الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ النَّوَوِيّ فِي «تهذيبه» بعد أَن حَكَاهُ عَنهُ: غير مَقْبُول مِنْهُ. وَتبع الْمُنْذِرِيّ فِي «حَوَاشِيه» صَاحب (الْمطَالع) وَأفَاد أَنَّهَا سميت بعسفان لعسف السُّيُول (بهَا) .
الحَدِيث الرَّابِع
«صلَاته عليه السلام بِذَات الرّقاع» رَوَاهُ مَالك عَن يزِيد بن رُومَان، عَن صَالح بن خَوات بن جُبَير، عَمَّن صَلَّى مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَوْم ذَات الرّقاع.
وَرَوَاهَا أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن صَالح، عَن سهل بن أبي (حثْمَة) ، عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. وَرَوَاهَا ابْن عمر رضي الله عنه.
هَذَا آخر مَا ذكره الرَّافِعِيّ، وَهُوَ كَمَا قَالَ.
أما حَدِيث صَالح فمتفق عَلَيْهِ من حَدِيث عَمَّن صَلَّى مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَوْم ذَات الرّقاع صَلَاة الْخَوْف «أَن طَائِفَة (صفت) مَعَه وَطَائِفَة وجاه الْعَدو، فَصَلى بالذين مَعَه رَكْعَة، ثمَّ ثَبت قَائِما وَأَتمُّوا لأَنْفُسِهِمْ، ثمَّ انصرفوا (وصفوا) وجاه الْعَدو، وَجَاءَت الطَّائِفَة الْأُخْرَى فَصَلى الرَّكْعَة الَّتِي بقيت، ثمَّ ثَبت جَالِسا وَأَتمُّوا لأَنْفُسِهِمْ، ثمَّ سلم بهم» .
وَرَوَاهُ مَالك بلفظين:
أَحدهمَا هَذَا.
وَثَانِيهمَا: عَن صَالح أَن سهل بن أبي حثْمَة حَدثهُ «أَن صَلَاة الْخَوْف أَن يقوم الإِمَام وَمَعَهُ طَائِفَة من أَصْحَابه وَطَائِفَة مُوَاجهَة الْعَدو، فيركع الإِمَام رَكْعَة، وَيسْجد بالذين مَعَه، ثمَّ يقوم، فَإِذا اسْتَوَى قَائِما ثَبت وَأَتمُّوا لأَنْفُسِهِمْ الرَّكْعَة الْبَاقِيَة، ثمَّ يسلمُونَ وينصرفون، وَالْإِمَام قَائِم، فيكونون وجاه الْعَدو، ثمَّ يقبل الْآخرُونَ الَّذين لم (يسلمُوا) فيكبرون وَرَاء الإِمَام، فيركع بهم وَيسْجد ثمَّ يسلم، فَيقومُونَ فيركعون لأَنْفُسِهِمْ الرَّكْعَة (الثَّانِيَة) ثمَّ يسلمُونَ» .
وَأما رِوَايَة أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ لَهُ، عَن صَالح، عَن سهل بن أبي حثْمَة، عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. فَصَحِيح كَمَا عزاهُ الرَّافِعِيّ إِلَيْهِمَا.
قَالَ عبد الْحق: وَمُرَاد صَالح بن خَوات بِمن صَلَّى مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم هُوَ سهل بن أبي حثْمَة.
وَتوقف ابْن الْقطَّان فِي ذَلِك؛ لِأَن ذَات الرّقاع كَانَت بعد بني النَّضِير فِي صدر السّنة الرَّابِعَة من الْهِجْرَة، وَسَهل توفّي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ابْن ثَمَان سِنِين. قَالَه جماعات. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم إِنَّه بَايع تَحت الشَّجَرَة وَشهد الْمشَاهد كلهَا إِلَّا بَدْرًا، وَكَانَ دَلِيل النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَا يَصح؛ إِنَّمَا كَانَ الدَّلِيل أَبوهُ عَامر بن سَاعِدَة، وَهُوَ الَّذِي بَعثه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم -
خارصًا، وَأَبُو بكر وَعمر بعده. وَتُوفِّي فِي خلَافَة مُعَاوِيَة؛ فسهل كَانَ سنه فِي زمن ذَات الرّقاع سنتَيْن أَو نَحْوهَا. ثمَّ أوضح ذَلِك بدلائله.
وَأما حَدِيث ابْن عمر رضي الله عنهما فمتفقٌ عَلَيْهِ من حَدِيثه، قَالَ: «صَلَّى) رَسُول الله صلى الله عليه وسلم صَلَاة الْخَوْف بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَة، والطائفة الْأُخْرَى مُوَاجهَة الْعَدو، ثمَّ انصرفوا، وَقَامُوا فِي مقَام أَصْحَابهم مُقْبِلين عَلَى الْعَدو، وَجَاء أُولَئِكَ، ثمَّ صَلَّى بهم النَّبِي صلى الله عليه وسلم، ثمَّ سلم (بهم) النَّبِي صلى الله عليه وسلم، ثمَّ قَضَى هَؤُلَاءِ رَكْعَة وَهَؤُلَاء رَكْعَة) .
وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي «صَحِيحه» من حَدِيث عَائِشَة.
(فَائِدَة: خوَّات - بخاء مُعْجمَة مَفْتُوحَة ثمَّ وَاو مُشَدّدَة، ثمَّ مثناة فَوق - وَهُوَ فِي اللُّغَة: الرجل الجريء. كَمَا قَالَه الْجَوْهَرِي. وحثمة بمثلثة بعد الْمُهْملَة، والحثمة هِيَ الأكمة الْحَمْرَاء، وَبهَا سميت الْمَرْأَة حثْمَة. قَالَه الْجَوْهَرِي. قَالَ: وَتقول حثمْتُ بِمَعْنى أَعْطَيْت، وَبِمَعْنى دلكت) .
