الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي أُخْرَى: «كُنَّا نخرج فِي عهد النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَوْم الْفطر صَاعا من طَعَام» .
وللبخاري: «قَالَ أَبُو سعيد: وَكَانَ طعامنا الشّعير وَالزَّبِيب والأقط وَالتَّمْر» وَفِي أُخْرَى: «كُنَّا نطعم الصَّدَقَة صَاعا من شعير» وَفِي أُخْرَى: «كُنَّا نخرج زَكَاة الْفطر وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِينَا، عَن كل صَغِير وكبير، حر ومملوك، من ثَلَاثَة أَصْنَاف، صَاعا من تمر، صَاعا من أقط، صَاعا من شعير، فَلم نزل نخرجهُ حَتَّى كَانَ مُعَاوِيَة، فَرَأَى أَن مَدين من بر تعدل صَاعا من تمر. قَالَ أَبُو سعيد: أما أَنا فَلَا أَزَال أخرجه كَذَلِك» . وَفِي أُخْرَى: «فَلَا أَزَال أخرجه كَمَا كنت أخرجه مَا عِشْت» . وَلم يذكر البُخَارِيّ الأقط فِيمَا كَانُوا يخرجونه فِي عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (وَلَا) ذكر قَول أبي سعيد: «لَا أَزَال أخرجه» .
الحَدِيث الْعَاشِر
(حَدِيث) أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه فِي الأقط.
هُوَ حَدِيث صَحِيح، وَقد فَرغْنَا مِنْهُ آنِفا.
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَذكر عَن أبي إِسْحَاق أَن الشَّافِعِي (علق)
القَوْل فِي جَوَاز إِخْرَاجه بِصِحَّة الحَدِيث، فَلَمَّا صَحَّ قَالَ بِهِ، وَقَالَ فِي «تذنيبه» عقيب هَذِه القولة بعد أَن أخرجه من رِوَايَة الشَّافِعِي عَن مَالك، والشيخين: لَيْسَ فِي صِحَة الحَدِيث تردد.
قلت: وَأما ابْن حزم فضعفه فِي «محلاه» ، وَقد بيّنت وهمه فِيهِ فِي «تَخْرِيج أَحَادِيث الْوَسِيط» فَرَاجعه مِنْهُ.
تَنْبِيهَانِ: أَحدهمَا: قَالَ الرَّافِعِيّ: فَإِن جَوَّزنَا - يَعْنِي إِخْرَاج الأقط - فقد ذكر فِي الْكتاب أَن اللَّبن و (الْجُبْن) فِي مَعْنَاهُ. وَهَذَا أظهر الْوَجْهَيْنِ، وَفِيه وَجه أَن الْإِخْرَاج مِنْهُمَا لَا يُجزئ؛ لِأَن الْخَبَر لم يرد بهما.
قلت: أما (الْجُبْن) فَهُوَ كَمَا (ذكر) ، وَأما اللَّبن فقد ورد الْخَبَر بِهِ، لكنه ضَعِيف، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أَحْمد بن رشدين، عَن سعيد بن عفير، عَن الْفضل بن الْمُخْتَار، حَدثنِي (عبيد الله) بن موهب، عَن عصمَة بن مَالك، عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم «فِي صَدَقَة الْفطر: مدان من قَمح، أَو صَاع من شعير أَو تمر أَو زبيب، فَمن لم يكن عِنْده أقط وَعِنْده لبن فصاعين من لبن» .
وَالْفضل (هَذَا) قَالَ أَبُو حَاتِم (فِي حَقه) : مَجْهُول يحدث بالأباطيل.
الثَّانِي: قَالَ الرَّافِعِيّ: لَا يُجزئ الدَّقِيق وَلَا السويق وَلَا الْخبز؛ لِأَن النَّص ورد بالحب، فَإِنَّهُ يصلح (لما لَا تصلح) لَهُ هَذِه الْأَشْيَاء، فَوَجَبَ اتِّبَاع مورد النَّص.
قلت: قد ورد النَّص فِي الدَّقِيق (والسويق) ، أما الدَّقِيق فمرويٌّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ، أما حَدِيث ابْن عَبَّاس فَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة، من حَدِيث نصر بن عَلّي، عَن عبد الْأَعْلَى، عَن هِشَام، (عَن) مُحَمَّد بن سِيرِين، عَنهُ قَالَ:«أمرنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن نُؤَدِّي زَكَاة رَمَضَان، صَاعا من طَعَام، عَن الصَّغِير وَالْكَبِير، وَالْحر والمملوك، من أَدَّى سلتًا - وَأَحْسبهُ قَالَ: من أَدَّى دَقِيقًا - قبل مِنْهُ، وَمن أَدَّى سويقًا قبل مِنْهُ» .
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، من حَدِيث (الثَّقَفِيّ) ، عَن هِشَام، وَلَفظه:«أمرنَا أَن نعطي صَدَقَة رَمَضَان، عَن الصَّغِير وَالْكَبِير، وَالْحر والمملوك، صَاعا من طَعَام، من أَدَّى برًّا قبل مِنْهُ، وَمن أَدَّى شَعِيرًا قبل مِنْهُ، وَمن أَدَّى زبيبًا قبل مِنْهُ، وَمن أَدَّى سلتًا قَالَ: قبل مِنْهُ، وَأَحْسبهُ قَالَ: وَمن أَدَّى دَقِيقًا قبل مِنْهُ، وَمن أَدَّى سويقًا قبل مِنْهُ» .
قَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ نصر بن عَلّي فَذكره كَمَا سَاقه ابْن خُزَيْمَة، فَقَالَ: هَذَا حَدِيث مُنكر.
ولعلَّ ابْن خُزَيْمَة اعْتبر عَدَالَة الروَاة، وهم كَذَلِك، وَلم يلْتَفت إِلَى غرابته، نعم هُوَ مُنْقَطع فِيمَا بَين مُحَمَّد بن سِيرِين وَابْن عَبَّاس.
قَالَ أَحْمد: لم يسمع مِنْهُ، كلهَا يَقُول: نبئت عَن ابْن عَبَّاس. وَقَالَ خَالِد الْحذاء: كل شَيْء يَقُول: نبئت عَن ابْن عَبَّاس إِنَّمَا سَمعه من عِكْرِمَة أَيَّام الْمُخْتَار. قيل: وَذَلِكَ فِي حَيَاة ابْن عَبَّاس.
قلت: وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة مَوْقُوفا عَلَى ابْن عَبَّاس أَيْضا، رَوَاهُ من حَدِيث عبد الْوَهَّاب، نَا أَيُّوب، عَن مُحَمَّد، عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يَقُول:«صَدَقَة رَمَضَان صَاعا من طَعَام من جَاءَ ببرٍّ قُبِل مِنْهُ، وَمن جَاءَ بشعير قبل مِنْهُ، وَمن جَاءَ بِتَمْر قبل (مِنْهُ) ، وَمن جَاءَ بسلتٍ قبل مِنْهُ، وَمن جَاءَ بزبيب قبل مِنْهُ، وَأَحْسبهُ قَالَ: وَمن جَاءَ بسويق أَو دَقِيق قبل مِنْهُ» .
وَأما حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، من حَدِيث
ابْن عجلَان، عَن عِيَاض، عَنهُ:«لَا أخرج أبدا إِلَّا صَاعا، إنَّا كُنَّا نخرج عَلَى عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم صَاع تمر أَو شعير أَو أقط أَو زبيب» : زَاد (سُفْيَان) فِيهِ: «أَو صَاع من دَقِيق» . قَالَ حَامِد بن يَحْيَى: فأنكروا عَلَيْهِ فَتَركه سُفْيَان.
قَالَ أَبُو دَاوُد: فَهَذِهِ الزِّيَادَة وهم من ابْن عُيَيْنَة. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَا أعلم أحدا قَالَ فِي هَذَا الحَدِيث «دَقِيق» غير ابْن عُيَيْنَة، وَلَفظ النَّسَائِيّ فِيهِ:«أَو صَاعا من سلت» . قَالَ: ثمَّ شكّ سُفْيَان فَقَالَ: دَقِيق أَو سلت.
وَأما السويق فمرويٌّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس كَمَا عَلمته.
تَنْبِيه ثَالِث: رَوَى أَبُو دَاوُد مُعَلّقا، وَالدَّارَقُطْنِيّ مُتَّصِلا، (من) حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ:«أَو صَاعا من حِنْطَة» . قَالَ أَبُو دَاوُد: وَلَيْسَ بِمَحْفُوظ. وَخَالف الْحَاكِم فَقَالَ: صَحِيح. وأخرجها ابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» ، وَقَالَ: ذكر الْحِنْطَة غير مَحْفُوظ وَلَا أَدْرِي مِمَّن الْوَهم. وأخرجها ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» بِسَنَد ابْن خُزَيْمَة، ثمَّ قَالَ: فِيهِ بَيَان أَن قَول أبي سعيد فِي الحَدِيث (الآخر) : «صَاعا من طَعَام» أَرَادَ: صَاع حِنْطَة.
وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «نصف صَاع من بر» ثمَّ قَالَ: وَهُوَ وهم. وللحاكم فِي «مُسْتَدْركه» من حَدِيث عبد الْعَزِيز بن أبي رواد، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ:«كَانَ النَّاس يخرجُون [صَدَقَة الْفطر] عَلَى عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم صَاعا من تمر، أَو صَاعا من شعير، أَو سلت، أَو زبيب» . ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح، وَعبد الْعَزِيز ثِقَة عَابِد. وَخَالفهُ ابْن عبد الْبر فِي تَصْحِيحه.
وَلابْن خُزَيْمَة فِي «صَحِيحه» من حَدِيث عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم، عَن مُوسَى بن عقبَة، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا:«صَدَقَة الْفطر صَاعا من شعير، أَو صَاعا من تمر، أَو صَاعا من سلت» .
