الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحَدِيث الثَّالِث
صلَاته عليه السلام بعسفان.
وَهِي (صَحِيحَة) وَقد أخرجهَا البُخَارِيّ وَمُسلم فِي «صَحِيحَيْهِمَا» من حَدِيث سهل بن أبي (حثْمَة) رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فِي الْخَوْف فصفهم خَلفه صفّين، فَصَلى بالذين يلونه رَكْعَة، ثمَّ قَامَ فَلم يزل قَائِما حَتَّى صَلَّى الَّذين (خَلفه) رَكْعَة، ثمَّ تقدمُوا وَتَأَخر الَّذين كَانُوا (قدامه) فَصَلى بهم رَكْعَة، ثمَّ قعد حَتَّى صَلَّى الَّذين (تخلفوا) رَكْعَة ثمَّ سلم» .
وَأخرجه مُسلم من حَدِيث جَابر مطولا.
وَأخرجه أَحْمد فِي «مُسْنده» وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِي «سُنَنهمَا» ، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» وَالْحَاكِم فِي
«مُسْتَدْركه» بِإِسْنَاد عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ من حَدِيث أبي عَيَّاش الزرقي مطولا. قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: (إِسْنَاده) صَحِيح إِلَّا أَن بعض أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ يشك فِي سَماع مُجَاهِد من أبي عَيَّاش. ثمَّ ذكر الحَدِيث بِإِسْنَاد جيد عَن مُجَاهِد قَالَ: نَا أَبُو عَيَّاش. وَقَالَ: بَين فِيهِ سَماع مُجَاهِد من أبي عَيَّاش. وَقَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» بعد أَن أخرج الحَدِيث: ذكر الْخَبَر المدحض قَول من زعم أَن مُجَاهدًا لم يسمع هَذَا الْخَبَر من أبي عَيَّاش وَلَا لأبي عَيَّاش الزرقي صُحْبَة فِيمَا زعم.
ثمَّ أخرجه من حَدِيث مُجَاهِد، نَا أَبُو عَيَّاش الزرقي قَالَ:«كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان» ثمَّ (سَاق) الحَدِيث، قَالَ الْمُنْذِرِيّ: سَمَاعه مِنْهُ مُتَوَجّه فَإِنَّهُ ذكر مَا يدل عَلَى أَن مولد مُجَاهِد سنة عشْرين، وعاش أَبُو عَيَّاش إِلَى بعد الْأَرْبَعين وَقيل إِلَى بعد الْخمسين. قَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» : وَأَبُو عَيَّاش هَذَا اخْتلف فِي اسْمه، فَمنهمْ من قَالَ: هُوَ زيد بن النُّعْمَان، وَمِنْهُم من قَالَ: زيد بن الصَّامِت، وَمِنْهُم من قَالَ: هُوَ عبيد بن مُعَاوِيَة بن الصَّامِت، وَمِنْهُم من قَالَ: عبيد بن معَاذ بن الصَّامِت.
وَرَوَى النَّسَائِيّ وَالْحَاكِم نَحْو هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة ابْن عَبَّاس.
قَالَ الْحَاكِم: صَحِيح عَلَى شَرط (البُخَارِيّ) .
قلت: وَأخرجه البُخَارِيّ بِلَفْظ: «قَامَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقَامَ النَّاس مَعَه فَكبر وَكَبرُوا مَعَه، وَركع وَركع نَاس (مِنْهُم) ، وَسجد وسجدوا مَعَه، ثمَّ قَامَ ثَانِيَة فَقَامَ الَّذين سجدوا وحرسوا إخْوَانهمْ، وَأَتَتْ الطَّائِفَة الْأُخْرَى [فركعوا وسجدوا] مَعَه وَالنَّاس كلهم فِي صَلَاة وَلَكِن يحرس بَعضهم بَعْضًا) .
تَنْبِيهَات:
أَحدهَا: لما ذكر الرَّافِعِيّ الْكَيْفِيَّة الَّتِي ذكرهَا الشَّافِعِي فِي الْمُخْتَصر أَن أهل الصَّفّ الثَّانِي يَسْجُدُونَ مَعَه فِي الرَّكْعَة الأولَى وَالْأول فِي الثَّانِيَة.
