الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَاب: زَكَاة الْمَعْدن والركاز
ذكر رحمه الله فِيهِ ثَمَانِيَة أَحَادِيث:
الحَدِيث الأول
(هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مَالك) فِي «موطئِهِ» عَن ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن، عَن غير وَاحِد من عُلَمَائهمْ «أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أقطع لِبلَال بن الْحَارِث الْمُزنِيّ معادن الْقبلية، وَهِي من نَاحيَة الْفَرْع» فَتلك الْمَعَادِن لَا يُؤْخَذ (مِنْهَا) إِلَّا الزَّكَاة إِلَى الْيَوْم.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا فِي «سنَنه» كَذَلِك. وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ عَن الْحُسَيْن بن إِسْحَاق، عَن هَارُون بن عبد الله، عَن مُحَمَّد بن الْحسن، (عَن حميد) بن صَالح، عَن عمَارَة وبلال ابْني يَحْيَى بن بِلَال بن الْحَارِث، عَن أَبِيهِمَا، عَن جدهما بِلَال بن الْحَارِث الْمُزنِيّ رضي الله عنه «أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أقطعه هَذِه الْقطعَة، وَكتب لَهُ: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، هَذَا مَا أعْطى مُحَمَّد رَسُول الله بِلَال بن الْحَارِث، أعطَاهُ معادن الْقبلية غوريها وجلسيها وَذَات النصب وَحَيْثُ صلح للزَّرْع من قدس (إِن كَانَ
للزَّرْع صَالحا) وَكتب مُعَاوِيَة» .
وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» فِي تَرْجَمَة بِلَال بن الْحَارِث بِسَنَدِهِ إِلَى حميد، وَقَالَ: بدل «عمَارَة» : «الْحَارِث» وَذكر الْبَاقِي مَعَ اخْتِلَاف يسير.
وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن مَالك بِلَفْظِهِ السالف، ثمَّ قَالَ: لَيْسَ هَذَا مِمَّا يُثبتهُ أهل الحَدِيث، وَلَو ثبتوه لم تكن [فِيهِ] رِوَايَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَّا إقطاعه، فَأَما الزَّكَاة فِي الْمَعَادِن دون الْخمس فَلَيْسَتْ مروية عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِيهِ.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : هُوَ كَمَا قَالَ الشَّافِعِي، فِي رِوَايَة مَالك. قَالَ: وَقد رُوِيَ عَن عبد الْعَزِيز الدَّرَاورْدِي، عَن ربيعَة مَوْصُولا. فَرَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ عَن نعيم بن حَمَّاد، عَن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، عَن ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن، عَن الْحَارِث بن بِلَال بن الْحَارِث، (عَن أَبِيه «أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَخذ من الْمَعَادِن الْقبلية الصَّدَقَة، [وَإنَّهُ] أقطع بِلَال بن الْحَارِث) العقيق أجمع، فَلَمَّا كَانَ عمر بن الْخطاب قَالَ لِبلَال: إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لم يقطعك إِلَّا لتعمل. قَالَ: فأقطع عمر بن الْخطاب للنَّاس العقيق» .
وَرَوَاهُ من (هَذَا) الْوَجْه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» عَلَى
«الصَّحِيحَيْنِ» ، (ثمَّ) قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح، وَلم يُخرجهُ الشَّيْخَانِ، وَقد احْتج البخارى بنعيم بن حَمَّاد، وَمُسلم بالدراوردي.
قلت: نعيم والدراوردي لَهما مَا يُنكر، والْحَارث لَا أعرف حَاله، لَا جرم قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الْإِلْمَام» : لعلّ الْحَاكِم علم حَال الْحَارِث. وَرَوَاهُ أَيْضا فِي «مُسْتَدْركه» فِي تَرْجَمَة بِلَال، من وَجه آخر كَمَا سلف.
