الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
12 - باب فِي بناءِ المساجِدِ
448 -
حَدَّثَنا محَمَّدُ بْن الصَّبّاحِ بْنِ سُفْيانَ، أَخْبَرَنا سُفْيان بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ سُفْيانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبي فَزارَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأصَمِّ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ما أُمِرْتُ بتَشْيِيدِ المَساجِدِ". قالَ ابن عَبّاسٍ: لَتُزَخْرِفُنَّها كَما زَخْرَفَتِ اليَهُودُ والنَّصارَى (1).
449 -
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْن عَبْدِ اللهِ الخُزاعِيُّ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْن سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ وَقَتادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ:"لا تَقُومُ السّاعَةُ حَتَّى يَتَباهَى النّاسُ فِي المَساجِدِ"(2).
450 -
حَدَّثَنا رَجاءُ بْنُ المُرَجَّى، حَدَّثَنا أَبُو هَمّامٍ الدَّلَّالُ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَبَّبٍ، حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ السّائِبِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عِياضٍ، عَنْ عُثْمانَ بْنِ أَبي العاصِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَهُ أَنْ يجعَلَ مَسْجِدَ الطّائِفِ حَيْثُ كانَ طَواغِيتهُمْ (3).
451 -
حَدَّثَنا مُحَمَّد بْنُ يَحيَى بْنِ فارِسٍ وَمُجاهِدُ بْنُ مُوسَى -وَهُوَ أَتَمُّ- قالا: حَدَّثَنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْراهِيمَ، حَدَّثَنا أَبي عَنْ صالِحٍ، حَدَّثَنا نافِعٌ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ المَسْجِدَ كانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مبْنِيّا بِاللَّبِنِ والجَرِيدِ -قالَ مُجاهِدٌ: وَعَمَدُهُ مِنْ خَشَبِ النَّخْلِ- فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ شَيْئًا وَزادَ فِيهِ عُمَرُ وَبَناهُ عَلَى بِنائِهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم باللَّبِنِ والجَرِيدِ وَأَعادَ عَمَدَهُ -قالَ مُجاهِدٌ: عُضدَهُ خَشَبًا- وَغَيَّرَهُ عُثْمان فَزادَ فِيهِ زِيادَةً كَثِيرَةً وَبَنَى جِدارَهُ بِالِحجارَةِ المَنْقُوشَةِ والقَصَّةِ وَجَعَلَ عَمَدَهُ مِنْ
(1) رواه ابن حبان 4/ 493 (1615)، والبيهقي 2/ 438 - 439.
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(475).
(2)
رواه النسائي 2/ 32، وابن ماجه (739)، وأحمد 3/ 134.
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(476).
(3)
رواه ابن ماجه (743). وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(66).
حِجارَةٍ مَنْقُوشَةٍ وَسَقَّفَهُ بِالسّاجِ. قالَ مُجاهِدٌ: وَسَقْفُهُ السّاجُ.
قالَ أَبُو داودَ: القَصَّة الجِصُّ (1).
452 -
حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ حاتِمٍ، حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى عَنْ شَيْبانَ، عَنْ فِراسٍ عَنْ عَطَيَّةَ، عَنِ ابن عُمَرَ أَنَّ مَسْجِدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كانَتْ سَوارِيهِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ جُذُوع النَّخْلِ أَعْلاهُ مُظَلَّلٌ بِجَرِيدِ النَّخْلِ ثُمَّ إِنَّها نَخِرَتْ فِي خِلافَةِ أَبِي بَكْرٍ فَبَناها بِجُذُوع النَّخْلِ وَبِجَرِيدِ النَّخْلِ ثُمَّ إِنَّها نَخِرَتْ فِي خِلافَةِ عُثْمانَ فَبَناها بِالآجُرِّ فَلَم تَزَلْ ثابِتَةً حَتَّى الآنَ (2).
453 -
حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ، عَنْ أَبِي التَّيّاحِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ، قالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ فَنَزَلَ فِي عُلْوِ المَدِينَةِ فِي حَيٍّ يُقال لَهُمْ: بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَأقامَ فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشَرَةَ لَيْلَةً ثمَّ أَرْسَلَ إِلَى بَنِي النَّجّارِ فَجاءُوا مُتَقَلِّدِينَ سُيُوفَهُمْ - فَقالَ أَنَسٌ - فَكأنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم علَى راحِلَتِهِ وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفَهُ وَمَلأ بَنِي النَّجّارِ حَوْلَهُ حَتَّى ألقَى بِفِناءِ أَبِي أَيُّوبَ وَكانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ ويُصَلِّي فِي مَرابِضِ الغَنَمِ، وَإنَّهُ أَمَرَ بِبِناءِ المَسجِدِ فَأَرْسَلَ إِلَى بَنِي النَّجّارِ فَقالَ:"يا بَنِي النَّجّارِ ثامِنُونِي بحائِطِكُمْ هذا". فَقالُوا: والله لا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إلَّا إِلَى اللهِ عز وجل. قالَ أَنَسٌ: وَكانَ فِيهِ ما أقُولُ لَكُمْ كانَتْ فِيهِ قبُورُ المُشْرِكِينَ وَكانَتْ فِيهِ خِرَبٌ وَكانَ فِيهِ نَخْلٌ فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِقُبُورِ المُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ وَبِالِخرَبِ فَسُوِّيتْ وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ المَسْجِدِ، وَجَعَلُوا عِضادَتَيْهِ حِجارَةً وَجَعَلُوا يَنْقُلُونَ الصَّخْرَ وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ والنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعهُمْ وَهُوَ يَقُولُ اللَّهُمَّ لا خَيرُ إلَّا خَيْرُ الآخِرَهْ فانْصُر الأنصارَ والمُهاجِرَة (3).
(1) رواه البخاري (446).
