الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحَدِيث (الثَّالِث) بعد السِّتين
عَن ابْن عمر رضي الله عنهما «أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سل من قبل رَأسه [سلًّا] » .
هَذَا الحَدِيث غَرِيب عَن (ابْن عمر) ، لَا يحضرني من خرجه بعد الْبَحْث عَنهُ، ومشهور عَن ابْن عَبَّاس، وَلَعَلَّ هَذَا من سبق الْقَلَم. رَوَاهُ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» فَقَالَ: أَنا الثِّقَة، عَن عمر بن عَطاء، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس بِهِ (بِدُونِ قَوْله «سلا) ً» ، وَهُوَ (بِهَذَا عَن) مُسلم بن خَالِد الزنْجِي وَغَيره، عَن ابْن جريج، عَن عمرَان بن مُوسَى «أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سل من قبل رَأسه» . قَالَ: وأنبأنا بعض أَصْحَابنَا عَن أبي الزِّنَاد وَرَبِيعَة وَأبي النَّضر - لَا اخْتِلَاف بَينهم فِي ذَلِك - «أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سل من قبل رَأسه، وَأَبُو بكر وَعمر رضي الله عنهما» . قَالَ (الْبَيْهَقِيّ بعد أَن أخرج هَذِه الثَّلَاثَة بِسَنَدِهِ إِلَى الرّبيع إِلَى الشَّافِعِي: وَهَذَا هُوَ) الْمَشْهُور فِيمَا بَين أهل الْحجاز.
قلت: وَاخْتلف الْعلمَاء فِي الِاحْتِجَاج بقول الرَّاوِي: أَنا الثِّقَة. وَاخْتَارَ بعض الْمُحَقِّقين من أَصْحَابنَا الِاحْتِجَاج بِهِ إِن كَانَ الْقَائِل مِمَّن يُوَافقهُ فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل، فعلَى هَذَا يَصح احتجاج أَصْحَابنَا بِهَذَا
الحَدِيث، وَالظَّاهِر أَن الثِّقَة فِي كَلَام الشَّافِعِي هُنَا هُوَ مُسلم بن خَالِد الزنْجِي، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: إِذا قَالَ الشَّافِعِي: (أَخْبرنِي الثِّقَة عَن ابْن أبي ذِئْب) فَهُوَ ابْن أبي فديك، وَإِذا قَالَ:(أَخْبرنِي الثِّقَة عَن اللَّيْث بن سعد) فَهُوَ يَحْيَى بن حسان، وَإِذا قَالَ:«أَخْبرنِي) الثِّقَة عَن الْوَلِيد بن كثير) فَهُوَ عَمْرو بن أبي سَلمَة، وَإِذا قَالَ: (أَخْبرنِي الثِّقَة عَن ابْن جريج) فَهُوَ مُسلم بن خَالِد الزنْجِي، وَإِذا قَالَ: (أَخْبرنِي الثِّقَة عَن صَالح مولَى التوءمة) فَهُوَ إِبْرَاهِيم بن يَحْيَى، وَقَالَ الرّبيع بن سُلَيْمَان فِيمَا حَكَاهُ عَنهُ عبد المحسن بن غَانِم فِي كِتَابه «الْوَاضِح النفيس فِي فَضَائِل مُحَمَّد بن إِدْرِيس» : إِذا قَالَ الشَّافِعِي: (أَخْبرنِي الثِّقَة) فَإِنَّهُ يُرِيد يَحْيَى بن حسان، وَإِذا قَالَ:(أَنا الثِّقَة عَن ابْن أبي ذِئْب) فَهُوَ الزنْجِي، أَو (عَن الْأَوْزَاعِيّ)(فَإِنَّهُ) عَمْرو بن أبي سَلمَة، وَرُبمَا كَانَ أَيُّوب بن سُوَيْد، أَو (عَن أَيُّوب) فَهُوَ ابْن علية، أَو (عَن يَحْيَى بن سعيد) فَهُوَ الدَّرَاورْدِي، أَو (عَن ابْن شهَاب) فَهُوَ مَالك بن أنس، وَرُبمَا كَانَ إِبْرَاهِيم بن سعد، أَو (عَن الْوَلِيد بن كثير) ، أَو (هِشَام بن عُرْوَة) ، أَو (عبيد الله بن عمر) فَإِنَّهُ حَمَّاد بن أُسَامَة، أَو (عَن سُفْيَان الثَّوْريّ) ، أَو (يُونُس بن يزِيد)، أَو (أُسَامَة بن زيد) فَهُوَ أَيُّوب بن سُوَيْد. قَالَ الرّبيع: وَإِنَّمَا يكني عَن ذكرهم للاختصار؛ لِأَن الْمُحدث قد يسأم الرِّوَايَة عَن شيخ وَاحِد، وَلَا سِيمَا إِذا كثرت عَنهُ، فَيَقُول: وَحَدِيث، وَنَحْو ذَلِك. قَالَ الرّبيع:(وَإِذا قَالَ الشَّافِعِي: (أَخْبرنِي من لَا أتهم فِيهِ) يُرِيد: (ابْن) إِبْرَاهِيم بن أبي
يَحْيَى، وَإِذا قَالَ: بعض أَصْحَابنَا) . فَهُوَ يُرِيد أهل الْحجاز، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: فَهُوَ يُرِيد أَصْحَاب مَالك.
