الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ الْحَاكِم: قد استقصيت (عَلَى) الْحَث عَلَى زِيَارَة الْقُبُور تحريًا للمشاركة فِي التَّرْغِيب، وليعلم الشحيح (بِدِينِهِ) أَنَّهَا سنة مسنونة.
الحَدِيث السَّابِع بعد الثَّمَانِينَ
«أنَّه صلى الله عليه وسلم لعن زاورات الْقُبُور» .
هَذَا الحَدِيث لَهُ طرق:
أَحدهَا: من حَدِيث عمر بن أبي سَلمَة، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه:«أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لعن زوارات الْقُبُور» . رَوَاهُ أَحْمد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَابْن مَاجَه، قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. قلت: وَعمر هَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم: صَدُوق، وَلَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة: لَا يحْتَج بِهِ. وَوَثَّقَهُ غَيرهمَا، وَصَححهُ ابْن حبَان، وَلَفظه:«لعن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم زائرات الْقُبُور» . قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَقد رَأَى بعض أهل الْعلم أَن هَذَا قبل أَن يرخص النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي زِيَارَة الْقُبُور، فَلَمَّا
رخص دخل فِي رخصته [الرِّجَال و] النساءُ، (قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: وَإِنَّمَا كره زِيَارَة الْقُبُور للنِّسَاء) لقلَّة صبرهن وَكَثْرَة جزعهن.
قلت: وَهَذَا الْجَواب مَبْنِيّ عَلَى أَن النِّسَاء دخلن فِي قَوْله عليه الصلاة والسلام: «كنت نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور» وَالْمُخْتَار عِنْد أَصْحَابنَا عدم دخولهن فِي ضمير الرِّجَال، وَابْن الْجَوْزِيّ فِي «إِعْلَامه» جوز جعل هَذَا الحَدِيث مَنْسُوخا بِحَدِيث:«كنت نَهَيْتُكُمْ» ، وَهُوَ مَبْنِيّ عَلَى الأول.
الطَّرِيق الثَّانِي: من حَدِيث حسان بن ثَابت رضي الله عنه «أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لعن زوارات الْقُبُور» رَوَاهُ أَحْمد، وَابْن مَاجَه، وَالْحَاكِم، وَأَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيّ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن حسان بن ثَابت، وَابْن عَبَّاس رضي الله عنهما.
الطَّرِيق الثَّالِث: من حَدِيث (أبي صَالح عَن) ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ: «لعن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم زوارات الْقُبُور، والمتخذات عَلَيْهَا الْمَسَاجِد والسرج» . رَوَاهُ أَحْمد، وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة،
وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من هَذَا الْوَجْه، وَاخْتلف كَلَام الْحفاظ فِي أبي صَالح هَذَا: هَل هُوَ باذام مولَى أم هَانِئ الضَّعِيف، أَو ذكْوَان السمان الرواي عَن أبي هُرَيْرَة، الثِّقَة المحتج بِهِ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» أم غَيرهمَا، فَقَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» : أَبُو صَالح هَذَا اسْمه (ميزَان) ، بَصرِي ثِقَة، لَيْسَ بِصَاحِب الْكَلْبِيّ، ذَاك اسْمه باذام. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر فِي «صَحِيحه» فِي حَدِيث أبي صَالح عَن عَمْرو بن الْعَاصِ رَفعه فِي النَّهْي عَن الدُّخُول عَلَى المغيبات: أَبُو صَالح هَذَا اسْمه (ميزَان) ، من اهل الْبَصْرَة، (ثِقَة) سمع ابْن عَبَّاس، وَعَمْرو بن الْعَاصِ، وَرَوَى عَنهُ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، وَمُحَمّد بن جحادة، مَا رَوَى عَنهُ غير هذَيْن.
قلت: بل رَوَى عَنهُ سُفْيَان الثَّوْريّ، وَابْن أَخِيه عمار بن مُحَمَّد، وَمَالك بن مغول. قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا بِصَاحِب الْكَلْبِيّ، ذَاك واهي ضَعِيف. وَخَالف فِي ذَلِك جماعات، مِنْهُم الْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه» ، فَإِنَّهُ قَالَ بعد أَن رَوَاهُ: أَبُو صَالح هَذَا لَيْسَ بالسمان المحتج بِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ
(باذان) ، وَلم يحْتَج بِهِ الشَّيْخَانِ، لكنه حَدِيث متداول فِيمَا بَين الْأَئِمَّة، قَالَ: وَقد وجدت لَهُ مُتَابعًا من حَدِيث سُفْيَان الثَّوْريّ فِي متن الحَدِيث، فخرجته. ثمَّ ذكر حَدِيث (حسان) السالف. وَمِنْهُم ابْن عَسَاكِر؛ فَإِنَّهُ ذكره فِي «أَطْرَافه» فِي تَرْجَمته، ثمَّ رَوَاهُ عَلَى بن مُسلم الطوسي، عَن أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، عَن شُعْبَة، عَن مُحَمَّد بن جحادة، سَمِعت أَبَا صَالح مولَى أم هَانِئ. وَمِنْهُم عبد الْحق؛ فَإِنَّهُ لما ذكره عقبه (بِأَن قَالَ: هَذَا يرويهِ أَبُو صَالح صَاحب الْكَلْبِيّ، وَهُوَ عِنْدهم ضَعِيف جدا،) وَأنكر هَذِه الْعبارَة عَلَيْهِ ابْن الْقطَّان، وَقَالَ: إِنَّمَا يُقَال مثلهَا فِي الْوَاقِدِيّ وَنَحْوه من المتروكين الْمجمع عَلَيْهِم، وَأما أَبُو صَالح هَذَا فَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَد، وَلَا من هَذَا النمط، وَلَا أَقُول إِنَّه ثِقَة، لكني أَقُول: إِنَّه لَيْسَ كَمَا توهمه هَذِه الْعبارَة، بل قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: سَمِعت يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان يَقُول: لم أر أحدا من أَصْحَابنَا تَركه، وَمَا سَمِعت أحدا من النَّاس يَقُول فِيهِ شَيْئا وَقَالَ يَحْيَى بن معِين: إِذا رَوَى عَنهُ غير الْكَلْبِيّ لَا بَأْس بِهِ. وَقد أسلفنا تَرْجَمَة أبي صَالح مستوفاة فِي بَاب الإحداث، فَرَاجعهَا من ثمَّ. وَمِنْهُم الْحَافِظ زكي الدَّين الْمُنْذِرِيّ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي «مُخْتَصره لسنن أبي دَاوُد» عقب قَول التِّرْمِذِيّ:«إِنَّه حَدِيث حسن» :