(2)
رواه البيهقي في "دلائل النبوة" 2/ 541.
وضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود"(67).
(3)
رواه البخاري (428)، ومسلم (524/ 9).
454 -
حَدَّثَنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي التَّيّاحِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: كانَ مَوْضِعُ المَسْجِدِ حائِطًا لِبَنِي النَّجّارِ فِيهِ حَرثٌ وَنَخْلٌ وَقُبُورُ المُشْرِكِينَ، فَقالَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم:"ثامِنُونِي بِهِ". فَقالُوا: لا نَبْغِي بِهِ ثَمَنًا. فَفطِعَ النَّخْلُ وَسُوِّيَ الحَرْث وَنُبِشَ قُبُورُ المُشْرِكِينَ. وَساق الحَدِيثَ وقالَ: "فاغْفِرْ". مَكانَ: "فانْصُرْ". قالَ مُوسَى: وَحَدَّثَنا عَبْدُ الوارِثِ بِنَحْوِهِ، وَكانَ عَبْدُ الوارِثِ يَقُولُ: خِرَبٌ، وَزَعَمَ عَبْدُ الوارِثِ أَنَّهُ أَفادَ حَمّادًا هذا الحَدِيثَ (1).
* * *
باب في بناء المساجد
[448]
(ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاح بْنِ سُفْيَانَ) الجرجَرائي (2). وجرجرايا بَين وَاسط وبغدَاد، وثقهُ أبُو زرعة وغيره (3).
قال: (أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عيينة (4)، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي فزَارَةَ) (5) رَاشد بن كيسَان الكوفي أخرَجَ له مُسْلم.
(عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ) العَامري التابعي أخرَجَ له مُسْلم أيضًا (عَنِ) ابن خالته (ابْنِ عَباسٍ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: مَا أُمِرْتُ) بضم الهَمزة وكسْر الميم مَبني للمفعُول (بِتَشْيِيدِ المَسَاجِ).
قال البغوي: في شرح هذا الحَديث المرَادَ (6) مِنَ التشييد رَفع البِنَاء
(1) رواه البخاري (428)، ومسلم (524/ 9).
(2)
في (م): الجرجاني.
(3)
انظر: "الجرح والتعديل" 7/ 289.
(4)
في (ص): شيبة.
(5)
في (ص): نزارة.
(6)
في (ص) و"شرح السنة": أراد.
وتطويله ومنهُ قَولها تَعَالي: {بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} (1) وهي التي طول بنَاؤهَا (2) يقال: شدت الشيء (3) أشيده مثل بعته (4) أبيعُه إذا [بنيته بالشيد](5) وهوَ الجص، وشيدته تشييدًا: طَوَّلته ورَفعته، وقيل: المراد بالبُرُوج المشيدة: المجَصَّصَة، وهَذان القولَان في قوله تعالى:{وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} (6) أي: رَفيع طَويل عَال، وقيل: مجصَّص (7)، والمشهور في الحَديث أن المُرَاد بِتَشييد المَسَاجِد هنا رَفع البِنَاء وتطويله كما قال البَغَوي.
وفيه رَد على من حمل قوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} (8) على رَفع بنائه وَهوَ الحقيقة، بل المراد أن تعظم فلا يذكر فيهَا الخنا (9) مِنَ الأقوال، وتطهر (10) من الأدناس والأنجاس (11) ولا ترفع فيهَا الأصوَات.
(قَالَ ابن عَبَّاسٍ: ) هَكذَا رَوَاهُ ابن حبَّان مَوقوفًا (12). وقبله حَديث ابن
(1) النساء: 78.
(2)
"شرح السنة" 2/ 349.
(3)
في (ص): البيت، "مرعاة المفاتيح" 2/ 427.
(4)
في (ص، ل): بعت.
(5)
في (ل): بنيته بالشيدة. وفي (م): بنته بالشدة.
(6)
الحج: 45.
(7)
انظر: "الجامع لأحكام القرآن" 12/ 74.
(8)
النور: 36.
(9)
الخنا: الفحش وقبيح الكلام. "لسان العرب": خنا.
(10)
في (م): تطييبه.
(11)
في (ص): الأفحاش.
(12)
"صحيح ابن حبان"(1615).
عباس (1) أيضًا مَرفوع، وظن الطيبي في "شرح المشكاة" أنهما حديث واحِد فَشَرحه عَلى أن اللام في (لتزخرفنها)(2) مكسُورَة، قال: وهي لام التعليل للمنفي قبله، والمعنى: مَا أُمرت بالتشييد لِيُجعَل ذريعة إلى الزخرفة، قال: والنون فيه لمجَرد التأكيد، وفيه نَوع تأنيب وتَوبيخ، قَالَ: وَيَجوز فتح اللام على أنها جَوَاب القسَم، أي: المحذوف.
قال ابن حجَر: وهذا يَعني فتح اللام وهو المعتَمد. والأول -يَعْني: كسْرَ اللام- لم تثبت به الرِّوَاية أصلا فلا يغتَر (3) به، وكلام ابن عَباس فيه مَفصول مِن كَلام النَّبِي صلى الله عليه وسلم في الكتبُ المشهورة وغَيْرهَا، وإنما لم يذكر البخاري المرفوع منه للاختلاف فيه (4) عَلى يَزيد بن الأصم في وصله وإرسَاله انتهى (5). والزخرفة الزينَة.
قالَ مُحْيي السنَّة: إنهم زخرفوا المسَاجد عندَمَا بدلوا دينهم وَحَرفوا كتبهم، وأنتم تَصيرُونَ إلى مثل حَالهم، وسَيَصير أمركم إلى المراءَاة بالمسَاجِد، والمبَاهَاة بتشييدهَا وتزيينها (6).
قال أبُو الدرْدَاء: إذا حليتم مَصَاحفكم، وزوقتم مَسَاجدكم، فالدمَار عليكم (7). وروي أن عُثمان رَأى أترجة من جِص مُعَلقة بالمَسْجِد فأمرَ بهَا
(1) في (ص): عياش.
(2)
في (ص): لزخرفتها.
(3)
في (ص، س، ل): يعتبر.
(4)
ليست في (م).
(5)
"الفتح" 1/ 643.
(6)
"شرح السنة" 2/ 350.
(7)
أخرجه ابن المبارك في "الزهد"(797)، والفريابي في "فضائل القرآن"(179).
فقطعَت (1)، وهذا الحَدِيث فيه مُعْجزة ظاهِرة لإخباره صلى الله عليه وسلم عَما سَيَقَع بَعْدَهُ، فإن تزويق المسَاجد والمبَاهَاة بزخرفتها (2) كثر (3) من الملوك والأمَراء في هذا الزمَان بالقاهرة، والشام، وبيت المقدس، وغَيرهَا بأخذهم أمَوال الناس ظلمًا وعدوانًا (4) وعمارَتهم بهَا المدَارس على شكل بديع، فنَسأل الله السَّلامة والعَافيَة.
(كمَا زَخْرَفَتِ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى)(5) في كنَائسهم وبيَعهم، وهذا يُؤيِّد قوله صلى الله عليه وسلم "لتتبعن سُنن مَنْ كَانَ قبلكم"(6).
[449]
(ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله) بن عُثمان (الْخُزَاعِيُّ) قالَ النسَائي: لا بأسَ بهِ. قال: (ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ) عَبد الله بن زَيد الجرمي.
(عَنْ أَنَسٍ) بن مَالك. (و) أيوب أيضًا عَن (قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَى يَتَبَاهَى النَّاسُ) أي: يتفاخَرُون (فِي المَسَاجِدِ) أي: في بِنَاء المَسَاجِد، وكذَا في روَاية. أي: في حُسن بنَاءهَا وَزيَادَة زُخْرفها (7) وفي "مسند أبي يَعْلى"(8)، و"صَحيح ابن خزيمة"(9) من
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(4617).
(2)
في (ص، س، ل): بزخرفها.
(3)
في (ص، س، ل): كثير.
(4)
ليست في (د، س، ل، م).
(5)
أخرجه البخاري قبل حديث (446).
(6)
أخرجه البخاري (3456)، ومسلم (2669)(6)، وأحمد 2/ 327.
(7)
في (د، م): زخرفتها.
(8)
"مسند أبي يعلى"(2817) بنحوه.
(9)
"صحيح ابن خزيمة"(1321).
طريق أبي قلابة أنَّ أنسًا قال: سَمعته يَقول: "يَأتي عَلى أُمّتي زمَان يتبَاهَون بالمَسَاجد ثم لا يعمرونَها إلا قَليلًا"(1). ومعنى: (لا يعمرونها) المراد عمارتها بالصَلاة، وكثرة ذكر الله تعالى والاعتكاف فيهَا، وليسَ به بنيَانها، وكذا روَاية البخَاري:"يتبَاهَونَ بهَا"(2) أي بنقش المسَاجد وكثرتها، وروى في "شَرح السُّنَّة" بسنده عَن صَالح بن رستم قال: قال أبو قلابة: غدونا مَعَ أنَس بن مَالك إلى الزاوية فحَضَرت صَلاة الصبح، فَمررنا بمَسْجِد فقالَ أنَس: أي مَسْجد هذا؟ قالوا: مَسْجِد أحدَث الآن. فقال أنس: إنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سَيَأتي على الناس زَمَان يَتَبَاهَونَ في المَسَاجد، ثم لا يَعْمُرونهَا إلا قَليلًا"(3).
[450]
(ثَنَا رَجَاءُ بْنُ مُرَجَّى) قال: (ثَنَا أَبُو هَمَّامٍ) مُحَمَّدُ بن مُحَبَّب بن (الدَّلالُ) البصري ثقة (4) مَاتَ سنة 212.
قال: (ثَنَا سَعِيدُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ عِيَاضٍ) الطائفي ذكرهُ ابن حبانَ في "الثقات"(5).
(عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي العَاصِ) بن بشر الثقفي، استَعملهُ النبي صلى الله عليه وسلم عَلى الطائف حَيَاته (6) (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ أَنْ يَجْعَلَ مَسْجِدَ الطَّائِفِ) أي: أمَره حين وَلَّاهُ الطائف أن يجعَل مَسْجد أهل الطائف الذي يتخذهُ بهَا
(1) قال الألباني في "تمام المنة" ص 294: ضعيف بهذا اللفظ.
(2)
"صحيح البخاري" قبل حديث (446) من قول أنس معلقًا.
(3)
"شرح السنة" 2/ 354.
(4)
انظر: "الكاشف"(5135).
(5)
"الثقات" 5/ 378.
(6)
وأقره عليها أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
لإقامة الصلوات (1) فيه.
(حَيثُ كَانَ طَوَاغِيتُهُمْ) جَمع طَاغوت، وهو بيَت للصنم (2) الذي كانُوا يتعبدونَ فيهِ للهِ تعَالى، ويتقَربون إليه بالأصنام عَلى زَعْمهم؛ لأنها أنشئت وجددت عَلى اسم العِبَادَة، وكذَلكَ فعل كثير منَ الصَّحَابة حين فتحوا البلاد، جَعَلوا متعبدَاتهم مُتَعبدَات للمُسْلمين (3) وغَيرُوا محاربيها، وكذَا فعَل صَلاح الدين بن أيوب حِينَ افتتح بيت المَقدس. وقَد رَوَى الطبراني في "الكبير" و"الأوسط": أنه جَاء بإدَاوَة مِن عند النبي صلى الله عليه وسلم قد غسَل النبي صلى الله عليه وسلم وَجهه ومَضمض (4) وبَزَق فيهِ وقَال لهُ: "إذا أتَيتَ بِلادك فَرش به تلك البيعة (5) واتخذهُ مَسْجدًا". والبيعَة بِكَسْر البَاء للنصَارى، والجَمع بِيَع، مِثل سدرة وسدر، وفي الحَدِيث أنه كانَ يُصَلى في البيعة (6) وهي كنيسَة أهل الكتَاب.
[451]
(ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى) بْنِ عَبد الله (بْنِ فَارِسٍ) شيخ البخاري قال [الحُسَين بن الحَسَن](7) سَمعتُهُ يَقولُ: ارتحلت ثَلاث رحلات وأنفقت على العلم (8) مائة وخَمسين ألفًا.
(1) في (د): الصلاة.
(2)
في (د، م): الصنم.
(3)
في (ص، س): المسلمين.
(4)
في (م): وتمضمض.
(5)
في (س): البقعة. وكذا هي عند الطبراني في "الأوسط"(1957).
(6)
في (س): البقعة. وكذا هي عند الطبراني في "الأوسط".
(7)
في (د) الحسن بن يحيى. وليست في (م).
(8)
في الأصول الخطية: المائة. والمثبت من "تذكرة الحفاظ" 2/ 87.
(وَمُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى) بن فَروخ الخوَارزمي، شَيخ مُسْلم (وَهُوَ أَتَمُّ) إسنادًا منه (قَالَا: ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) بن سَعْد الزهري، حجة وَرع مَات سنة 208 (1).
قال: (ثَنَا أَبِي) إبرَاهيم (2) بن سَعْد بن إبراهيم بن عَبد الرحمَن بن عَوف (عَنْ صَالِح) بن كيسَان، قال:(ثَنَا نَافِعٌ) مَولى ابن عُمر (أَنَّ عَبْدَ الله بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما أَخْبَرَهُ أَنَّ المَسْجِدَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ) بفتح اللام وكَسر البَاء المُوَحَّدَة: مَا يُعمل منَ الطين ويبنى به قبل أن يُشْوى، وَيجوز التخفيف بإسْكان البَاء (3). فيه ترك المغالاة في المسَاجِد وأمَاكن العِبَادَة.
(وَالْجَرِيدِ) رِوَاية البخَاري: وسَقفه الجَريد (4). بِفتح الجيم: وهوَ سَعَف النخل، الوَاحدة (5) جَريدة، فَعيلَة بِمَعنَى مَفعُولة، وإنما يسَمى جريدًا (6) إذا تجرَّدَ عنهُ خُوصه.
(قَالَ مُجَاهِدٌ: عَمَدُهُ) بفتح أوله وثانيه، ويَجوز ضَمُّهمَا، واحده عمود، وقُرِئَ بالوَجهَين في قوله تعالى:{فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} (7)(خَشَبِ) يجوز فيه أيضًا الوَجْهَان يَعني: فتحهما وضمهما مُفْرَدًا وجمعًا.
(1)"الكاشف" للذهبي 3/ 290.
(2)
كتب فوقها في (د): ع.
(3)
ليست في (م).
(4)
"صحيح البخاري"(446).
(5)
في (م): والواحدة.
(6)
في (م): جريد.
(7)
الهمزة: 9.
قال ابن بَطال (1) وغَيره: وهذا يَدُل على أن السُّنَّةَ في بنيان المَسْجد القصد (2) وترك الغلُو في تحسينه فقد كانَ عُمرُ مَعَ كثرة الفتوح في أيامه، وسَعة المال عندَهُ لم يغَير المَسْجد عَما كانَ عَليه ([النخل] (3) فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ شَيئًا) حِينَ جدَّدهُ، وإنما احتاجَ إلى تجديده؛ لأنه كانَ قد تنخر في أيامه.
(وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ رضي الله عنه وَبَنَاهُ عَلَى بنيَانه) أي: حِيَطانه بجنس الآلات المَذكورة، ولم يغَير شَيئًا من هيئتهِ إلا توسعته.
(فِي عَهْدِ) صِفَة للبنيان، وإمَّا حَال (رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بِاللَّبِنِ وَالْجَرِيدِ، وَأَعَادَ عَمَدَهُ) بِوَجهَين كما تقدم، أي: كَما كَانَت.
(قَالَ مُجَاهِدٌ): وَجَعَل (عُمُدَهُ خَشَبًا) كما كانت، (وَغَيرَهُ) روَاية البخَاري:"ثم غَيَّرَهُ"(4)(عُثْمَانُ) مِنَ الوَجهَين [التوسيع وتغيير](5) الآلات (6)(فَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً كَثِيرَةً، وَبَنَى جِدَارَهُ بِالْحِجَارَةِ المَنْقُوشَةِ وَالْقَصَّةِ) بفتح القَاف وتشديد الصَّاد المهملة: وهوَ (7) الجِصّ بلُغَة أهل الحجَاز.
(1)"شرح البخاري" 2/ 97.
(2)
في (ص، س، ل): العقد.
(3)
ساقطة من الأصول، والمثبت من "السنن".
(4)
"صحيح البخاري"(446).
(5)
في (ص): التوسع وتغير، و"الفتح".
(6)
"الفتح" 1/ 643.
(7)
في (د، ل، م): وهي.
قال الخطابي: يشبه الجصّ، وليسَ بهِ (1) انتهى. فلعَلهُ أراد به الشيد فإنه أصْل الجِصِّ. (وَجَعَلَ عَمَدَهُ حِجَارَةً مَنْقُوشَةً) بالنصب في الثلاثة مَفعُول أول، ومَفعُول ثان، وصفته.
(وَسَقَّفَهُ) بلفظ الماضي: عَطفًا عَلى جَعل. وبإسكان القاف (2) عطفًا على عَمَده (بِالسَّاجِ) نَوع مِن الخشب مَعروف يؤتى به منَ الهند.
(قَالَ مُجَاهِدٌ: وَسَقَفَهُ) بفتحهما (السَّاج) ويُشبهُ أن يَكون سَقَّفهُ بتشديد القَاف، فَإنَّ سَقَفْتُ البَيتَ بالتخفيف مُتَعَدِّ إلى وَاحِد، وبالتَّشدِيد يتعَدى إلى ثَانٍ كما أنَّهُ بالهَمزة يتعدى إلى اثنَين، ويجوز أن يكونَ السَّاج مَنصُوب بحَذف حَرْف الجر، وأصلهُ سَقفهُ بالسَّاج كما في الروَاية المتقَدمَة.
(قَالَ أَبُو دَاودَ: القَصَّةُ الجِصُّ) وأهْل بلادنا يُفَرقونَ بَيْنَ الجِصِّ والشيد، وَحُمِل فِعْلُ عثمان صلى الله عليه وسلم عَلى أنهُ حسن المسْجد بمَا لا يقتضي الزخرفة التي أخبرَ عَنهَا صلى الله عليه وسلم، ومَعَ ذلك فَقَد أنكر بَعضُ الصَّحَابة عَلَيه، وسَكت كثير من أهل العِلم عَن إنكار ذَلكَ خَوفًا مِن الفتنة، ورَخَّصَ في ذَلك بَعضهم، وهوَ قول أبي حَنيفةٍ (3) إذَا وَقَع ذَلك عَلىَ سَبيل التعظيم للمسَاجِد، ولم يَقع الصَّرفُ عَلى ذَلك من بَيت المال.
قال ابن المنير: لمَّا شيد الناس بيوتهم وزخرفوها ناسَبَ أن يُصنع ذَلك بالمسَاجِد صوْنًا لها عَن الاستهانة. وتُعقب بأن المنع إن كان
(1)"معالم السنن" 1/ 141.
(2)
من (د، م).
(3)
انظر: "المبسوط" للسرخسي 30/ 318 - 319.
للحث على اتباع السَّلف في ترك الرفاهية فهوَ كما قَال، وإن كانَ لخَشية شَغْل [القلب للمصَلي](1) بالزخرفة فلا تبقى (2) هذِه العلة، وأول مَن زخرف المَسَاجد الوَليد بن عَبد الملك بن مَروَان، وذلك في أوَاخِر عَصْر الصحَابة.
[452]
(ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ)(3) قال: (ثَنَا عُبَيْدُ الله بْنُ مُوسَى) العَبْسي (عَنْ شَيْبَانَ) بن عَبْد الرحمَن التميمي النحوي.
(عَنْ فِرَاسٍ)(4) بن محَيى الهمدَاني المُكتب (عَنْ عَطِيَّةَ) بن (5) سعْد صدوق يخطيء (6).
(عَنِ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ مَسْجِدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ سَوَارِيهِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ جُذُوعِ النَّخْلِ [وأَعْلَاهُ مُظلل بِجَرِيدِ النَّخْلِ] (7) ثُمَّ إِنَّهَا نَخِرَتْ) بكَسْر الخاء مِثل لعِبَت (8) بوزنه أي: بليت وتفتتت مِن طُولْ المدة ([في خلافة أبي بكر] (9) رضي الله عنه فَبَنَاهَا بِجُذُوعِ النَّخْلِ وَبِجَرِيدِ النَّخْلِ) كما تقدم.
(ثُمَّ إِنَّهَا نَخِرَتْ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ رضي الله عنه فَبَنَاهَا بِالآجُرِّ) بِمدِّ الهَمزة وتشديد
(1) في (ل): قلب المصلي.
(2)
في (ص): تنفى.
(3)
ترك بعدها في (د) بياض قدر كلمتين.
(4)
كتب فوقها في (د، ل): ع.
(5)
زاد في (ص، س، ل): عوف قال. وهي زيادة مقحمة وهو عطية بن سعد العوفي كما في (د، م). وانظر ترجمته في "التهذيب"(3956).
(6)
انظر: "تقريب التهذيب"(4649)، قال الحافظ يخطئ كثيرا وكان شيعيا مدلسا.
(7)
سقط من (م).
(8)
في (ص): بغيت.
(9)
من (د). وتقدمت هذه العبارة في (م) فجاءت قبل قوله: بكسر الخاء.
الراء، وهوَ أشهرَ منَ التخفيف: وهوَ اللبِن إذا شُوي بالنار، الوَاحِدَة آجُرَّةٌ، وهوَ مَعرب (1) ومَا كرهَ أبُو بَكر وعُمَر تَشييدَهُ وتحسينه إلا لعلمهَما بكرَاهة النَّبِي صلى الله عليه وسلم لذلك وليقتديَ بهَما مَن بَعدهما في الأخذ مِنَ الدنيا بالكفَاية المحصلة للمَقصُود، والزهد عَن مَعَالي أمُورِهَا، وإيثار البلغة منها في القوت واللباس والمكان رضي الله عنهما.
(فَلَمْ تزَلْ ثابتة حَتَّى الآنَ) حتى أتى زمَان عَبد الله بن عُمَرَ.
[453]
(ثَنَا مُسَدَّدٌ) قال: (ثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ) بن سَعيد التميمي (عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ) يَزيد بن حُمَيد مصَغر الضُبَعي بضم الضَاد المُعجمة وفتح الموحدة.
(عَنْ أنسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ فَنَزَلَ فِي عُلْوِ) بضم العَين وكسْرهَا لغتان مَشهورتان (الْمَدِينَةِ) والعُلْو ضِدُّ السُّفل.
(في قَوم يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ) بن (2) الخزرَج الأكبر أخي الأوس.
(فَأَقَامَ فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشَرَةَ لَيْلَةً) وفي روَاية المُستملي والحموي: "أربعًا وَعشرين ليلة". والصَّوَابُ: أربع عَشرة ليلة كما ذكرهُ المصَنف [ومسلم (3) هنا، (4) وهذا هوَ المناسب في المعنى؛ لأنه بدر والبدر كماله في أربع عَشرة، فلما ازدَاد كماله في هذِه المدة شَرع في بنَاء بَيت يَعبُد الله تعالى فيه.
(1) في (ص): معروف.
(2)
في (د): من.
(3)
"صحيح مسلم"(524)(9).
(4)
سقطت من (ص، س).
(ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى) مَلأ (1)(بَنِي النَّجَّارِ) بفَتح النون وتشديد الجيم (2) واسْم النجار تيم اللات بن ثعلبة بن عَمرو (3) بن الخَزرَج، وهم بَطن مِنَ الأنصَار، وروَاية مُسْلم: أرسَل إلى مَلأ بني النجار (4) يَعني: أشرافهم التي تملؤ رُؤيتهم الأعين (5).
(فَجَاءُوا مُتَقَلِّدِينَ سُيُوفَهُمْ) بِنَصْب الفاء مَفعُول مُتَقَلِّدِين؛ لأنه اسْم فاعِل يَعمل عَمل الفِعْل. وَروَاية مُسْلم: "مُتقلدين بسُيُوفهم"(6). بزيَادَة البَاء، ومُتقَلدين نُصب على الحَال، وهذِه الروَاية المَشهورة، وفي روَاية كريمة للبخَاري: متقلدي السُيُوف (7). بحَذف النونِ للإضافة، والسُيوف مَجْرُور بالإضَافة. والتقليد: جعَل نجاد السيوف على المنكب.
قالَ الزَّركشي: يحتمل تقلدهم السيوف ليرهبُوا اليَهُود وليروهم مَا أعدُّوا لنصرته صلى الله عليه وسلم.
(قَالَ أَنسٌ: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَبُو بَكْرٍ) مُبتَدَأ خَبَره (رِدْفُهُ) بِكَسْر الراء وسُكون الدال. وفي روَاية النسَائي: رديفهُ (8) بفتح
(1) ليست في (د، م). وهي رواية مسلم.
(2)
في (ص، س، ل): النون. وفي (م): الجيم. وعلق عليها في الهامش قائلا: كما في "الأم": النون. والمثبت من (د).
(3)
في (د): عمر.
(4)
"صحيح مسلم"(524)(9).
(5)
في (م): الأعلى.
(6)
"صحيح مسلم"(524)(9).
(7)
"صحيح البخاري"(428).
(8)
"سنن النسائي" 2/ 39.
الراء وكسْر الدال وزَيادَة ياء بعَد الدَال، وهي روَاية النسَائي، وهُما لغتان، والردف والرديف: الذي تحملهُ خلفك عَلى ظهر الدَابة. وفيه (1) إردَاف الدَابة إذا كانت مُطيقة.
(وَمَلأُ بَنِي النَّجَّارِ حَوْلَهُ حَتَّى أَلْقَى) بفتح الهمزة والقَاف، أي: ألقى رَحله، أي: طَرحَهُ بالأرض.
(بِفِنَاءِ) بِكَسْر الفاء والمد، وفناء الدَار مَا امتَد من جَوَانبهَا (أَبِي أَيُّوبَ) خَالد الأنصَاري، والمشهور أن الفناء هوَ المتسع الذي أمَام الدَار (وَكَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم) يحبُّ أن (يُصَلِّي) كذَا في البخَاري (2)(حَيثُ) وقَد نص الفُقهاء والأصُوليُّون على أنَّ (حَيْثُ) من صيغ العموم في الأمكنَة، كما أن (أَين) مِن صِيغ العُموم للأزمنة (3) فالتقدير: كانَ يُصَلي في أي مكَان (أَدْرَكتْهُ) أي: دَخَل عَليْه وَقت (الصَّلَاة) وهوَ فيهَا، لكن يخص عمُوم الأمكنَة بمَا رَوَاهُ ابن خزيمة والحَاكم والمصَنف مِن روَاية أبي سَعيد أن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قال:"الأرض كلهَا مَسْجد إلا المقبرَة والحمام"(4).
(ويُصَلِّي فِي مَرَابِضِ)(5) جَمْع مَرْبِضْ بِوَزن مَجْلِس، وقالَ ابن حَجر (6): بكَسْر الميم مَأوى (الْغَنَمِ) ليلًا، ورُبُوض الدابة مِثل بُروك الإبل، وقد بَين البخَاري بَما رَوَاهُ مِن حَدِيث أنَس أيضًا أن النَبي صلى الله عليه وسلم
(1) في (د، م): وفي.
(2)
"صحيح البخاري"(428).
(3)
في (ص): اللازمة.
(4)
أخرجه ابن خزيمة (791)، والحاكم 1/ 251.
(5)
زاد في (س): كلمة: الغنم وليس هذا موضعها.
(6)
"فتح الباري" 1/ 627.
كانَ يصلى في مِرابض الغَنَم قبل أن (1) يبني المَسْجِد (2). والمعنى (3): أن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كانَ يحب أن يُصَلي الصلاة (4) حَيث دَخَل عَليه وقتها، سَوَاء كانَ في مرَابض الغَنم أو غَيرهَا، وَبين في هذا الحَدِيث [أن ذلك كانَ قبل أن يبنى](5) المَسْجد، ثم بَعْد بنَاء المَسْجْد صَار لا يحب الصَّلَاة في غَيره إلا لضَرورَة.
