الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
47 - باب فيِ التَّشْدِيدِ فِي تَرْكِ الجَماعَةِ
547 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْن يُونُسَ، حَدَّثَنَا زائِدَة، حَدَّثَنا السَّائِبُ بْنُ حُبَيْشٍ عَنْ مَعْدانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ اليَعْمُرِيِّ عَنْ أَبِي الدَّرْداءِ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقول: "ما مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلا بَدْوٍ لا تُقامُ فِيهِمُ الصَّلاةُ إِلَّا قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيهِمُ الشَّيطانُ فَعَلَيكَ بِالجَماعَةِ فَإِنَّما يَأكُلُ الذئْبُ القاصِيَةَ". قال زائِدَةُ: قال السَّائِبُ: يَعْنِي بِالجماعَةِ الصَّلاةَ فِي الجماعَةِ (1).
548 -
حَدَّثَنا عُثْمانُ بْن أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا أَبُو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ أَبِي صالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَتُقَامَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لا يَشْهَدُونَ الصَّلاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ"(2).
549 -
حَدَّثَنا النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنا أَبُو المَلِيحِ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْن يَزِيدَ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ الأَصَمِّ سَمِعْت أَبا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ فِتْيَتِي فَيَجْمَعُوا حُزَمًا مِنْ حَطَب ثُمَّ آتِيَ قَوْمًا يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ لَيسَتْ بِهِمْ عِلَّةٌ فَأُحَرِّقُهَا عَلَيهِمْ". قُلْت لِيَزيدَ بْنِ الأَصَمِّ: يا أَبا عَوْفٍ الجُمُعَةَ عَنَى أَوْ غَيْرَها؟ قال: صُمَّتا أُذُنايَ إِنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْتُ أَبا هُرَيْرَةَ يَأْثِرُهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ما ذَكَرَ جُمُعَةً وَلا غَيْرَها (3).
550 -
حَدَّثَنا هارُونُ بْنُ عَبّادٍ الأزدِيُّ، حَدَّثَنا وَكِيعٌ عَنِ المسْعُودِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الأَقمَرِ، عَنْ أَبِي الأَحوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قال: حافِطوا عَلَى هؤلاء الصَّلَواتِ
(1) رواه النسائي 2/ 106، وأحمد 6/ 446.
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(556).
(2)
رواه البخاري (644، 657)، ومسلم (651/ 252).
(3)
رواه مسلم (651/ 253).
الخَمْسِ حَيْثُ يُنادَى بِهِنَّ فَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الهُدَى وَإِنَّ اللهَ شَرَعَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم سُنَنَ الهُدَى وَلَقَدْ رَأَيْتنا وَما يَتَخَلَّفُ عَنْها إِلَّا مُنَافِقٌ بَيِّن النِّفاقِ وَلَقَدْ رَأَيْتُنا وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ وَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَلَهُ مَسْجِدٌ فِي بَيْتِهِ وَلَوْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيوتِكم وَتَرَكْتُم مَسَاجِدَكمْ تَرَكْتمْ سُنَّةَ نَبِيِّكمْ صلى الله عليه وسلم وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكمْ صلى الله عليه وسلم لَكَفَرْتُم" (1).
551 -
حَدَّثَنا قُتَيْبَة، حَدَّثَنا جَرِيرٌ عَنْ أَبِي جَنابٍ عَنْ مَغْراءٍ العَبْدِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عَبّاسٍ قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَمِعَ المُنادِيَ فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنَ اتِّباعِهِ عُذْرٌ". قَالوا: وَما العُذْرُ؟ قال: خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ "لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ الصَّلَاةُ التِي صَلَّى". قال أَبُو داودَ: رَوَى عَنْ مَغْراءٍ أَبُو إِسْحاقَ (2).
552 -
حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْن حَرْبٍ، حَدَّثَنا حَمَّادٌ بْن زَيْدٍ، عَنْ عاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، عَنِ ابن أُمّ مَكْتُومٍ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رَسُولَ اللهِ إِنِّي رَجُلٌ ضَرِيرُ البَصَرِ شاسِعُ الدَّارِ وَلِي قائِدٌ لا يُلائِمُنِي فَهَلْ لِي رُخْصَةٌ أَنْ أُصَلِّيَ في بَيْتِي قال: "هَلْ تَسْمَعُ النِّداءَ". قال: نَعَمْ. قال: "لا أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً"(3).
553 -
حَدَّثَنا هارُونُ بْنُ زيدِ بْنِ أَبِي الزَّرْقاءِ، حَدَّثَنا أَبِي، حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عابِسٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ ابن أُمَّ مَكْتُومٍ قال: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ المَدِينَةَ كَثِيرَةُ الهَوامِّ والسِّباعِ. فَقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم "أَتَسْمَعُ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى الفَلاحِ فَحَيَّ هَلَا".
(1) رواه مسلم (654/ 257) بلفظ: (لضللتم) بدلا من (لكفرتم).
قال الألباني في "الإرواء" 2/ 247 عن رواية أبي داود: ضعيفة منكرة؛ لمخالفتها سائر الروايات.
(2)
رواه ابن ماجة (793)، وابن حبان (2064).
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(560).
(3)
رواه ابن ماجة (792)، وأحمد 3/ 423.
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(561).
قال أَبُو داودَ: وَكَذا رَواهُ القاسِمُ الجَرْمِيُّ، عَنْ سُفْيانَ لَيْسَ فِي حَدِيثِهِ:"حَيَّ هَلا"(1).
