الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحَدِيث الثَّامِن
رُوِيَ أنَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: « (تسلفت) من الْعَبَّاس صَدَقَة عَاميْنِ) .
هَذَا الحَدِيث مرويٌّ من طرق؛ إِحْدَاهَا: من حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «إِن عَم الرجل صنو أَبِيه، وَإِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم تعجل صَدَقَة الْعَبَّاس عَاميْنِ فِي عَام» .
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «أكبر معاجمه» ، من حَدِيث ابْن ذكْوَان، عَن مَنْصُور، عَن إِبْرَاهِيم، عَن عَلْقَمَة، عَن عبد الله (بِهِ) .
وَمُحَمّد بن ذكْوَان هَذَا قَالَ البُخَارِيّ فِي حَقه: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِثِقَة. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: ضَعِيف كثير الْخَطَأ. وَوَثَّقَهُ ابْن معِين وَابْن حبَان فِي «ثقاته» .
ثَانِيهَا: من حَدِيث مُوسَى بن طَلْحَة، عَن طَلْحَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ:«يَا عمر، أما علمت أَن عَم الرجل صنو أَبِيه، إنَّا كُنَّا احتجنا إِلَى مَال فتعجلنا من الْعَبَّاس صَدَقَة مَاله لِسنتَيْنِ» .
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» ، من حَدِيث وليد بن حَمَّاد، عَن
الْحسن بن زِيَاد، عَن الْحسن بن عمَارَة، عَن الحكم، (عَن) مُوسَى بِهِ.
وَهَذَا إِسْنَاد ضَعِيف، الْحسن (بن) زِيَاد كَذَّاب، قَالَه غير واحدٍ، وَالْحسن بن عمَارَة أحد الهلكى. قَالَ السَّاجِي: أَجمعُوا عَلَى ترك حَدِيثه. وَأغْرب الْبَزَّار فَقَالَ فِي «مُسْنده» فِي هَذَا الحَدِيث: سكت أهل الْعلم عَن حَدِيثه.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: اخْتلفُوا فِي هَذَا الحَدِيث عَلَى الحكم فِي إِسْنَاده، وَالصَّحِيح عَن الْحسن بن مُسلم مُرْسل.
ثَالِثهَا: من حَدِيث الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس؛ قَالَ: بعث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عمر ساعيًا، قَالَ: فَأَتَى الْعَبَّاس يطْلب صَدَقَة مَاله، قَالَ: فَأَغْلَظ لَهُ الْعَبَّاس (القَوْل) ، فَخرج إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَأخْبرهُ، (فَقَالَ) رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: إِن الْعَبَّاس قد أسلفنا زَكَاة مَاله الْعَام وَالْعَام الْمقبل» .
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي «سنَنه» أَيْضا كَذَلِك، وَإِسْنَاده أَيْضا ضَعِيف، فِيهِ مُحَمَّد بن عبيد الله الْعَرْزَمِي وَقد تَرَكُوهُ.
رَابِعهَا: من حَدِيث الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا «أَنه عليه السلام بعث عمر عَلَى الصَّدَقَة، فَرجع (وَهُوَ) يشكو الْعَبَّاس، فَقَالَ: إِنَّه
مَنَعَنِي صدقته. فَقَالَ عليه السلام: يَا عمر، أما علمت أَن عمّ الرجل صِنْو أَبِيه، إِن الْعَبَّاس أسلفنا صَدَقَة عَاميْنِ فِي عَام» .
وَإِسْنَاده أَيْضا ضَعِيف؛ لأجل منْدَل بن عَلّي رَاوِيه عَن الحكم، وَقد ضعفه أَحْمد وَالدَّارَقُطْنِيّ.
خَامِسهَا: من حَدِيث أبي البخْترِي، عَن عَلّي رضي الله عنه؛ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِنَّا كُنَّا احتجنا فأسلفنا الْعَبَّاس صَدَقَة عَاميْنِ» .
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي «سنَنه» ، ثمَّ قَالَ: فِيهِ إرْسَال بَين أبي البخترى وَعلي.
قلت: لِأَنَّهُ لم يُدْرِكهُ كَمَا نصَّ عَلَيْهِ شُعْبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَغَيرهم. وَاحْتج الْبَيْهَقِيّ للتعجيل بِحَدِيث أبي هُرَيْرَة الثَّابِت فِي «الصَّحِيحَيْنِ» أَنه عليه السلام قَالَ: «وَأما الْعَبَّاس فَهِيَ عليَّ وَمثلهَا مَعهَا
…
»
الحَدِيث بِطُولِهِ.
(قَالَ) الْبَيْهَقِيّ: حملُوا هَذَا الحَدِيث عَلَى أَنه عليه السلام كَانَ أخر عَنهُ الصَّدَقَة (عَاميْنِ) من حَاجَة (بِالْعَبَّاسِ) إِلَيْهَا، وَالَّذِي رَوَاهُ وَرْقَاء عَلَى أَنه تسلف مِنْهُ صَدَقَة عَاميْنِ. قَالَ: وَفِي كل ذَلِك دَلِيل عَلَى جَوَاز تَعْجِيل الصَّدَقَة. أما حَدِيث شُعَيْب بن أبي حَمْزَة الَّذِي قَالَ فِيهِ: «فَهِيَ (عَلّي) صَدَقَة وَمثلهَا مَعهَا» فَإِنَّهُ يبعد من أَن يكون مَحْفُوظًا، (لِأَن) الْعَبَّاس كَانَ (رجلا) من (صلبية) بني هَاشم تحرم عَلَيْهِ الصَّدَقَة، فَكيف يَجْعَل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا عَلَيْهِ من صَدَقَة عَاميْنِ صَدَقَة عَلَيْهِ؟ قَالَ: وَرَوَاهُ مُوسَى بن عقبَة، عَن أبي الزِّنَاد؛ فَقَالَ فِي الحَدِيث:«فَهِيَ لَهُ وَمثلهَا مَعهَا» وَقد يُقَال: «لَهُ» بِمَعْنى «عَلَيْهِ» ، فروايته مَحْمُولَة عَلَى سَائِر الرِّوَايَات، وَقد يكون المُرَاد بقوله «فَهِيَ عَلَيْهِ» : أَي عَلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم. فَيكون مُوَافقا لرِوَايَة وَرْقَاء، وَرِوَايَة وَرْقَاء أولَى بِالصِّحَّةِ؛ لموافقتها الرِّوَايَات الصَّحِيحَة بالاستسلاف والتعجيل. قَالَ: وَقد رَوَى الشَّافِعِي عَن مَالك عَن نَافِع «أَن عبد الله بن عمر كَانَ يبْعَث زَكَاة الْفطر إِلَى الذى