قَال ابن بَطال (6): هذا الحَدِيث حجَّة عَلى الشَافعي في قَوله بنجَاسَة أبوَال الغَنم؛ لأن مرابض الغنم لا تَسلم مِن ذلك، وتعقب بأن الأصل الطهَارة، وعدَم السَّلَامة منهَا غالبًا (7) وإذا تعارَضَ الأصْل والغالب قدم الأصْل (8).
(وإنَّهُ) بِكَسْر الهَمزَة (أَمَرَ) بفتح الهَمزة والميم عَلى البِنَاء للفاعِل، وروي بضم أوله وكسْر ثانيه عَلى البنَاء للمفعُول أي: أمر من عند الله (بِبِنَاءِ المَسْجِدِ) بعد ذَلك.
(فَأَرْسَلَ) حِينَ أرَادَ بناءهُ (إِلَى بَنِي النَجَّارِ وقَالَ: يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي) بالثاء المُثَلثة أي: اذكروا لي ثمنه لأشتَريه منكم، وبَوَّبَ عَلَيه البُخَاري
(1) ليست في (د).
(2)
"صحيح البخاري"(429).
(3)
في (ص): وروى. وسقطت من (س، ل، م).
(4)
من (د).
(5)
في (ص، س، ل): أنه كان يبني، وفي (م): أن كان بعد بنى. والمثبت من "الفتح".
(6)
"شرح البخاري" 2/ 83.
(7)
في (د، م): غلب.
(8)
"فتح الباري" 1/ 627.
صَاحب السِّلعة أحَقُّ بالسَّوم يَعني منَ المشتري في ذكر الثمن؛ لأنه المالك وفي مَعناهُ المؤجر.
(بِحَائِطِكُمْ هذا) والحَائط البُستان الذي عَليْه مَا يحوطه.
(فَقَالُوا: والله لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلا) استثناء مُنقطع أي: لكن نكل الأمر فيه (إِلَى الله) وإلى بمعنى من (1) وكذَا وَقع عندَ الإسَماعيلي (2): لا نطلبُ ثمنهُ إلا منَ الله. ورواية ابن مَاجه: لا نأخذ له ثمنا أبدًا (3). وظاهِر الحَديث أنهُم امتنعُوا أن يأخذوا منهُ ثمنًا، لكن ذكر محَمد بن سَعد، عَن الوَاقدي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم اشتراهُ منهم بَعشرة دَنانير دَفعَهَا عنهُ أبو بكر رضي الله عنه (4). ويَحتمل أنهم لما امتنعُوا من أخذ ثمنه لم يقبل، بَل ألح عَليهم حَتى أخَذُوا ثَمنه عَشرة دَنَانير.
(قَالَ أَنَسٌ: وَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ لَكُمْ: كَانَتْ فِيهِ) أي: في الحَائط الذي بنى في مكانه المَسْجد (قُبُورُ المُشْرِكِينَ، وَكانَتْ فِيهِ خِرَبٌ) قال ابن الجَوزي (5): المعَرُوف فيه فتح الخَاء وكسْر الراء بعدهَا بَاء موَحدة، جَمع خربة، كَكَلم وكلمة، وحكى الخطابي (6) أيضًا كسْر أوله وفتح ثانيه، جمع خِربة، كعنَب وعنَبة. قالَ ابن حجر: والمشهور في "سُنَن
(1) من (د، ل، م).
(2)
وكذا عند ابن خزيمة (788).
(3)
"سنن ابن ماجه"(742).
(4)
"الطبقات الكبرى" لابن سعد 1/ 239.
(5)
"كشف المشكل من حديث الصحيحين" 3/ 260.
(6)
انظر: "أعلام الحديث" 1/ 390 - 391.
أبي دَاود" فتح أوله وكسْر ثانيه (1).
(وَكَانَ فِيهِ نَخْلٌ، فَأَمَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِقُبُورِ المُشْرِكينَ فَنُبِشَتْ) فيه جَوَاز نَبش القُبور الدارسة، وأَنَّهُ إذا أزيل ترابهَا المختلط بِصَديدهم ودمَائهِمْ جَازت الصَّلاة في تلك الأرض، وجَوَاز اتخاذ مَوْضعهَا مَسْجِدًا إذا طُيِّبَت أرضه. وفيه أَن الأرض التي دفن فيها الموتى ودرسَت يَجُوز بَيْعهَا وهبتها، وإن لم يذكر البَيع في الأرض؛ لأنه لو لم يَجُز لم يطلبه النبي صلى الله عليه وسلم وأنها بَاقية عَلى ملك صَاحبهَا وورثته من بَعده إذا لم تُوقَفْ.
[(وبالخِرب فسُوِّيت)] ومَعنى التسوية أن يكون فيهَا بنَاء هَدم (2) أو ارتفاع وانهبَاط من مَوضع الأشجار، فسُوّيت الأرض بإزالته لتَصير جَميع الأرض مُسْتَوية مَبسُوطَة للمصَلين (وَبِالنخْلِ فَقُطِعَ) فيه جَوَاز قطع الأشجار المُثمرَة للحَاجَة، وتعقب لاحتمال أن تكون تلك الأشجار (3)(فَصَفُّوا النَّخْلَ) التي قُطِعَت (قِبْلَةً للْمَسْجِدِ).
قال الكرمَاني في قوله: (فَصفوا النخل) أي: مَوَاضع النخل، والظاهر أنهمُ صَفوا النخل قائمة في مَوْضع المحراب وغيره مِن جهة القبلَة سُترة للمصَلين، ويدل على ذلك قوله:(وَجَعَلُوا عِضَادَتَيهِ) بِكَسْر المُهملة أي: جَانبا العَتبَة مِنَ البَاب، ويحتمل أن يَكون عضادَتي المِحْراب.
(حِجَارَةً، وَجَعَلُوا يَنْقُلُونَ الصخر)(4) روَاية ابن مَاجَه: فكانَ النبي صلى الله عليه وسلم
(1) انظر: "فتح الباري" 1/ 627.