* * *
باب التشديد في ترك الجماعة
[547]
(ثنا أحمد بن يونس) قال: (ثنا زائدة) قال: (ثنا السائب بن حبيش) بضم الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة مصغر (2)، الكلاعي، الحمصي. قال العجلي: ثقة (3)[ذكره البخاري في "تاريخه" (4)، وابن حبان في "الثقات" (5)](6).
(عن معدان بن أبي طلحة) ويقال ابن طلحة اليعمري الكناني، وثقه ابن سعد (7) والعجلي (8) (اليعمري) بفتح الميم (عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من ثلاثة) أي ثلاثة رجال (في
(1) رواه النسائي 2/ 109.
قال النووي في "خلاصة الأحكام" 2/ 653 (2257): إسناده حسن.
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود"(562).
(2)
زاد هنا في (س، ل، م): الأسدي أسد قريش. وهو خطأ إذ السائب بن حبيش الأسدي، غير الكلاعي، فالأول صحابي أو مختلف في صحبته. وهذا الذي معنا أدرك صغار التابعين.
(3)
"الثقات" للعجلي 1/ 384.
(4)
"التاريخ الكبير"(2296).
(5)
"الثقات" لابن حبان 6/ 413.
(6)
من (م).
(7)
"الطبقات الكبرى" 7/ 444.
(8)
"الثقات" 2/ 286.
قرية) قال في "كفاية المتحفظ": القرية كل مكان اتصلت أبنيتُه واتُّخِذَ قرارًا، ويقع على المدن وغيرها، والجمع قرى على غير قياس (1).
وفيه دلالة لما نقله صاحب "التلخيص" عن القديم أن الجمعة تصح ابتداء من ثلاثة رجال والإمام ثالثهم. قال إمام الحرمين: وقد بحث الأئمة عن كتب الشافعي في القديم فلم (2) يجدوا هذا القول أصلًا فردوه (3).
(ولا بدو) على وزن فلس، وهو خلاف الحضر، والنسبة إلى البادية بدوي على غير قياس العربية (لا تقام فيهم الصلاة) أي: صلاة الجماعة (إلا) وقد (استحوذ عليهم الشيطان) أي: استولى عليهم وغلبهم؛ لأنه تَرْكُ شعار من شعار الإسلام وأمور الشريعة بغير (4) عذر من متابعة (5) الشيطان واستيلائه.
وقد استدل بعض أصحابنا بهذا الحديث على أن (6) الجماعة فرض كفاية على الرجال، فتجب بحيث يظهر الشعار في القرية، ولا يشترط أن يحضرها جمهور أهلها، ولا فرق في هذا الفرض بين أهل القرى والبوادي والمسافرين؛ لأن الوعيد فيه لأهل القرية والبدو، والمسافرين في معناهم، وتوقف إمام الحرمين في البوادي (7)، ورد
(1)"كفاية المتحفظ" لأبي إسحاق الطرابلسي 1/ 172.
(2)
في (س): فلا.
(3)
"نهاية المطلب" 2/ 481.
(4)
في (ل، م): لغير.
(5)
في (س): مبالغة.
(6)
ساقطة من (ص).
(7)
"نهاية المطلب" 2/ 366.
عليه النووي (1) بقوله في هذا الحديث "ولا بدو"(2).
(فعليك) رواية النسائي: "فعليكم"(3)(بالجماعة) فيه الحث والتحريض على الصلاة في الجماعة، ثم ذكر العلة في ذلك:(فإنما يأكل الذئب) من الغنم الشاة (القاصية) أي: البعيدة المنفردة من قطيع الغنم، وهذا على طريق ضرب المثل، فشبه الشيطان في بعده واعتزاله عن جماعة المسلمين بالذئب فإنه لا يأكل من الغنم المتجمعة (4) التي تحت [اطلاع الراعي](5) وملاحظته، ويستولي الشيطان على من فارق الجماعة، كما أن الذئب يأكل المنفردة من الأغنام، والراعي (6) لجماعة المصلين هو نظر الله إلى الجماعة المصلين وحفظه كما في الحديث "يد الله على الجماعة، ومن شذّ شذّ في النار"(7).
(قال زائدة) بن قدامة: (قال السائب) بن حبيش: (يعني بالجماعة الصلاة في الجماعة) وأقل الجماعة إمام ومأموم، وهذا هو المعروف عند الشافعية (8)، لكن قوله أول الحديث "ما من ثلالة لا تقام فيهم
(1) في (ص): الثوري.
(2)
"المجموع" 4/ 187.
(3)
"المجتبى" 2/ 106.
(4)
في (س، م): المجتمعة.
(5)
في (ص) إبلاغ الداعي. وفي (س، ل): إبلاغ الراعي.
(6)
في (ص): الداعي.
(7)
أخرجه الترمذي (2167)، وابن أبي عاصم في "السنة"(80)، والحاكم في "المستدرك 1/ 115، وصححه الألباني دون قوله: ومن شذ شذ في النار.
"ضعيف الجامع"(1848)، "المشكاة"(173).
(8)
"المجموع" 4/ 196.
الجماعة" يدل على أن أقل الجماعة إمام ومأمومان.