ثمَّ ذكر الرَّافِعِيّ اخْتِلَاف الْأَصْحَاب فِي ذَلِك وَأَن مِنْهُم من قَالَ: «إِن هَذِه الْكَيْفِيَّة منقولة عَن فعل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَمِنْهُم من قَالَ: هَذَا خلاف التَّرْتِيب فِي السّنة، فَإِن الثَّابِت فِي السّنة أَن أهل الصَّفّ الأول يَسْجُدُونَ مَعَه فِي الرَّكْعَة الأولَى، وَأهل الصَّفّ الثَّانِي يَسْجُدُونَ مَعَه فِي الثَّانِيَة، وَالشَّافِعِيّ عكس ذَلِك. وَقَالُوا: الْمَذْهَب مَا ورد بِهِ الْخَبَر؛ لِأَن
الشَّافِعِي قَالَ: إِذا رَأَيْتُمْ قولي مُخَالفا (للسّنة) فاطرحوه.
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَاعْلَم أَن مُسلما وَأَبا دَاوُد وَابْن مَاجَه وَغَيرهم من أَصْحَاب المسانيد لم يرووا إِلَّا الثَّانِي نعم فِي بعض الرِّوَايَات أَن طَائِفَة سجدت مَعَه، ثمَّ فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة سجد مَعَه الَّذين كَانُوا قيَاما، وَهَذَا يحْتَمل الترتيبين جَمِيعًا، وَلم يقل الشَّافِعِي إِن الْكَيْفِيَّة الَّتِي ذكرتها صَلَاة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان، وَلَكِن قَالَ: وَهَذَا نَحْوهَا.
قلت: وَهَذِه الرِّوَايَة الَّتِي قَالَ الرَّافِعِيّ أَنَّهَا مُحْتَملَة الترتيبين جَمِيعًا أخرجهَا الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث ابْن إِسْحَاق، حَدثنِي دَاوُد بن الْحصين، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «مَا كَانَت صَلَاة الْخَوْف إِلَّا كَصَلَاة أحراسكم (هَؤُلَاءِ الْيَوْم خلف أئمتكم إِلَّا أَنَّهَا كَانَت أَظُنهُ) قَالَ عقبه: قَامَت الطَّائِفَة وهم جَمِيع مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وسجدت مَعَه طَائِفَة، ثمَّ قَامَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَسجد الَّذين (كَانُوا) قيَاما (لأَنْفُسِهِمْ) ثمَّ قَامَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَقَامُوا مَعَه جَمِيعًا، ثمَّ ركع وركعوا مَعَه جَمِيعًا، ثمَّ سجد (فَسجدَ) مَعَه الَّذين كَانُوا قيَاما أول مرّة، وَقَامَ الْآخرُونَ الَّذين
كَانُوا سجدوا مَعَه أول مرّة، فَلَمَّا جلس رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَالَّذين سجدوا مَعَه فِي آخر صلَاتهم سجد الَّذين كَانُوا قيَاما لأَنْفُسِهِمْ ثمَّ (جَلَسُوا) فَجَمعهُمْ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِالسَّلَامِ» .
ثَانِيهَا: قَالَ الرَّافِعِيّ: وَحَكَى أَبُو الْفضل بن عَبْدَانِ أَن من أَصْحَابنَا من قَالَ يَحْرُسُونَ فِي الرُّكُوع أَيْضا. قَالَ: وَفِي بعض الرِّوَايَات مَا يدل عَلَيْهِ.
قلت: هُوَ ظَاهر رِوَايَة البُخَارِيّ السالفة.
ثَالِثهَا: قَالَ الرَّافِعِيّ: واشتهر فِي (البُخَارِيّ) أَن (الصَّفّ الثَّانِي يَحْرُسُونَ فِي الرَّكْعَة الأولَى، وَفِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة يتَقَدَّم أهل الصَّفّ الثَّانِي ويتأخر أهل الصَّفّ الأول، فَتكون الحراسة فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِمَّن خلف الصَّفّ الأول) لَا من الصَّفّ الأول، كَذَلِك ورد فِي الْخَبَر.
قلت: حَدِيث أبي عَيَّاش الزرقي الَّذِي (سقناه صَرِيح) فِي ذَلِك.
فَائِدَة: عسفان - بِعَين مَضْمُومَة ثمَّ سين سَاكِنة - مهملتين - قَرْيَة جَامِعَة بهَا مِنْبَر وَهِي بَين مَكَّة وَالْمَدينَة.
وَقَالَ مَالك فِي «الْمُوَطَّأ» : بَين عسفان وَمَكَّة أَرْبَعَة برد. وَهُوَ صَحِيح فالأربعة برد ثَمَانِيَة و (أَرْبَعُونَ) ميلًا وَذَلِكَ مرحلتان.
و (وَقع) فِي «الْمطَالع» أَن بَينهمَا سِتَّة وَثَلَاثِينَ ميلًا.