الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَاب: زَكَاة التِّجَارَة
ذكر فِيهِ رحمه الله أَحَادِيث وأثرًا وَاحِدًا. أما الْأَحَادِيث فَثَلَاثَة:
الحَدِيث الأول
عَن أبي ذَر رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فِي الْإِبِل صدقتها، (وَفِي الْبَقر صدقتها، وَفِي الْغنم صدقتها) وَفِي الْبَز صدقته» .
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، من طرق (عَن أبي ذَر، إِحْدَاهَا) : من حَدِيث أبي عَاصِم، عَن مُوسَى بن عُبَيْدَة الربذي، قَالَ: حَدثنِي عمرَان بن أبي أنس، عَن مَالك بن أَوْس بن الْحدثَان، عَنهُ مَرْفُوعا، كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ سَوَاء.
وَقَالَ عِنْد قَوْله: «وَفِي الْبَز صدقته» قَالَهَا بالزاي.
ثَانِيهَا: من حَدِيث (سعيد) بن سَلمَة، نَا مُوسَى، عَن عمرَان، عَن مَالك، عَنهُ مَرْفُوعا (بِهِ) سَوَاء، ثمَّ قَالَ: كتبته من الأَصْل الْعَتِيق، وَفِي الْبَز مُقَيّد.
ثَالِثهَا: من حَدِيث عبد الله بن مُعَاوِيَة، نَا مُحَمَّد بن بكر، عَن ابْن جريج، عَن عمرَان، عَن مَالك، عَنهُ مَرْفُوعا بِهِ، سَوَاء، إِلَّا أَنه قَالَ: لم يذكر الْبَقر.
وَرَوَاهُ أَحْمد، عَن مُحَمَّد بن بكر، عَن ابْن جريج، عَن عمرَان، بلغه عَنهُ، عَن مَالك بن أَوْس (بِهِ) ، وَذكر الْبَقر.
والطريقان الْأَوَّلَانِ معللان بمُوسَى بن عُبَيْدَة الربذي، وَقد ضَعَّفُوهُ، وَقَالَ أَحْمد: لَا تحل الرِّوَايَة عَنهُ. وَالطَّرِيق الثَّالِث مُعَلل بِعَبْد الله بن مُعَاوِيَة، وَلَا أعلم حَاله، وَلَا أتحقق أَنه عبد الله بن مُعَاوِيَة بن عَاصِم الضَّعِيف، وَإِن كَانَ ابْن حبَان ذكره فِي «ثقاته» وَقَالَ: رُبمَا يُخَالف، يعْتَبر بحَديثه إِذا بيَّنَ السماع فِي رِوَايَته.
فَإِن سلم أَنه هُوَ فقد صرح (هُنَا) بِالتَّحْدِيثِ، فَقَالَ: نَا مُحَمَّد بن بكر. كَمَا سلف، وَجزم ابْن الْجَوْزِيّ فِي «تَحْقِيقه» بِأَنَّهُ المضعف، وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: إسنادها حسن وَإِن (كَانَ) عبد الله فِيهِ أدنَى كَلَام.
قلت: وَلم ينْفَرد بِهِ، بل تَابعه عَلَيْهِ يَحْيَى بن مُوسَى كَمَا سَيَأْتِي، وَقَالَ ابْن الْقطَّان: هَذَا حَدِيث لَا يَصح؛ لِأَنَّهُ لَا يعرف إِلَّا بمُوسَى بن عُبَيْدَة وَهُوَ ضَعِيف، عَن عمرَان بن أبي أنس. قَالَ: فَأَما رِوَايَة ابْن جريج عَن عمرَان فَلَا تصح إِلَى ابْن جريج. قَالَ: وَعبد الله بن مُعَاوِيَة هَذَا لَا يعرف حَاله.
وَأقرهُ صَاحب «الإِمَام» عَلَى هَذِه الْمقَالة. قَالَ ابْن الْقطَّان: فَإِن قلت: قد رَوَاهُ عَن مُحَمَّد بن بكر غَيره، وَهُوَ يَحْيَى بن مُوسَى الْبَلْخِي
الْمَعْرُوف بخت وَهُوَ ثِقَة. فَالْجَوَاب: أَن الْمُؤَاخَذَة إِنَّمَا هِيَ عَلَى رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ، عَلَى أَن لرِوَايَة ابْن جريج عَن عمرَان لَو صحت من رِوَايَة يَحْيَى بن مُوسَى شَأْنًا آخر وَهُوَ الِانْقِطَاع. قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي كتاب «الْعِلَل» : نَا يَحْيَى بن مُوسَى، نَا مُحَمَّد بن (بكر) ثَنَا ابْن جريج، عَن عمرَان، عَن مَالك، عَن أبي ذَر قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: «فِي الْإِبِل صدقتها، وَفِي الْغنم صدقتها، وَفِي الْبَقر صدقتها، وَفِي الْبَز صدقته» ثمَّ قَالَ: سَأَلت مُحَمَّدًا عَن هَذَا الحَدِيث؟ فَقَالَ: ابْن جريج لم يسمع من عمرَان بن أبي أنس، يَقُول: حدثت عَن عمرَان بن أَبَى أنس. انْتَهَى. (وَقد أسلفنا ذَلِك عَن رِوَايَة أَحْمد) .