قَالَ (أَبُو عمر) بن عبد الْبر: هَكَذَا هُوَ فِي «الْمُوَطَّأ» عِنْد جَمِيع الروَاة مُرْسلا، وَلم يخْتَلف فِيهِ عَن مَالك، وَذكر أَن الدَّرَاورْدِي رَوَاهُ عَن ربيعَة، عَن الْحَارِث بن بِلَال بن الْحَارِث الْمُزنِيّ، عَن أَبِيه، وَقَالَ أَيْضا: وَإسْنَاد ربيعَة فِيهِ صَالح حسن.
وَقَالَ (أَبُو مُحَمَّد) بن حزم فِي «محلاه» : هَذَا لَيْسَ بِشَيْء؛ لِأَنَّهُ مُرْسل. وَمنع ابْن الْجَوْزِيّ تَسْمِيَته بذلك، فَقَالَ فِي «تَحْقِيقه» بعد استدلاله بِهِ: إِن قيل قَوْله: «عَن غير وَاحِد» يَقْتَضِي الْإِرْسَال. قُلْنَا: ربيعَة قد لَقِي الصَّحَابَة، وَالْجهل بالصحابي لَا يضر، وَلَا يُقَال: هَذَا مُرْسل. قَالَ: ثمَّ قد رَوَاهُ الدَّرَاورْدِي، عَن ربيعَة، عَن الْحَارِث بن بِلَال، عَن بِلَال؛ أَنه عليه السلام أَخذ مِنْهُ زَكَاة الْمَعَادِن الْقبلية، (قَالَ) : قَالَ ربيعَة: وَهَذِه الْمَعَادِن تُؤْخَذ مِنْهَا الزَّكَاة إِلَى هَذَا الْوَقْت. قَالَ: وَرَوَاهُ ثَوْر، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، مثل حَدِيث بِلَال.
قلت: وَله طَرِيق آخر أخرجه أَبُو دَاوُد، من حَدِيث كثير بن عبد الله بن عَمْرو بن عَوْف الْمُزنِيّ، عَن أَبِيه، عَن جده أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أقطع بِلَال بن الْحَارِث الْمُزنِيّ معادن الْقبلية جلسيها وغوريها، وَحَيْثُ يصلح الزَّرْع من قدس وَلم (يُعْطه) حق مُسلم، وَكتب لَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، هَذَا مَا أعْطى مُحَمَّد رَسُول الله بِلَال بن الْحَارِث الْمُزنِيّ، أعطَاهُ معادن الْقبلية جلسها وغورها، وَحَيْثُ يصلح الزَّرْع من قدس، وَلم يُعْطه حق مُسلم» .
قَالَ أَبُو دَاوُد: ونا غير وَاحِد، عَن حُسَيْن بن مُحَمَّد، نَا أَبُو أويس، قَالَ: وحَدثني ثَوْر بن يزِيد، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم مثله. زَاد ابْن النَّضر:«وَكتب أبي بن كَعْب» . وَكثير هَذَا ضَعَّفُوهُ، وَأَبُو أويس عبد الله بن عبد الله أخرج لَهُ مُسلم، وَضَعفه غير وَاحِد.
قَالَ (ابْن) عبد الْبر فِي «تمهيده» : كثير مجمع عَلَى ضعفه لَا يحْتَج بِمثلِهِ، (وَهُوَ غَرِيب من حَدِيث ابْن عَبَّاس، لَيْسَ يرويهِ غير أبي أويس عَن ثَوْر) .
قلت: وَأَبُو أويس قد علمت حَاله. قَالَ (الْحَافِظ جمال الدَّين) الْمزي: وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن أبي أويس، عَن أَبِيه أبي أويس، وَعَن عَمه مُوسَى ابْن يسَار جَمِيعًا عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس. وَنقل عبد الْحق فِي «الْأَحْكَام» [عَن ابْن عبد الْبر] أَنه قَالَ فِي هَذَا الحَدِيث: إِنَّه مُنْقَطع. وَلم أر ذَلِك فِي «تمهيده» وَلَا «استذكاره» ، وَقد تعقبه ابْن الْقطَّان [فَقَالَ:] نعم هُوَ مُنْقَطع؛ من أجل أَن أَبَا دَاوُد قَالَ: نَا غير وَاحِد عَن حُسَيْن بن مُحَمَّد.
فَائِدَة فِي ضبط مَا وَقع من الْأَلْفَاظ الغريبة الَّتِي قد تصحف: الْفَرْع بِضَم الْفَاء وَبعدهَا رَاء سَاكِنة؛ كَذَا قيدها (الْحَافِظ أَبُو بكر) الْحَازِمِي فِي «المؤتلف» ، قَالَ: وَهُوَ قَرْيَة من نَاحيَة الربذَة عَن يسَار السقيا، بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة ثَمَانِيَة برد، وَقيل: أَربع لَيَال، بهَا مِنْبَر ونخل ومياه، وَهِي لقريش وَالْأَنْصَار وَمُزَيْنَة. وضبطها الْبكْرِيّ بِضَم الأول وَالثَّانِي وَالْعين الْمُهْملَة، وَقَالَ: حجازي من أَعمال الْمَدِينَة (الواسعة) والصفراء، وأعمالها من الْفَرْع ومضافة إِلَيْهِمَا. وَكَذَا ضَبطهَا الْمُنْذِرِيّ فِي «مُخْتَصر السّنَن» ثمَّ قَالَ: وسكَّن الْفَاء بَعضهم. قَالَ: وَهُوَ مَوضِع
بِأَعْلَى الْمَدِينَة، وَاسع، عَلَى طَرِيق مَكَّة، وَفِيه مَسَاجِد النَّبِي صلى الله عليه وسلم، ومنابره، وقرى كَثِيرَة. وَقَالَ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث «الْمُهَذّب» : هُوَ مَوضِع بَين نَخْلَة وَالْمَدينَة. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» : هِيَ قَرْيَة ذَات نخل وَزرع ومياه جَامِعَة، بَين مَكَّة وَالْمَدينَة، عَلَى نَحْو أَربع مراحل من الْمَدِينَة. قَالَ الْبكْرِيّ: وَالْفرع من أشرف ولايات الْمَدِينَة.
والقبلية: بِفَتْح الْقَاف، وَالْبَاء الْمُوَحدَة الْمَفْتُوحَة أَيْضا وَكسر اللَّام بعْدهَا، كَذَا ضَبطه الْبكْرِيّ فِي «مُعْجَمه» ، وَالشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الْإِلْمَام» وَالنَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» و «مَجْمُوعه» وَادَّعَى فِي «مَجْمُوعه» أَنه لَا خلاف فِي هَذَا الضَّبْط، قَالَ: وَقد تصحف، قَالَ: وَهُوَ مَوضِع (من) نَاحيَة الْفَرْع.
وَلَيْسَ كَمَا ادَّعَاهُ من نفي الْخلاف؛ فقد نقل الْمُنْذِرِيّ فِي «حَوَاشِيه» عَن كتاب «الْأَمْكِنَة» أَن الْقبلية بِكَسْر الْقَاف (وَفتح الْبَاء ثمَّ قَالَ: وَالْمَحْفُوظ فِي الحَدِيث أَن الْقبلية مَنْسُوب إِلَى قبل بِفَتْح الْقَاف) وَالْبَاء الْمُوَحدَة، وَهِي نَاحيَة من سَاحل الْبَحْر، بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة خَمْسَة أَيَّام.
وجَلْس: بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون اللَّام ثمَّ سين مُهْملَة، قَالَ الْأَصْمَعِي: كل مُرْتَفع جلْس. والغوْر: مَا (انخفض) من الأَرْض، يُرِيد أَنه أقطعه