خَاتِمَة: اسْتدلَّ الرَّافِعِيّ رحمه الله عَلَى أَن الصَّاع خَمْسَة أَرْطَال وَثلث فَقَط بِنَقْل أهل الْمَدِينَة خلفا عَن سلف، ثمَّ قَالَ: ولمالك مَعَ أبي يُوسُف - رحمهمَا الله - فِيهِ قصَّة مَشْهُورَة. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقد أخرجهَا الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» من حَدِيث أبي أَحْمد (بن) مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب، قَالَ: سَمِعت أبي يَقُول: سَأَلَ أَبُو يُوسُف مَالِكًا عِنْد أَمِير الْمُؤمنِينَ عَن الصَّاع كم هُوَ رطلا؟ قَالَ: السّنة عندنَا أَن الصَّاع لَا يُرطَل. ففحمه.
قَالَ أَبُو أَحْمد: سَمِعت الْحُسَيْن بن الْوَلِيد يَقُول: (قَالَ أَبُو
يُوسُف) : فَقدمت الْمَدِينَة فجمعنا (أَبنَاء) أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ودعوت بصاعاتهم، فَكل (حَدثنِي) عَن آبَائِهِم، عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن هَذَا (صاعه فقدرتها) فَوَجَدتهَا مستوية، فَتركت قَول أبي حنيفَة وَرجعت إِلَى هَذَا.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ أَيْضا بِإِسْنَادِهِ إِلَى الْحُسَيْن بن الْوَلِيد قَالَ: قدم علينا أَبُو يُوسُف من الْحَج، فأتيناه، فَقَالَ: إِنِّي أُرِيد أَن أفتح عَلَيْكُم بَابا من الْعلم همني ففحصت (عَنهُ) ، فَقدمت الْمَدِينَة، فَسَأَلت عَن الصَّاع فَقَالُوا:[صاعنا] هَذَا صَاع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. قلت لَهُم: مَا حجتكم فِي ذَلِك؟ فَقَالُوا: نَأْتِيك بِالْحجَّةِ غَدا. فَلَمَّا أَصبَحت أَتَانِي نَحْو من خمسين شَيخا من أَبنَاء الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، مَعَ كل رجل مِنْهُم الصَّاع تَحت رِدَائه، كل رجل مِنْهُم يخبر عَن أَبِيه أَو أهل بَيته أَن هَذَا صَاع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فَنَظَرت فَإِذا هِيَ سَوَاء، قَالَ: فَعَيَّرْته فَإِذا هُوَ خَمْسَة أَرْطَال وَثلث، ينقصان مَعَه يَسِيرا، فَرَأَيْت أمرا قويًّا فقد تركت قَول أبي حنيفَة فِي الصَّاع، وَأخذت بقول أهل الْمَدِينَة.
قَالَ الْحُسَيْن: فحججت من عَامي ذَلِك فَلَقِيت مَالك بن أنس فَسَأَلته عَن الصَّاع، فَقَالَ: صاعنا هَذَا صَاع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. فَقلت: كم رطلا (هُوَ) ؟ قَالَ: إِن الْمِكْيَال لَا يرطل، هُوَ هَذَا.
قَالَ الْحُسَيْن: فَلَقِيت عبد الله بن زيد بن أسلم فَقَالَ: حَدثنِي أبي، عَن جدي، أَن هَذَا صَاع عمر رضي الله عنه.
وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ فِي مَعْنَاهُ أَيْضا من حَدِيث إِسْحَاق بن سُلَيْمَان، ورد مَالك عَلَى أبي حنيفَة فِي قَوْله.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» : فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة «أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قيل لَهُ: إِن صاعنا أَصْغَر الصيعان، فَدَعَا لَهُم بِالْبركَةِ» .
بَيَان وَاضح أَن صَاع الْمَدِينَة أَصْغَر الصيعان، وَلم يخْتَلف أهل الْعلم من لدن الصَّحَابَة إِلَى يَوْمنَا هَذَا فِي الصَّاع وَقدره، إِلَّا مَا قَالَه الحجازيون من أَنه خَمْسَة أَرْطَال وَثلث، والعراقيون من أَنه ثَمَانِيَة، (فَكَمَا) لم نجد بَين أهل الْعلم خلافًا فِي قدر الصَّاع إِلَّا مَا وَصفنَا، صَحَّ أَن صَاع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خَمْسَة أَرْطَال وَثلث، إِذْ هُوَ أَصْغَر الصيعان، وَبَطل قَول من زعم أَن الصَّاع ثَمَانِيَة أَرْطَال من غير دَلِيل يثبت لَهُ عَلَى صِحَّته.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم: وجدنَا أهل الْمَدِينَة لَا يخْتَلف مِنْهُم اثْنَان فِي أَن مُدَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الَّذِي يُؤدى بِهِ الصَّدقَات لَيْسَ أَكثر من رَطْل وَنصف وَلَا أقل من رَطْل وَربع. وَقَالَ بَعضهم: رَطْل وَثلث، وَلَيْسَ هَذَا اخْتِلَافا وَلكنه عَلَى حسب (رزانة) الْمكيل من التَّمْر وَالْبر وَالشعِير.
وَصَاع ابْن أبي ذِئْب خَمْسَة أَرْطَال وَثلث، [قَالَ أَبُو دَاوُد:] وَهُوَ صَاع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم.