الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحَدِيث الثَّالِث
رُوِيَ الشَّافِعِي رحمه الله بِإِسْنَادِهِ إِلَى أنس بن مَالك رضي الله عنه أَنه قَالَ: «هَذِه الصَّدَقَة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذِه فَرِيضَة (الصَّدَقَة) الَّتِي فَرضهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (عَلَى الْمُسلمين) الَّتِي أَمر الله بهَا، فَمن سئلها عَلَى وَجههَا من الْمُؤمنِينَ (فليعطها) ، وَمن سئلها فَوق حَقه، فَلَا يُعْطهَا: فِي أَربع وَعشْرين من الْإِبِل، فَمَا دونهَا (من) الْغنم، فِي كل خمس شَاة، فَإِذا بلغت خمْسا وَعشْرين، إِلَى خمس وَثَلَاثِينَ، فَفِيهَا ابْنة مَخَاض أُنْثَى، فَإِن لم يكن فِيهَا ابْنة مَخَاض، فَابْن لبون ذكر، فَإِذا بلغت سِتا وَثَلَاثِينَ إِلَى خمس وَأَرْبَعين فَفِيهَا ابْنة لبون أُنْثَى، فَإِذا بلغت ستًّا وَأَرْبَعين إِلَى سِتِّينَ، فَفِيهَا حقة طروقة (الْجمل) ، فَإِذا بلغت وَاحِدًا وَسِتِّينَ إِلَى خمس وَسبعين، فَفِيهَا جَذَعَة، فَإِذا بلغت ستًّا وَسبعين إِلَى تسعين، فَفِيهَا (ابنتا) لبون، فَإِذا بلغت إِحْدَى وَتِسْعين إِلَى عشْرين وَمِائَة، فَفِيهَا حقتان طروقتا الْجمل، فَإِذا زَادَت عَلَى عشْرين وَمِائَة، فَفِي كل أَرْبَعِينَ بنت (لبون) ، وَفِي كل خمسين حقةٍ) .
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَهُوَ عُمْدَة الْبَاب، وَعَلِيهِ وَعَلَى حَدِيث ابْن عمر الآتى (مدَار) نصب زَكَاة الْمَاشِيَة.
وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي كَمَا ذكرنَا بأطول من هَذَا عَن الْقَاسِم بن عبد الله بن عمر، عَن الْمثنى بن أنس، أَو ابْن فلَان بن أنس، (عَن أنس) : «هَذِه الصَّدَقَة
…
قَالَ الْبَيْهَقِيّ) فِي «الْمعرفَة» : كَذَا رَوَى هَذَا الحَدِيث (عبد الله بن عمر الْعمريّ عَن الْمثنى بن أنس وَهُوَ الْمثنى بن) عبد الله بن أنس، (نسب إِلَى جده، وَالشَّافِعِيّ (ذكر) هَذِه (الرِّوَايَة) بِرِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة، عَن ثُمَامَة بن عبد الله بن أنس) ، عَن أنس، وَجعل اعْتِمَاده عَلَيْهَا وَعَلَى مَا بعْدهَا من (حَدِيث ابْن) عمر، قَالَ: أَخْبرنِي عددٌ ثِقَات كلهم، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن ثُمَامَة (بن عبد الله) بن أنس، عَن أنس (بن) مَالك، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، مثل مَعْنَى هَذَا لَا يُخَالِفهُ، إِلَّا أَنِّي لم أحفظ فِيهِ «إِلَّا يُعْطَى شَاتين، أَو عشْرين درهما» لَا
أحفظ: « (إِن) اسْتَيْسَرَ عَلَيْهِ» . قَالَ: وأحسب فِي حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة، عَن أنس، أَنه قَالَ:«دفع إليَّ أَبُو بكر الصّديق كتاب الصَّدَقَة عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم» ، وَذكر هَذَا الْمَعْنى كَمَا وصفتُ.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: حَدِيث حَمَّاد، عَن ثُمَامَة، عَن أنس؛ حَدِيث صَحِيح مَوْصُول، وَقد قصر بِهِ بعض الروَاة، فَرَوَاهُ عَن حَمَّاد، قَالَ:«أخذت من ثُمَامَة كتابا زعم أَن أَبَا بكر [كتبه] لأنس» ، فَتعلق بِهِ بعض من ادّعى الْمعرفَة بالآثار؛ و (قَالَ) : هَذَا مُنْقَطع وَأَنْتُم لَا تثبتون الْمُنْقَطع، وَإِنَّمَا وَصله عبد الله بن الْمثنى، عَن ثُمَامَة، عَن أنس، وَأَنْتُم لَا تَجْعَلُونَ عبد الله بن الْمثنى حجَّة.
