الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحَدِيث السَّابِع
رُوِيَ أنَّه صلى الله عليه وسلم (سُئِلَ عَن الْفَأْرَة تقع فِي السّمن والودك (فَقَالَ) : استصبحوا بِهِ وَلَا تأكلوه» .
هَذَا الحَدِيث لَهُ طرق: أنسبها رِوَايَة عبد الْوَاحِد بن زِيَاد، عَن معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم «سُئِلَ عَن فَأْرَة وَقعت فِي سمن فَقَالَ: إِن كَانَ جَامِدا فخذوها، وَمَا حولهَا فألقوه، وَإِن كَانَ ذائبًا أَو مَائِعا فاستصبحوا بِهِ - أَو فانتفعوا بِهِ» .
ذكره الطَّحَاوِيّ فِي «بَيَان الْمُشكل» و (اخْتِلَاف الْعلمَاء) عَن فَهد بن سُلَيْمَان، ثَنَا الْحسن بن الرّبيع، ثَنَا عبد الْوَاحِد
…
فَذكره، وَذكره أَيْضا ابْن عبد الْبر فِي «تمهيده» وَعبد الْوَاحِد هَذَا من رجال الصَّحِيحَيْنِ وَبَاقِي الْكتب السِّتَّة، وَهُوَ ثِقَة (لَهُ) أَوْهَام كَغَيْرِهِ، مَشاهُ ابْن عدي، وَتكلم فِيهِ ابْن معِين وَيَحْيَى الْقطَّان وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: إِنَّه ثِقَة إِذا انْفَرد بِحَدِيث قبل حَدِيثه، وَكَذَلِكَ إِذا انْفَرد بِزِيَادَة قبلت زِيَادَته.
الطَّرِيق الثَّانِي:
من حَدِيث ابْن عمر: «سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن الْفَأْرَة تقع فِي السّمن
والودك، فَقَالَ: اطرحوها واطرحوا مَا حولهَا إِن كَانَ جَامِدا، وَإِن كَانَ مَائِعا فانتفعوا بِهِ، وَلَا تأكلوه» .
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث شُعَيْب بن يَحْيَى، عَن يَحْيَى بن أَيُّوب، عَن ابْن جريج، عَن ابْن شهَاب، عَن سَالم بن عبد الله، عَن أَبِيه. وَشُعَيْب بن يَحْيَى هَذَا ثِقَة عَابِد من رجال النَّسَائِيّ، وَقَالَ أَبُو حَاتِم فِي حَقه إِنَّه لَيْسَ بِمَعْرُوف. فَإِن أَرَادَ بِهِ (أَنه لَيْسَ مَعْرُوف) الْحَال، فقد عرف، أَو الْعين، فقد رَوَى عَن حَيْوَة بن شُرَيْح، وَاللَّيْث، وَعنهُ: الْحَارِث بن مِسْكين، وَبكر بن سهل.
وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» لأجل مقَالَة (أبي) حَاتِم هَذِه، وَقد عرفت مَا فِيهَا، وَأعله عبد الْحق فِي «أَحْكَامه» بِيَحْيَى بن أَيُّوب، وَقَالَ: إِنَّه لَا يحْتَج بِهِ. وَيَحْيَى هَذَا من رجال الصَّحِيحَيْنِ وَبَاقِي الْكتب السِّتَّة وَهُوَ ثِقَة يعرف، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِذَاكَ الْقوي. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مَحَله الصدْق وَلَا يحْتَج بِهِ. وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي «ضُعَفَائِهِ» لأجل هَذَا.
الطَّرِيق الثَّالِث:
من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه قَالَ: «سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن الْفَأْرَة تقع فِي السّمن وَالزَّيْت، فَقَالَ: استصبحوا بِهِ، وَلَا تأكلوه» .
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» أَيْضا من حَدِيث أبي هَارُون الْعَبْدي، عَن أبي سعيد بِهِ. وَأَبُو هَارُون الْعَبْدي: عمَارَة بن جُوَيْن واه بِالْإِجْمَاع، وَقَالَ حَمَّاد بن زيد: كَذَّاب. وَقَالَ شُعْبَة: لِأَن أقدم فَيضْرب عنقِي أحب إليّ من (أَن) أحدث عَنهُ.
الطَّرِيق الرَّابِع:
(من) حَدِيث إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد، عَن أبي جَابر البياضي، عَن ابْن الْمسيب «أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِن كَانَ جَامِدا أَخذ مَا حولهَا قدر الْكَفّ، وَإِذا وَقع فِي الزَّيْت، (استصبح) » .
(رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق) فِي «مُصَنفه» عَن إِبْرَاهِيم بِهِ، وَهَذَا مَعَ إرْسَاله مُشْتَمل عَلَى إِبْرَاهِيم هَذَا، وَقد عرفت حَاله فِي كتاب الطَّهَارَة، وَأبي جَابر البياضي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، وَقد تَرَكُوهُ، قَالَ الشَّافِعِي: من حدث عَن أبي جَابر البياضي بيض الله عَيْنَيْهِ.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث عبد الْجَبَّار بن عمر، عَن ابْن شهَاب، عَن سَالم، عَن أَبِيه «أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَن فَأْرَة وَقعت فِي سمن، فَقَالَ: ألقوها وَمَا حولهَا، وكلوا مَا بَقِي. فَقيل: يَا نَبِي الله، أَفَرَأَيْت إِن كَانَ السّمن مَائِعا؟ فَقَالَ: انتفعوا بِهِ وَلَا تأكلوه) ثمَّ قَالَ: عبد الْجَبَّار هَذَا غير مُحْتَج بِهِ. قَالَ: وَرَوَى ابْن جريج عَن ابْن شهَاب هَكَذَا، وَالطَّرِيق إِلَيْهِ غير قوي. ثمَّ رَوَى حَدِيث يَحْيَى بن أَيُّوب السالف ثمَّ قَالَ: وَالصَّحِيح عَن ابْن عمر مَوْقُوفا من قَوْله غير مَرْفُوع. ثمَّ رَوَاهُ من طَرِيق يعْلى بن عبيد، عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن أَيُّوب، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «فِي فَأْرَة وَقعت فِي زَيْت، قَالَ: استصبحوا بِهِ، وادهنوا بِهِ (أدمكم) » ثمَّ رَوَى حَدِيث أبي سعيد السالف مَرْفُوعا ثمَّ مَوْقُوفا، وَقَالَ: إِنَّه الْمَحْفُوظ.
ثمَّ اعْلَم بعد ذَلِك أَن حَدِيث الْفَأْرَة هَذَا رَوَاهُ البُخَارِيّ من حَدِيث مَيْمُونَة وَلم يفرق فِيهِ بَين الْمَائِع والجامد، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَغَيرهمَا من حَدِيث معمر، عَن الزُّهْرِيّ (عَن ابْن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة) بالتفرقة، وَضَعفه التِّرْمِذِيّ. وَقَالَ: إِنَّه غير مَحْفُوظ، سَمِعت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ يَقُول: حَدِيث معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن ابْن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة - فِي هَذَا - خطأ، وَالصَّحِيح حَدِيث
الزُّهْرِيّ، عَن عبيد الله، عَن ابْن عَبَّاس، عَن مَيْمُونَة. وسيكون لنا عودة إِلَيْهِ فِي كتاب البيع حَيْثُ ذكره الرَّافِعِيّ هُنَاكَ إِن شَاءَ الله - تَعَالَى - ذَلِك وَقدره. هَذَا آخر أَحَادِيث الْبَاب.
وَأما آثاره فخمسة:
أَولهَا وَثَانِيها وَثَالِثهَا: «أَن عليًّا وَأَبا مُوسَى وَحُذَيْفَة رضي الله عنهم وَغَيرهم صلوا صَلَاة الْخَوْف بعد وَفَاة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم» .
هُوَ كَمَا قَالَ (فقد) صَحَّ ذَلِك عَنْهُم كَمَا أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» وَرُوِيَ ذَلِك أَيْضا عَن سعيد بن أبي وَقاص، وَعبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة، وَسَعِيد بن العَاصِي، وَغَيرهم، رَوَى أَحَادِيثهم الْبَيْهَقِيّ وَبَعضهَا فِي «سنَن أبي دَاوُد» و «النَّسَائِيّ» و «صَحِيح الْحَاكِم» وَغَيرهم. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَالصَّحَابَة الَّذين رووا صَلَاة النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الْخَوْف لم يحملهَا أحد مِنْهُم عَلَى تخصيصها بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلَا بزمنه بل رَوَاهَا كل وَاحِد وَهُوَ يعتقدها مَشْرُوعَة عَلَى الصّفة الَّتِي رَوَاهَا.
الْأَثر الرَّابِع:
«أَن عليًّا رضي الله عنه صَلَّى الْمغرب صَلَاة الْخَوْف لَيْلَة الهرير بالطائفة الأولَى رَكْعَة، وبالثانية رَكْعَتَيْنِ) .
وَهَذَا الْأَثر ذكره عَلَى هَذَا الْوَجْه الصيدلاني، وَالْإِمَام، وَالْغَزالِيّ وَذكره (الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» بِنَحْوِهِ) بِغَيْر إِسْنَاد، وَأَشَارَ إِلَى ضعفه، فَقَالَ: وَيذكر عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه أَن عليًّا صَلَّى الْمغرب صَلَاة الْخَوْف (لَيْلَة) الهرير.
