الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
38 - باب ما جاءَ في الدُّعاء عِنْد الأَذانِ
529 -
حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنا عَلِيُّ بْنُ عَيّاشٍ، حَدَّثَنا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قال حِينَ يَسْمَعُ النِّداءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هذِه الدَّعْوَةِ التّامَّةِ والصَّلاةِ القائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلَةَ والفَضِيلَةَ وابْعَثْهُ مَقامًا مَحْمُودًا الذِي وَعَدْتَهُ، إِلَّا حَلَّتْ لَهُ الشَّفاعَةُ يَوْمَ القِيامَةِ"(1).
* * *
باب الدعاء عند الأذان
[529]
(ثنا أحمد بن حنبل) قال: (ثنا علي بن عياش) بالياء المثناة والشين المعجمة الألهاني شيخ البخاري قال: (ثنا شعيب بن أبي حمزة) بالحاء المهملة والزاي، مولى بني أمية عنده عن الزهري نحو ألف وسبعمائة حديث، وكان بديع الخط، قال أحمد بن عبد الله العجلي (2) ويعقوب بن شيبة وأبو حاتم (3) والنسائي: ثقة (4)(عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال حين يسمع النداء) أي تمام النداء، وظاهره أنه يقول الذكر المذكور حال سماع المؤذن، ولا يتقيد بفراغه، لكن يحتمل أن يكون المراد من النداء تمامه كما تقدم، والمطلق يحمل على الكامل، ويؤيده
(1) رواه البخاري (614، 4719).
(2)
"الثقات" للعجلي (732).
(3)
"الجرح والتعديل" 4/ 345.
(4)
"تهذيب الكمال" 12/ 519.
حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند مسلم بلفظ: "قولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليّ ثم سلوا الله لي الوسيلة"(1) ففي هذا أن الذكر يقال عند فراغ (2) الأذان، واستدل الطحاوي بهذا الحديث على أنه لا يتعين إجابة المؤذن بمثل (3) ما يقول، بل لو اقتصر على الذكر المذكور لكفاه (4).
(اللهم رب هذِه الدعوة) بفتح الدال، زاد البيهقي من طريق محمد بن عوف عن علي بن عياش:"اللهم إني أسألك بحق هذِه الدعوة"(5). والمراد بها دعوة التوحيد، لقوله تعالى:{لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ} (6)
(التامة) قيل لكلمة (7) التوحيد تامة، لأن النقص منها شرك، والتامة التي لا يدخلها نقص ولا تغيير ولا تبديل، بل هي باقية (8) إلى يوم النشور.
قال ابن التين: وصفت بالتامة، لأن فيها أتم القول، وهو لا إله إلا الله.
قال الطيبي (9): من أوله إلى محمد رسول الله هي الدعوة (10) التامة.
(1) تقدم.
(2)
في (م): سماع.
(3)
في (م): مثل.
(4)
انظر: "شرح معاني الآثار" 1/ 146.
(5)
"السنن الكبرى" للبيهقي 1/ 410.
(6)
الرعد: 14.
(7)
في (م): بكلمة.
(8)
في (س): ثابتة.
(9)
من (م).
(10)
سقط من (م).
(والصلاة) هنا هي الحيعلة؛ لقوله: {وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} ويحتمل أن يراد بالصلاة الدعاء، وبالصلاة (القائمة) الدائمة من قولهم: قام بالشيء إذا داوم عليه، ويحتمل أن يراد بالصلاة المعهودة المدعوِّ لها (1)، وهو أظهر (2).
(آت) سيدنا (محمدًا الوسيلة) هي ما يتقرب بها إلى الكبير، وتطلق على المنزلة الرفيعة. (والفضيلة) أي: الرتبة الزائدة على سائر الخلق، ويحتمل أن تكون منزلة أخرى، أو تفسيرًا للوسيلة.
(وابعثه مقامًا محمودًا) أي: يحمد (3) من يقوم فيه، وهو مطلق في كل ما يجلب الحمد من أنواع الكرامات، ونصب على الظرفية، أي: ابعثه يوم القيامة وأقمه مقامًا محمودًا، أو على أنه مفعول به أو ضُمِّنَ (4) ابعثه معنى أقمه، ويجوز أن يكون حالًا أي ابعثه ذا مقام محمود، قال النووي: ثبتت الرواية بتنكيره، وكأنه حكاية لفظ القرآن.
قال الطيبي: إنما نكره لأنه أفخم وأجزل، كأنه قيل: مقامًا، [وأيُّ مقام](5) محمودًا بكل لسان.
(الذي وعدته) زاد البيهقي: "إنك لا تخلف الميعاد"(6). قال الطيبي:
(1) في (م): بها.
(2)
انظر: "فتح الباري" 2/ 113.
(3)
في كل النسخ: (محمد)، وما أثبتناه أقرب.
(4)
في (ص): ضمر.
(5)
في (ص، س، ل): أي مقامًا.
(6)
"سنن البيهقي الكبرى" 1/ 410.
المراد بذلك قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} (1) وأطلق عليه الوعد؛ لأن عسى من الله واقع كما صح عن ابن عيينة وغيره، والموصول إما بدل أو عطف بيان، هكذا قال شيخنا ابن حجر (2)، وفيه نظر؛ لأن شرط عطف البيان كما قال ابن مالك وغيره أنه (3) لا يخالف متبوعه في تعريفه وتنكيره (4)؛ ولهذا ردوا قول الزمخشري أن {مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} (5) عطف بيان على {آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} وقالوا: أنه سهو، وكذا رُد عليه في قوله:{قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى} (6) و {وَأَنْ تَقُومُوا} عطف على (وَاحِدَةٍ) ولا يختلفون في جواز ذلك في البدل نحو {صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ} (7) ونحو {بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ} (8).