وَلم يعلم أَن [يُونُس بن مُحَمَّد] الْمُؤَدب قد رَوَاهُ عَن حَمَّاد، قَالَ: أخذت هَذَا الْكتاب من ثُمَامَة عَن أنس، «أَن أَبَا بكر كتب لَهُ
…
» .
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سُرَيج بن النُّعْمَان، عَن حَمَّاد. وَقد أوردهُ ابْن الْمُنْذر فِي كِتَابه محتجًّا بِهِ.
وَرَوَاهُ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه - وَهُوَ إِمَام - عَن النَّضر بن شُمَيْل - وَهُوَ مُتَّفق عَلَيْهِ فِي الْعَدَالَة والإتقان والتقدم عَلَى أَصْحَاب حَمَّاد - قَالَ: ثَنَا حَمَّاد ابْن سَلمَة، قَالَ: أَخذ هَذَا الْكتاب من ثُمَامَة (يحدثه) عَن أنس، عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِسْنَاده صَحِيح، وَكلهمْ ثِقَات.
قلت: وَبِهَذَا يظْهر (رد) مَا نقل عَن الدَّارَقُطْنِيّ أَنه قَالَ فِي كتاب «التتبع عَلَى الصَّحِيحَيْنِ» : إِن ثُمَامَة لم يسمعهُ من أنس، وَلَا سَمعه عبد الله بن الْمثنى من ثُمَامَة. وَمَا فِي «الْأَطْرَاف» للمقدسي:(قيل لِابْنِ) معِين: حَدِيث ثُمَامَة عَن أنس فِي الصَّدقَات؟ قَالَ: لَا يَصح، وَلَيْسَ بِشَيْء، وَلَا يَصح فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث الصَّدقَات.
فَإِن قلت: قد تكلم جمَاعَة فِي عبد الله بن الْمثنى، فَقَالَ الساجى: ضَعِيف مُنكر الحَدِيث، وَقَالَ (د) : لَا أخرج حَدِيثه، وَقَالَ أَبُو سَلمَة: كَانَ ضَعِيفا.
قلت: قد أخرج لَهُ البُخَارِيّ فِي «صَحِيحه» عَلَى وَجه الِاحْتِجَاج بِهِ، وَقَالَ أبوحاتم: صَالح الحَدِيث، وَوَثَّقَهُ غَيره.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي «الْمعرفَة» : وَلَا نعلم من حَملَة الحَدِيث وحفاظهم من استقصى فِي انتقاد (الروَاة) مَا استقصى مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل، مَعَ إِمَامَته، وتقدمه فِي معرفَة الرِّجَال، وَعلل الْأَحَادِيث، ثمَّ (إِنَّه) اعْتمد فِي هَذَا الْبَاب عَلَى هَذَا الحَدِيث، وَهُوَ حَدِيث عبد الله بن الْمثنى، عَن
ثُمَامَة، عَن أنس، وَأخرجه فِي «صَحِيحه» وَذَلِكَ لِكَثْرَة الشواهد لحديثه هَذَا بِالصِّحَّةِ.
قلت: وَقد ذكره البُخَارِيّ مفرقًا فِي كتاب الزَّكَاة، فِي عشرَة مَوَاضِع (مِنْهُ) ، فأجمعه لَك هُنَا ليحال مَا يَقع بعد عَلَيْهِ، فَأَقُول: رَوَاهُ عَن مُحَمَّد [بن عبد الله] بن الْمثنى الْأنْصَارِيّ، حَدثنِي أبي، قَالَ:(حَدثنِي) ثُمَامَة بن عبد الله بن أنس، أَن أنسا حَدثهُ «أَن أَبَا بكر الصّديق رضي الله عنه كتب لَهُ هَذَا الْكتاب لما وَجهه إِلَى الْبَحْرين:
بسم الله الرحمن الرحيم
هَذِه فَرِيضَة الصَّدَقَة، الَّتِي فرض رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمُسلمين، وَالَّتِي أَمر الله رَسُوله صلى الله عليه وسلم بهَا) ، فَمن سئلها (عَلَى وَجههَا من الْمُسلمين) ؛ فليعطها، وَمن سُئِلَ فَوْقهَا؛ فَلَا يُعْط، فِي أَربع وَعشْرين من الْإِبِل فَمَا دونهَا (من الْغنم) فِي كل خمس شَاة، فَإِذا بلغت خمْسا وَعشْرين إِلَى خمس وَثَلَاثِينَ، فَفِيهَا بنت مَخَاض أُنْثَى، فَإِذا بلغت سِتا وَثَلَاثِينَ إِلَى خمس وَأَرْبَعين فَفِيهَا بنت لبون أُنْثَى، فَإِذا بلغت سِتا وَأَرْبَعين إِلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حقَّةُُ طروقةُ الْجمل، فَإِذا بلغت وَاحِدَة وَسِتِّينَ إِلَى خمس وَسبعين، فَفِيهَا جَذَعَة، فَإِذا بلغت، - يعْنى - سِتا وَسبعين إِلَى
تسعين، فَفِيهَا بِنْتا لبون، فَإِذا بلغت إِحْدَى وَتِسْعين إِلَى عشْرين وَمِائَة، فَفِيهَا حقَّتان (طروقتا) الْجمل، فَإِذا زَادَت عَلَى عشْرين وَمِائَة، فَفِي كل أَرْبَعِينَ بنت (لبون) ، وَفِي كل خمسين حقة، وَمن لم يكن (مَعَه) إِلَّا أَربع من الْإِبِل، فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَة، إِلَّا أَن يَشَاء رَبهَا، فَإِذا بلغت خمْسا من الْإِبِل فَفِيهَا شَاة، وَفِي صَدَقَة الْغنم فِي سائمتها، إِذا كَانَت أَرْبَعِينَ إِلَى عشْرين وَمِائَة شَاة، فَإِذا زَادَت (عَلَى) عشْرين و (مائَة إِلَى مِائَتَيْنِ) فَفِيهَا شَاتَان، فَإِذا زَادَت عَلَى مِائَتَيْنِ إِلَى ثَلَاثمِائَة، فَفِيهَا ثَلَاث شِيَاه، فَإِذا زَادَت عَلَى ثَلَاثمِائَة، فَفِي كل مائَة شَاة، فَإِذا كَانَت سَائِمَة الرجل نَاقِصَة من أَرْبَعِينَ شَاة وَاحِدَة فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَة، إِلَّا أَن يَشَاء رَبهَا وَفِي الرقة ربع الْعشْر، فَإِن لم تكن إِلَّا تسعين وَمِائَة، فَلَيْسَ فِيهَا (شي) إِلَّا أَن يَشَاء رَبهَا» .
وَفِي هَذَا الْكتاب: «وَمن بلغت صدقته بنت الْمَخَاض وَلَيْسَت عِنْده، وَعِنْده بنت لبون، فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ، وَيُعْطِيه الْمُصدق عشْرين درهما أَو شَاتين، فَإِن لم يكن (عِنْده) بنت مَخَاض عَلَى وَجههَا، وَعِنْده ابْن لبون، فَإِنَّهُ يقبل مِنْهُ، وَلَيْسَ مَعَه شَيْء، وَمن بلغت عِنْده من الْإِبِل
صَدَقَة الْجَذعَة، وَلَيْسَت عِنْده جَذَعَة وَعِنْده حقة، فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ الحقة، وَيجْعَل مَعهَا شَاتين، إِن استيسرتا لَهُ، أَو عشْرين درهما، وَمن بلغت (عِنْده) صَدَقَة الحقة، وَلَيْسَت عِنْده (الحقة، وَعِنْده الْجَذعَة، فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ الْجَذعَة، وَيُعْطِيه الْمُصدق عشْرين درهما، أَو شَاتين، وَمن بلغت عِنْده صَدَقَة الحقة، وَلَيْسَت عِنْده) إِلَّا بنت لبون، فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ بنت لبون، وَيُعْطَى شَاتين أَو عشْرين درهما، وَمن بلغت صدقته بنت لبون، وَعِنْده حقة، فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ الحقة، وَيُعْطِيه الْمُصدق عشْرين درهما أَو شَاتين، وَمن بلغت صدقته بنت لبون، وَلَيْسَت عِنْده، وَعِنْده بنت مَخَاض، فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ بنت مَخَاض، وَيُعْطَى مَعهَا عشْرين درهما أَو شَاتين وَلَا يخرج فِي الصَّدَقَة هرمة، وَلَا ذَات عوار، وَلَا تَيْس، إِلَّا مَا شَاءَ الْمُصدق، (وَلَا يجمع) بَين متفرق، وَلَا يفرق بَين مجتمعٍ خشيَة الصَّدَقَة، وَمَا كَانَ من خليطين، فَإِنَّهُمَا يتراجعان بَينهمَا بِالسَّوِيَّةِ» هَذَا كُله لفظ البُخَارِيّ، مفرقًا، وَقد رَوَاهُ بِطُولِهِ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» .
قَالَ الشَّافِعِي رحمه الله: هَذَا حَدِيث ثَابت وَبِه نَأْخُذ. وَقَالَ
الْحَاكِم: إِنَّه حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ.
فَائِدَة: فِي الْإِشَارَة إِلَى ضبط أَلْفَاظ وَقعت فِي هَذَا الحَدِيث، وطرف من فَوَائده، وَقد تعرض الرَّافِعِيّ لطرف لطيف مِنْهَا؛ فَذكر الْبَسْمَلَة فِي أَوله يُسْتَدلُّ بِهِ عَلَى ابتدائها فِي (أول) الْكتب كَمَا نبه عَلَيْهِ الْمَاوَرْدِيّ، قَالَ: بِخِلَاف مَا كَانَت عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّة من قَوْلهم (بِاسْمِك) اللَّهُمَّ، (قَالَ) ودلَّ أَيْضا (عَلَى) أَن الِابْتِدَاء بِالْحَمْد لله لَيْسَ بِوَاجِب وَلَا شَرط، وأنّ مَعْنَى الحَدِيث:«كل أمرٍ ذِي بَال لَا يبْدَأ فِيهِ بِحَمْد الله فَهُوَ أَجْزم» أَي: لم يبْدَأ فِيهِ بِحَمْد الله أَو مَعْنَاهُ وَنَحْوه من ذكر الله تَعَالَى.
وَقَوله: «هَذِه فَرِيضَة» بَدَأَ بِإِشَارَة التَّأْنِيث؛ لِأَنَّهُ عطف عَلَيْهِ مؤنثًا، قَالَ الْمَاوَرْدِيّ أَيْضا: وَقَوله «فَرِيضَة» أَي: نُسْخَة فَرِيضَة الصَّدَقَة، فَحذف لَفْظَة «نُسْخَة» وهومن حذف (الْمُضَاف) وَإِقَامَة الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه.
وَقَوله: «هَذِه فَرِيضَة الصَّدَقَة» ، هُوَ تَرْجَمَة الْكتاب فِي عنوانه، كَمَا يكْتب هَذَا مُخْتَصر كَذَا، وَكتاب كَذَا (قَالَه) الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب وَقَوله:«فَرِيضَة الصَّدَقَة» فِيهِ دلَالَة عَلَى أَن اسْم الصَّدَقَة يُطلق عَلَى الزَّكَاة، خلافًا لأبي حنيفَة.
وَقَوله: «وَالَّتِي أَمر بهَا رَسُوله» يَعْنِي قَوْله: (خُذ من أَمْوَالهم) الْآيَة. وَمَعْنى «فرض» : قدر، وَقيل: سنّ، وَقيل: أوجب، والرافعي ذكر الأول والأخير فِي الْكتاب، فعلَى الثَّالِث مَعْنَاهُ: إِن الله أوجبهَا ثمَّ بلغَهَا إِلَيْنَا رَسُوله صلى الله عليه وسلم، فَسَمَّى أمره وتبليغه فرضا، وَعَلَى الثَّانِي مَعْنَاهُ:(شرعها) بِأَمْر الله تَعَالَى. وَعَلَى الأول: (بيَّنها) ؛ كَقَوْلِه تَعَالَى: (قد فرض الله لكم تحَّلة أَيْمَانكُم)، أَو يكون مَعْنَاهُ من قَوْلهم: فرض القَاضِي النَّفَقَة (أَي) قدرهَا.
وَقَوله: «عَلَى الْمُسلمين» فِيهِ دلَالَة لمن يَقُول: إِن الْكَافِر لَيْسَ مُخَاطبا بِالزَّكَاةِ وَسَائِر الْفُرُوع، وَمن قَالَ إِنَّه مُخَاطب بهَا - وَهُوَ الصَّحِيح - قَالَ: مَعْنَى «فرض عَلَى الْمُسلمين» أَن تُؤْخَذ مِنْهُم فِي الدُّنْيَا، وَالْكَافِر لَا تُؤْخَذ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا، وَلَكِن يعذب عَلَيْهَا فِي الْآخِرَة.
وَقَوله: «وَالَّتِي أَمر الله تَعَالَى رَسُوله» ، هَكَذَا هُوَ فِي (رِوَايَة) البُخَارِيّ، وَغَيره، من كتب الحَدِيث الْمَشْهُورَة. وَفِي رِوَايَة الشَّافِعِي الْمَذْكُورَة فِي الْكتاب، وَأبي دَاوُد فِي «سنَنه» :«الَّتِي» بِغَيْر وَاو، وَكِلَاهُمَا صَحِيح. فَأَما رِوَايَة الْجُمْهُور؛ فعطف عَلَى قَوْله «الَّتِي فرض رَسُول الله صلى الله عليه وسلم» ، يَعْنِي أَن فَرِيضَة الصَّدَقَة اجْتمع فِيهَا تَقْدِير رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (وَأمر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم) وَأمر الله تَعَالَى.
وَأما عَلَى الرِّوَايَة الثَّانِيَة؛ فَتكون الْجُمْلَة الثَّانِيَة بَدَلا من الأولَى وَقَوله: «فَمن سُئلها عَلَى وَجههَا؛ فليعطها، وَمن سُئل فَوْقهَا (فَلَا) هُوَ بِضَم السِّين فيهمَا عَلَى مَا لم يسم فَاعله، وبكسر الطَّاء، كَذَا هُوَ مَوْجُود فِي البُخَارِيّ وَغَيره من كتب الحَدِيث الْمُعْتَمدَة.
وَوَقع فِي «الْمُهَذّب» : «فَمن سَأَلَهَا» بِفَتْح السِّين فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وبفتح الطَّاء.
وَمَعْنى «من سَأَلَهَا عَلَى وَجههَا» أَي (عَلَى) حسب مَا شرعت.
وَقَوله: «فَلَا يُعْطه» اخْتلف أَصْحَابنَا فِي الضَّمِير فِي «لَا يُعْطه» عَلَى وَجْهَيْن، أصَحهمَا: أَن مَعْنَاهُ لَا يُعْطي الزَّائِد، بل يُعْطي الْوَاجِب عَلَى وَجهه، وَنَقله الرَّافِعِيّ عَن اتِّفَاق الشَّارِحين.
وَثَانِيهمَا: أَن مَعْنَاهُ لَا يُعْط فرض الزَّكَاة وَلَا شَيْء مِنْهُ، لهَذَا السَّاعِي، بل يخرج الْوَاجِب بِنَفسِهِ، أَو يَدْفَعهُ إِلَى ساعٍ آخر؛ لِأَن السَّاعِي (بِطَلَبِهِ) الزَّائِد عَلَى الْوَاجِب يكون مُتَعَدِّيا فَاسِقًا، وَشرط الساعى أَن يكون أَمينا.
وَقَوله: «فِي أَربع وَعشْرين من الْإِبِل، فَمَا دونهَا الْغنم» هَذِه جملَة من مُبْتَدأ وَخبر، (فالغنم مُبْتَدأ)، «وَفِي أَربع وَعشْرين» خبر مقدم. قَالَ بَعضهم: الْحِكْمَة هُنَا فِي تَقْدِيمه عَلَى الْمُبْتَدَأ: أَن الْمَقْصُود بَيَان النّصاب، وَالزَّكَاة إِنَّمَا تجب بعد وجود النّصاب، فَكَانَ تَقْدِيمه أحسن،
ثمَّ ذكر الْوَاجِب، وَكَذَا اسْتعْمل هَذَا الْمَعْنى فِي كل النصب؛ حَيْثُ قَالَ:«فِيهَا ابْنة مَخَاض» ، «فِيهَا (بنت) لبون» ، «فِيهَا حقة» إِلَى آخِره.
