الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَيْهِ السَّلَام اسْتَعْملهُ عَلَى الْخرص، فَقَالَ: أثبت لنا النّصْف وأبق لَهُم النّصْف؛ فَإِنَّهُم يسرقون وَلَا يصل إِلَيْهِم» . وَقد أسلفنا «أَنه عليه السلام بعث سهل بن أبي حثْمَة خارصًا» أَيْضا، وَفِي «شرح التَّعْجِيز» لمصنفه أَنه عليه السلام كَانَ لَهُ خراص معينون: حويصة ومحيصة وفروة وَغَيرهم.
الحَدِيث الثَّامِن عشر
أنَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذا خرصتم فاتركوا لَهُم الثُّلُث، فَإِن لم تتركوا لَهُم الثُّلُث فاتركوا (لَهُم) الرّبع» .
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فِي «سُنَنهمْ» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» ، من حَدِيث سهل بن أبي حثْمَة رضي الله عنه، وَلَفظ التِّرْمِذِيّ:«إِذا خرصتم فَخُذُوا ودعوا الثُّلُث، فَإِن لم تدعوا الثُّلُث فدعوا الرّبع» . وَلَفظ أَحْمد كَذَلِك إِلَّا أَنه قَالَ: «فَإِن لم تدعوا فدعوا الرّبع» .
وَلَفظ أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان: «جَاءَ سهل بن أبي حثْمَة إِلَى مَجْلِسنَا، فَقَالَ: أمرنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا خرصتم فَخُذُوا ودعوا الثُّلُث، فَإِن لم تدعوا (أَو تَجدوا) الثُّلُث فدعوا الرّبع» . وللنسائي أَيْضا وَالْحَاكِم: «فَإِن لم تَأْخُذُوا أَو تدعوا - شكّ (شُعْبَة) - فدعوا الرّبع» .
قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا الحَدِيث الْعَمَل عَلَيْهِ عِنْد أَكثر أهل الْعلم فِي الْخرص، وَبِه يَقُول أَحْمد وَإِسْحَاق. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. قَالَ: وَله شَاهد بِإِسْنَاد مُتَّفق عَلَى صِحَّته؛ أَن عمر بن الْخطاب أَمر بِهِ. ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ إِلَى سهل بن أبي حثْمَة «أَن عمر بن الْخطاب بَعثه عَلَى خرص التَّمْر، وَقَالَ: إِذا أتيت أَرضًا فاخرصها ودع لَهُم قدر مَا يَأْكُلُون» .
وَأما ابْن الْقطَّان فَقَالَ: فِي إِسْنَاده عبد الرَّحْمَن بن مَسْعُود بن (نيار)، قَالَ الْبَزَّار: لم يروه عَن سهل إِلَّا هُوَ، وَهُوَ مَعْرُوف. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَهَذَا غير كَاف فِيمَا يَنْبَغِي من عَدَالَته فكم من مَعْرُوف غير ثِقَة، وَالرجل لَا يعرف لَهُ حَال وَلَا يعرف بِغَيْر هَذَا، وَلم يزدْ ذاكروه عَلَى مَا أخذُوا من هَذَا الْإِسْنَاد من رِوَايَته عَن سهل وَرِوَايَة خبيب بن عبد الرَّحْمَن عَنهُ، وَلم يتَعَرَّض التِّرْمِذِيّ لهَذَا الحَدِيث بقولٍ، لَا تَصْحِيح وَلَا
تَحْسِين، وَلَا تسقيم ذَلِك. قَالَ: وَسَهل لَا يبعد أَن يكون سمع هَذَا الحَدِيث، وَهُوَ لَيْسَ من يضْبط، وَلَعَلَّه سمع ذَلِك آخر حَيَاة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُوله لِأَبِيهِ، فَإِنَّهُ كَانَ خارص رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَو لغيره، وَقد جَاءَ فِي الدَّارَقُطْنِيّ أَنه بَعثه خارصًا لَكِن بسندٍ فِيهِ مَجَاهِيل، أَو أَنه تَصْحِيف وَصَوَابه (أَنه) بعث أَبَاهُ.
قلت: عبد الرَّحْمَن هَذَا وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان، فَإِنَّهُ ذكره فِي «ثقاته» ، وَأخرج الحَدِيث فِي «صَحِيحه» من جِهَته، وَكَذَلِكَ الْحَاكِم صحّح إِسْنَاده، فقد عرف حَاله كَمَا قَالَه الْبَزَّار، وَللَّه الْحَمد.
وَقَول النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث صَحِيح، إِلَّا عبد الرَّحْمَن بن مَسْعُود بن نيار الرَّاوِي عَن سهل بن أبي حثْمَة، فَلم يتكلموا فِيهِ بِجرح وَلَا تَعْدِيل، وَلَا هُوَ مَشْهُور، وَلم (يُضعفهُ) أَبُو دَاوُد. فِيهِ مَا ذَكرْنَاهُ من كَونه ثِقَة.
وَقَول صَاحب «الْإِلْمَام» بعد أَن نقل تَصْحِيحه عَن الْحَاكِم: فِيمَا قَالَ نظر. مُرَاده بِهِ مَا ذَكرْنَاهُ عَن ابْن الْقطَّان، فَإِنَّهُ نَقله عَنهُ فِي كتاب «الإِمَام» وَأقرهُ عَلَيْهِ، وَقد عرفت مَا فِيهِ.
فَائِدَة: قَالَ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» : لهَذَا الحَدِيث مَعْنيانِ:
أَحدهمَا: أَن يتْرك الثُّلُث أَو الرّبع من الْعشْر. وَثَانِيهمَا: أَن يتْرك ذَلِك من نَفْس التَّمْر قبل أَن يعشر إِذا كَانَ ذَلِك حَائِطا كَبِيرا يحْتَملهُ.
وَقَالَ الشَّافِعِي: مَعْنَاهُ يدع ثلث الزَّكَاة أَو ربعهَا ليفرقها هُوَ بِنَفسِهِ عَلَى أَقَاربه وجيرانه. وَقَالَ فِي «الْأُم» : (مَعْنَاهُ) يدع لَهُ ولأهله قدر مَا يَأْكُلُون وَلَا يخرصه. وَمُقْتَضَى هَذَا أَنه إِذا احْتَاجَ وَأَهله إِلَى الْجَمِيع أَنه يتْرك الْجَمِيع. وَقد حَكَاهُ كَذَلِك الْمُنْذِرِيّ فِي «حَوَاشِيه» .
(هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب بِحَمْد الله وَمِنْه) .
وَأما آثاره فسبعة: الأول: عَن عمر رضي الله عنه وَغَيره: «فِي الزَّيْتُون الْعشْر» .
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» ، وَقَالَ: إِسْنَاده مُنْقَطع، وَرَاوِيه لَيْسَ بِقَوي. رَوَاهُ من جِهَة الْوَلِيد - يَعْنِي: ابْن مُسلم - أَخْبرنِي عُثْمَان بن عَطاء، عَن أَبِيه عَطاء الْخُرَاسَانِي «أَن عمر بن الْخطاب لما قدم الْجَابِيَة رفع إِلَيْهِ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنهم اخْتلفُوا فِي عشر الزَّيْتُون، فَقَالَ عمر: فِيهِ الْعشْر إِذا بلغ خَمْسَة أوسق حبه، عصره وَأخذ عشر زيته» .
وَمُرَاد الْبَيْهَقِيّ بالانقطاع بَين عَطاء الْخُرَاسَانِي (وَعمر)، وَقَوله:(وَرَاوِيه) لَيْسَ بِالْقَوِيّ، يُرِيد: عُثْمَان بن عَطاء؛ فَإِنَّهُم ضَعَّفُوهُ، وَقد نبه عَلَى ذَلِك صَاحب «الإِمَام» ، وَعبارَته فِي «الْمعرفَة» - أَعنِي الْبَيْهَقِيّ -:
وَرَاوِيه (ضَعِيف) .
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَأَصَح مَا رُوِيَ فِي الزَّيْتُون قَول ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ: مَضَت السّنة فِي زَكَاة الزَّيْتُون أَن تُؤْخَذ مِمَّن عصر زيتونه حِين يعصره، فِيمَا سقت السَّمَاء [والأنهار] أَو كَانَ بعلاً الْعشْر، وَمَا سقِِي برشاء الناضح نصف الْعشْر.
قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : وَهَذَا مَوْقُوف لَا نعلم اشتهاره فَلَا يحْتَج بِهِ عَلَى الصَّحِيح.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَحَدِيث معَاذ بن جبل وَأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَعلَى وَأولَى أَن يُؤْخَذ بِهِ. يَعْنِي: روايتهما «أنَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهما لما بعثهما إِلَى الْيمن: لَا تأخذا الصَّدَقَة إِلَّا من هَذِه الْأَرْبَعَة: الْحِنْطَة، وَالشعِير، وَالتَّمْر، وَالزَّبِيب» .
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : الْبَيْهَقِيّ لَا يَقُول بِمُقْتَضَاهُ فِي الِاقْتِصَار عَلَى هَذِه (الْأَجْنَاس) الْأَرْبَعَة. وَقَول الرَّافِعِيّ عَن ابْن عمر وَغَيره: «إِن فِي الزَّيْتُون الْعشْر» لَعَلَّه أَشَارَ بقوله: «وَغَيره» إِلَى قَول ابْن شهَاب: إِن فِيهِ الْعشْر. (رَوَاهُ) الْبَيْهَقِيّ، أَو إِلَى قَوْله: «مَضَت السّنة
…
» إِلَى آخِره. وَذكره صَاحب «الْمُهَذّب» من قَول ابْن عَبَّاس
أَيْضا، وَلَا يحضرني من خرجه. (وَقَالَ) النَّوَوِيّ: إِنَّه ضَعِيف.
الْأَثر الثَّانِي: قَالَ الرَّافِعِيّ: وَنقل فِي الْقَدِيم أَنه يجب فِيهِ الزَّكَاة إِن صَحَّ حَدِيث أبي بكر رضي الله عنه، وَهُوَ مَا رُوِيَ «أَنه كتب إِلَى بني خفاش أَن أَدّوا زَكَاة الذّرة والورس» .
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي بِنَحْوِهِ وَضَعفه؛ فَقَالَ: أَخْبرنِي هِشَام بن يُوسُف «أَن أهل خُفَّاش أخرجُوا كتابا من أبي بكر الصّديق فِي قِطْعَة أَدِيم إِلَيْهِم، يَأْمُرهُم بِأَن يؤدوا عشر الورس» .
قَالَ الشَّافِعِي: وَلَا أَدْرِي أثابت هَذَا، وَهُوَ يعْمل بِهِ بِالْيمن، فَإِن كَانَ ثَابتا عشر قَلِيله وَكَثِيره.
قَالَ (الْبَيْهَقِيّ) : لم يثبت فِي هَذَا إِسْنَاد تقوم (بِمثلِهِ) حجَّة، وَالْأَصْل أَن لَا وجوب، فَلَا يُؤْخَذ من غير مَا ورد بِهِ خبر صَحِيح، أَو كَانَ فِي غير (مَعْنَى) مَا ورد بِهِ خبر صَحِيح. وَنقل النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» (اتِّفَاق) الْحفاظ عَلَى ضعف هَذَا الْأَثر، وَأَن الْأَصْحَاب فِي كتب (الْمَذْهَب) أطبقوا عَلَى تَضْعِيفه.
فَائِدَة: خُفَّاش بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْفَاء الْمُشَدّدَة، وَغلط من ضَبطه بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْفَاء.
قَالَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» : الصَّوَاب الأول، وَهَذَا غلط، والورس (شجر) مَعْرُوف يصْبغ بِهِ.
الْأَثر الثَّالِث: عَن عَلّي رضي الله عنه: «لَيْسَ فِي الْعَسَل زَكَاة» .
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث حُسَيْن بن زيد، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن عَلّي بِهِ. وحسين هَذَا فِي حَدِيثه بعض (النكرَة) ، كَمَا قَالَه ابْن عدي.
الْأَثر الرَّابِع: عَن (ابْن) عمر، مثله.
وَهَذَا الْأَثر أسلفناه فِي آخر الحَدِيث الْخَامِس عَن حِكَايَة (ابْن) الْمُنْذر، وَقد أسلفناه مَرْفُوعا من حَدِيثه وضعفناه.
الْأَثر الْخَامِس: «أَن أَبَا بكر رضي الله عنه كَانَ يَأْخُذ الزَّكَاة مِنْهُ» .
وَهَذَا الْأَثر لَا يحضرني من خرجه عَنهُ.
الْأَثر السَّادِس: «أَن أَبَا بكر رضي الله عنه أَيْضا كَانَ يَأْخُذ الزَّكَاة من القرطم» .
وَهَذَا الْأَثر لَا يحضرني من خرجه عَنهُ أَيْضا.
الْأَثر السَّابِع: عَن عمر رضي الله عنه «أَنه فتح سَواد الْعرَاق، وَوَقفه عَلَى الْمُسلمين وَضرب عَلَيْهِ خراجًا» .
وَهَذَا الْأَثر سَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ وَاضحا فِي بَابه - إِن شَاءَ الله - فَإِنَّهُ أليق بِهِ.