وَذكره الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» بِإِسْنَادِهِ إِلَى الشَّافِعِي قَالَ: وَحفظ عَن عَلّي بن أبي طَالب أَنه صَلَّى صَلَاة الْخَوْف لَيْلَة الهرير. كَمَا رَوَى صَالح بن خَوات، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم.
فَائِدَة: الهرير - بِفَتْح الْهَاء وَكسر الرَّاء، ثمَّ يَاء (مثناة تَحت) ثمَّ رَاء أُخْرَى - تَقول الْعَرَب: هر فلَان الْحَرْب هريرًا أَي كرهها. كَذَا قَالَه الْجَوْهَرِي، وَكَأَنَّهَا سميت بذلك لكراهتهم الْحَرْب فِي تِلْكَ اللَّيْلَة لِكَثْرَة مَا وَقع فِيهَا من الْقَتْل) . قَالَ النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» : هِيَ حَرْب بَين عَلّي رضي الله عنه وَبَين الْخَوَارِج، وَكَانَ بَعضهم يهر عَلَى بعض، فسميت بذلك. قَالَ: وَقيل: هِيَ لَيْلَة صفّين بَين عَلّي وَمُعَاوِيَة. وَجزم بِهَذِهِ الْمقَالة فِي «شَرحه الْمُهَذّب» فَقَالَ: هِيَ لَيْلَة من ليَالِي صفّين، سميت بذلك
لِأَنَّهُ كَانَ لَهُم هرير عِنْد حمل بَعضهم عَلَى بعض. وَعبارَة صَاحب «التنقيب عَلَى الْمُهَذّب» : إِنَّهَا لَيْلَة صفّين بَين عَلّي وَأهل الشَّام، سميت بذلك لأَنهم لما عجزوا عَن الْقِتَال كَانَ بَعضهم يهر عَلَى بعض. قَالَ: وَكَانَ أَصْحَاب عَلّي تسعين ألفا، وَأَصْحَاب مُعَاوِيَة مائَة و (عشْرين) ألفا، وَقيل بِالْعَكْسِ. قَالَ: وَبَقِي الْقِتَال بَينهم مائَة وَعشرَة أَيَّام، وَقتل من أَصْحَاب عَلّي خَمْسَة وَعِشْرُونَ ألفا، مِنْهُم من الصَّحَابَة والبدريين خَمْسَة وَعِشْرُونَ، وَقتل من أَصْحَاب مُعَاوِيَة خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ ألفا.
الْأَثر الْخَامِس:
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَأما تسميد الأَرْض بالزبل فَجَائِز. قَالَ الإِمَام: وَلم يمْنَع مِنْهُ أحد للْحَاجة الْقَرِيبَة من الضَّرُورَة، وَقد نَقله الْأَثْبَات عَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت: ترْجم الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» «بَاب مَا جَاءَ فِي طرح السرجين والعذرة فِي الأَرْض» فِي أثْنَاء كتاب الْمُزَارعَة ثمَّ رَوَى (عَن) سعد بن أبي وَقاص «أَنه كَانَ يحمل مكتل عُرّة إِلَى أَرض لَهُ» وَفِي لفظ لَهُ «مكتل عُرّة مكتل بر» قَالَ أَبُو عبيد، عَن الْأَصْمَعِي:(العُرّة هِيَ) عذرة النَّاس. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد رُوِيَ عَن ابْن عمر خلاف ذَلِك فِي الْعذرَة خَاصَّة، ثمَّ رُوِيَ بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن عمر «أَنه كَانَ يشْتَرط عَلَى الَّذِي يكريه أرضه أَن لَا يَعُرّها، وَذَلِكَ قبل أَن يدع عبد الله الْكِرَاء» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد
رُوِيَ فِيهِ حَدِيث ضَعِيف. ثمَّ أسْندهُ من حَدِيث ابْن عَبَّاس: «كُنَّا نكرِي أَرض رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، ونشترط عَلَيْهِم أَن لَا (يدملوها) بعذرة (النَّاس) » .
ثمَّ رَوَى عَن ابْن عمر «أَن رجلا أَتَاهُ، فَقَالَ: إِنِّي كنت أكنس حَتَّى تزوجت وعتقت وَحَجَجْت. فَقَالَ: مَا كنت تكنس؟ قَالَ: الْعذرَة. قَالَ: أَنْت خَبِيث (وعتقك) خَبِيث وحجك خَبِيث، اخْرُج مِنْهُ كَمَا دخلت فِيهِ» .
كتاب صَلَاة الْعِيدَيْنِ