الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زَكَاة مَاله فقد أدّى الْحق الَّذِي عَلَيْهِ، وَمن زَاد فَهُوَ أفضل» .
وَمِنْهَا: حَدِيث أبي هُرَيْرَة، رَفعه:«إِذا أدّيت الزَّكَاة فقد قضيت مَا عَلَيْك، وَمن جمع مَالا حَرَامًا ثمَّ تصدق بِهِ، لم يكن لَهُ فِيهِ أجر، وَكَانَ (إصره) عَلَيْهِ» .
وَرَوَى التِّرْمِذِيّ هَذَا، وَقَالَ: غَرِيب.
وَمِنْهَا: حَدِيث جَابر، (رَفعه) :«إِذا أدّيت زَكَاة مَالك فقد أذهبت عَنْك شَره» . قَالَ: رُوِيَ مَرْفُوعا وموقوفًا، وَالْمَوْقُوف أصح، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» مَرْفُوعا، ثمَّ قَالَ: إِنَّه صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. قَالَ: وَشَاهده حَدِيث أبي هُرَيْرَة. قَالَ: وَهُوَ شَاهد صَحِيح.
الحَدِيث الرَّابِع
أنَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فِي كل أَرْبَعِينَ من الْإِبِل السَّائِمَة بنت لبون، (من أَعْطَاهَا) مُؤْتَجِرًا فَلهُ أجرهَا، وَمن منعهَا فإِنَّا آخِذُوهَا وَشطر مَاله، عَزمَة من عَزمَات رَبنَا، لَيْسَ لآل مُحَمَّد مِنْهَا شَيْء» .
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِي «سنَنَيْهِمَا» ، وَالْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» ، من حَدِيث بهز - بالزاي - ابْن (حَكِيم) - بِفَتْح أَوله - بن مُعَاوِيَة بن حيدة - بِفَتْح الْحَاء (الْمُهْملَة) ثمَّ مثناة تَحت سَاكِنة - عَن أَبِيه، عَن جده، عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَاللَّفْظ الْمَذْكُور لَهُم، إِلَّا أَن أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ قَالُوا:«شطر (إبِله» بدل) «مَاله» وَإِلَّا أَحْمد وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فَقَالُوا: «لَا يحل لآل مُحَمَّد مِنْهَا شَيْء» بدل «لَيْسَ» .
وَإسْنَاد هَذَا الحَدِيث صَحِيح إِلَى بهز، وَاخْتلف الْحفاظ فِي الِاحْتِجَاج بِحَدِيث بهز، فَقَالَ يَحْيَى بن معِين: هُوَ ثِقَة. وَسُئِلَ أَيْضا عَن أَبِيه عَن جده؟ فَقَالَ: إِسْنَاده صَحِيح إِذا كَانَ دونه ثِقَة.
قلت: وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ عَنهُ أَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَيَحْيَى بن سعيد، ومعتمر، وَعبد الْوَارِث. وَقَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: ثِقَة. وَكَذَلِكَ قَالَ النَّسَائِيّ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد السجسْتانِي: هُوَ عِنْدِي حجَّة. وَقَالَ مرّة أُخْرَى: أَحَادِيثه صِحَاح وَحسن التِّرْمِذِيّ حَدِيثه «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام حبس رجلا فِي تُهْمَة فخلى سَبيله» وَقَالَ الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» : هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد عَلَى مَا قدمنَا ذكره من تَصْحِيح هَذِه الصَّحِيفَة وَلم يخرجَاهُ. وَأَشَارَ الْحَاكِم بذلك إِلَى مقَالَته فِي أول كتاب الْإِيمَان: لَا أعلم خلافًا بَين أَكثر أَئِمَّة أهل النَّقْل فِي عَدَالَة بهز بن حَكِيم وَأَنه يجمع حَدِيثه. قَالَ: وَقد ذكره البُخَارِيّ فِي الْجَامِع الصَّحِيح.