(2)
في (ص، س): هذه.
(3)
كذا بالأصول الخطية، ولعله سقط لفظة: يابسة.
(4)
من (د، م). وبياض في (ل).
يَبنيه وهمُ يناولونَه والنَّبي صلى الله عليه وسلم يَقول (1)(وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ) ويقَالُ: يُرجِزُون بوَزن: يُقْبلون أي: يقولُون (2) شعر الرَّجز، وهو نَوع مِن أنواع الشعر، وَقيل: لَيْسَ الرجز من أبحر (3) الشعر (وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعَهُمْ وَ) هُوَ (يَقُولُ) لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقول الشعر (اللَّهُمَّ لَا خَيرَ إلا خَيرُ الآخِرَهْ) روَاية ابن مَاجَه: "إن العَيشَ عَيشُ الآخِرَة"(4). (فَانْصُرِ الأنَصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ) وأكثَر روَاة البخَاري: "فاغفر للأنصَار والمُهَاجره"(5).
وَروَاه المُستملي والحمَوي "فاغفر الأنصار"(6). بحَذف اللام، [توَجه بأن](7) أغفر ضمن مَعنى أستر، وفيه جَوَاز قَول الأشعار في (8) حَال البنَاء وغَيره مِنَ الأعمال والأسفار تَنشيطًا للنفوس وتَسهيلًا للأعمال، واختَلفُوا في أنَّ الرَّجز شعر أمْ لَا، واتفقوا على أنَّ الشعر لا يكون شِعرًا إلا بالقَصد، أمَا إذا جَرى كلام مَوزُون بِغَير قصد فلا يكون شِعرًا، وعَليه يحمل مَا جَاء عَن النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك.
[454]
(ثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التبوذكي، قال:(ثَنَا حَمَّادُ) بْنُ سَلَمَةَ (عن أَبِي التَّيَّاحِ) يزيد بن حمَيد.
(1)"سنن ابن ماجه"(742).
(2)
في (ص، س): يقول.
(3)
من (د، س، ل، م).
(4)
"سنن ابن ماجه"(742).
(5)
"صحيح البخاري"(428).
(6)
في (د): للأنصار.
(7)
في (ص): بوجه ثان.
(8)
سقط من (د).
(عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كانَ مَوْضِعُ المَسْجِدِ حَائِطًا (1) لِبَنِي النَّجَّارِ فِيه خِرَب) (2) تقدم (3).
(وَنَخْلٌ وَقُبُورُ المُشْرِكينَ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: ثَامِنُونِي بِهِ. فَقَالُوا: لا نَبْغِي) أي: لا نطلب ثمنه (فَقَطَعَ النَّخْلَ) بفتح القَاف والطاء [من قطع](4) ونَصب النخل مَبني للفاعِل أي: أمر بالقطع (وَسُوِّيَ الحَرْثُ) بفتح الحَاء المهملة وآخرهُ ثاء مثَلثة، هَكذا روَاية حَماد عَن أبي التياح (5).
قال ابن حجرَ: وهم من روى في البخاري بالمهملة (6) والمثَلثَة؛ لأنها إنما جَاءت من روَاية ابن سَلمة عن أبي التياح (7)، والبخَاري إنما أخرَجَهُ مِن رِوَاية عَبد الوَارث (8).
قالَ الخَطابي (9): لعَلَّ صَوَابه خُرَبٌ بضم الخاء المُعجمة، جَمع خُرْبة بالضم، وهي الخروق في الأرض، أو لَعَلهُ جرف (10).
قال القاضي: [مَا أدرِي](11) مَا اضطره إلى هذا المعنَى (12) يعني:
(1) في (ص): حافظًا.
(2)
في (ص): حرث.
(3)
سقط من (د).
(4)
من (د، م).
(5)
في (ص): النتاج.
(6)
في الأصول الخطية: بالموحدة.
(7)
في (ص): النتاج.
(8)
"الفتح": 1/ 627.
(9)
"أعلام الحديث" 1/ 390 - 391.
(10)
في جميع النسخ (خرق).
(11)
سقط من (د).
(12)
سقط من (د، م).
أن هذا تكلف لا حَاجَة إليه، فإن الذي ثبت في الروَاية صَحيح المَعْنَي لا حَاجَة إلى تغييره (1).
(وَنُبِشَ قُبُورُ المُشْرِكينَ) مِنَ الجَاهلية وغَيرهم أي: دونَ غَيرهَا مِن قبور الأنبيَاء وأتباعهم لما في نبش القبر وإخرَاج الميت من إهَانة لهُ، فلهَذا جَاز نَبش قُبور المشركين وغَيرهم ممن لا حُرمة له.
(وَسَاقَ الحَدِيثَ) المتَقدم (وَقَالَ) في هذِه الروَاية (فَاغْفِرْ) الأنصَار (مَكَانَ فَانْصُرْ) الأنصَار، وسَبَقَ تَوجيهه (2) بأن اغفر ضمن معنى استُر؛ فَإنَّ الغفر هوَ الستر، ومنهُ سُميَ المِغْفَر؛ لأنهُ يَسْتر الرأس.
(قَالَ مُوسَى) بن إسماعَيل (وَثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ) التنوري (بِنَحْوِهِ، وَكَانَ عَبْدُ الوَارِثِ يَقُولُ) في روَايته (3)(خَرِبٌ) بِفَتح الخاء المُعجمة وكَسْر الرَّاء، (وَزَعَمَ عَبْدُ الوَارِثِ أَنَّهُ أَفَادَ حَمَّادًا) يَعني: ابن سَلمة (هذا الحَدِيثَ) واللهُ أعلم.
(1)"شرح صحيح مسلم" للنووي 5/ 7.
(2)
في (ص، ل): توجيه.
(3)
في (ص، س، ل): رواية.