فَائِدَة: - ذَات الرّقاع بِكَسْر الرَّاء -: مَوضِع قبل نجد من أَرض غطفان، وَاخْتلف فِي سَبَب تَسْمِيَتهَا بذلك عَلَى أَقْوَال، أَصَحهَا كَمَا قَالَه
أَبُو عبيد الْبكْرِيّ وَالنَّوَوِيّ مَا ثَبت فِي «الصَّحِيحَيْنِ» ، عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَنه قَالَ فِيهَا: (نقبت أقدامنا فَكُنَّا نلف عَلَى أَرْجُلنَا الخِرق؛ فسميت غَزْوَة ذَات الرّقاع؛ لما كُنَّا نعصب عَلَى أَرْجُلنَا من الْخرق» .
ونقبت - بِفَتْح النُّون، وَضمّهَا - أَي: تقرحت وتقطعت جلودها. (وَعبارَة الرَّافِعِيّ، قيل: كَانَ الْقِتَال فِي سفح جبل فِيهِ جدد بيض وحمر كالرقاع. انْتَهَى.
وسفح الْجَبَل: أَسْفَله، حَيْثُ يسفح فِيهِ المَاء، أَي يُراق.
والجُدد: الطّرق، جمع جُدد، بِضَم الْجِيم فيهمَا، فالجبل الْمَذْكُور كَانَت فِيهِ طرائق تخَالف لون الْجَبَل) .
وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ فِي كَلَامه عَلَى «الْمُهَذّب» : الْأَصَح أَنه اسْم مَوضِع؛ لقَوْله فِي «صَحِيح مُسلم» : «حَتَّى إِذا كُنَّا بِذَات الرّقاع» . وَهَذَا يدل عَلَى أَنه مَوضِع، قَالَ: وَذَات الرّقاع، قيل: إِنَّه اسْم شَجَرَة هُنَاكَ سميت بِهِ الْغَزْوَة، وَقيل:(إِنَّه) اسْم جبل هُنَالك بِنَجْد من أَرض غطفان فِيهِ بَيَاض وَحُمرَة وَسَوَاد يُقَال لَهَا الرّقاع، فسميت الْغَزْوَة بِهِ. وَيحْتَمل أَن هَذِه الْأُمُور كلهَا وجدت فِيهَا. وَجمع أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي «أَمَالِيهِ» أقوالاً فِي اسْمهَا، فَقَالَ: قَالَ بعض أهل الْعلم: التقَى الْقَوْم فِي أَسْفَل أكمة ذَات ألوان، فَهِيَ ذَات الرّقاع. وَقَالَ ابْن (جرير) : ذَات الرّقاع من نخل.
قَالَ: و (الْجَبَل) الَّذِي سميت بِهِ ذَات الرّقاع، هُوَ جبل فِيهِ بَيَاض وَسَوَاد.
قَالَ ابْن إِسْحَاق: وَيُقَال: ذَات الرّقاع لشَجَرَة بذلك الْموضع. وَقيل: بل تقطعت راياتهم فرقعت، فَلذَلِك سميت ذَات الرّقاع. قَالَ غَيره: وَقيل: بل كَانَت راياتهم ملونة الرّقاع.
وَكَانَت غَزْوَة ذَات الرّقاع سنة أَربع من الْهِجْرَة. وَذكر البُخَارِيّ أَنَّهَا بعد خَيْبَر؛ لِأَن أَبَا مُوسَى (الْأَشْعَرِيّ) جَاءَ بعد خَيْبَر.
فَائِدَة (ثَالِثَة) : جَاءَت صَلَاة الْخَوْف عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَلَى سِتَّة عشر نوعا، وَهِي مفصلة فِي «صَحِيح مُسلم» ، ومعظمها فِي «سنَن أبي دَاوُد» وَاخْتَارَ الشَّافِعِي رحمه الله فِيهَا هَذِه الْأَنْوَاع الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة، أَعنِي: صلَاته بِبَطن نخل، وبذات الرّقاع، وبعسفان، وَذكر الْحَاكِم فِي «مُسْتَدْركه» مِنْهَا ثَمَانِيَة أَنْوَاع، وَابْن حبَان فِي «صَحِيحه» مِنْهَا تِسْعَة، ثمَّ قَالَ: هَذِه الْأَخْبَار لَيْسَ بَينهَا تضَاد وَلَا تهاتر، وَلَكِن الْمُصْطَفَى (صَلَّى صَلَاة الْخَوْف مرَارًا فِي أَحْوَال مُخْتَلفَة بأنواع متباينة عَلَى حسب مَا ذَكرنَاهَا، أَرَادَ بِهِ عليه السلام تَعْلِيم أمته صَلَاة الْخَوْف، أَنه مُبَاح لَهُم أَن يصلوها أَي نوع من الْأَنْوَاع التِّسْعَة (الَّتِي صلاهَا فِي الْخَوْف عَلَى حسب الْحَاجة إِلَيْهَا، والمرء مُبَاح لَهُ أَن يُصَلِّي مَا شَاءَ) عِنْد الْخَوْف من هَذِه الْأَنْوَاع الَّتِي ذَكرنَاهَا، إِذْ هِيَ من الِاخْتِلَاف الْمُبَاح من غير أَن يكون بَينهَا تضَاد وَلَا تهاتر.