وَقَوله: «فِي أَربع وَعشْرين، فَمَا دونهَا الْغنم» (مُجمل، ثمَّ فسّره بِأَن فِي كل خمس شَاة.
وَقَوله: «فِي أَربع وَعشْرين، فَمَا دونهَا» ) وَقَوله: «إِلَى خمس وَثَلَاثِينَ، إِلَى خمس وَأَرْبَعين، إِلَى سِتِّينَ» كل ذَلِك دَلِيل عَلَى أَن الأوقاص لَيست بِعَفْو، وَأَن الْفَرْض يتَعَلَّق بِالْجَمِيعِ، وَالْمَشْهُور عندنَا خِلَافه.
وَالْإِبِل: بِكَسْر الْبَاء، وَيجوز إسكانها، وَهِي مُؤَنّثَة، وَكَذَلِكَ الْبَقر، وَالْغنم.
وطروقة: بِمَعْنى مطروقة، (كحلوبة وركوبة بِمَعْنى) محلوبة ومركوبة، وَهِي طروقة الْجمل كَمَا سلف. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ «طروقة الْفَحْل» قلت: هُوَ لفظ أبي دَاوُد.
والرقة بِكَسْر الرَّاء وَتَخْفِيف الْقَاف (كل) الْفضة، كَمَا سيأتى وَاضحا، فِي بَاب زَكَاة الْمَعْدن - إِن شَاءَ الله.
وَقَوله: «بنت مَخَاض أُنْثَى» وَكَذَا «ابْن لبون» قيل: إِنَّه احْتِرَاز من الْخُنْثَى، وَالأَصَح أَنه تَأْكِيد لشدَّة الاعتناء؛ كَقَوْلِهِم: رَأَيْت بعيني، وَسمعت بأذني.
والعوار: بِفَتْح الْعين أفْصح من ضمهَا وَأشهر، وَهُوَ الْعَيْب.
وَقَوله: «وَلَا يخرج فِي الصَّدَقَة هرمة، وَلَا ذَات عوار، وَلَا تَيْس إِلَّا مَا شَاءَ الْمُصدق» وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: «إِلَّا أَن يَشَاء الْمُصدق» . فَاخْتلف فِي مَعْنَاهُ؛ فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: «المصّدق» هُنَا بتَشْديد الصَّاد، وَهُوَ ربّ المَال، وَالِاسْتِثْنَاء عَائِد إِلَى «التيس» خَاصَّة، وَمَعْنَاهُ: لَا يخرج هرمة، وَلَا ذَات عيب أبدا، وَلَا يُؤْخَذ التيس إِلَّا برضى الْمَالِك، قَالُوا: ولابد من هَذَا التَّأْوِيل؛ لِأَن الهرمة وذَات الْعَيْب لَا يجوز للْمَالِك إخراجهما، وَلَا لِلْعَامِلِ الرضَى بهَا، وَأما التيس فالمنع من أَخذه لحق الْمَالِك، وَهُوَ كَونه فَحل الْغنم، الْمعد لضرابها، فَإِذا تبرع بِهِ الْمَالِك جَازَ، وَصورته إِذا كَانَت الْغنم كلهَا ذُكُورا (بِأَن) مَاتَت الْإِنَاث وَبقيت الذُّكُور فَيجب فِيهَا ذكر، وَيُؤْخَذ من وَسطهَا، وَلَا يجوز أَخذ تَيْس الْغنم إِلَّا برضى الْمَالِك.
والتأويل الثَّانِي أَن الْمُصدق بِفَتْح الصَّاد المخففة: السّاعي، وَهُوَ الظَّاهِر؛ وَيعود الِاسْتِثْنَاء إِلَى الْجَمِيع، وَهُوَ أَيْضا الْمَعْرُوف (من مَذْهَب الشَّافِعِي) أَن الِاسْتِثْنَاء إِذا تعقب جُملاً عَاد إِلَى جَمِيعهَا، قَالَ النَّوَوِيّ: وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَار، وَقد أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّافِعِي فِي الْبُوَيْطِيّ.
وَقَالَ الْخطابِيّ فِي كِتَابه «تصاحيف الروَاة» : أَخْبرنِي الْحسن