم مَعَ آخر فَقَد صَلَّى في جَمَاعَة، ولا يُعيدُ في أخرى قلت أو كثرت ولو أعَادَ في جَمَاعة أُخرى لأعَادَ في ثالثة ورَابعَة إلى مَا لا نهاية لهُ، وهذا لا يخفى فسَاده قال (3): وممن قالَ بهذا القول مَالك (4) وأبو حَنيفة (5) والشافعي (6)

(1) أخرجه مسلم (1837)(36) وغيره.

(2)

في (ص، س، ل): خلف.

(3)

من (د، م).

(4)

"المدونة" 1/ 180 - 181.

(5)

انظر: "المبسوط" 1/ 280، "البحر الرائق" 2/ 66 - 67، "شرح فتح القدير" 1/ 459.

(6)

"الأم" 1/ 277 - 278.

ص: 212

وأصحابهم ومن حجتهم (1) قوله صلى الله عليه وسلم: "أنصَلي في يَوم مَرتَين ومنهم مَن يَقول لَا تصَلوا صَلاة في يَوم مَرتَين"(2).

رَوَاهُ سُليمان بن يسَار قال وقد ذكرنا إسنَاده في "التمهيد" وَحَملوا على أنَّ مَن صَلى في جَمَاعَة لَا يُعيدُهَا في جَمَاعَة، واستَعملوا الحَديثَين جَميعًا كلا على وَجهْه وَقَال أحمد وإسْحَاق بن رَاهويه (3) وداود بن عَلي: جَائز لمن صَلى في جَماعَة وَوَجَدَ جَماعة أُخرى في تلك الصَّلاة أن يُعيدهَا مَعَهم إن شا؛ لأنها نافلة لهُ (4). وإن كانَ يَنوي بِهَا الفَريضة (مَا) زمَانية.

(صَلَّوا) أي: مُدة صَلاتهم إلى (الْقِبْلَةَ) فيه دلَالَة على أن أمَراء الجَور يُصَلى خَلفهمُ مَا دَامُوا يُصَلونَ إلى القبلَة فَإنْ تَركوا الصَّلاة إليهَا لا يُصَلى خَلفهم ومثله الحَديث: "سَيَكون أمَرَاء تعرفونَ وتنكرُونَ فمَن أنكر فقد بَرئ، ومَن كرهَ فقد سَلمَ، ولكن مَن رَضي وتابعَ" قالوا: يا رَسُول الله ألا نقَاتلهم؟ قَالَ: "لَا مَا صَلوا الخَمس"(5).

قالَ ابن عَبد البَر: فدَل على أنهم لا يقاتلون ولا يقتلونَ إذا صَلوا الخَمس، ودَلَّ ذَلك على أن مَن لم يُصَل الخَمس قوتل وقتل.

(1) في (م): تحتهم.

(2)

أخرجه أحمد 2/ 19، وأبو داود (579).

(3)

"مسائل أحمد وإسحاق" للكوسج (258، 260).

(4)

"الاستذكار" 5/ 355 - 357.

(5)

أخرجه مسلم في "صحيحه"(1854)(62)، وأبو داود (1760) دون قوله: الخمس، وسيأتي تخريجه عند الحديث عليه.

ص: 213

وقوله صلى الله عليه وسلم في مَالك بن دخشم (1): "أليس يُصلي" قَالوا: بلى. فَقَالَ: "أولئك الذين نهَاني الله عنهمُ أو عن قتلهم"(2). فدلَّ على أنهُ لو لم يُصَل لم يكن من الذين نَهَاهُ اللهُ عن قتلهم، بَل كان يَكون مِنَ الذينَ أمَرهُ اللهُ بِقَتلهم، وفي الحَديث:"إنِّي نُهيتُ عن قَتل المصَلين"(3). [فدل ذلك](4) على أنهُ قَد أمَرَ بقتل من لم يُصَل كما نهى عَن قَتل مَن صَلى، وأنه لا يمنَع مِنَ القتل إلا فعل الصَّلاة. قَالوا: فهذا كلهُ يَدل على القتل ولا يَدل على الكفر، وتأولوا فيما ورد ظاهره بتكفير تارك الصَّلاة مَا تأولوا في زِنى المُسْلم وسرقته وشرُبه الخَمر (5).

* * *

(1) في (ص): أخشم.

(2)

أخرجه أحمد في "مسنده " 5/ 432، وابن حبان في "صحيحه" (5971) من حديث عبد الله بن عدي الأنصاري. وقال أحمد: أن رجلًا من الأنصار.

(3)

طرف حديث أخرجه أبو داود (4928)، وأبو يعلى في "مسنده" (6126) قال الدارقطني في "العلل" (2252): لا يثبت الحديث. اهـ. لكن لفظة: "إني نهيت عن قتل المصلين" لها شواهد منها الحديث السابق.

(4)

في (ص): قيل دل.

(5)

"الاستذكار" 5/ 351 - 352.

ص: 214