ويحتمل أن يجاب عن الزمخشري بأن النكرة إذا خصصت بالوصف صارت في معنى المعرفة، ولهذا جاز الابتداء بالنكرة إذا وصفت، وجاز
(1) الإسراء: 79.
(2)
"فتح الباري" 2/ 95.
(3)
في (م): أن.
(4)
عطف البيان تابع يجري مجرى النعت في تكميل متبوعه، ومجرى التوكيد في تقوية دلالته، ومجرى البدل في صلاحيته للاستقلال.
ولهذا وجب أن يكون موافقًا المتبوع في الإفراد والتذكير وملحقاتهما. انظر: "شرح الشافية الكافية" لابن مالك 3/ 1192.
(5)
آل عمران: 97.
(6)
سبأ: 46.
(7)
الشورى: 52 - 53.
(8)
العلق: 15 - 16.
أن تكون الجملة حالًا عن النكرة إذا تخصصت كما في قوله تعالى: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ} (1) أي: {أنزلناه} جملة حالية من {ذكر} ؛ لأنه مخصوص بالصفة؛ ولهذا أجاز أبو الحسن وصف النكرة بالمعرفة في قوله تعالى: {فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ} (2) أن الأوليان صفة لآخران لتخصصه بالصفة، وهي {يَقُومَانِ} ، واستبعد أبو حيان أن يكون {مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} عطف بيان من جهة أخرى، وهي أن مذهب البصريين أن عطف البيان لا يجوز إلا أن يكونا معرفتين، ولا يجوز أن يكونا نكرتين، قال: ولم يقم لهم دليل على تعيين (3) عطف البيان في النكرة (4)، وما ذكره أبو حيان لا يرد على الزمخشري على ما قررناه؛ لأن {آيَاتٍ} لما تخصصت صارت معرفة، وعطف البيان في المعرفة بالمعرفة لا نزاع فيه (5).
وعلى كل حال فالأولى أن يعرب {مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} والموصول في الحديث بدلا من "مقامًا محمودًا" أو يكون خبر مبتدأ محذوف أي: هو الذي وعدته، أو مبتدأ حذف خبره أي؛ الذي وعدته هو المقام المحمود، ويكون "الذي وعدته" ذكر بصيغة الموصول لتعظيم وعد الله تعالى وصدقه، ويجوز أن يكون "الذي" منصوب على تقدير أعني، أو أمدح الذي وعدته، ومما يدل على أن الصفة إذا تخصصت صارت
(1) الأنبياء: 50.
(2)
المائدة: 107.
(3)
في (س): نفس.
(4)
"البحر المحيط" 3/ 10.
(5)
من (م).
معرفة وروده (1) معرفة في رواية أخرى، فقد وقع في رواية النسائي وابن خزيمة وغيرهما:"المقام المحمود (2) الذي وعدته"(3) وهذا مبطل للنزاع.
وقال ابن الجوزي: الأكثر على أن المراد بالمقام المحمود الشفاعة، وقيل (4): إجلاسه على العرش، وقيل: على الكرسي، وعلى تقدير الصحة لا ينافي الأول؛ لاحتمال أن يكون الإجلاس علامة الإذن في الشفاعة، ويحتمل أن يكون المراد بالإجلاس الدرجة الرفيعة التي هي الوسيلة (5).
[(إلا حلَّت)](6) أي استحقت ووجبت، ووقع في الطحاوي من رواية ابن مسعود:"وجبت له"(7). ولا يجوز أن يكون حلت من الحِل (8)؛ لأنها لم تكن قبل ذلك محرمة (له) هذا يدل على أن الرواية المتقدمة: "حلت عليه". على فيها بمعنى اللام، أو يقال هنا أن اللام بمعنى على كما في حديث عائشة:"واشترطي (9) لهم الولاء"(10).
(1) في (م): ورواه.
(2)
زاد في (س): الشفاعة.
(3)
"سنن النسائي" 2/ 26، و"صحيح ابن خزيمة"(680).
(4)
زاد في (م): هي.
(5)
"فتح الباري" 2/ 95.
(6)
في (م): أحلت.
(7)
"شرح معاني الآثار" 1/ 145.
(8)
في (م): الحلال.
(9)
في (ص): واشترطت.
(10)
طرف حديث أخرجه البخاري (2168)، ومسلم (1504)(8) وأبو داود (3929) وسيأتي تخريجه إن شاء الله عند شرحه.
(الشفاعة يوم القيامة) استشكل بعضهم جعل ذلك جوابًا لقائل (1) ذلك مع ما ثبت من أن الشفاعة للمذنبين، وأجيب: بأن صلى الله عليه وسلم شفاعات أخر، كإدخال الجَنَّة بغير حساب، وكرفع الدرجات.
ونقل القاضي عياض عن بعض شيوخه أنه كان يرى اختصاص ذلك لمن قاله من قلبه مخلصًا، لا من قصد مجرد الثواب (2)، قال ابن حجر: وهو غير مرضي، ولو كان أخرج الغافل الناسي لكان أشبه انتهى (3).
ويدل على ذلك (4) ما نقله عياض عن شيخه قوله في حديث المتابعة في الأذان "من قلبه دخل الجَنَّة" كما تقدم. قال المهلب: وفي الحديث الحضُّ على الدعاء في أوقات الصلوات؛ لأنه حال رجاء الإجابة (5).
* * *
(1) في (م): لتقابل.
(2)
"إكمال المعلم" 2/ 253.
(3)
"فتح الباري" 2/ 96.
(4)
سقط من (م).
(5)
انظر: "فتح الباري" 2/ 96.