قلت: وَإِن كَانَ (قَالَ) فِي حَقه: خَارِجَة مُخْتَلفُونَ فِيهِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «الضُّعَفَاء» : بهز كَانَ يُخطئ كثيرا. (فَأَما أَحْمد بن حَنْبَل وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فَإِنَّهُمَا يحتجان بِهِ ويرويان عَنهُ) ، وَتَركه جمَاعَة من أَصْحَابنَا وأئمتنا، وَلَوْلَا هَذَا الحَدِيث لَأَدْخَلْنَاهُ فِي الثِّقَات، وَهُوَ مِمَّن أستخير الله فِيهِ.
وَاعْترض الذَّهَبِيّ عَلَيْهِ فِي هَذِه الْعبارَة، فَقَالَ فِي «الْمِيزَان» : مَا تَركه عَالم قطّ، وَإِنَّمَا (اخْتلفُوا) فِي الِاحْتِجَاج بِهِ.
قلت: سَيَأْتِي (أَي) عَن بَعضهم عدم الِاحْتِجَاج بِهِ (كَمَا) قَالَ ابْن عدي: أَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ فِي رواياته، وَلم أر أحدا تخلف عَنهُ فِي الرِّوَايَة من الثِّقَات، وَلم أر لَهُ حَدِيثا مُنْكرا، وَأَرْجُو أَنه إِذا حدث عَنهُ ثِقَة فَلَا بَأْس بحَديثه، وَرَوَى عَنهُ ثِقَات النَّاس وَجَمَاعَة من الْأَئِمَّة.
وعدهم، وَقَالَ صَالح جزرة: بهز عَن أَبِيه عَن جده إِسْنَاد أَعْرَابِي. وَقَالَ أَحْمد بن بشير: أَتَيْته فَوَجَدته يلْعَب بالشطرنج. وَنقل الذَّهَبِيّ فِي «الْمِيزَان» عَن الْحَاكِم أَنه (قَالَ) : هُوَ ثِقَة، إِنَّمَا أسقط من الصَّحِيح؛ لِأَن رِوَايَته عَن أَبِيه عَن جده شَاذَّة لَا متابع لَهُ عَلَيْهَا. قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: هُوَ شيخ يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: صَالح وَلكنه لَيْسَ بالمشهور. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَيْسَ بِحجَّة. وَقَالَ ابْن حزم فِي «محلاه» : هَذَا خبر لَا يَصح؛ لِأَن بهز بن حَكِيم غير مَشْهُور بِالْعَدَالَةِ ووالده كَذَلِك. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر (مِنْهُ) : بهز لَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَحَكِيم ضَعِيف.
وَاعْترض ابْن الْقطَّان عَلَى أبي حَاتِم فِي قَوْله: «لَا يحْتَج بِهِ» ، فَقَالَ: يَنْبَغِي أَن لَا يقبل مِنْهُ إِلَّا بِحجَّة، وبهز ثِقَة عِنْد من علمه. وَقد وَثَّقَهُ غير من ذكر؛ كَابْن الْجَارُود وَالنَّسَائِيّ، وَصحح التِّرْمِذِيّ رِوَايَته عَن أَبِيه عَن جده وَقَالَ (أَبُو) جَعْفَر السبتي: إِسْنَاد بهز عَن أَبِيه عَن جده صَحِيح. قَالَ مُحَمَّد بن الْحُسَيْن: سَأَلت ابْن معِين: هَل رَوَى شُعْبَة عَن بهز؟ قَالَ: نعم رَوَى عَنهُ حَدِيث « (أَتَرْعَوْنَ) عَن ذكر الْفَاجِر» وَقد كَانَ شُعْبَة متوقفًا عَنهُ، فَلَمَّا رَوَى هَذَا الحَدِيث كتبه وأبرأه مِمَّا اتهمه بِهِ. قلت: فكم لَهُ عَن أَبِيه عَن جده؟ قَالَ: أَحَادِيث. قلت لأبي عبد الله أَحْمد بن حَنْبَل: مَا
تَقول فِي بهز؟ قَالَ: سَأَلت غندرًا عَنهُ فَقَالَ: ثِقَة كَانَ شُعْبَة مَسّه، ثمَّ تبين مَعْنَاهُ فَكتب عَنهُ. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: كَانَ من خِيَار النَّاس. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَلَيْسَ بضار لَهُ حِكَايَة الشطرنج الْمُتَقَدّمَة فَإِن استباحته مَسْأَلَة فقهية (مشتبهة) .
قلت: وَمن أغرب الْعبارَات (فِيهِ) قَول ابْن الطلاع فِي أَوَائِل «أَحْكَامه» : بهز بن حَكِيم مَجْهُول عِنْد بعض أهل الْعلم، وَأدْخلهُ البُخَارِيّ فِي كتاب الْوضُوء فَدلَّ عَلَى أَنه مَعْرُوف. وَلَا أعلم أحدا أطلق هَذِه الْعبارَة عَلَيْهِ، وَأما طعن (ابْن) حزم فِي وَالِده فَفِيهِ وَقْفَة، فقد قَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ الْعجلِيّ: ثِقَة. وعلق عَنهُ البُخَارِيّ وَعَن وَالِده فِي الصَّحِيح، وَرَوَى لَهما فِي الْأَدَب خَارجه.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» : قَالَ الشَّافِعِي: وَلَا يثبت أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ أَن تُؤْخَذ الصَّدَقَة وَشطر إبل (الغال) لصدقته، وَلَو ثَبت قُلْنَا بِهِ.
وَهَذَا تَصْرِيح من الإِمَام الشَّافِعِي بِأَن أهل الحَدِيث ضعفوا هَذَا الحَدِيث. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا حَدِيث قد أخرجه أَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» ، فَأَما البُخَارِيّ وَمُسلم فَإِنَّهُمَا لم [يخرجَاهُ جَريا عَلَى عَادَتهمَا فِي أَن
الصَّحَابِيّ أَو التَّابِعِيّ إِذا لم يكن لَهُ إِلَّا راو وَاحِد لم] يخرّجا حَدِيثه فِي الصَّحِيح، وَمُعَاوِيَة بن حيدة [الْقشيرِي] لم يثبت عِنْدهمَا رِوَايَة ثِقَة عَنهُ، غير ابْنه، فَلم يخرجَا حَدِيثه فِي الصَّحِيح.
وَتَبعهُ عَلَى ذَلِك الْمُنْذِرِيّ، فَقَالَ فِي «حَوَاشِي السّنَن» : بهز ثِقَة، وجده مُعَاوِيَة بن حيدة (الْقشيرِي) صحبته مَشْهُورَة، وَمُعَاوِيَة بن حيدة لم تثبت عِنْد البُخَارِيّ وَمُسلم رِوَايَة ثِقَة عَنهُ، غير ابْنه.
وَهَذَا الْكَلَام معترض عَلَيْهِ من وَجْهَيْن؛ أَحدهمَا: أَن دَعْوَى عَادَتهمَا فِي أَن الصحأبي أَو التَّابِعِيّ إِذا لم يكن لَهُ إِلَّا راو واحدٍ لم يخرجَا حَدِيثه فِي الصَّحِيح لم يثبت، وَقد أبطل ذَلِك الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ بن سعيد الْمصْرِيّ فِي كِتَابه الَّذِي يبين فِيهِ أَوْهَام «الْمدْخل» للْحَاكِم، وَالْبَيْهَقِيّ فِي هَذِه الْمقَالة [مَعَ] الْحَاكِم، وَذكر ابْن الصّلاح فِي كِتَابه «عُلُوم الحَدِيث» جمَاعَة خرج لَهُم فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَلَيْسَ لَهُم إِلَّا راو وَاحِد، لَكِن (نقضته) عَلَيْهِ فِي اختصاري لَهُ، فراجع ذَلِك مِنْهُ فَإِنَّهُ من الْمُهِمَّات.
وَمِمَّنْ أبطل مقَالَة الْحَاكِم ابْن الْجَوْزِيّ فِي «مَوْضُوعَاته» فَإِنَّهُ قَالَ: هَذِه مجازفة مِنْهُ وَظن، وَهُوَ ظن غلط. ثمَّ ذكر الْأَمْثِلَة الَّتِي
نقلناها عَن ابْن الصّلاح والِاعْتِرَاض عَلَيْهِ.