قَالَ ابْن الْقطَّان: فَالْحَدِيث عَلَى هَذَا مُنْقَطع، وَابْن جريج لم يقل:«نَا عمرَان» وَهُوَ مُدَلّس.
قلت: قد أخرجه الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث سعيد بن سَلمَة بن أبي الحسام، نَا عمرَان بن أبي أنس، عَن مَالك بن أَوْس، عَن أبي ذَر، مَرْفُوعا كَمَا سلف. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» من هَذَا
الْوَجْه أَيْضا، فَهَذِهِ الطَّرِيقَة سَالِمَة (من) الِانْقِطَاع. ثمَّ قَالَ الْحَاكِم: تَابعه ابْن (جريج) عَن عمرَان، ثمَّ سَاقه كَمَا سلف، ثمَّ قَالَ: كلا الإسنادين صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ.
وَاعْترض الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» عَلَى ابْن الْقطَّان، فَقَالَ: مَا ذكره من جِهَة التِّرْمِذِيّ عَن يَحْيَى بن مُوسَى، يَقْتَضِي صِحَّته إِلَى ابْن جريج، لَا كَمَا ذكر أَولا، وَالتَّعْلِيل بالانقطاع غير التَّعْلِيل بِعَدَمِ الصِّحَّة إِلَى ابْن جريج. قَالَ: وَطَرِيق ابْن جريج أخرجهَا الْحَاكِم فِي «الْمُسْتَدْرك» من (غير) جِهَة عبد الله بن مُعَاوِيَة، عَن مُحَمَّد بن بكر، فتزول الْعلَّة الَّتِي ذكرهَا ابْن الْقطَّان فِي كَون الحَدِيث لَا يَصح إِلَى ابْن جريج، ثمَّ سَاقه من حَدِيث الْحَاكِم، (من) طَرِيق ابْن جريج، ثمَّ قَالَ: وَهَذَا وَإِن كَانَ يزِيل مَا اعْترض بِهِ من عدم الصِّحَّة إِلَى ابْن (جريج) ، فَلَا يزِيل مَا ذكر عَن البُخَارِيّ من أَن ابْن جريج لم يسمع من عمرَان، فَمن هَذَا الْوَجْه يسْتَدرك عَلَى «الْمُسْتَدْرك» ثمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ الْحَاكِم من جِهَة سعيد بن سَلمَة، ثَنَا عمرَان بن أبي أنس، فَهَذَا الْوَجْه
خرج مِنْهُ ابْن جريج عَن عمرَان، وَقد وَقع فِيهِ التَّصْرِيح بِسَمَاع سعيد مِنْهُ، وَهُوَ من رجال مُسلم.
ثمَّ اعْترض عَلَى الْحَاكِم فِي قَوْله: «إِن الإسنادين عَلَى شَرطهمَا» بِأَن قَالَ: كِلَاهُمَا يرجع إِلَى عمرَان (بن) أبي أنس، وَهُوَ مَذْكُور فِيمَن انْفَرد (مُسلم بِهِ فَكيف يكون عَلَى شَرطهمَا؟ قلت: قد أسلفنا فِي أَوَائِل كتَابنَا هَذَا أَن مُرَاد) الْحَاكِم بقوله: «عَلَى شَرطهمَا» أَو «عَلَى شَرط أَحدهمَا» أَن رِجَاله ثِقَات احْتج الشَّيْخَانِ أَو أَحدهمَا بمثلهم (لَا أَنهم) أنفسهم، فَلَا إِيرَاد عَلَيْهِ إِذن.
ثمَّ اعْلَم بعد ذَلِك أَن ابْن الْجَوْزِيّ ذكر الطّرق الثَّلَاثَة الأول، من (عِنْد) الدَّارَقُطْنِيّ، عَلَى وَجه الِاحْتِجَاج بهَا، و (قَالَ) إِن الطَّرِيق الَّتِي فِيهَا عبد الله بن مُعَاوِيَة أصلح من اللَّتَيْنِ قبلهَا؛ لأجل مُوسَى بن عُبَيْدَة؛ فَإِنَّهُ أَشد ضعفا.
وَعِنْدِي أَن طَريقَة الْحَاكِم وَالدَّارَقُطْنِيّ من جِهَة سعيد بن سَلمَة أولَى مِنْهَا وَلم (يعْتَبر) بهَا ابْن الْجَوْزِيّ.
فَائِدَة: قَوْله عليه السلام: «وَفِي الْبَز صدقته» هُوَ بِفَتْح الْبَاء وبالزاي، هَكَذَا رَوَاهُ، وَصرح بالزاي الدَّارَقُطْنِيّ كَمَا سلف، ثمَّ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنَيْهِمَا» .
قَالَ أهل اللُّغَة: الْبَز: هِيَ الثِّيَاب الَّتِي هِيَ أَمْتعَة الْبَزَّاز. قَالَ النَّوَوِيّ