فَائِدَة: [اخْتلفت] الرِّوَايَات فِي كَيْفيَّة إِدْخَال النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَبره، فروَى الشَّافِعِي وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس «أَنهم سلوه سلًّا من عِنْد رجل الْقَبْر» . وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن مَسْعُود، وَابْن عَبَّاس، وَبُرَيْدَة رضي الله عنهم «أَنهم أدخلوه (فِي قَبره من جِهَة الْقبْلَة» . وَهِي رِوَايَات ضَعِيفَة، بَين الْبَيْهَقِيّ ضعفها، وَأما التِّرْمِذِيّ فَإِنَّهُ حسن حَدِيث ابْن عَبَّاس، وأنكروا ذَلِك عَلَيْهِ؛ لِأَن مدَار رِوَايَته فِيهِ وَرِوَايَة غَيره عَلَى الْحجَّاج بن أَرْطَاة، وَهُوَ ضَعِيف، وَنقل النَّوَوِيّ اتِّفَاق الْمُحدثين عَلَى ذَلِك، وَهَذَا الْجَواب إِنَّمَا يحْتَاج إِلَيْهِ لَو تصور إِدْخَاله عليه السلام من جِهَة الْقبْلَة، وَقد قَالَ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» وَالْأَصْحَاب: إِن هَذَا غير مُمكن. وَأَطْنَبَ الشَّافِعِي فِي «الْأُم» وَغَيره فِي الشناعة عَلَى من يَقُول ذَلِك، وَنسبه إِلَى الْجَهَالَة ومكابرة (الْحسن) وإنكار الْعَنَان، فَقَالَ: أَنا الثِّقَات من أَصْحَابنَا أَن قبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَلَى يَمِين الدَّاخِل من الْبَيْت، لاصق بالجدار، والجدار الَّذِي (اللَّحْد تَحْتَهُ قبْلَة) ، واللحد تَحت الْجِدَار فَكيف يدْخل
مُعْتَرضًا، واللحد لاصق بالجدار، لَا يقف عَلَيْهِ شَيْء (وَلَا) يُمكن إِلَّا أَن يسل سلاًّ، أَو يدْخل من غير الْقبْلَة. قَالَ: وَأُمُور الْمَوْتَى وإدخالهم الْقَبْر من الْأُمُور الْمَشْهُورَة عندنَا لِكَثْرَة الْمَوْت، وَحُضُور الْأَئِمَّة وَأهل (الثِّقَة) ، وَهُوَ [من] الْأُمُور الْعَامَّة الَّتِي يُسْتَغْنَى فِيهَا عَن الحَدِيث، وَيكون الحَدِيث فِيهَا كالتكلف؛ لاشتراك النَّاس فِي مَعْرفَتهَا وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرون وَالْأَنْصَار بَين أظهرنَا، ينْقل إِلَيْنَا الْعَامَّة عَن الْعَامَّة، لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِك أَن الْمَيِّت يسلُّ سلاًّ، ثمَّ جَاءَنَا آتٍ من غير بلدنا يعلمنَا [كَيفَ ندخل] الْمَيِّت، ثمَّ لم (يرض) حَتَّى رُوِيَ عَن حَمَّاد (عَن) إِبْرَاهِيم «أَنه عليه السلام أَدخل مُعْتَرضًا» . هَذَا آخر كَلَام الشَّافِعِي، وَرِوَايَة إِبْرَاهِيم مُرْسلَة ضَعِيفَة. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: الَّذِي ذكره الشَّافِعِي أشهر فِي أَرض الْحجاز بِأخذ الْخلف عَن السّلف، فَهُوَ أولَى بالاتباع. قَالَ: وَقد رُوِيَ بِإِسْنَاد صَحِيح عَن أبي إِسْحَاق السبيعِي قَالَ: «أَوْصَى الْحَارِث (أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ عبيد الله بن يزِيد الخطمي، فَصَلى عَلَيْهِ، ثمَّ أدخلهُ الْقَبْر من قبل (رجْلي)) الْقَبْر، وَقَالَ: هَذَا من السّنة» . قَالَ الْبَيْهَقِيّ: قد قَالَ (هَذَا من السّنة) فَصَارَ كالمسند. قَالَ: وَقد روينَا هَذَا القَوْل عَن ابْن عمر، وَأنس بن مَالك رضي الله عنهما.