الْوَجْه الثَّانِي: أَن قَوْله لم تثبت (عِنْدهمَا) رِوَايَة (ثِقَة) عَنهُ، غير ابْنه، لَيْسَ عَلَى جِهَة النَّقْل عَنْهُمَا بذلك، وَكَأَنَّهُ من بَاب الظَّن.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : وَلَا يتعيَّن أَن يكون تَركهمَا لتخريجه هَذِه الْعلَّة الَّتِي ذكرهَا، فَيجوز أَن يكون ذَلِك لِأَنَّهُمَا لم يريَا بَهْزًا من شَرطهمَا.
تَنْبِيهَانِ: أَحدهمَا: بهز بالزاي كَمَا سلف، وبإسكان الْهَاء وَفتح الْبَاء.
وَقَوله: «مُؤْتَجِرًا» أَي طَالبا لِلْأجرِ. وَقَوله: «عَزمَة» هُوَ بِإِسْكَان الزَّاي، وَهُوَ مَرْفُوع؛ لِأَنَّهُ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: ذَلِك عَزمَة. وَقَوله: « (من) عَزمَات» هُوَ بِفَتْح الزَّاي؛ أَي حقّ لابد مِنْهُ. وَفِي رِوَايَة للبيهقي: «عَزِيمَة» بِكَسْر الزَّاي، ثمَّ يَاء (مثناة تَحت)، وَالْمَشْهُور «عَزمَة» . وَقَوله:«وَمن منعهَا» هَكَذَا هُوَ بِالْوَاو «وَمن» مَعْطُوف عَلَى أول الحَدِيث وَهُوَ «من أَعْطَاهَا» .
الثَّانِي: هَذَا الحَدِيث جعله الشَّافِعِي وَالْأَصْحَاب، وَمِنْهُم الْبَيْهَقِيّ فِي كتبه مَنْسُوخا؛ ذكره فِي «سنَنه» و «خلافياته» و «مَعْرفَته» ، وَأَنه كَانَ حِين كَانَت الْعقُوبَة بِالْمَالِ، قَالَ فِي «سنَنه» : وَقد كَانَ تضعف الغرامة عَلَى من سرق فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام، ثمَّ صَار مَنْسُوخا. وَاسْتدلَّ الشَّافِعِي عَلَى نسخه بِحَدِيث الْبَراء بن عَازِب فِيمَا أفسدت نَاقَته، فَلم ينْقل عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي تِلْكَ الْقِصَّة أَنه أَضْعَف الغرامة، بل نقل فِيهَا حكمه بِالضَّمَانِ فَقَط، فَيحْتَمل أَن يكون هَذَا من ذَلِك.
وضعَّفَ النَّوَوِيّ فِي «شرح الْمُهَذّب» القَوْل بذلك فَقَالَ: أجَاب الشَّافِعِي وَالْأَصْحَاب، وَالْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» - قلت: و «السّنَن» و «الخلافيات» - عَن حَدِيث بهز بِأَنَّهُ مَنْسُوخ. قَالَ: و (هَذَا) الْجَواب ضَعِيف من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن مَا ادعوهُ من كَون الْعقُوبَة كَانَت بالأموال فِي أول الْإِسْلَام لَيْسَ بِثَابِت وَلَا مَعْرُوف.
وَالثَّانِي: أَن النّسخ إِنَّمَا يُصَار إِلَيْهِ إِذا علم التَّارِيخ، وَلَيْسَ هُنَا علم بذلك.
قَالَ: وَالْجَوَاب الصَّحِيح تَضْعِيف الحَدِيث كَمَا قَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ - رَحمهَا الله تَعَالَى - هَذَا آخر كَلَامه. وَالظَّاهِر حسن الحَدِيث، (فَلهَذَا) احْتج بِهِ (الْأَكْثَرُونَ) كَمَا سلف، وَقد قَالَ هُوَ فِي كِتَابه «تَهْذِيب الْأَسْمَاء» : إِن يَحْيَى بن معِين وَالْجُمْهُور وثقوه