[548]
(ثنا عثمان بن أبي شيبة) قال: (ثنا أبو (1) معاوية) الضرير (عن الأعمش، عن أبي صالح) السمَّان (2)(عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد هممت) أي: عزمت، ومضارعه أَهُمَّ بضم ثانيه (أن آمر) بالمد أصله أَأْمر بهمزتين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة، فقلبت الهمزة ألفًا من جنس حركة ما قبلها (بالصلاة) أي: بإقامة الصلاة (فتقام) نُصِبَ وما بعده من الأفعال عطفًا على آمر الذي قبله، والألف واللام في الصلاة للعهد، ويحتمل أن تكون للجنس، أي: أي صلاة فرضت، وعلى الأول يحتمل العشاء كما في رواية، ويحتمل الجمعة؛ لأن الجماعة شري فيها.
(ثم آمر رجلًا فيصلي بالناس) الجماعة (ثم أنطلق برجال) فيه أن الإمام إذا عرض له شغل يستخلف من يصلي بالناس، وفيه جواز الانصراف بعد إقامة الصلاة لعذر (معهم حُزَم) بضم الحاء وفتح الزاي جمع حُزْمة، كغرف جمع غرفة (من حطب) يقال: حَزَّمْت الحطب وغيره جعله حزمة، رواية البخاري:"ثم أخالف إلى رجال"(3).
(إلى قوم) هو بمعنى الرجال، قال أهل اللغة: القوم جماعة الرجال ليس فيهم امرأة (4) سموا بذلك لقيامهم بالعظائم والمهمات، وخرج بالرجال أو القوم النساء فإنهم ليس عليهم حضور الجماعة، وقول
(1) سقط من (م).
(2)
في (ص): السمار.
(3)
"صحيح البخاري"(644) من طريق الأعرج عن أبي هريرة.
(4)
"المصباح المنير" 2/ 520.
البخاري: "أخالف" أي: آتيهم من خلفهم، أو أخالف الفعل الذي أظهرته من إقامة الصلاة، أو أخالف ظنهم (1) في أني مشغول بالصلاة.
(لا يشهدون) أي: لا يحضرون (الصلاة) مع الجماعة، فيه ردٌّ لمن يقول: المراد من التهديد قوم تركوا الصلاة رأسًا لا مجرد الجماعة، ولو أن المراد تركوا الصلاة رأسًا لقال (2): لا يصلون، ويدل على هذا رواية عجلان عن أبي هريرة عند أحمد:"لا يشهدون العشاء في الجميع"(3)، أي: في جماعة، وفي حديث أسامة بن زيد عند ابن ماجة مرفوعًا:"لينتهين رجال (4) عن تركهم الجماعات أو لأحرقن بيوتهم"(5).
(فَأُحرِّق) بالنصب، وهو بضم الهمزة وتشديد الراء هذِه الراوية المشهورة. قال البرماوي: ويروى بالتخفيف (6)، قال ابن الأثير في "شرح مسند الشافعي": التشديد هو الأكثر في الرواية؛ لأنه [يدل على](7) التكثير والمبالغة في الفعل، يقال: حرقه إذا بالغ في تحريقه (عليهم) مشعرة بأن (8) التحريق بأبدانهم؛ لأن من حُرِقَ بيته عليه
(1) في (ص): ظنه.
(2)
في (م): لقتال.
(3)
"مسند أحمد" 2/ 292.
(4)
في (ص، س، ل): برجال.
(5)
"سنن ابن ماجة"(795)، وصححه الألباني.
(6)
"حاشية البجيرمي" 1/ 288، وأشار بالرمز (بر) إلى هذا القول يعني البرماوي.
(7)
من (م)، وفي باقي النسخ: بدل من.
(8)
في (ص، ل): بيان.
احترق بالنار، ولو أريد حرق البيوت فقط لَأُسقطت لفظة:"عليهم" ويشهد لهذا ما في "مسند أحمد": "لولا ما في البيوت من النساء والذرية لأقمت (1) صلاة العشاء، وأمرت فتياني يحرقون ما في البيوت"(2).
(بيوتهم بالنار) وبوب عليه البخاري: باب وجوب صلاة الجماعة، وهو أعم من كونه وجوب عين أو كفاية، لكن الأثر الذي ذكره عن الحسن رضي الله عنه: إن منعته أمه عن العشاء في جماعة شفقة لم يطعها (3).
يشعر بكونه يريد وجوب عين، وهو مذهب عطاء وأحمد والأوزاعي وجماعة من محدثي الشافعية كأبي ثور وابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان، وبالغ داود ومن تبعه (4) فجعلها شرطًا في صحة الصلاة (5).
وأشار ابن دقيق العيد إلى أنه ينبني على أن ما وجب في العبادة كان شرطًا لها، ولما كان الوجوب قد ينفك (6) عن الشرطية قال أحمد بالوجوب دون الشرط (7).
وظاهر نص الشافعي أنها فرض كفاية، وعليه جمهور المتقدمين من
(1) في (س، ل): أقمت.
(2)
"مسند أحمد" 2/ 367، وضعفه الألباني بلفظه هذا، انظر:"ضعيف الترغيب والترهيب"(225).
(3)
لم أقف عليه مسندًا، وعزاه ابن حجر في "تغليق التعليق" 2/ 275 للحسين بن الحسن المروزي في "كتاب الصيام".
(4)
في (ص): معه.
(5)
"المجموع" 4/ 189.
(6)
في الأصول الخطية: ينقل. والمثبت من مصادر التخريج.
(7)
انظر: "إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام" 1/ 118.
أصحابه (1)، وقال به كثير من الحنفية والمالكية، والمشهور عن الباقين أنها سنة مؤكدة (2)، وأجابوا عن ظاهر هذا الحديث بأجوبة منها: أن بعضهم استنبط منه عدم الوجوب لكونه صلى الله عليه وسلم هم بالتوجه إلى المتخلفين، فلو كانت الجماعة فرض عين ما همَّ بتركها، وتعقب بأن الواجب يجوز تركه لما هو أوجب منه.
ومنها ما قاله ابن بطال: لو كانت (3) فرضًا لقال حين توعد بالإحراق: من تخلف عن الجماعة لم تجز صلاته؛ لأنه وقت البيان (4). وتعقبه ابن دقيق العيد بأن البيان قد يكون بالنص (5) وقد يكون بالدلالة، فلما قال:"فلقد (6) هممت .. " إلى آخره، دل على وجوب الحضور وهو كاف في البيان (7).
ومنها ما قاله الباجي وغيره: أن الخبر ورد مورد الزجر، وحقيقته غير مرادة، وإنما المراد المبالغة.
ويرشد (8) إلى ذلك وعيدهم بالعقوبة التي يعاقب بها الكفار (9)، وقد
(1)"الأم" 1/ 153 - 154.
(2)
"المجموع" 4/ 189.
(3)
في (ص، س، ل): كان.
(4)
"شرح صحيح البخاري" لابن بطال 2/ 270.
(5)
في (ص): بالقصد. وفي (م): بالتنصيص.
(6)
في (س، م): لقد.
(7)
"إحكام الأحكام" 1/ 195.
(8)
في (س): يشهد.
(9)
"المنتقى شرح الموطأ" 1/ 230.
[انعقد الإجماع](1) على منع عقوبة المسلمين بذلك. وأجيب: بأن المنع وقع بعد نسخ التعذيب بالنار، وكان قبل ذلك جائزًا.
ومنها قال عياض: ليس في الحديث حجة؛ لأنه عليه السلام همَّ ولم يفعل (2)، زاد النووي: ولو كانت (3) فرض عين لما تركهم (4)، وضعفه ابن دقيق العيد؛ لأنه عليه السلام لا يهمُّ إلا بما يجوز فعله (5).
[549]
(ثنا النفيلي) قال: (ثنا أبو المليح) الحسن بن عمرو الرقي، وثقه (6) أحمد وأبو زرعة (7).
قال: (حدثني يزيد بن يزيد) كلاهما من الزيادة، ابن جابر الأزدي، احتج به مسلم، وكان ثقة (8) صالحًا.
قال: (حدثني يزيد) من الزيادة (بن الأصم) العامري، أحتج به مسلم أيضًا، قال:(سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد هممت)(9) اللام جواب القسم، والهم (10) العزم، وقيل دونه، زاد مسلم في أوله:
(1) في (س): اتفقت الأئمة.
(2)
"إكمال المعلم" 2/ 622.
(3)
في (ص، س، ل): كان.
(4)
"شرح النووي على مسلم" 5/ 153.
(5)
"إحكام الأحكام" 2/ 195.
(6)
في (ص): في وقعة.
(7)
انظر: "تهذيب الكمال" 6/ 282، و"الجرح والتعديل" 3/ 25.
(8)
في (س): يعد.
(9)
سقط من (س، ل، م).
(10)
في (س): وأبهم.
أنه فقد ناسًا في بعض الصلوات فقال: "لقد هممت"(1)، فأفاد ذكر سبب الحديث.
(أن آمر فتيتي) بكسر الفاء جمع فتى، جمع قلة، وفي الكثرة فتيان، وهي رواية ابن حبان وغيره، والأصل فيه أن يقال للشاب الحدث فتى، ثم استعير للعبد وإن كان شيخًا، والأول الأصل، وهو المراد هنا، وفي هذا أن الأمور المهمة التي تحتاج إلى قوة ونشاط خصوصًا إن كانت ليلًا يجهر فيها الشباب الأقوياء دون الشيوخ.
(فيجمعوا حزمًا من حطب) رواية "الموطأ": "أن آمر بحطب فيحطب"(2). وهي رواية البخاري (3)(4). ومعنى يحطب أن يكسر ليسهل اشتعال النار به.
(ثم آتي قومًا يصلون في بيوتهم) فيه دلالة على أن هذا الحديث في المسلمين المنافقين نفاق معصية لا نفاق كفر؛ لأن المنافق الكافر لا يصلي في بيته إنما يصلي في المسجد رياء وسمعة، ويدل على هذا ما في الحديث "لولا ما في البيوت من النساء والذرية"(5) لأنهم ما (6) كانوا كفارًا؛ لأن تحريق بيت الكافر إذا تعين طريقًا إلى الغلبة عليه لم يمنع ذلك وجود النساء والذرية في البيوت.
(1)"صحيح مسلم"(651)(251) من طريق الأعرج عن أبي هريرة.
(2)
"الموطأ" 1/ 129.
(3)
"صحيح البخاري"(644).
(4)
في (م): للبخاري.
(5)
سبق تخريجه.
(6)
في النسخ: لو. والمثبت الأنسب للسياق، وانظر:"الفتح" 2/ 127.
(ليست بهم علة) أي: عذر يمنعه من الحضور، وسيأتي في الحديث الآتي، وما العذر؟ خوف أو مرض، وللجماعة والجمعة أعذار كثيرة غير هذين كما سيأتي بعضها (فأحرقها) بنصب القاف عُطِفَ على ما قبله (عليهم قال يزيد بن يزيد: قلت ليزيد بن الأصم: يا أبا عوف) فيه نداء الرجل بكنيته؛ لأن فيه نوع إكرام (الجمعة) بالنصب مفعول مقدم (عَنَى) لأن الجماعة شرط فيها (أو غيرها؟ ) من الصلوات (قال: صَمَّتَا) بفتح الصاد والميم والتاء مبنيًّا للفاعل، والألف علامة التثنية (1) مع كون الفاعل ظاهر وهو (أذناي) على لغة: أكلوني البراغيث، ورواية الطبراني على اللغة الفصحى: صمت أذناي (2)، وصمت أصلها صَمِمَتْ بكسر الميم الأولى كتعِبَ (3) ومعناه: بطل سمعها، كذا فسره الأزهري وغيره، ويتعدى بالهمزة فيقال: أصمه الله، ولا يستعمل الثلاثي متعديًا، فلا يقال: صَمَّ الله الأذن، ولا ينبني (4) للمفعول، فلا يقال: صُمَّتْ، هكذا نقله أهل اللغة، وعلى هذا فلا يجوز أن يقرأ الحديث صُمَّتَا (5) بضم الصاد، ولا يعتبر بضبط (6) بعض النسخ.
(إن لم أكن سمعت أبا هريرة يأثره) بضم المثلثة لا غير، يقال: أثرت
(1) في (ص): الستة.
(2)
لم أقف عليه عند الطبراني.
(3)
في (ص): لنعت.
(4)
في (ص): شيء.
(5)
في (م): صما.
(6)
في (م): لضبط.
الحديث (1) بقصر الهمزة آثره بالمد (2) وضم المثلثة أثرًا، كقتلته (3) قتلًا، وَأصل آثَرهُ بالمد أأثُرُه بهمزتين، لكن أبدلت الثانية ألفًا، ومعنى يأْثَره أي يحدث به ويثقله، والأثر بفتحتين اسم منه، وحديث مأثور أي: منقول.
(عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكر) في (جمعة ولا غيرها) فيه دلالة على أن هذا التهديد يعم سائر الصلوات المفروضة، وقد أورد الحديث مسلم من طريق وكيع، عن جعفر بن برقان، عن يزيد بن الأصم، عنه (4).
وساقه الترمذي وغيره من هذا الوجه بإبهام الصلاة (5)، وكذا رواه السراج وغيره من طرق عن جعفر، وخالفهم معمر عن جعفر فقال: الجمعة. أخرجه عبد الرزاق عنه (6)، والبيهقي من طريقه، وأشار إلى ضعفها لشذوذها (7)، وهذه الرواية هنا ورواية الطبراني من طريق يزيد بن يزيد. قال ابن حجر: فظهر بهذا أن الراجح في حديث أبي هريرة أنها غير الجمعة، وأما حديث ابن أم مكتوم فسيأتي (8).
[550]
(ثنا هارون بن عباد)، بتشديد الباء الموحدة الأزدي المصيصي الأنطاكي، قال:(ثنا وكيع) بن الجراح، قال عباس (9)
(1) في (س): الحديد.
(2)
سقط من (م).
(3)
سقط من (م).
(4)
مسلم (651/ 253).
(5)
الترمذي (217).
(6)
"مصنف عبد الرزاق"(1986) غير أنه لم يسق لفظه.
(7)
"سنن البيهقي الكبرى" 3/ 56.
(8)
"فتح الباري" 2/ 151.
(9)
في (ص): عياش.
الدوري: قال لي أحمد: حدثني من لم تر عيناك مثله (1). قدم وكيع مكة فرآه (2) الفضيل (3) بن عياض (4) فقال: ما هذا السِّمَنُ وأنت [راهب العراق؟ ](5) قال: مِنْ فَرَحِي بالإسلام. فأفحمه وقال: لو علمت (6) أن الصلاة أفضل من الحديث ما حدثتكم.
(عن) عبد الرحمن بن عبد الله (المسعودي، عن علي بن الأقمر)(7) الوادعي (عن أبي الأحوص) عوف بن مالك، (عن عبد الله بن مسعود، قال: حافظوا على) أداء (هؤلاء الصلوات) الخمس اللاتي كتبهن الله عليكم في كل يوم وليلة، (حيث) أي: في المكان الذي (ينادى بهن) فيه، وهي المساجد والجوامع. وزاد النسائي أوله:"من سرَّه أن يلقى الله غدًا مسلمًا فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث (8) ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيه صلى الله عليه وسلم سنن الهدى"(9).
(فإنهن من سنن الهدى) قال القرطبي روي السَّنن بفتح السين وهو الطريق، وبضمها جمع سنة وهي الطريقة التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم (10)،
(1)"تهذيب الكمال" 30/ 472.
(2)
في (م): فرآهم.
(3)
في جميع النسخ: الفضل. والمثبت من "سير أعلام النبلاء" 9/ 156.
(4)
زاد في (م): سمنًا.
(5)
في (ص): ذاهب للعراق.
(6)
في (م): علم. وفي (س): علمي.
(7)
من (م)، وفي بقية النسخ: الأحمر.
(8)
في (ص): حين.
(9)
"سنن النسائي" 2/ 108.
(10)
"المفهم" للقرطبي 2/ 280.
وهي طريق الصواب التي من سلكها فقد هدي إلى صراط مستقيم.
(وأن الله شرع لنبيه صلى الله عليه وسلم سُنن) بضم السين وفتحها (الهدى) قال ابن عبد البر في قول ابن مسعود في الصلوات الخمس في جماعة: إنها من سنن نبيكم دليل واضح على أن شهود الجماعة في غير الجمعة سنة من مؤكدات السنن، ومما يوضح لك أنها سنة وفضيلة لا فريضة قوله صلى الله عليه وسلم:"إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء فابدؤوا بالعَشاء" رواه ابن عمر وعائشة وأنس عن النَّبِي صلى الله عليه وسلم من وجوه ثابتة (1)، ومثله الرخصة [لآكل الثوم](2) من التخلف عن الجماعة (3).
(ولقد رأيتنا)(4) هذا من غرائب الضمائر، وهي الجمع بين ضميرين كلاهما للمتكلم، وإن كان أحدهما للمتكلم خاصة، والآخر للمتكلم ومعه (5) غيره، كما في قوله تعالى:{أَرَأَيْتَكَ} (6) في الأنعام في موضعين ليس لها في العربية نظير، وهي الجمع بين علامتي خطاب، وهما التاء والكاف.
(وما يتخلف عنها إلا منافق بَيِّنُ النفاق، ولقد رأيتنا وإن الرجل) منا (ليهادى) رواية النسائي: لقد رأيت الرجل يهادى (7)(بين الرجلين)
(1) سيأتي تخريجه.
(2)
في (ص): لا كل اليوم.
(3)
"الاستذكار" 5/ 326.
(4)
في (ص): رأينا.
(5)
في (ص، س، م): من.
(6)
في الأنعام (أرأيتكم) مرتين (40، 47)، ووردت في الإسراء (أرأيتك)62.
(7)
"سنن النسائي" 2/ 108.
أي: يعتمد عليهما متكئًا على كل واحد منهما من جهة في مشيه (حتى يقام في الصف) قال النووي: في هذا كله تأكيد أمر الجماعة، وتحمل أمر (1) المشقة في حضورها، وأنه إذا أمكن المريض ونحوه التوصُّل إليها استحب له حضورها (2)، وإن كان مع مشقة.
(وما منكم من أحدٍ إلا وله مسجد) أي: مكان (في بيته) معدٌّ للصلاة فيه يستحب تنظيفه وتطييبه كما تقدم.
(ولو صليتم في بيوتكم) الفرائض (وتركتم مساجدكم) التي للجمعة والجماعة (تركتم) رواية النسائي: "لتركتم"(3) بزيادة اللام (سنة نبيكم).
وروى الطبراني في "الأوسط" بإسناد رجال الصحيح عن ابن عباس، قال: من سمع حي على الفلاح فلم يجبه فقد ترك سنة محمد صلى الله عليه وسلم (4). انتهى (5) ومن ترك سنة محمد صلى الله عليه وسلم فقد ضلَّ.
(ولو تركتم سنة نبيكم لكفرتم) بالسنة، ولم تروها سنة، ولا ترجون ثوابها، فيئول ذلك (6) بكم إلى الكفر بأن تتركوا شيئًا فشيئًا حتى تخرجوا من الملة وتضلوا عن الإسلام، رواية (7) مسلم والنسائي وغيرهما: لضللتم (8).
(1) سقط من (م).
(2)
"شرح النووي على مسلم" 5/ 157.
(3)
"سنن النسائي" 2/ 108.
(4)
"المعجم الأوسط"(7990)، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب"(432).
(5)
من (م).
(6)
من (م).
(7)
في (س): رواه.
(8)
"صحيح مسلم"(654)(257)، و"سنن النسائي" 2/ 108.
وفي هذا الحديث تأكد شهود الصلوات في الجماعة، ولذلك قال جماعة: أنها فرض كفاية كما تقدم. قال القاضي عياض: اختلف في المتمادي (1) على ترك ظاهر السنن هل يقاتل عليها أم لا؟ قال: والصحيح قتالهم؛ لأن في (2) التمادي على تركها إماتتها (3).
وقال أصحابنا في كتاب الشهادات: أن من ترك السنن الراتبة وتسبيح الركوع والسجود أحيانًا لم ترد شهادته، أو اعتاد تركها رُدت شهادته (4).
[551]
(ثَنَا قُتَيبَةُ) قال: (ثَنَا جَرِيرٌ) بفتح الجيم، بن عبد الحميد الضبي. (عَنْ أَبِي جَنَابٍ) بفتح الجيم وتخفيف النون، واسمه يحيى بن أبي حية - ضد ميتة - الكلبي، قال النسائي: ليس بالقوي (5)، وحصل له عمى في بصره فدعا له بعض أصحابه برده (6) فعطس فرد، وكان ذلك يوم الجمعة.
(عَنْ مَغْرَى) بفتح الميم وإسكان الغين المعجمة وفتح الراء مقصور (الْعَبْدِيِّ)(7) أبي المخارق (8)، ذكره ابن حبان في "الثقات"(9).
(عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَال
(1) في (س، م): التمادي.
(2)
من (م).
(3)
"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 1/ 350.
(4)
"روضة الطالبين" 11/ 233 - 234.
(5)
نقله عنه المزي في "تهذيب الكمال " 31/ 289، وقال النسائي في "الضعفاء والمتروكين" (640): ضعيف كوفي.
(6)
تحرفت في (س) إلى: بركاه.
(7)
ويقال أيضًا: العيذي لأنه من بني عائذ.
(8)
في (ص): المخارف.
(9)
"الثقات" لابن حبان 5/ 464.
رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ سَمِعَ المُنَادي) بالنصب (فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنَ اتِّبَاعِهِ) رواه ابن ماجه (1)، وابن حبان (2)، والدارقطني (3)، والحاكم (4)، عن عبد الحميد بن بيان، عن هشيم، عن شعبة بلفظ:"من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له"(إلا من عُذْر) مرفوعًا هكذا، وإسناده صحيح (قَالوا: وَمَا العُذْرُ) المانع؟ وهذا استفهام تصور، فإن الاستفهام ينقسم إلى قسمين؛ لأنه إما أن يطلب منه التصور أو التصديق، فالتصور كقولك: أعسلٌ في الزق (5) أم دِبْس؟ وهذا الحديث، والتصديق مثل: أقام زيد؟ ومنه في حديث ذي اليدين: "أحقٌّ ما يقول ذو اليدين"(6).
(قَال: خَوْفٌ) هذا خبر مبتدأ محذوف، حذف (7) للعلم به، والتقدير: هو خوف.
قال في "شَرح السُّنَّة": اتفق العلماء على أنه لا رخصة في ترك الجماعة إلا من عذر (8)، فإنها تسقط به سواء قلنا سنة [أم فرض عين](9) أم فرض كفاية، ومعنى السقوط سقوط الإثم على قول الفرض، والكراهة على قول السنة، وليس معناه أنه إذا ترك الجماعة لعُذْر أنه يحصل له فضيلتها، وقد قطع النووي بأنه لا تحصل له فضيلتها (10)، وذلك ظاهر فيما إذا لم تكن له عادة، أما إذا كان
(1)"سنن ابن ماجه"(793).
(2)
"صحيح ابن حبان"(2064).
(3)
"سنن الدارقطني" 1/ 420.
(4)
"المستدرك " 1/ 245.
(5)
في (ص): الرف.
(6)
سيأتي تخريجه عند الكلام عليه إن شاء الله تعالى.
(7)
سقط من (م).
(8)
"شرح السنة" 3/ 348.
(9)
من (م).
(10)
"شرح مسلم" 5/ 155.
ملازمًا للجماعة وحبسه عنها عذر فينبغي أن يحصل له فضيلتها لحديث: "إن العبد إذا مرض أو سافر يكتب له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا"(1) والعذر إما عام كالمطر والريح العاصف بالليل؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر مؤذنًا يؤذن ثم يقول على أثره: "ألا صلوا في رحالكم" في الليلة المطيرة أو الباردة رواه البخاري (2). أو خاص كالخوف، ويدخل فيه الخوف من ظالم على نفسه أو ماله، أو على مريض عنده بلا متعهد، ولا عِبْرَة (3) بالخوف ممن يطالبه بحق هو ظالم في منعه، بل عليه حضور الجماعة وتوفية الحق.
(أَوْ مَرَضٌ) وضابط المرض أن يحصل من الذهاب إلى الجماعة مشقة كمشقة المشي في المطر، فإن كانت مشقة المرض يسيرة كوجع الضرس والصداع اليسير والحمى الخفيفة فليس بعذر إذا لم يصل (4) مشقته كمشقة المشي في المطر.
(لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ (5) الصَّلاةُ التِي صَلَّاها) في غير الجماعة، هكذا رواية أبي داود، والرواية المتقدمة:"فلا صلاة له" وكذا رواية الحاكم في الشواهد التي ذكرها من طريق أبي [بكر بن](6) عياش، عن أبي حصين، عن (7) أبي بردة، عن أبيه بلفظ: "من سمع النداء فارغًا
(1) أخرجه البخاري (2996)، وسيأتي إن شاء الله.
(2)
"صحيح البخاري"(632).
(3)
تحرفت في جميع النسخ إلى (غيره).
(4)
من (م). وفي باقي النسخ: يحصل.
(5)
زاد في (س): إلا.
(6)
من (ل، م).
(7)
زاد في (ص): بكر بن.
صحيحًا فلم يجب فلا صلاة له" (1) أي لا صلاة كاملة لمن صلى منفردًا.
[552]
(ثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ حَرْبٍ) قال: (ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ) بن أبي النجود، أحد القرَاء السبعة.
(عَنْ أَبِي رَزِينٍ) بفتح الراء وكسر الزاي، هو مسعود بن مالك التابعي الأسدي الكوفي، قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه ثقة (2).
(عَنِ ابن أُمِّ مَكْتُومٍ) تقدم الخلاف في اسمه (أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي رَجُلٌ ضَرِيرُ البَصَرِ شَاسِعُ) أي: بعيد (الدَّارِ) من المسجد، من شسع بفتحتين.
(وَلِي [قَائِدٌ لا يُلاومُنِي)] (3) قال الخطابي: هكذا يروى في الحديث يلاومني بالواو، والصواب يلائمني أي: يوافقني (4). وهو بالهمزة المرسومة بالواو، والهمزة فيه أصلية من لأمت الخرق أصلحته، و [لاءمت](5) بين القوم ملاءمة مثل صالحت (6) ووافقت بينهم وزنًا ومعنى، وأما الملاومة بالواو فهي من اللوم، وليس هذا موضعه، ورواية الطبراني في "الكبير" عن أبي أمامة قال: أقبل ابن أم مكتوم
(1)"المستدرك" للحاكم 1/ 246.
قال الألباني في "الإرواء" 2/ 338: وهذا سند صحيح على شرط البخاري لولا أن ابن عياش فيه ضعف من قبل حفظه، لكن تابعه مسعر عند أبي نعيم في "أخبار أصبهان" 2/ 342.
(2)
"الاستغناء في معرفة المشهورين بالكنى"(698).
(3)
تحرفت في (س) إلى: فلا بد لا يلازمني.
(4)
"معالم السنن" المطبوع مع "مختصر سنن أبي داود" 1/ 291.
(5)
في (ص، س): لاء من.
(6)
في (م): صافحت.
وهو أعمى، وهو الذي أنزل الله فيه {عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى} (1) فقال: يا رسول الله بأبي وأمي أنت (2) كما تراني قد كبر (3) سني، ورق عظمي، وذهب بصري، ولي قائد لا يلائمني قياده (4) إياي (5).
(فَهَلْ) تجد (لِي رُخْصَةٌ) بوزن غرفة، وبضم الخاء للاتباع مثل ظلمة وظلمة، والرخصة التسهيل في الأمر والتيسير.
وفي هذِه الأحاديث دلالة على أن السائل إذا سأل المفتي عن حكم هو عزيمة، وسأل عن الرخصة فيه يذكر له الأسباب التي يطلب بها الرخصة (أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي؟ ) الصلوات، وفي رواية في (6) "الأوسط" و"الكبير": إني أسمع النداء فلعلي لا أجد قائدًا ويشق عليّ، أفأتخذ مسجدًا في داري؟ (7).
(قَال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ؟ ) يعني: الأذان كما في رواية ابن حبان (8).
(قَال: نَعَمْ. قَال: لا أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً) رواية ابن حبان: "فأتها ولو حبوًا". زاد الطبراني: "على يديه ورجليه"(9)، وفي رواية عن أحمد
(1) عبس: 1 - 2.
(2)
من (م).
(3)
في (م): كبرت.
(4)
في (س): فناداه.
(5)
"المعجم الكبير" للطبراني (7886).
(6)
سقط من (م).
(7)
"المعجم الكبير" 19/ 139 (305)، و"المعجم الأوسط"(7431).
(8)
"صحيح ابن حبان"(2063).
(9)
"المعجم الكبير"(7886).
وأبي يعلى: "ولو حبوًا أو زحفًا"(1).
وفي هذا الحديث دلالة لمن قال الجماعة فرض عين، وأجاب الجمهور عنه بأنه سأل هل له رخصة في أن يصلي في بيته ويحصل له فضيلة الجماعة بسبب عذره فقال (2): لا، ويؤيد هذا أن حضور الجماعة تسقط بالعذر بإجماع المسلمين، ومن العذر العمى إذا لم يجد قائدًا فيسقط عنه الجمعة والجماعة، وأجاب عنه بعضهم بأن النَّبِي صلى الله عليه وسلم علم منه أنه يمشي بلا قائد لشدة حِذقه وذكائه كما هو مشاهد في بعض العميان يمشي بلا قائد، لا سيما إذا كان يعرف المكان قبل العمى، أو تكرر المشي إليه بقائد، فلكثرة عادته في التردد استغنى عن القائد.
[553]
(ثَنَا هَارُونُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي الزَّرْقَاءِ) أبو موسى التغلبي الموصلي نزيل الرملة، قال أبو حاتم: صدوق (3)، قال:(ثَنَا أَبِي) زيد بن أبي الزرقاء الموصلي، الزاهد المحدث كثير الرحلة، صدوق، قال:(ثَنَا سفيان (4)، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ) روى له الشيخان.
(عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ ابن أُمِّ مَكْتُومٍ رضي الله عنه قَال: قلت يَا رَسُولَ الله إِنَّ المَدِينَةَ كثِيرَةُ الهَوَامِّ) بتشديد الميم جمع هامة، وهوام الأرض حشراتها التي لا يقتل سمها (وَالسِّبَاعِ) ورواية أحمد: يا رسول الله إن بيني وبين المسجد نخل وشجر ولا أقدر على قائد كل ساعة (5).
(1)"مسند أحمد" 3/ 367، و"مسند أبي يعلى"(1885) من حديث جابر رضي الله عنه.
(2)
تكرر في (م).
(3)
"الجرح والتعديل"(371).
(4)
في (ص): شيبان.
(5)
"مسند أحمد" 3/ 423.
(فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَتَسْمَعُ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى الفَلاحِ) خصهما بالذكر في هذا الحديث؛ لأن فيهما (1) الدعاء إلى الصلاة، زاد النسائي: قال: نعم (2). قال: (فَحَيَّ) حي كلمة مفردة بمعنى هلم، و (هَلا) بتخفيف اللام مع النون بمعنى عجِّل وأسرع، فجُعِلا معًا كلمة واحدة، وبنيت حي على الفتح (3)، وهَلًا مشبهة بصَهْ ومَهْ.
اعتمد ابن خزيمة وغيره على هذا الحديث على فرضية الجماعة في الصلوات كلها، وحمله جمهور العلماء على أنه كان لا يشق عليه التصرف بالمشي (4) وحده ككثير من العميان (5) وتقدم.
(كَذَا رَوَاهُ (6) القَاسِمُ) بن يزيد (الْجَرْمِيُّ) الموصلي (عَنْ سُفْيَانَ) عن عبد الرحمن بن عابس .. إلى آخره.
* * *
(1) من (م). وفي باقي النسخ: فيها.
(2)
"سنن النسائي" 2/ 109.
(3)
في (م): الفلاح.
(4)
في (م): بالشيء.
(5)
في (م): الغلمان.
(6)
زاد في (م): أبو.